حقيقة الحرائق الغابوية بجبل ودكة…دمار ممنهج على مدى عقدين لرئة إقليم تاونات

مشهد-لغابة-البلوط-الطوزي-بالودكة

مشهد-لغابة-البلوط-الطوزي-بالودكة

ادريس اقشيقش:” تاونات .نت”/تواترت العديد من الحرائق الغابوية بجبل ودكة –دائرة غفساي بإقليم تاونات على مدار الأشهر الأخيرة بشكل يثير العديد من التساؤلات ويطرح العديد من علامات الاستفهام حول الأسباب والدوافع…

 فهناك من ربطها بارتفاع درجة الحرارة وهناك من ربطها بالإضرام العمد من طرف المترامين على الملك الغابوي لتسهيل اختراقه واستغلاله  في زراعة القنب الهندي… فهذه الزراعة في حقيقة الأمر من المسببات الأساسية في إتلاف الغطاء الغابوي بجبل ودكة  الذي تقلص بنسبة تناهز الثلثين عما كان عليه خلال تسعينيات القرن الماضي .

واذا نظرنا الى معضلة هذه الحرائق الغابوية لشهر يوليوز 2017 بشكل موضوعي يجانب التخمينات والأحكام المسبقة الجاهزة. فالحريق الأخير على سبيل المثال بمحاذاة  دوار ” الزغاريين” كان نتيجة تطاير شرارات من ” كوشة ” معدة لإنتاج الفحم الخشبي من طرف احد الأشخاص مما تسبب في  اندلاع حريق تمت السيطرة عليه وإلقاء القبض على صاحب ” الكوشة ” الذي  صرح انه لم تكن لديه أية نية في إضرام النار.

 كما أن التحريات بخصوص حريق غابة ” اينزة”  التي لازالت مستمرة لحد الآن تتجه فيها أصابع الاتهام بقوة إلى مربيي النحل، إضافة إلى وجود عامل أساسي  يتم إغفاله ولا يمكن أن يستشعره إلا أبناء المنطقة ، ويتمثل في ردود الأفعال الغاضبة والانتقامية الصادرة من بعض الأشخاص والتي تستهدف افتعال الحرائق الغابوية لتوريط المتراميين على الملك الغابوي ولفت أنظار المسؤولين وإجبارهم على القيام بمهامهم ،على اعتبار أن كبارالمترامين على الملك الغابوي من ذوي النفوذ ، ولا  تتخذ غالبا في حقهم عقوبات زجرية مع العلم أنهم يستحوذون على مساحات شاسعة تم تفويتها لهم  تقدر بعشرات الهكتارات ويسيطرون على مصادر المياه التي تعتبر حقا طبيعيا وملكا مشتركا للجميع …

 أمر يعتبره البعض حيفا في حقهم ما دام أن الملك الغابوي هو ملك عمومي إما أن يستفيد منه بصفة جماعية أو يتم التخلي عنه بصفة جماعية ، لا أن  يتخذ كوسيلة لاغتناء بعض المحظوظين بينما البعض الاخر يعيش حالة الفقر والحرمان من مجال يفترض أن الجميع يتقاسم منافعه ؛ ولا أدل على هذا من غابة ” باب مراكلو” وأحوازها التي كانت موطنا لأشجار الفلين الضخمة ومكانا  مشاعا مخصصا لتربية النحل بترخيص من السلطات الفرنسية أيام الحماية الفرنسية ، ففلين غابة ” باب مراكلو ”  كان يعرض في معارض المنتوجات الغابوية بإسبانيا وحاز على  عدة جوائز خلال فترة السبعينات اعتبارا لجودته وسمكه، هذا الإرث الأيكولوجي والتاريخي اصبح الآن جزءا من الماضي.

حرائق بغابات الودكة-أرشيف

حرائق بغابات الودكة-أرشيف

وإذا كانت غابة جبل ” ودكة “، تصنف من طرف الايكولوجيين من بين أغنى غابات شمال إفريقيا من حيث التنوع الايكولوجي والبيولوجي فان تدهورها نتيجة الحرائق والاجتثاث والترامي، ساهم في تراجع غابات السنديان والخلنج الذي كان يستعمل في صناعة غليون التدخين بشكل ملحوظ، بل ان بعض المحيطات الغابوية اختفت تماما ولم يعد لها اثر، ولم يتبقى لحد الساعة إلا حزام من أشجار  السنديان الزاني المتواجدة على ارتفاع يفوق  1200 متر تحيط بشكل دائري بقمة جبل ودكة حيث التربة صخرية وغير ملائمة للزراعة مما سمح لها بالبقاء،  زيادة على هذا أصبح جبل ودكة يعاني ندرة حقيقية في المياه سواء الجوفية أوالسطحية نتيجة الاستعمال المبالغ فيه  لخراطيم المياه والحفر المكثف للآباروتجفيف البحيرات التي هي بمثابة خزانات طبيعية تغذي الفرشة المائية الباطنية على مدار السنة …

هذا الدمار الذي حل بجبل ودكة وثروته البيئية الناذرة، لم يحدث بين عشية وضحاها، انه نتاج لمسلسل متوالي وممنهج من الجرائم البيئية المرتكبة في حق رئة اقليم تاونات وغفساي،  امتد على مدى عقدين من الزمن يتقاسم فيه الجميع المسؤولية القانونية والأخلاقية ــ  من ساهم ومن تغاض من مسؤولين ومنتخبين وساكنة محلية …

 واذا كانت هذه الجرائم قد أخذت في التراجع خلال الخمس السنوات الأخيرة عقب الإجراءات الزجرية الصارمة التي تم تفعيلها لاسترجاع الأملاك الغابوية المترامى عليها بجبل ودكة بتراب جماعتي الرتبة والودكة وسيدي المخفي والتي تتعدى المئات الهكتارات، فان الاجراءات الاخيرة  للادارة الغابوية مكنت من ردع العديد من المترامين ونزع حيازات تجاوزت الخمسين هكتارا  ويتعلق الامر هنا بغابة  ” البرواكة”  و” غابة فونان” بتراب جماعة الرتبة.

ويعتبر الايكولوجيين أن اجتثاث الغابة عامل أشد ضررا ووقعا من الحرائق الغابوية التي تسمح  للغابة أن تتجدد طبيعيا وتلقائيا في حال المحافظة عليها من الترامي …

إطفاء حرائق بغابات غفساي

إطفاء حرائق بغابات غفساي

 واللحظة الآن لا تتطلب كيل الاتهامات لطرف دون اخر فكلنا معنيون وكلنا مسؤولون …اللحظة تتطلب إعادة النظر في الاستراتيجية المتبعة لحماية الملك الغابوي ــ  مع تقدير وتثمين للمجهودات المبذولة مؤخرا من طرف مصالح المياه والغابات ــ وإعادة الاعتبار لغابة جبل ودكة عن طريق إعادة التشجير وإحياء النظم الغابوية واسترجاع المجالات المترامى عليها خاصة ذات المساحات الممتدة ، وتفعيل مضامين البرنامج العشري 2015 /2024 ونهج مقاربة تشاركية تستحضر جميع  فعاليات المجتمع المدني والجماعات الترابية والمجلس الإقليمي ومجلس الجهة  والمبادرة الوطنية للتنمية البشرية وإلزام جميع هذه الأطراف بتخصيص اعتمادات مالية لإعادة التشجير والتسييج مع خلق أنشطة مدرة للدخل وموارد بديلة  لتحقيق تنمية محلية لفائدة الساكنة والضرب بيد من حديد لكل من سولت له نفسه اضرام النار في هذا الارث الطبيعي والانساني.

عن الكاتب

صحفي

تاونات جريدة إلكترونية إخبارية شاملة مستقلة تهتم بالشأن المحلي بإقليم تاونات وبأخبار بنات وأبناء الأقليم في جميع المجالات داخل الوطن وخارجه.

عدد المقالات : 7248

جميع الحقوق محفوظة لموقع تاونات.نت - استضافة مارومانيا

الصعود لأعلى