تاونات إقليم عائم على الماء…وأريافه تواجه العطش والعزلة والفقر

تاونات إقليم عائم على الماء... وأريافه تواجه العطش والعزلة والفقر

تاونات إقليم عائم على الماء…
وأريافه تواجه العطش والعزلة والفقر

محمد العبادي:”تاونات نت”/إقليم عائم على الماء، مشهد يلفت انتباه كل من زار اقليم تاونات غربا حيث بحيرة سد الوحدة التي لا تنتهي مع لمح البصر وشرقا حيث بحيرة سد ادريس الاول وشمالا حيث بحيرات سد اسفالو وبوهودة والساهلة، دون الحديث عن البحيرات التلية (مقراش، غربية، الصاف، جرف الغراب، عنق الجمل، ولجة السلطان، لخزاين، باب بوغازي وعين كطارة)، في اقليم شاسع وغني بثروته الزرقاء لكنه في الواقع ينطبق عليه البيت الشعري لعنترة بن شداد “كالناقة في البيداء يقتلها الظمأ والماء على ظهرها محمول”، وبلغة الأرقام لا الشعر، وفرت أمطار الخير العميم حمولات مائية هائلة وضخمة رفعت حجم ونسب ملئ بحيرات سدود الإقليم إلى مستويات عليا بلغت الى حدود يوم 24 مارس 2018، ما يزيد عن أربعة ملايير و204 مليون م3 ، بما نسبته 43.5 % من المياه السطحية المعبأة في سدود المملكة، والتي بلغت الى حدود اليوم نفسه تسعة ملايير و674 مليون م3 ، وهذا معناه أن إقليم تاونات عائم فوق ما يقارب نصف الثروة المائية السطحية للمغرب…

 مفارقة تطرح أكثر من علامات استفهام وتعجب..أليس من المخجل أن تكون ساكنة أرياف إقليم يملك مثل هذه الثروة من الماء التي غطت أخصب وأجود أراضيه تحتج مع حلول صيف كل سنة أمام سلطات إقليمه وهي تحترق وتتدور عطشا، أليس من الأجدر أن تكون ، حنفيات الماء ونافوراته عند كل منزل او دوار أولا ، قبل أن تنقل في أنابيب جر جهوي ضخمة لإرواء سكان بعيدين كل البعد عمن يصحو ويمسي عليها، بكل من مدن فاس ومكناس ومستقبلا بأرياف وزان وتازة والحسيمة، أليس من الأولى توسيع المساحات المسقية ( ورغة السفلى) وإنقاذ الفاشلة منها ( حوض الساهلة) لتعويض ولو جزئي لآلاف الهكتارات من الأراضي الزراعية الخصبة التي انتزعت من الفلاحين بالاقليم لاجل المنفعة العامة، أليس من العار ترك سكان الأرياف في بني كيسان كما في الجاية وسلاس لا الحصر يركبون قوارب الموت لا قدر الله للخروج من العزلة التي فرضتها قسرا بحيرات هذه السدود.

اذا كان من العدالة اعادة توزيع هذه الثروة ونقلها من العالية ( اقليم تاونات) إلى السافلة ( السايس وسهل الغرب) ، فانه بالمقابل من باب الإنصاف والتضامن والعدل أيضا خلق صندوق لدعم التنمية بهذه العالية انطلاقا مما تزخر به السافلة من فرص للتنمية ( من بنيات تحتية وسقي عصري وتصنيع وفرص عمل وبرامج سكن وخدمات ).

سد الوحدة استقبل مخزون سد المنصور الذهبي في يوم واحد

سيول ورغة اخطر واكبر أودية المغرب

مشهد قارب خشبي يعبر سد الوحدة عند اورتزاغ شهر مارس 2017

مشهد: قارب خشبي يعبر سد الوحدة عند اورتزاغ شهر مارس 2017

استقبل سد الوحدة ما بين يومي 5 و6 مارس 2018، كميات هائلة من مياه وادي ورغة وروافده ذلك انه في ظرف 24 ساعة فقط ما بين 5 و 6 مارس 2018 ، استقبلت بحيرة سد الوحدة وبشكل غير مسبوق على المستوى الوطني 183.4 مليون متر مكعب، بما يفوق الحمولة المائية الإجمالية المعبأة في سد المنصور الذهبي أو سد عبد المومن مثلا وهي من بين السدود الكبرى بالمملكة ، وقد انتقلت نسبة ملء سد الوحدة ما بين 22 فبراير 2018 و 22 مارس 2018 من نسبة ملء 49.8 % إلى نسبة ملء 88.5 % ، بزيادة قدرها 40 %  تقريبا من حجم حقينته. وهذه النسبة لم تحدث في أي من السدود الكبرى بالمغرب خلال الفترة المذكورة ولا قبلها، ومعها ظل سد بوهودة ممتلئا 100 %  منذ شهر دجنبر 2017 الى اليوم، فيما ارتفعت نسبة ملء حقينة سد الساهلة من 42 % في 22 نونبر 2017 إلى 84.4 % إلى حدود 25 مارس 2018 .

يشار أن سد الوحدة دشن سنة 1996 من لدن الملك الراحل الحسن الثاني وبحضور الرئيس الايطالي والشيخ زياد بن سلطان آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة على وادي ورغة، بطاقة استيعابية تقدر ب ثلاثة ملايير و800 مليون م3 وذلك لتوفير مياه الشرب والري وإنتاج الطاقة الكهرمائية وحماية سهل الغرب من الفيضانات، وهو بذلك احد اكبر سدود المملكة وثاني سد في افريقيا بعد السد العالي بمصر على وادي النيل.

هذه الأهمية التي يكتسيها سد الوحدة وبحيرته الكبرى على المستوى الوطني والقاري تنبع من وادي ورغة الذي يتخطى جميع وديان المغرب على مستوى حجم الصبيب المائي الذي يفوق في بعض الأحيان 5000 م3 في الثانية مع تنوع وتعدد روافده ( اسفالو، اسرا، الكزار، الساهلة، امزاز، اولاي، اوضور، أوضيار).

 ورغم بناء سدود اسفالو والساهلة وبوهودة في عاليته فان حمولته المائية لازالت ضخمة وهائلة تتخطى عتبة 150 مليون م3 في 24 ساعة فقط كما هو الحال يومي 5 و6 مارس 2018، ويشكل بذلك خطرا على القناطر والطرقات والمنشآت الفنية، بفعل تياره الجارف وحمولته القوية والعنيفة وبسببه تم الغاء مشروع الخط  السككي الذي كان سيربط خلال عقد الثلاثينات من القرن الماضي، عين عائشة بالقنيطرة عبر اولاد علي واورتزاغ وفاس البالي وعين الدفالي ومشرع بلقصيري وصولا الى ميناء ليوطي ( القنيطرة) .

بل انه في 2010 فقط تسبب في حدوث فيضانات هائلة في سهل الغرب غمرت ما يزيد عن 158 ألف هكتار من المزارع والمغروسات والضيعات والقرى،  ناهيك عن فيضاناته الكارثية التي كانت تقض مضجع سهل الغرب وساكنته في قراه ومدنه خلال عقدي الستينات والسبعينات من القرن الماضي.

نسب ملء سدود اقليم تاونات فاقت كل التوقعات مقارنة بالسنة الماضية

كشف تقرير كتابة الدولة في الماء توصلت جريدة “صدى تاونات” و”تاونات نت” بنسخة منه، أن نسب ملئ حقينات سدود الوحدة وادريس الاول واسفالو وبوهودة والساهلة فاقت كل التوقعات مع امطار الخير لشهر مارس 2018 ، اذ بلغت نسبة ملئ سد الوحدة الى غاية 29 مارس 2018 ، نسبة 87.5 % ولم تكن تجاوز خلال نفس اليوم من السنة الماضية 58.9 % . نفس الامر بالنسبة لسد ادريس الاول الذي وصلت نسبة ملء بحيرته الرابعة على المستوى الوطني بعد الوحدة والمسيرة وبين الويدان الى 78.3% مقارنة بمخزون السنة المنصرمة والذي لم يتعدى خلال نفس اليوم 60.9 % ، وهو الحال نفسه بالنسبة لسد الساهلة رابع سد باقليم تاونات من حيث سعة الحقينة بعد الوحدة وادريس الاول واسفالو، اذ انتقل مخزون بحيرته الى 87.2 % مقارنة بمخزون اليوم نفسه من السنة الماضية الذي لم يتجاوز67 % ، اما سد اسفالو فقد تم افراغ جزء منه مخابة حدوث تسربات مائية، اذ لم تتعدى نسبة ملئه 59 % مقارنة باليوم نفسه السنة الماضية التي حددت في 56.9 % . اما سد بوهودة فقد امتلأت حقينه كليا مندذ شهر دجنبر الماضي.

مصائب قوم عند قوم فوائد

كيف حاصر سد الوحدة ساكنة بكيسان وتفرانت واورتزاغ وكلاز

وابتلع ثرواتها وطرد عائلاتها وظلت على الهامش

كيف حاصر سد الوحدة ساكنة بكيسان وتفرانت واورتزاغ وكلاز

كيف حاصر سد الوحدة ساكنة بكيسان وتفرانت واورتزاغ وكلاز

فمياه بحيرة سد الوحدة الملامسة لمركز وداووير جماعة تافرانت، بقدر ما هي ثروة هائلة لا تقدر بثمن، بقدر ما هي عائق خلق إكراهات وعراقيل الاستقرار البشري والاستغلال الاقتصادي بتراب جماعة تفرانت والجماعات الأخرى المحيطة بهذه البحيرة ( كيسان، اورتزاغ، كلاز، تبودة جبابرة، مولاي بوشتى، مولاي عبد الكريم).

إذ، رغم هذه الثروة الضخمة من المياه السطحية ومع محدودية المياه الجوفية، فان النشاط الزراعي ظل خارج رهانات الدولة ووزارة الفلاحة ولم تخرج الى حيز الوجود دوائر سقوية بورغة الوسطى بمحيط تفرانت وجبابرة ومولاي بوشتى واورتزاغ )، ومع تأخر انجاز مشروع تزويد دواوير ومراكز جماعات دائرة غفساي انطلاقا من محطة المعالجة التي اشرف صاحب الجلالة على تدشينها في نونبر 2010 باوردزاغ، فان تعثر هذا المشروع جعل معاناة دواوير جماعة تافرانت تحتدم خاصة مع الظروف المناخية المتسمة بشح الأمطار خلال هذا الموسم، فإذا كانت دواوير الجماعة تعتمد على مياه الآبار في الحصول على الماء الشروب، فان عددا منها نضب وإذا كان مركز الجماعة يتوفر على شبكة توزيع المكتب الوطني للماء الصالح للشرب، فان ساكنته ومرافقه الاجتماعية والإدارية تعاني من الانقطاع المتكرر للماء الشروب قبل حلول فصل الصيف ومن نقص مزمن طيلة السنة في هذه المادة الحيوية.

ويزيد من عزلة وإفقار جماعة تافرانت من حيث تلبية حاجيات السكان من الماء الشروب وموارد العيش والمواصلات، سياسة الدولة الهيدروفلاحية المتمثلة في تعبئة أهم الموارد المائية للمنطقة (سد الوحدة)، وتحويلها لسقي أراضي سهل الغرب، دون إحداث صندوق لدعم وتنمية ساكنة تافرانت وغيرها من الجماعات المتضررة ( كيسان، تبودة، اوردزاغ).

 فالمسئول عن هذا الوضع ليس هي المجالس الجماعية بل هي الدولة، لذا بات على الحكومة المغربية التفكير في مخطط استثنائي للتنمية بمحيط سد الوحدة ، كما فكرت في تنمية سهل الغرب انطلاقا من هذه المياه التي غمرت اجود اراضي الفلاحين بالمنطقة وضيعات كبار الملاكين حيث فرص الشغل للساكنة المحلية، وكذا جر مياه سد ادريس الاول لضمان تزويد مدن ومراكز وقرى سهل سايس بالماء الصالح للشرب، ذلك أن تنمية محيط سدس الوحدة وادريس الاول أكثر ضرورة وإلحاحا، لرد الاعتبار للساكنة المحلية على افتقادها أراضيها وموارد عيشها وطرق المواصلات التي كانت تربطها قبل بناء تشييد هذه المنشآت الضخمة والواسعة لتعبئة ازيد من 5 ملايير من الامتار المكعبة، وردا للاعتبار الذي طالها بعد عقود من التهميش والحصار الذي فرض عليها، فمناظر تافرانت المحاطة بسد الوحدة مثلا والتي يجري تسويقها كمدار سياحي من قبل موقع الكتروني سياحي دولي بالأنجليزية. http://www.tripmondo.com/morocco/taza-al-hoceima-taounate/tafrant-ouergha/، تجعل السياح الأجانب الوافدين عليها يستغربون رداءة الطرق المعبدة التي توصل إليها انطلاقا من اقليم الشاون ويمتعضون لغياب بنيات الاستقبال السياحية فيما يندهشون لجمال الطبيعة الأخاذ بها.

ارتفاع منسوب وادي امزاز احد روافد واد ورغة الذي يصب في سد الوحدة مشهد يوم 5 مارس 2018

ارتفاع منسوب وادي امزاز احد روافد واد ورغة الذي يصب في سد الوحدة مشهد يوم 5 مارس 2018

“صدى تاونات”و”تاونات نت” تقترحان في إطار العدالة المجالي صندوقا تضامنيا للتنمية

بين سافلة مستفيدة ( الغرب وسايس) وعالية متضررة ( إقليم تاونات)

 جماعة كيسان التي أدت الثمن غاليا جراء انعكاسات سد الوحدة السلبية على عاليته، لم تتلقى من الدولة ولا من السافلة المستفيدة شيئا يذكر من التنمية المنشودة.

 فبعدما كانت كيسان من أغنى الجماعات، أصبحت اليوم أفقرها، وبعدما انخرط سكانها الأشاوس في الجهاد الأصغر لطرد الاستعمار، هاهم اليوم لم ينالوا من الجهاد الأكبر غير التهميش والحصار،  فبعد التهجير القسري لأسرها، إلى جرف الملحة وضواحي فاس ( بنسودة وازليليك)، بعدما غمرت مياه سد الوحدة أراضيها، لم تنل الساكنة المتبقية منها بسفوح الجبال شيئا من العناية ورد الاعتبار.

جماعة كيسان ليس كباقي الجماعات، بعد 1996 ( انجاز سد الوحدة) عادت عجلة التنمية بها عقودا الى الوراء، مشاهد العزلة وجحيم التهميش والمعاناة، حقائق ميدانية، تطرح علامات استفهام، لماذا تفكر الدولة في السافلة فقط دون العالية، لماذا توجه موارد العالية الى السافلة دون تعويض، “صدى تاونات”ومعها “”تاونات نت” في هذا الصدد تقترحان احداث صندوق تضامني للتنمية لتعوض فيه السافلة المستفيدة ( سهل الغرب حاليا والسايس مستقبلا) ساكنة العالية التي فقدت كل شيء وبخاصة الملاك الصغار للأراضي الذين يحصلون على تعويضات هزيلة لا تستطيع تلبية ولو حاجات عيش الكفاف التي كانوا عليها قبل محاصرتهم ببناء سد الوحدة، ليظل السؤال مطروحا لماذا يفرض على العالية ان تضحي من اجل السافلة دون ان يحدث العكس لاحداث عدالة مجالية واجتماعية متوازنة.

مشهد لقوارب خشبية وسيلة نقل يومي بين ضفتي سد الوحدة

مشهد لقوارب خشبية وسيلة نقل يومي بين ضفتي سد الوحدة

ما مصير سدي سيدي عبو وباب وندر ؟؟؟

فتح مشروع انجاز سد باب وندر المقترح انجازه منذ بداية عقد تسعينيات القرن الماضي الباب على مصراعيه للقيل والقال، خاصة فيما يتعلق بساكنة مركز بني وليد على وجه الخصوص والجماعة على وجه العموم، معطيات رسمية أشارت الى أن الدراسة التقنية والجيوفزيائية لانجاز هذا المشروع الهيدرومائي جعلت سديمة السد ترتفع من علو 70 مترا المقترحة في الدراسات القديمة الى سديمة علوها 105 امتار في الدراسة الحديثة، وبالتالي فان سعة الحقينة ستنتقل الى 390 مليون م3 ، وهو ما يعني أن ثلثي مركز بني وليد ستغمره مياه بحيرة هذا السد، وعلى العكس من ذلك فان الاحتفاظ بالدراسة القديمة من شأنه أن يجعل مركز بني وليد بمنأى عن هذا الغمر، وبين هذا وذاك، فان ثمة أمور يجب أن تتضح قبل فوات الأوان، وحتى لا تتكرر مآسي انعكاسات انجاز سد الوحدة على عاليته وبالاخص مركزي جماعتي بني كيسان وتفرانت بدائرة غفساي.

إذ تعكف الجهات المكلفة بالماء والبيئة حاليا وتسابق الزمن، للتوجه نحو تدارك التأخر الحاصل في بناء السدود المتخلى عنها بحوض ورغة، بانهاء دراسة بناء ثلاثة سدود متوسطة وهي سد باب وندر على وادي ورغة وسد سيدي عبو على واد اللبن بجماعة راس الواد بدائرة تيسة، ثم سد وادي اولاي بين جماعة الرتبة وسيدي الحاج امحمد بدائرة غفساي.

هذا التحرك، جاء لتدارك المخاطر المحدقة بسد الوحدة، والتي ظهرت بشكل مقلق، ويتعلق الامر بالتوحل الذي يقلص سعته سنويا بحجم 50 مليون متر مكعب بحجم حقينة سد بوهودة، وهذا معناه أن التوحل يضيع امكانية سقي 10 آلاف هكتار سنويا وفق الدراسات المنجزة، و من جهة أخرى فان اختلال الموازنة بالنسبة لسد الوحدة الذي تراجعت مياه حقينته السنة الماضية ( 2017 ) بشكل مقلق الى ما دون 46 بالمائة، أمام استحالة رفع مستوى ملء حقينته انطلاقا من سد اسفالو وسدي الساهلة وبوهودا، فان بناء مشروعي سد باب وندر وسد اولاي من شانه ان يساعد مسؤولي المياه للتحكم في موازنة سد الوحدة الاستراتيجي في توليد الطاقة الكهرومائية وسقي سهل الغرب وتوفير مياه الشرب في السنوات الجافة برفع نسبة ملء حقينته انطلاقا من سدود العالية التي تعثر انجازها منذ انطلاق مشروع تهيئة حوض سبو.ومواجهة الفياضانات في السنوات الرطبة بسبب تجاوز نسبة الملء 100 بالمائة بسد الوحدة كما حدث عام 1996 و2قاب قوسين ان يحدث مع تساقطات شهر مارس 2018، حيث ارتفع منسوبه بشكل لافت من 41 بالمائة الى 88.5 بالمائة خلال التساقطات الاخيرة لشهر مارس، وذلك بانجاز سدود الموازنة بعاليته ( باب وندر، اولاي، أمزاز..).

مختلف آراء المجتمع المدني ببني وليد لا تخفي قلقها حيال تكرار سيناريو العزلة والتهجير والتفقير الذي تعرضت له ساكنة دواوير ومركز جماعة بني كيسان وتفرانت بعد انجاز سد الوحدة، لذا يجب التفكير في انجاز هذا المشروع الحيوي في إطار  تشاوري وتنزيله بشكل شفاف دون أن يتحول إلى كابوس يستغل من قبل البعض في تصفية الحسابات السياسية والانتخابية الضيقة، إذ ما إن انتهت الانتخابات التشريعية الأخيرة حتى وضعت ضجة سد بابا وندر أوزارها ولم تعد الكائنات الانتخابية تحرك خيوطه كما لو انه مولود انتخابوي ولا يهم مصلحة ولا مستقبل الساكنة.

سد الوحدة مشروع وطني استراتيجي لكنه هجر وفقر ورحل

تم تشييد سد الوحدة منذ سنة 1997 بالقرب من دوار المجعرة الذي يبعد عن الشمال الغربي لمدينة فاس ب60 كلم وعن وزان ب40 كلم وعن سيدي قاسم ب55 كلم. وتوجد 90 % من حقينته بإقليم تاونات وأما 10 % المتبقية فتوجد بتراب إقليم وزان بكلفة اجمالية تقدر ب 8 ملايير درهم.

 ويدخل هذا الإنجاز ضمن سياسة الإعداد المائي للدولة التي توخت هدفين أساسيين: حماية الغرب من الفيضانات وتنمية دائرته المسقية. ويمكّن السد من تعبئة 800 3 مليون متر مكعب ومن تنظيم جريان 700 1 مليون متر مكعب من الماء سنويا. وسيمكن كذلك من سقي 100 ألف هكتار منها   13.310 هكتار بدائرة ورغة السفلى بإقليم سيدي قاسم و860 85 هكتار بسهل الغرب، وتزويد مدينة الدار البيضاء بالطاقة الكهربائية. وسيتم ذلك من خلال معمل للطاقة الكهرمائية عند قدم السد بقوة 240 مليون واط، يمكن من إنتاج طاقي سنوي يصل إلى 390 جيكاواط في الساعة. وهو ما يعادل 000 150 طن من الفيول في المتوسط سنويا .

مشهد لعملية نقل احد الركاب ببحيرة الوحدة عند الوردزاغ حيث تظهر امواج هذا السد الهائج.

مشهد لعملية نقل احد الركاب ببحيرة الوحدة عند الوردزاغ حيث تظهر امواج هذا السد الهائج

لكن هذا الإنجاز لا يخلو من انعكاسات اقتصادية واجتماعية سلبية؛ تتمثل أساسا في غمره لأكثر من 11 ألف هكتار كانت بشكل مباشر وغير مباشر وإلى عهد ليس ببعيد، أهم مصادر عيش 69 دوارا بجماعات (كيسان، الورتزاغ، تافرانت، تابودة، كلاز، مولاي بوشتى، اجبابرة) تتراوح ساكنتها بين 200 و600 نسمة. وأما عدد الأسر التي تم ترحيلها فوصلت إلى 15000 أسرة. ومن هذه التجمعات تلك التي كانت تستغل أراضي منبسطة وخصبة توجد الآن تحت حقينة السد، وتلك التي تستقر على التلال المجاورة والتي تجد في هذا المجال أهم متنفس اقتصادي لما يقدمه من فرص للشغل داخل الضيعات العصرية والتقليدية. فسكان الدواوير الأولى رحّلوا بعجل في أقل من ستة أشهر نحو اتجاهات متنوعة  ( فاس، مكناس، دواوير محلية..)، وأما سكان الدواوير الأخرى فوجدت نفسها فوق مجال لا يكفي، لتضرسه أو ضعف تربته، لسد حاجياتهم في الشغل مما دفع بالكثير منهم إلى الهجرة أو مزاولة أنشطة تجارية في الأسواق أو بين الدواوير.

 وتكمن الأهمية الاقتصادية لهذا المجال في عدد أيام العمل التي كانت تتراوح في المتوسط بين 50 يوم عمل في السنة بالاستغلاليات التقليدية وأكثر من 150 يوم عمل  بالضيعات العصرية (شركة التنمية الفلاحية 320 4 هكتار، شركة الشمال الغربي 400 هكتار). وهذا يدل على أن السد ساهم في تضييع عشرات الآلاف من أيام العمل سنويا بمنطقة جنوب الريف. وتعتبر اليد العاملة النسوية من أهم الفئات السوسيومهنية التي حرمت من العمل الفلاحي العصري في هذا المجال.

وقد شكلت هذه المؤهلات من أخدود ورغة الأوسط أهم قطب فلاحي ليس فقط على مستوى مجالنا وإنما على مستوى وطني من حيث تسويق المواشي والمنتوجات الفلاحية خاصة منها الحوامض.

ويشهد على الأهمية الاقتصادية للمجال الذي غمرته مياه السد نسبة النمو الإيجابية التي سجلتها معظم الدواوير المهجرة (كيسان، الدكارة، السريجة، عين الزيتونة ..) حيث تراوحت بين 1 و 3.5 % سنويا بين 1982 و1994.

 وقد ساهم ترحيل هذه التجمعات إلى تخفيض كبير لسكان بعض الجماعات. فعلى سبيل المثال، تم ترحيل 620 أسرة من جماعة تافرانت وهو ما يمثل حوالي 1/3 الأسر بهذه الجماعة وحوالي 27 % من مجموع الأسر التي كانت تستقر بمجال نفوذ الحقينة. وقد حصلت معظم هذه الأسر المهجّرة على تعويضات مالية اختلفت قيمتها حسب عدد أشجار الزيتون وعدد البيوت وحجم الاستغلالية. وإذا أخذنا على سبيل المثال، لا الحصر تعاونية الإصلاح الزراعي “السلاسية”، فإن حجم التعويضات تراوحت بالنسبة لكل مستفيد بين 65 و140 مليون سنتيم.

 إلا أن مجموعة من أرباب الأسر خاصة منهم الذين يستغلون أراضي بشكل غير مباشر لم يحصلوا على شيء. بل إن مجموعة من الشباب متزوجون كانوا يستغلون أو يعملون بأراضي أسرهم وجدوا أنفسهم، بعد أن حصل الآباء على قيمة التعويضات، مضطرين إلى الهجرة إلى فاس لمزاولة أنشطة تجارية طفيلية (بيع البيض والخضر) لا هي لآبائهم ولا لأجدادهم، أو الاستقرار بالقرب من السد في بيوت من البلاستيك والزنك.

   ومن بين الانعكاسات السلبية الأخرى لسد الوحدة تقليص نفوذ وإشعاع بعض الأسواق خاصة منها سوق كيسان والورتزاغ. فهذان السوقان الأسبوعيان كانا إلى حدود 1996، بالإضافة إلى سوق أحد عين عائشة، أهم الأسواق بمجال مقدمة الريف حيث كان يقصدهما تجار المواشي من فاس ومنطقة الغرب. وأما الآن فيقتصر الأمر على سوقين هامشيين يقصدهما السكان المحليون أو من دواوير الضفة اليسرى للسد عبر قوارب صغيرة.

منذ ذلك الوقت وسد الوحدة ينتظر رهانات لتحويله الى قطب تنموي لا قطب طرد بشري كالذي تحمله سكان عشرات الدواوير بمحيطه بكل من جماعات تفرانت وكيسان واورتزاغ ومولاي بوشتى.

قوارب موت تجوب ضفتي سد الوحدة لفك الحصار عن دواوير معزولة

عملية عبور سد الوحدة

عملية عبور سد الوحدة

في الهوامش الجنوبية الغربية لجماعة كلاز مثلا، فان المسالك القروية والأودية فاقمت معاناة القرويين في بالموازاة مع ارتفاع منسوب مياه بحيرة سد الوحدة،. حيث يتكبد سكان ينتمون لدواوير عين زمزم وازبور المشيط ووكاسات والزاوية وغيرها، ، مرارة العيش هذه الأيام بعدما عطلت التساقطات المطرية الاستثنائية الأخيرة حركتهم للتسوق او التطبيب والتمدرس؛ إذ أصبحت جل دواوير هذه الجماعة القروية المحاذية لبحيرة سد الوحدة محاصرة من كل جانب، خاصة بعدما ارتفع منسوب وادي امزاز ايضا وقطع الصلة عن مركز الجماعة الذي ينتظر ان ترفع العزلة عنه بعد انهاء ورش بناء القنطرة المنهارة سنة 2010 ، ما جعل الساكنة الريفية لا تبارح مساكنها بسبب ارتفاع منسوب بحيرة سد الوحدة والأودية وجرف السيول للطرق والمسالك المتميزة بطبيعتها الجبلية.

“سكان دوار القليعة والسيوان والصنوبر يعبرون وادي ورغة من هذه النقطة، ليس لهم طريق بديلة أخرى” ذلك ان: “أصحاب القوارب يغامرون بحياتهم لعبور ضفتي بحيرة سد الوحدة التي تحولت الى بحر داخلي الى جانب وجود اودية جارفة، تجعل مسالة عبور مجرى الوادي يعد مغامرة حقيقية، وهذه القوارب تعبر النهر بالقدرة الإلهية، وليس بقوة الإنسان”. لنقل رجال التعليم والتجار وغير ذلك.

الوضع صعب جدا جدا، الناس هنا لا يجدون ما يأكلونه، كيلوغرام من الشعرية الذي لا يتعد ثمنه في السوق ثلاثة دراهم يباع بهذه الدواوير بسبعة دراهم، ناهيك عن قنينات الغاز التي أصبحت مفقودة، وقد عاد الناس إلى استعمال وسائل بدائية في الطهي”، هذا الوضع لا يشجع الفتاة القروية على التمدرس ويضاعف من متاعب ومشاكل النساء الحوامل.

ذلك أن حال الدواوير التي عزلت بفعل ارتفاع منسوب واد امزاز عند مدخل مركز الجماعة، قد يكون أحسن من حال كثير من الدواوير الأخرى بجماعة كلاز وكيسان واورتزاغ بفعل انجراف الطرق ومحاصرتها بالوديان.

وقد انعكس هذا الوضع القدرة التنقل والقدرة الشراكية والاستهلاكية للمواطن، مثل ارتفاع اثمنة المواد الاستهلاكية الاساسية. والتلاميذ الصغار يعانون كذلك في الوصول إلى مدارسهم، وهذا يساهم في ارتفاع مؤشر الهدر المدرسي بالمنطقة. هذه الاخيرة تعيش عزلة تامة من ناحية النقل عبر السيارات والشاحنات” في الوقت الذي الذي كانت تجوب  فيه، خطوط السكك الحديدية هذا المحور زمن الحماية، ذلك ان  ثمة طرق أخرى صعبة ولا يمكن للشاحنات أن تسير عليها، هناك انجرافات في الطريق والكثير من المنعطفات والمنحدرات الخطرة، ولا يمكن أن تصل مواد البناء أو المواد الاستهلاكية إلى تلك الدواوير، الا عند حلول فصل الصيف.

عن الكاتب

صحفي

تاونات جريدة إلكترونية إخبارية شاملة مستقلة تهتم بالشأن المحلي بإقليم تاونات وبأخبار بنات وأبناء الأقليم في جميع المجالات داخل الوطن وخارجه.

عدد المقالات : 7242

جميع الحقوق محفوظة لموقع تاونات.نت - استضافة مارومانيا

الصعود لأعلى