خطاب 29 يوليوز: دعوة للإصلاح أم العلاج بالصدمة؟‎

جلالة الملك محمد السادس

جلالة الملك محمد السادس

إدريس بوزغيبة:”تاونات.نت”/ حضي خطاب العرش لسنة 2017 باهتمام خاص من طرف المتتبعين والمهتمين وعموم المواطنين بمختلف أصنافهم وخلفياتهم الاجتماعية والسياسية والمذهبية   .
ودون الخوض في مضامين الخطاب ورهاناته المعلنة والمبطنة وتقييمه لأسباب تردي الحياة السياسية ببلادنا والذي تتحمل الدولة العميقة النصيب الاوفر فيه منذ بداية الاستقلال وإلى الان، فإن هذا الاهتمام يرجع لعدة اعتبارات، منها ما يرجع لطبيعة الخطاب نفسه ونسقه ولغته ومنها ما يرجع الى السياقات الوطنية والمحلية المؤطرة له والتي جعلت منه حدثا وطنيا غير مسبوق يؤسس لمرحلة جديدة لما يصطلح عليه سياسيا بالعهد الجديد. الخوف كل الخوف أن يتم اتخاذها غطاء   لشرعنة الملكية التنفيذية وتبرير جدواها عوض التفكير في تطوير  النظام السياسي عبر التحضير لإدخال جيل جديد من الإصلاحات الدستورية تهم طبيعة النظام  وتؤسس لدولة حديثة وحياة سياسية سليمة وأنماط تدبيرية ناجعة وحازمة .فما هي هذه السياقات وما هي مميزات الخطاب وما هو أفق انتظار المواطنين وشرفاء الوطن ؟
1-   فبالنسبة للسياق الوطني فقد تميز خلال السنوات الأخيرة بارتفاع منسوب الاحتقان السياسي والاجتماعي بشكل غير مسبوق أذكته عبثية الممارسة  السياسية والقرارات الاقتصادية والاجتماعية المؤلمة لشرائح واسعة من الشعب المغربي، انضاف اليها التعاطي الرسمي  البليد والمتخلف مع حراك الريف ، مما أضحى ينذر بانفجار مجتمعي يشكل تهديدا حقيقيا لاستقرار الوطن.
•     فشل نموذج الدولة المخزنية التي تفتقر لمقومات الدولة الحديثة بما تعنيه من اقتسام للسلطة ودمقرطة أجهزة الدولة وعدالة اجتماعية.
•     ضبابية وعدم انسجام النموذج التنموي المعتمد من طرف الدولة والذي يجمع بشكل غريب ما بين التدبير اليومي للأزمة والبعد الاستراتيجي المتمثل في المشاريع الكبرى التي تشرف عليها المؤسسة الملكية (مشروع الميناء المتوسطي، مشاريع شركات إنتاج السيارات العالمية، طنجة تيك).
•    التحولات البنيوية التي يعرفها المجتمع المغربي على صعيد الوعي الاجتماعي والسياسي التي تؤشر على انتقال فعلي من المواطن غير المبالي إلى المواطن المتتبع والمهتم بمجريات الامور،صغيرة أو كبيرة،يرجع الفضل فيها للثورة التكنولوجية وسرعة انتقال المعلومة.-
-2اما بالنسبة للخطاب وهندسته ولغته فيمكن إبراز الملاحظات التالية:
•    خروج خطاب 29 يوليوز عن النمطية التي ميزت الخطابات الملكية بمناسبة عيد العرش   وتحرره من الضوابط  والقواعد التقليدية التي تسيج سلوكات ومخرجات المؤسسة الملكية بقواعد صارمة.

 فعادة ما كانت الخطب الملكية تتخذ بناء هندسيا ثابتاً ،اذ يخصص جزؤها الأول لسرد منجزات السنوات الماضية والثاني لتوجيه العمل الحكومي وتاطير خياراته السياسية وهوما يؤشر على بروز جيل جديد من الخطب الملكية بمناسبة عيد العرش.
•    من حيث مضامين الخطاب، فإنها تسير في نفس منحى الخطابات الملكية الأخيرة  سواء بمناسبة افتتاح الدورة التشريعية الذي تحدث فيه عن اعطاب الإدارة والخطاب السابق عليه الذي خصصه للمسألة التعليمية .

     •    يعتبر الخطاب  إعلانا رسميا عن إفلاس النموذج التدبيري المعتمد وفشل منظومته القائمة على نسق الزبانة  وتحكم مراكز النفوذ في مفاصل الدولة و تداخل الشبكات المصلحية في الداخل و الخارج .
•     خلو الخطاب من المفاهيم والمصطلحات السياسية الكبرى ولجوؤه إلى اللغة المباشرة البسيطة تعتبر تدشينا لأسلوب جديد في التواصل مع الشعب قوامه الصراحة والمكاشفة بدون أي مركب نقص أو خجل ،لكن وايضا،بقدر كبير من الأسى وإحساس بعدم الرضى.
•     قدم الخطاب  وبشكل غير مسبوق تشخيصا واقعيا لأوضاع البلاد ونمط إدارة شؤون الدولة ورؤية المؤسسة الملكية لمداخل الإصلاح، معبرا بذلك عن مزاوجة بين الملك المواطن الذي يتقاسم مع أفراد الشعب تطلعاتهم واحلامهم وبين الملك المسؤول عن إدارة الدولة وفق أحكام الدستور التي تفضل بذكرها في خطابه.
•     انتقال الخطاب من لغة التنبيه إلى لغة الاتهام المباشر للمسؤولين، كل المسؤولين،معينين أو منتخبين،وتحميلهم مسؤولية تردي الأوضاع المجتمعية في مختلف تجلياتها، سياسية كانت او اجتماعية  مما يتطلب إعادة النظر في طرق التدبير والتسيير وتغيير النخب وإعادة صياغة  وتحديد أدوار الوسائط المجتمعية بما يضمن إعادة الاعتبار للمعنى النبيل للسياسة.
•     اعتماد اللغة المباشرة البعيدة  عن  رسمية  الخطب الملكية بمثابة رسالة إلى عموم المواطنين مفادها أن رهان الإصلاح هو رهان جماعي لا يمكن لشخص أو مؤسسة أن تنجزه لوحدها  وان الملك لا يملك عصا سحرية  لمعالجة الأوضاع ما لم ينخرط كل أبناء الشعب المغربي في عملية التغيير وهي عملية شاقة وتتطلب قدرا كبيرا من الصبر والشجاعة.
حمل الخطاب الملكي إشارات على عزم المؤسسة الملكية على تحمل مسؤولياتها وفق مقتضيات الدستور  لإصلاح هياكل الدولة وإعادة النظر في الأنماط التدبيرية التي أفرزت  الاختلالات التي رافقت تنفيذ النموذج التنموي الذي لا زال الملك مؤمنا به. فما هي الإجراءات المرتقبة لتقويم هذه الاختلالات؟  كيف يمكن إعادة بناء جسور الثقة بين  الدولة والمجتمع ؟

كيف سيتم تفعيل  مبدأ  ربط المسؤولية بالمحاسبة  دون السقوط في منطق الحملة ؟

ذلك ما ينتظره شرفاء الوطن  وضحايا الاختيارات اللاديمقراطية  التي  أنتجتها الحكومات المتعاقبة ،في شماله وجنوبه، شرقه وغربه، مدنه وقراه.

عن الكاتب

صحفي

تاونات جريدة إلكترونية إخبارية شاملة مستقلة تهتم بالشأن المحلي بإقليم تاونات وبأخبار بنات وأبناء الأقليم في جميع المجالات داخل الوطن وخارجه.

عدد المقالات : 7182

جميع الحقوق محفوظة لموقع تاونات.نت - استضافة مارومانيا

الصعود لأعلى