الأحزاب المغربية الطاردة للأطر…إلى أين..؟؟

رموز الأحزاب المغربية

رموز الأحزاب المغربية

د.خالد فتحي°-الرباط:”تاونات نت”/ من نافلة الانتقادات التي تصوب للأحزاب المغربية تحولها من جاذبة للأطر الى منفرة وطاردة لها لدرجة أن بعضها أقفر وأجدب من هذه الشتائل المنبتة للأفكار و الرؤى والاستراتيجيات التي تنتقل خصوبتها الى الدولة من خلال الانتخابات فتغير حياة المجتمع للأفضل.
وقد تدهور الوضع الى أن صار بعضها ليس فقط تجمعا حصريا خاصا بالأعيان ، وإنما تعقد لدرجة أن منها من أصبح بركا آسنة بالانتفاعيين وضحيلي المعرفة والتكوين الذين يعبرون عن قوة الجهل والانتهازية والضحالة والشعبوية التي عادت تسري في أوصال المجتمع .

و الأدهى أن العطب وصل للقيادات والمكاتب السياسية، مترافقا بطبيعة الحال مع هجر المثقف لها أو تهجيره عنها عنوة احيانا وديموقراطيا أحيانا أخرى ؛وهو مايهددنا بأوخم العواقب على الديمقراطية والحياة السياسية ببلادنا.
وقد نتساءل لم وصلنا لهذا الدرك الأسفل من السياسة؟ وهل كان بالإمكان تحاشي هكذا ظاهرة ؟ ؛أم أن هذا تطور طبيعي لتحولات النضال الحزبي الذي يواجه بدوره اكراهات السوق والعولمة وثقافة الاستهلاك و”الفاست فود” و تنمر التطور التكنولوجي و ملاءمته أكثر للتافهين ، و كذا ظهور تعبيرات سياسية جديدة نتيجة ذلك تستقل وسائل غير تقليدية عجزت الاحزاب عن تذليلها لكسب رهان إغراء الأطر والمثقفين.
المؤكد أن هناك عوامل متضافرة صحرت الأحزاب من المثقفين؛ منها العام و كذلك الخاص اللصيق بالحالة المغربية و يمكن أن نختزلهما دون ترتيب فيما يلي:
-1- تراجع الأيديولوجيات الكبرى من اشتراكية او شيوعية نتيجة توحش رأس المال الذي جعل الاحزاب اليسارية التي كانت مأوى للمثقفين و كانت حاملة للفكر النقدى تتخلى عن مزاجها التنويري الجاذب للطبقة المثققة لتطفر في اتجاه ليبرالي أو إداري دون نكهة أومذاق.
-2- حصول هذا التراجع لفائدة أحزاب الأصولية الإسلامية التي تنظر إلى الخلف، وتقف عند مرحلة من التاريخ تظن أنها كل التاريخ معتمدة على التقليد والتراث عوض إطلاق القدرات الخلاقة للمثقف بداخلها ناهيك عن تحريرها لدى التابعين؛ ثم انتخابها الأطر على اساس معيارالإيمان( الظاهري طبعا )عوض المعيار الثقافي .
نتج عن هذا الانتعاش الأصولي وسيطرته المحكمة على المدن والحواضر و توجه الأحزاب غير الاصولية ليبرالية أو وطنية أو اشتراكية إلى قنص الاعيان الذين يستقوون بالمال لمواجهة هؤلاء الأعيان الجدد الذين يستقطبون عوضا عن المال بالدين فتضاءلت لأبعد الحدود الحاجة للمثقف لدى الطرفين .
-3- ثم كان لوسائل التواصل الاجتماعي أن فتحت مضمار السياسة على مصراعيه ليدخله الغث والسمين ليجري الاثنان وراء “الليكات”، ويبدأوا في اعتمادها معيارا للثقل والتأثير السياسي مما ادى الى صعود الشعبوية و التفاهة والبذاءة كخصال جديدة ضرورية للسياسي الذي يريد أن يكون (ناجحا) في هذه المنظومة المنتكسة. ثم كان ان تسبب انحدار عدد من المثقفين لمجاراة هذا المد الضحل في فقدانهم صفة المثقف والالتزام من الاساس بأن صاروا مدجنين لا يطرحون الأسئلة المقلقة المزعجة فلا يسعفون الا في التأثيث.
بجانب هؤلاء المثقفين المتحولين ،يوجد المثقفون الذين ظلوا يترفعون عن أوحال السياسة مستوثقين متحصنين بابراجهم العاجية مكتفين بذواتهم لا يهمهم من ضل بعد أن اهتدوا هم.ثم فصيلة المثقفين الذين لدغتهم السياسة ،فلم يستطيعوا معها صبرا، فأحبطوا ،وذهبوا لحال سبيلهم يتجرعون يأسهم تاركين البلاد للغوغاء والعامة وانصاف وارباع وأعشار المثقفين.

البروفيسور خالد فتحي

البروفيسور خالد فتحي

لقد أدى طول غياب الثقافة في الحياة الداخلية للأحزاب الى ان استئنست بالجهل والأمية المقنعة والعلم الذي لاينفع و اكتفت بالبلغاء والفصحاء الذين لا ينطوون على معرفة حقيقية؛فكان ان صارت تتأفف من المثقفين الحقيقيين وتتحاشاهم في أجهزتها التقريرية لتتخلى بذلك عن وظائفها الكلاسيكية كالتأطير والتنشئة السياسية والبحث الأيديولوجي وما يرتبط بها من أنشطة وفعاليات كان يشرف عليها وتقوم بها هذه الطبقة العالمة. هذا التراجع لهذه الأنشطة الفكرية قلص وظائف المفكرين والمثقفين الحزبيين ومكانتهم داخل هيئاتهم لصالح فئات أخرى ازدهرت أنشطتها وأدوارها كأعيان الانتخابات و من يدور في فلكهم من أصحاب البهرجة والبلطجة.
و حتى وإن وقع و تعطفت هذه الأحزاب على ما بقي من مثقفيها، جمعتهم في صالونات للترف الفكري تهربها غالبا خارج المقرات، لكي (لايؤذي )منظرهم الأعيان ،و ليؤدوا وظيفة منبرية أو دورا تجميليا لا يخلخل لديها بنية الكسل الفكرية والانتهازية خصوصا وان الساكنة الحالية أو المتنفذة بداخل هذه الاحزاب تعتقد أنها لم تعد بحاجة للأفكار، فليس ذلك ما ينقص هذا العالم الذي أصبح يهتم بالسلع المادية اكثر من اهتمامه بالسلع المعنوية.
ولكن، وأخيرا ،هل نحن فعلا في مسيس الحاجة لكي تستعيد الأحزاب المفكرين والمنظرين إلى صفوفها؟ ام أننا نعيش مرحلة تفكيكية للعمل الحزبي تترك العمل التنظيمي داخل الأحزاب للأعيان و للجمهور العادي غير الموهوب، وتحيل التفكير الاستراتيجي على العقول واصحاب الفكر في مؤسسات لا حزبية على ان يكون هناك ما يشبه المناولة بين الجانبين لينفذ السياسي أفكار المثقف الذي لا ينتمي اليه؟.هذا سؤال عميق قد نعود للإجابة عنه يوما ما(…).

°من مواليد إقليم تاونات/بروفيسور في التوليد بالرباط -باحث 

 

عن الكاتب

صحفي

تاونات جريدة إلكترونية إخبارية شاملة مستقلة تهتم بالشأن المحلي بإقليم تاونات وبأخبار بنات وأبناء الأقليم في جميع المجالات داخل الوطن وخارجه.

عدد المقالات : 7156

جميع الحقوق محفوظة لموقع تاونات.نت - استضافة مارومانيا

الصعود لأعلى