الأكاديمي إبن تاونات ع.العالي الودغيري يسائل “القاموسيّة العربية الحديثة” في كتاب جديد

الأكاديمي عبد العالي الودغيري

الأكاديمي عبد العالي الودغيري

وائل بورشاشن-هسبريس:”تاونات نت”/من مدى قدرة القواميس العربية الحديثة والمعاصرة على متابعة تطوُّر اللغة العربية الفصحى، ومدى استطاعة الحصاد القاموسيّ في الفترة الممتدّة بين بداية النّهضة الحديثة واليوم على تجاوز الكثير من المشاكل التقنية والمنهجية التي عرفتها القواميس العربيّة القديمة، وصولا إلى البحث عن الدَّواعي التي شغلت اللُّغَويين العرب القدامى عن التفكير في كتابة تاريخٍ شامل ودقيق لمعجمنا العربي، وتاريخِ الفصحى على الخصوص، يحاول الأكاديمي المغربي (إبن تاونات) عبد العلي الودغيري الإجابة في كتاب جديد عن مجموعة من الأسئلة المطروحة حول “القاموسيّة العربية الحديثة”.

وذكر الودغيري في مقدِّمَة مؤلَّفِه “القاموسيّة العربية الحديثة بين تنمية الفصحى وتحديث القاموس والتّأريخ للمعجم” الصّادر حديثا عن فرع لبنان من المركز العربي للأبحاث ودراسة السّياسات، أنّه “إذا كانت هنالك عواملُ قد ساهَمَت في تراجُع الفُصحى وانكماشها لفترات معيَّنة قبل فجر النهضة العربية الحديثة، فقد وُجِدت، بعد ذلك عواملُ أخرى لتطويرها وتجديدها وتحديثها”.

ويسترسل الودغيري مبرزا أهمّ عوامِل هذا التّطوير والتّجديد: فمن دور الصّحافة المكتوبة أوّلَ الأمر، إلى دور وسائل الإعلام السَّمعية والبصرية بكلّ أشكالها في العصر الحديث، وما تبثُّه من برامج ثقافية وإخبارية وأفلام ومُسلسلات ومسرحيات وغيرها، وانتشار التّعليم العصري بمستوياته المختلفة في كل أقطار العالم العربي والإسلامي، ونشأة الجامعات ومراكز البحث في كل ناحية، ونشاط حركة التأليف والنّشر والترجمة، واتّساع مجال الطباعة وتطوّر فنونها، وظهور أجيال من الكُتّاب والأدباء والعلماء والباحثين والمفكِّرين وحَمَلة الأقلام من كل لون وفنٍّ، والصحوةُ الإسلامية، وحركة التنوير والإصلاح الاجتماعي والديني وما صاحبَها ونتج عنها من أَثَر كبير في إحياء العقل والفكر والضمير وعودة الوعي العام والوعي اللغوي على وجه الخصوص.

غلاف كتاب الدكتور ع العالي الودغيري

غلاف كتاب الدكتور ع العالي الودغيري

وإلى جانب العوامِل سابِقة الذّكر، تحدّث أستاذ العلوم اللّغوية والمُعجَميّات بجامعة محمد الخامس سابقا، عن دور فَوْرة المعلوميات الأخيرة وسرعة الاتصال ونشر المعلومات والنصوص وتعميمها على أوسع نطاق، في تطوير وتجديد وتحديث اللغة العربية، إضافة إلى دور ازدهار صناعة القواميس اللغوية العامة والمتخصِّصة وقواميس الترجمة وآلاف المصطلحات الحديثة في كل فن وعلم ومجال. بل ويرى أنّ عوامل ثانوية أثّرت أيضا في تحديث العربية وتجديدها مثل: انتشار الأغاني والأناشيد الوطنية والمدرسية بعربية بسيطة.

ويرى الأكاديمي أن الشّكوى من “العراقيل والعقبات التي ما تزال تقيِّد سيادةَ الفُصحى في بيئاتها المجتَمَعية الطبيعية كما ينبغي لها أن تكون، وتحدُّ من استعمالها في كلِّ المجالات، وتُضعِف من وجودها وفاعليَّتها، وتَستهين بقدُراتها وطاقاتها”، لا يَتعارضُ مع حقيقة ما قالَه عن نجاحها رغم كل ذلك، في “كَسْب الرّهان والتحّدي”، فقد “قطَعت أشواطًا جعلَتها أبعدَ ما تكون اليوم عن حالتها السابقة عند بداية النهضة الحديثة”.

وبيّن الودغيري، في مقدّمة كتابه، أن موضوع مُواكَبة الفُصحى ورصدِ حركتها في سَيرها وإحياء نَهضتها، في حاضرها ومستقبلها، وما يتعلَّق بتجديدها وتنميّتها وتطويرها والتأريخ لها، كان أهمَّ الموضوعات التي تناولَها منشوره الجديد من زاوية النظر المعجمية، ومن المدخل العام للصناعة القاموسية الحديثة والمعاصِرة.

الدكتور الودغيري

الدكتور الودغيري

وذكر الأستاذ الباحث الحاصل على جائزة الملك فيصل في صنف اللغة العربية، أنّه وهو يطوف بجوانب هذا الموضوع مترامي الأطراف ويحاول اقتحامَ أبوابه، راودته أسئلة كثيرة متداخلة، من درجات ومستويات متفاوِتة لكنها متكامِلة؛ في مستواها الأول، أسئلة من النوع الآتي: إلى أيِّ حدٍّ استطاعت قواميسُنا العربية الحديثة والمعاصِرة متابعةَ تطوُّر الفصحى في عصر نهضتها الجديدة؟ وكيف تفاعلت مع كلّ المُستَجدّات من ألفاظٍ ودلالاتٍ وتراكيبَ واستعمالات؟ وما مَدَى مُساهمتها، من جانبها وبطريقتها الخاصة، في خدمة هذه اللغة وتطويرها وتحديثها وتيسير تعلُّمها واستعمالها وانتشارها؟ وما هي المعاييرُ التي اتَّخَذتها في استِقبال ما استقبَلته من هذه المُستَجَدّات؟ وما مفهومُها للعربية الحديثة والمعاصِرة الذي تبنَّته؟ بل ما مفهومها الجديد للفصحى والفصاحة؟

الدكتورعبد-العالي-محمد-الودغيري-بمعية-ملك-السعودية

الدكتورعبد-العالي-محمد-الودغيري-بمعية-ملك-السعودية

وفي المستوى الثاني أصبح يتساءل، حَسَبَ مقدّمة كتابه، إلى أيِّ حدٍّ استطاع ذلك الحصادُ القاموسي الجديد الذي عرفته الحقبةُ الممتدة ما بين بداية النهضة الحديثة ويومنا هذا، تَجاوُزَ الكثير من المشاكل التقنية والمنهجية التي عرفتها قواميسُنا القديمة مما توقَّف عنده الباحثون والدّارسون طويلاً في كتاباتهم التقويمية والنَّقدية الكثيرة؟ وهل اهتدى قاموسُنا اللغويُّ العربي الحديث والمعاصِرُ في نهاية هذه التجربة الجديدة إلى تحقيق الطَّفرة النوعية والوصول إلى صياغة نموُذَج جديد في محتواه ومادّته المعجمية وتقنياته وأدواته ومناهجه؟

إلى أن أصحبت الأسئلة الكبرى، في المستوى الثالث، تدور حول “الدَّواعي والأسباب والظّروف التي شغلت لغويّينا القدامى عن التّفكير في كتابة تاريخٍ شامل ودقيق لمعجمنا العربي، وتاريخِ الفصحى على الخصوص، بكل مراحله ومَساراته المختلفة؟ وما الذي جعل هذا المشروع يتعثَّر في خُطواته منذ بداية الاهتمام به والتّحضير له قبل حوالي قرن من الزمان؟ ومن ثمَّ كان علينا أن نطرح تصوّرَنا لما ينبغي أن يكون عليه إنجازُ هذا المشروع الكبير في ضوء التجارب العالَمية الحديثة والمعاصِرة”.

وحاول الودغيري أن يجيب عن هذه الأسئلة، وغيرِها، وما تفرّع عنها وارتبط بها من قريب أو بعيد، من خلال أبواب كتابه الأربع بما تخلَّلها من فصول ومباحث، فجعَلَ الباب الأول بمثابة مدخل عام تحدَّث فيه عن تنمية المعجم العربي، وطاقات التوليد الخاصة بالفُصحى وآليات تحديثها وتجديدها وإثرائها وإغنائها، ناظِرا للموضوع من زاوية علاقة المعجم بالتّدوين القاموسي؛ لأن الكلام عن تحديث القاموس اللغوي العربي وتطويره ومستقبله وآفاقه، لا يمكن دون الحديث عن أهم شيء يمكن تطويرُه وتحديثه وتنميتُه في هذا القاموس، وهو مادَّتُه المعجمية ومدوَّنَتُه المكوَّنة من مجموع مفرداته ومداخله، مغتنما هذه الفرصة لتقديم محاولة جديدة لإعادة توصيف هذه الآليات وتصنيفها في ضوء ما استجَدَّ من آراء وبحوث في المرحلة الأخيرة.

وخَصَّص الأكاديمي المغربي الباب الثاني من كتابه الجديد للحديث عن حصيلة الصناعة القاموسية العربية من بدايتها إلى عتَبة العصر الحديث، مع إعادة توصيفها وتصنيفها، وأهمّ الإشكاليّات التي عرفتها، وأبرز مَحطّاتها ومراحلها التي قطَعتها في مسيرتها الطويلة، والحدود التي وصلت إليها وتوقَّفَت عندها، ولا سيما موقفُها المُتشَدِّد من التطوّر اللغوي والمولَّد والمُحدَث من ألفاظٍ عامة ومصطلحات خاصة، وما كان لذلك الموقف من انعكاسٍ سَلبي على حياة الفصحى ونموِّها ومُسايَرتها الطبيعية لحركة التاريخ.

المتوجون-بالجوائز-يتوسطهم-ملك-السعودية-ومن-ضمنهم-الأستاذ-الودغيري

المتوجون-بالجوائز-يتوسطهم-ملك-السعودية-ومن-ضمنهم-الأستاذ-الودغيري

وتوسَّع الودغيري في الباب الثالث من “القاموسية العربية الحديثة بين تنمية الفُصحى وتحديث القاموس والتأريخ للمعجم”، في “دراسةِ وضعِ قواميسنا من جوانبها المختلفة شكلاً ومضمونًا، مادةً معجمية، وأدواتٍ تِقنيةً”. متّخذا من بعض النماذج القاموسية العربية الحديثة والمعاصرة، محورا ونقطةَ ارتكاز لطرح الكثير من الأسئلة والإشكالات التي كان من الضروري التطرُّق إليها، ووضعها تحت مِجهر البحث والتمحيص، في ضوء المنظور الجديد للصناعة القاموسية الحديثة والمعاصرة.

وخصّص الأكاديمي الباب الرّابعَ من كتابه للتوسّع في الحديث عن المشروع الكبير المُدرَج ضمن الآفاق الواسعة للقاموسية العربية، وهو مشروعُ كتابة تاريخ المعجم العربي بكل مَساراته الممكِنة، مقدّما جملةَ ما لديه حوله من أفكار وتصوُّرات قد تفيد أو تساعد العاملين في هذا الميدان والمهتمّين به، على إنارة الطّريق وتوسيع مجال الرؤية، ليكون التناوُلُ شاملاً لمختلف الزوايا والمُنطلقات، حتى ولو اقتصرت التجاربُ الأولى على جانب دون آخر.

عن الكاتب

صحفي

تاونات جريدة إلكترونية إخبارية شاملة مستقلة تهتم بالشأن المحلي بإقليم تاونات وبأخبار بنات وأبناء الأقليم في جميع المجالات داخل الوطن وخارجه.

عدد المقالات : 7245

جميع الحقوق محفوظة لموقع تاونات.نت - استضافة مارومانيا

الصعود لأعلى