قصة: رنين المنبه بقلم:عبد الله الكرضة°

عبد الله الكرضة

عبد الله الكرضة

فاس:”تاونات نت”/تركها مجتمعة بأبنائها في قاعة الجلوس، يحتضن بعضهم الآخر طمعا في مزيد من الدفء، يشاهدون التلفاز، يتكئ  كل واحد منهم على الآخر، لم تسمح لهم شدة البرد القارس بالانفراد عن بعضهم. الأم تسند ظهرها إلى الحائط والأبناء يتوسد الواحد منهم الآخر حولها. انصرف إلى النوم بكل إحساس بالمسؤولية، بعد أن أوصاها قائلا: لا تنسي ما أوصيك به، قبل أن تلجي فراشي قومي بواجبك كما تفعلين كل ليلة.

استشكل الأمر في ذهن الابن الأصغر، ولم يفهم ما عناه أبوه بكلامه، رفع رأسه عن حضنها متسائلا: ماذا قال لك أبي يا أمي ؟ ماذا يعني بكلامه ؟

ابتسمت مطمئنة إياه: لا شيء بني؛ تعاهدنا أنا وأبوك منذ زواجنا، أن أقوم بشيء قبل النوم، مقابل أن يلبي لي بعض حاجاتي.

لم يفهم الابن من كلام أمه شيئا، استدار ناحية أخته التي تكبره، معيدا عليها نفس السؤال؛ لكن الأخت لم تستجب بسرعة استجابة الأم؛ بل تابعت مشاهدتها التلفاز حتى أعاد عليها السؤال ثانية، فأجابته:

ـ أيها الغبي إنها تضبط له المنبه كي يقوم لصلاة الفجر.

كانت الأم منهمكة في القيام بالعمل المشروط عليها، حينما سألها الابن، فهي واعية بمسؤوليتها وما يمكن أن يترتب عن تهاونها من العقاب إن هي نسيت ضبط المنبه.  انصرفت عنهم هي الأخرى بعدما تأكدت من ضبط المنبه، وفي طريقها إلى غرفة النوم، سمعت طَرْقا على الباب خارج المنزل؛ فتحت لتنظر من الطارق، كانت الطارقة امرأة متسولة تطلب عشاء وبعض الألبسة لأبنائها المتضررين من موجة البرد القارس. لم يكن بمقدورها الجرأة على إعطاء شيء للمتسولة دون إخبار زوجها الحاج حُسَين، ولا تقديم يد العون إلا بمشورته. دخلت كعادتها لتستشيره في قضية المتسولة الطالبة يد العون لها ولأبنائها. كانت سعيدة، لكونها إلى جانب حرصها على الوفاء بالعهد مع زوجها في المنزل، ستقدّم مساعدة إنسانية لامرأة حرمت لسبب أو لآخر من نعمة الاستقرار و من دفء فراش الزوجية كباقي النساء. لم يوافق الحاج حسين على تقديم المساعدة، فخاب ظن زوجته وظن المرأة المتسولة، قال لها  إنه على كل تحمل مسؤوليته، ومواجهة ما يصيبه؛ وبأنه غير مسؤول عن المتسولة ولا عن غيرها. قال لها ذلك وهو يستعد للنوم في غرفته، وكذلك كان الحال، إلى أن رنَّ الهاتف فجرا. قام من فراشه وأشعل الأضواء وجال في المنزل كعادته دون إيقاظ أحد، قام بإطلالة من النافذة نحو الخارج فلم يظهر له دبيب أحد ولا أضواء الجيران مشتعلة،  قال في نفسه: لا أعتقد أن يكونا سي علي والحاج عمر قد سبقاني إلى المسجد..! أيمكن أن لا يكونا قد ضبطا المنبه أو لم يسمعا المؤذن ؟ إني لم أعهد غرفتيهما مظلمتين في هذا الوقت، فصلاة الفجر قد حانت، وهما لا يزالان نائمين؟.

 ذكر ذلك في نفسه، مبتسما ابتسامة المستهزئ من الغافل عن القيام بواجبه الديني. جال في خاطره أن شيئا ما غير معهود قد حصل مع جاريه، فهما لم يسبق لهما التأخر عن أداء الصلاة في وقتها..! غادر المنزل إلى المسجد بعد أن توضأ وتعطّر وارتدى معطفه ممسكا بالثلاث والثلاثين حلقة منظومة في حبل. كان البرد قارسا والثلج يغطي الأرض بياضا، فلم ينفعه معطفه السميك ولا غيره من الألبسة المضادة للبرد، رغم أنه بذل لمواجهته ما يمكنه بذله.

         أطلق العنان لبصره بين أركان المسجد، بحثا عن جاريه، فلم يجد لهما أثرا يذكر. إن أمرا غير عادي قد حصل هذا الصباح مع جاريه، رغم أنه أحسّ بالتفوق، والتميز عليهما؛ لأنهما لم يستطيعا التغلب على موجة البرد القارس ويأتيا لصلاة الفجر. لم يهدأ له بال حتى يعرف سبب عدم حضورهما لصلاة الفجر. عاد إلى منزله حائرا، منشغلا، إلى أن حانت صلاة الظهر، فاجتهد كعادته في الالتحاق بالمصلين قبل إقامة الصلاة.

لقد وجدهما يتقدمان الصفوف، كان سي علي الرجل الفقير بين جيرانه، لم يتجاوز الستين من عمره، في حين كان الحاج عمر ذي المال والبنين، قد تجاوزها إلى الخمس والستين سنة. أما الحاج حُسين فلا يصغر الحاج عمر إلا عاما واحدا، لقد تزاملا وقتا ليس بالقصير أيام شبابهما وأيام دراستهما بالجامعة، رغم كون الأول يمتاز بحب الذات، والإعجاب بالنفس حدّ شعوره بالرصانة والانضباط، إلا أن الثاني امتاز بالحِلم، والصّبر، واحتسابه الأجر عند الله.

 سألهما في عجل بعد فراغهما من الصلاة، عن سبب تأخرهما عن صلاة الفجر، لم يكن يدري أن غضبهما قد فاق التوقعات، وأن كل ما حصل لهما كان بسببه، فردّا عليه قائلان:

ـ البارحة ليلا وجدنا أَمَةً ملقاة قرب منزلك، وقد اشتد بها البرد والجوع وانتصرا عليها، فلم تستطع الحِراك وبقيت جامدة هنالك تئن أنين العصفور المحتضر في قفص الموت، وقد غطتها الثلوج كاملة، حتى خيل إلينا أنها مخلوق ثلجي نزل من السماء إلى الأرض، فقمنا بحملها إلى المستشفى قبل أن يتمكن منها هادم اللذات، وهذا ما جعلنا لا نحضر الصلاة معكم، ولا الاستمتاع بدفء فراشنا كما استمتعت بدفء فراشك.

         أحس الحاج حسين بخجل شديد مما سمع من جاريه، ولم يقو على الصبر دون أن يسرع إلى المستشفى لإنقاذ المتسولة التي طرقت باب منزله ليلا، فلم تتركه العبارة  التي سمعها منهما أن يغادر المسجد، “لا تتعب نفسك بالذهاب إليها لقد رنّ فجرا منبه وفاتها”.

°:طالب من إقليم تاونات

عن الكاتب

صحفي

تاونات جريدة إلكترونية إخبارية شاملة مستقلة تهتم بالشأن المحلي بإقليم تاونات وبأخبار بنات وأبناء الأقليم في جميع المجالات داخل الوطن وخارجه.

عدد المقالات : 7156

اكتب تعليق

لابد من تسجيل الدخول لكتابة تعليق.

جميع الحقوق محفوظة لموقع تاونات.نت - استضافة مارومانيا

الصعود لأعلى