العيون المائية بإقليم تاونات.. بني ورياگل بغفساي نموذجا

طارق البكوري-طنجة:”تاونات نت”/تقوم بعض الجمعيات بإقليم تاونات بمحاولة ترميم وإصلاح بعض العيون أو النافورات المائية و ذلك بإمكانيات ذاتية أو مدعمة، بميزانيات هزيلة وبسواعد السكان المحليين. ويعتبر هذا عملا تطوعيا حميدا، يزكي روح التضامن التي طبعت دائما سكان الجبل عبر العصور، و لعل تويزة خير مثال على ذلك.
إلا انه بمثل هاته المبادرات غير المدروسة قد نقضي على هذا الإرث المادي، إن على المستوى التقني و الهندسي : حيث نغطي أحجارا كلفت الأسلاف تقنية و جهدا لا يستهان به ، بخرسانة إسمنتية جفاء و نبدل الطلاء الطبيعي المضاد للرطوبة بصباغة كيميائية، قد تكون مضرة، وإن على مستوى حجم المياه نفسها، فتجارب الترميم بسنوات الجفاف الماضية باءت بالفشل و ترتب عنها نضوب نهائي للعيون و نقص حاد لأخرى.


وظاهرة نضوب العيون التي تعرفها بعض مناطق الإقليم يعزيها البعض، لعمليات حفر الآبار و ضخ المياه لسقي زراعة الكيف التي حلت بنا في السنوات الأخيرة؛ حيث أننا سلمنا بهذا المعطى دون التحقق ودراسة طبيعة هاته المنابع المائية هل هي طبيعية أم محدثة من طرف الإنسان عبر تقنية توجيه المياه أو ما يعرف بالخطارة.
في هذا الموضوع، سأحاول أن ألامس هاته الإشكالية عبر تقديم وصفي لبعض عيون فرقة بني قاسم ( بني ورياگل) بني زروال ولكن قبل ذلك لابأس من إعطاء لمحة عن قبيلة بني ورياگل و عراقتها من خلال ما كتب عنها.
قبيلة بني ورياگل:
هي قبيلة أمازيغية صنهاجية نفسها قبيلة بني ورياغل الريفية و أبناء عمومة قبيلة كتامة. مركزها هو قيادة تافرانت وتنقسم إلى جماعتين : جماعة تافرانت وتضم مشيخة تافرانت، مشيخة ولاد عزيز و مشيخة الزاوية و بني دركول ثم جماعة الكيسان و تضم مشيخة اجبالة و مشيخة الداردار.


1- ما ذكر عن قبيلة بني ورياگل:
• ما قبل الإسلام
– في وصف إفريقيا الصفحة 337 قال محمد الوزان الملقب بليون الافريقي ” جبل بني ورياگل : يتاخم هذا الجبل سابقه ( اي جبل بني زروال… ويخترقه نهر ورغة. وتستخرج من هذا الجبل كمية كبيرة من الزيت و القمح و الكتان و يصنع فيه الكثير من القماش… هؤلاء القوم بطبيعتهم أشداء شجعان، يكونون نحو إثني عشر ألف مقاتل وقراهم عظيمة يقل عددها قليلا عن ستين “.
ثم يضيف في الصفحة 337 – جبل تيزرن ( او كما ذكره مارمول دي كخال، تيزاران وهو إسمه الحالي) جبل فيه عيون عديدة و غابات و كروم وتظهر فيه على الخصوص آثار بناء قديم أخاله من صنع الرومان “
وجاء في النشر ة الأركيولوجية الفرنسية لسنة 1927 على لسان القبطان تسيير tisseyere ” أخرج كل مرة مع قوات الأمن… وأستمر في أبحاثي تحت حمايتهم. فوجدت آثار بنايات تظهر أنها أقدم من أمرگو أو فاس البالي. يصل عرضها حسب الأماكن إلى مترين و طولها دائما يفوق المتر “ثم تحدث عن آثار عين أحمد و بوقلعة.
يذكر أن بني ورياگل كانت تدين بدين اليهودية وأنهم كانوا يقيمون الأعراس يوم السبت (الارشيف البربري المجلد 3 الكتاب 1 لسنة 1918 صفحة 86) وقد أكد لي الأستاذ الجناتي مدير مدرسة بطنجة، أصله من دوار تازاران، أن اليهود كانوا يسكنون دوار البور إلى وقت غير بعيد.

• ما بعد دخول الإسلام*
في عصر الفتوحات الإسلامية سارعت قبيلة بني ورياگل على غرار باقي قبائل ورغة إلى الدخول في الإسلام بل كانت مستقرا لأبناء الخليفة عثمان بدوار عبد الوارث**
وبايعت القبيلة دولة الأدارسة مثلها مثل قبائل ورغة عن طواعية حيث ناصروها وكانوا في طليعة جندها.
ثم عاشرت القبيلة دولة المرابطين بعد فتح يوسف بن تاشفين لقبائل ورغة سنة 458 بعد تمسكها ببيعة الأدارسة واتخذوا منها الجنود و الحلفاء لنصرة الدين في المغرب و الأندلس.
و في العهد الموحدي لعبت بني ورياگل دورا كبيرا في بناء الدولة فاتخدوا منهم الجنود والقواد والحلفاء نظرا لموقفهم المؤيد لمؤسس دولتهم المهدي بن تومرت وانتصارهم لدعوته من بعده.


أما في العهد المريني و الوطاسي، ازداد دور قبائل اجبالة السفلى على المستوى السياسي و العسكري فكان منهم الأجناد وتصدروا المناصب الدينية و الإفتاء في العاصمة فاس و نذكر منهم من قبيلة بني ورياگل وحدها العلامة أحمد زروق و الفقيه الورياگلي خطيب جامع القرويين ومفتي فاس.
وفي عهد عبد الحق المريني، لاذ محمد الشيخ الوطاسي بالفرار لقبيلة بني ورياگل و صاهرهم ثم حالفوه لطرد البرتغال من أصيلة و من بعدها على احتلال فاس وقيام الدولة الوطاسية .
ثم لما استولى محمد الشيخ السعدي على مدينة فاس سنة 955 ه فر بعض الوطاسيين و التحقوا بأبناء خؤولتهم في قبيلة بني ورياگل و استوطنوا دوار البور و دوار خد البغال و دوار تافرنوث وخصوصا وانه كان لهم أملاكا هناك .

وفي العهد السعدي شاركت قبيلة بني ورياگل ب 12000 مقاتل في معركة وادي المخازن و أثناء انتهاء الحرب لحق باقي أفراد الأسرة الوطاسية بالدواوير المذكورة.
أما في العصر العلوي فسنسجل توطين السلطان مولاي إسماعيل لأفراد من الأسرة العلوية بدوار اللذونة ذو الموقع الاستراتيجي بين بني زروال و بني ورياگل و نذكر أيضا بطولات القبائل الريفية ضد القوة القاهرة الفرنسية في معركة البيبان سنة 1925 والتي دارت رحاها بتراب القبيلة.
هكذا إذن تظهر عراقة قبيلة بني ورياگل ومعاصرتها لجميع الحضارات التي مرت بالمملكة المغربية.


توجد بقبيلة بني ورياگل ازيد من 129 عين، 83 منها بجماعة تافرانت و 46 بجماعة الكيسان و لكنه ينقص صبيبها صيفا بل إن بعضها أصبح يجف في السنوات الأخيرة. الأمر الذي يدفعنا للتساؤل حول طبيعة هاته العيون هل هي طبيعية أم هي نقط تجميع و توجيه المياه ، أي خطارات صنيعة يد الإنسان.ومن بين أهم هاته العيون نذكر :
– عين أولمام (الصورة 2) بجوار دوار عين أحمد جماعة تافرانت وهي العين التي تحدث عنها القبطان < تيسيير> حيث وجد آثار قديمة و هذا ما كان ينعته الأهالي بالحديقة الرومانية.
– عين تاسياست (الصورة 4-5) وهي عين تتوسط ساحة دوار تاسياست وعليها مبنى من غرفتين يشبه إلى حد بعيد عين بجزيرة جربة الأثرية بالشقيقة تونس (الصورة 3) والتي تبين أنها خزان لتجميع مياه المطر.
– عين تازاران (الصورة 6-7-8) وهي بالحق ، معلمة تتوسط دوار تازاران و بها حوضين الأول مغلق و الثاني مفتوح بشكل مقوس ينبع منه الماء من الأسفل. و في نظري أن واحد من الحوضين يستعمل لتقعد الماء المجلوب ثم أن هناك تقنية لتطهير و تصفية المياه بين الحوضين


– عين المون (الصورة 11)وهو بئر بجوار دوار دار وليد يظهر من خلال إسمه أنه مخصص لتموين الساكنة بالمياه أو أنه كما < مون المراسي > مخصص لحصر المياه. و يظهر من خروج الماء على السطح في الطريق الرابطة بين المنبع و الدوار احتمالية وجود مجاري تحت أرضية تعرضت للتلف مما أنضب عين دار وليد و جعل سكانها يعانون العطش.
– عين تاسلة (الصورة 10) تتواجد داخل دوار تاسلة و بها سد سطحي ويستنتج أنها فقدت شكلها الأصلي.
– عين السقيفة (الصورة 9) هي الأخرى تتواجد بوسط دوار السقيفة و تحتوي على خزان و مجاري وتشبه عين تافرانت بدبدو بشرق المملكة. لكنها للأسف تحتاج إلى صيانة ، إذا ما تمت ، ستجعل دوار السقيفة من أجمل دواوير المنطقة.


يتضح من التقديم البسيط للعيون السابقة أن هناك احتمال شديد أن تكون هذه الخزانات هي خطارات لكنه للأسف يصعب تحديد فترة إنشائها بالدراسة التاريخية وحدها نظرا لتعاقب الكثير من الحضارات بالمنطقة، وهذا الاحتمال وارد للأسباب التالية :
– شكلها الذي يوحي بكونها خزانات وليست عيون طبيعية.
– تشابهها مع خزانات سبق دراستها كعين جربة التونسية.
– تواجدها بمناطق قلاعية شبه قاحلة.
– توسطها الساحات العمومية، فعلى كعس ما يعتقد أن الحياة تقوم حول العيون فالإنسان القديم كان يختار الموقع الاستراتيجي الآمن ثم يجلب الماء بإمكانيات ضخمة.
– ثبوت وجود خزان تحت أرضي بدوار العنصر القريب من القبيلة .
– و أخيرا، نقصان الصبيب في الفترة الصيفية لكون الخزانات تكون قد قل حجمها.


و ختاما يمكنني أن أقول أن ضخ المياه و الحفر العشوائي للآبار يشكل عاملا رئيسيا في نضوب العيون ولكن حتى جهلنا بها و عدم صيانتنا لمجاريها ، قد يكون أيضا سببا بنيويا في هذا النضوب. لذا وجب القيام بدراسات متخصصة ، و تحسيس الساكنة و المجتمع المدني بالأهمية التاريخية والأركيولوجية لهاته المنشآت المائية ، و كذا الدور التي قد تلعبه على مستوى الجذب السياحي ، وأخيرا و خصوصيا إدماج هاته العيون و مجاريها في قانون التهيئة العمرانية للدواوير.

الهوامش:

* كتاب الشيخ أحمد زروق (محتسب العلماء والأولياء – الجامع بين …للشيخ محمد ادريس الطيب
**
كتاب قبيلة بني زروال مظاهر حياتها الثقافية والاجتماعية والاقتصادية لمحمد بن عبد الله الفاسي الفهري
بعض الصور مأخوذة من بعض المجموعات المحلية مشكورة.

عن الكاتب

صحفي

تاونات جريدة إلكترونية إخبارية شاملة مستقلة تهتم بالشأن المحلي بإقليم تاونات وبأخبار بنات وأبناء الأقليم في جميع المجالات داخل الوطن وخارجه.

عدد المقالات : 7245

جميع الحقوق محفوظة لموقع تاونات.نت - استضافة مارومانيا

الصعود لأعلى