منزلة الجار في الإسلام… بقلم:ذ. علي السبع

الأستاذ علي السبع

الأستاذ علي السبع

كلاز (تاونات):”تاونات نت”/عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال:  قال رسول اللهـ ـ« مازال جبريل يوصيني بالجار، حتى ظننت أنه سيُوَرِّثُه»[1]

يتضح لنا من خلال هذا الحديث النبوي الشريف، أن للجار في الإسلام منزلة عظيمة، ومكانة شريفة، بحيث إن جبريل أعاد في أمر الجار وأبدى، تأكيدا لحقه وبيانا لحرمته، حتى أوشك الجار أن يكون وارثا لجاره كأحد أقربائه، وذلك من كثرة ما شدد الإسلام في حفظ حقوقه والإحسان إليه، خلافا لما نحن عليه اليوم من تنافر وتباعد  الجيران بعضهم من بعض، بل أصبح الجار لا يعرف جاره، ولو مرت عليهم الشهور والأعوام، فما أحوجنا إلى إرشاد الهدي النبوي في زماننا هذا، حتى نُرجع للجار مكانته ومنزلته، ونؤدي حقوقه ونكف عنه الأذى، اقتداء بسنة نبي الهدى ـ ـ عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام، ماتعاقب اليل والنهار.

من هنا نتساءل فنقول: ما المقصود بالجار؟ ومامكانة الجار في الإسلام، وماهي الحقوق التي أولاه الإسلام إياها؟ انطلاقا من هذه التساؤلات نحاول  الإجابة قدر الإمكان، فمن الله المستعان وعليه التكلان.

لعل أحسن تعريف للجار ماذكره ابن حجر في فتح الباري: حيث قال: واسم الجار يشمل المسلم والكافر والعابد والفاسق والصديق والعدو والغريب والبَلَديَّ والنافع والضار والأجنبي والأقرب دارا والأبعد.[2]

وقال الإمام القرطبي، الجار يطلق ويراد به الداخل فيالجوار، ويطلق ويراد به المجاورفي الداروهو الأغلب وهو المراد.[3]

والأهم من هذا كله، ليس أن نعرف حدود الجوار، بل نتطلع إلى معرفة  وفهم ما للجار من حقوق وماعليه من واجبات، حتى نعمل بوصية النبي ـ  ـ بدءا بالإحسان إليه، وانتهاء بكف الأذى عنه، لذا فإن حسن الجوار مطلب إيماني عظيم، وخلق إسلامي كريم، من دلائل البر والإيمان، ومن أروع صور الوفاء والإحسان، بل إن بشاشة الوجه حق مشترك بين إخوة الإسلام، والجار أولى بها لأنه هو من نلتقي صباح مساء، ونجده في الشدة والرخاء، والسراء والضراء.

ـ مكانة الجار في الإسلام:

نعم، إن الإسلام كرَّم الجار ومنحه منزلة رفيعة، بحيث جعل من علامات كمال الإيمان إكرام الجار، كما جعل إكرام الجار من علامات صلاح العبد.عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن النبي ـ  ـ قال: « من كان يومن بالله واليوم الأخر فليكرم جاره….»[4]. كما روي عن أبي شريح الخزاعي ـ رضي الله عنه ـ أن النبي ـ  ـ قال: « من كان يومن بالله واليوم الأخر فليحسن إلى جاره»[5].

ثم إن الله تعالى قرن حق الجار بعبادته سبحانه وتوحيده، وبالإحسان للوالدين واليتامى والأرحام، فقال سبحانه في كتابه العزيز: { واعـبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل…..}.[6]يأمرنا الله جل جلاله، من خلال هذه الآية الكريمة، بالإحسان إلى الجار مهما كان هذا الجار، سواء كان قريبا أوليس بينك وبينه قرابة، كان جارا صالحا أو غير ذلك، فأنت مأمور بالإحسان إليه.

ومن أنواع الإحسان إلى الجار تعزيته عند المصيبة، وتهنئته عند الفرح، وعيادته عند المرض، وبداءته بالسلام، وطلاقة الوجه عند لقائه، وإرشاده إلى ما ينفعه في دينه ودنياه، ومواصلته بالمستطاع من ضروب الإحسان.

ومن صور التقصير في حق الجار، مضايقة الجار، وحسده، واحتقاره، وكشف أسراره، وتتبع عثراته، والفرح بزلاته، نسأل الله السلامة والعافية.

ـ من حقوق الجوار في الإسلام:

إن حقوق الجار كثيرة عديدة، لكنها في جملتها تتلخص في أمور هامة، من قام  بها  فقد أدَّى ووَفىَّ حق جيرانه، نذكر منها: كف الأذى عن الجار، والإحسان إليه، والصبر على احتمال الأذى منه.

فمع الحق الأول للجار: المتمثل في كف الأذى عنه.

إن الشريعة الإسلامية بأصولها وفروعها تحذرنا كل الحذر، من إذاية الجار، من ذلك ما رواه أبو هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله  ـ ـ  قال: ” لا يدخل الجنة من لا يَأمَنُ جارُه بَوائقَهُ “.[7] (بوائقه) ج بائقة، وهي الظلم والشر بشتى أنواعهما.

 كما نبه ـ ـ على عِظَم خطر إيذاء الجار،فعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قيل للنبي  : إن فلانة  تصوم النهار، وتقوم الليل، وتؤذي جيرانها بلسانها، فقال : ” لا خير فيها هي في النار”. قيل: فإن فلانة تصلي المكتوبة وتصوم رمضان، وتتصدق بأ ثْوارٍ مِن أقِط ولا تؤذي أحدا بلسانها، قال: ” هي في الجنة “[8].يعني عملها قليل، غير أنها لا تؤذي أحدا، فكان ذلك سببا في دخولها الجنة.

وقد ربط  الرسول ـ ـ عدم الإيذاء للجار بقضية الإيمان بالله واليوم الأخر، ففي الحديث المروي عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ ـ :«من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره».[9]فإذاية الجار ليست بالأمر الهين، بل هي جريمة عظمى يرتكبها كل  من أذى جاره وأهانه، فإذايته أشد تحريما من غيره،فالإذاية منبوذة في الشريعة تجاه كل أحد، كيف ماكان شكله ولونه.

عن المقداد بن الأسواد ـ رضي الله عنه ـ قال: سأل رسول الله ـ ـ أصحابه عن الزنا ؟ قالوا حرام حرمه الله ورسوله، فقال: ” لأن يزني الرجل بعشر نسوة أيسر عليه من أن يزني بامرأة جاره”، وسألهم عن السرقة؟ قالوا حرام حرمها الله عز وجل ورسوله، فقال: ” لأن يسرق من عشرة أهل أبيات، أيسر عليه من أن يسرق من بيت أهل جاره”[10].

عن عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ قال: قلت يارسول الله، أيُّ الذنب أعظم؟ قال: “أن تجعل لله نِدّا وهو خلقك”، قلت: ثم أي؟ قال: “أن تقتل ولدك خشية أن يَأْكل معك” قال: ثم أي؟ قال: ” أن تُزَاني حَلِيلَة جارك”[11].

 فكثيرا من النصوص الشرعية رغبت في إكرام الجار و دعت  إلى الإحسان إليه، وشددت من كل سولت له نفسه إذاية جارهبأشد العقوبات، ونفت عنه كمال الإيمان، ودخول الجنة، فيامن يريد الجنة ونعيمها، اجتنب إلحاق الضرر بالجار وبغيره،وقد ورد في الأثر عن عبد الله بن عمرو بن العاص ـ رضي الله عنهما ـ  عن رسول الله ـ  ـ  قال “خير الأصحاب عند الله خيرهم لصاحبه، وخير الجيران عند الله خيرهم لجاره”[12].

ـ وأما الحق الثاني للجار:فيكمن في احتمال الأذى منه، أوالصبر على أذاه، وفي هذا قيل: ” ليس حسنُ الجوار كفّ الأذى، حسنُ الجوار الصبر على الأذى”.

 فياسعادة من صبر على أذى الجار، فهو من المحبين عند الله، وهنيئا لك أخي المسلم بمحبة الله لك، من ذلك ما روي عن أبي ذر ـ رضي الله عنه ـ قال: قال: رسول الله  ” إن الله عز وجل يحب ثلاثة ويبغض ثلاثة، وذكر من الثلاثة الذين يحبهم الله عز وجل، ” رجلا له جار سوء فهو يؤذيه، ويصبر على أذاه، فيكفيه الله إياه بحياة أو موت”.[13]

ومن تأمل نصوص السنة النبوية وجد صنفين من الجيران، صنف يشمله الصلاح، وصنف ابتلاء وعذاب.

فالجار الصالح يعرف حق الجوار، ويعطيه قدره ومستحقه، وهذا الصنف هبة من الله ومنحة، تستوجب الشكر والثناء، فعن نافع بن عبد الحارث ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ ـ” من سعادة المرء الجار الصالح، والمركب الهنيئ، والمسكن الواسع”[14].

وأما جار السوءفهو ابتلاء وعذاب، بل هو من أعظم البلايا لأنه يرافقك ويجاورك ولا يوافقك، وهذا الصنف كان يتعوذ منه الرسول ـ  ـ حيث كان يقول: ” اللهم إني أعوذ بك من جار السوء في دار المقام، فإن جار الدنيا يتحول”[15].

وختاما نقول: إن الشرع الحنيف منح الجار مكانة مرموقة، وأمر بإكرامه والإحسان إليه، ونهى عن إذايته، كما مدح الجار الصالح، وذم الجار الطالح،  فنفى عنه كمال الإيمان، وجعل خير الجيرانخيرهم لجاره، فاللهم ارزقنا جيرانا صالحين، هادين مهتدين، داعين إلى الصراط المستقيم،بالأحوال قبل الأقوال، آمين آمين، والحمد لله رب العالمين.


[1] ـ  أخرجه البخاري في صحيحه ، باب الوصية بالجار، ج 8  ص 10

2 ـ فتح الباري: لابن حجر، باب الوصاءة بالجار، ج 10 ص 441

[3] ـ عمدة القاري : لبدر الدين العيني، باب الوصاءة، ج 22 ص 108

[4] ـ صحيح مسلم: باب الحث على إكرام الجار والضيف، ج 1 ص 68

[5] ـ المصدر نفسه.

[6] ـ سورة النساء: الأية 35

[7] ـ رواه مسلم في صحيحه: باب بيان تحريم إيذاء الجار، ج 1 ص 68

[8] ـ المستدرك على الصحيحين: للحاكم النيسابوري، ج 4 ص 184

[9] ـ صحيح البخاري: باب إكرام الضيف وخدمته إياه بنفسه، ج 8 ص 32

[10]ـ الأدب المفرد: للإمام البخاري، باب حق الجار، ج 1 ص 50

[11] ـ صحيح البخاري: باب قتل الولد خشية أن يأكل معه، ج 8 ص 8

[12] ـ الأدب المفرد: للبخاري، باب خير الجيران، ج 1 ص 53.

[13] ـ سنن أبي داود: ج 1 ص 375

[14] ـ الأدب المفرد: للبخاري، ج 1 ص 54

[15] ـ المصدر نفسه:

عن الكاتب

صحفي

تاونات جريدة إلكترونية إخبارية شاملة مستقلة تهتم بالشأن المحلي بإقليم تاونات وبأخبار بنات وأبناء الأقليم في جميع المجالات داخل الوطن وخارجه.

عدد المقالات : 7156

جميع الحقوق محفوظة لموقع تاونات.نت - استضافة مارومانيا

الصعود لأعلى