أجيال إعلامية:(إبن إقليم تاونات)امحمد البوكيلي.. الإعلامي الذي أبدع فكرة إذاعة محمد السادس للقرآن الكريم

الاعلامي امحمد البوكيلي خلال تكريمه بتاونات من طرف جريدة “صدى تاونات” سنة 2016

عن موقع -“العمق المغربي “:”تاونات نت”/تقف وراء وسائل الإعلام بمختلف أشكالها، طاقات بشرية هائلة تسهر على إدارتها وتشغيلها والقيام بكل المهام الإعلامية، بهدف إيصال رسالتهم النبيلة في تبيلغ المعلومة للمجتمع عبر وظائف الإخبار والتثقيف والترفيه، وهو ما يُسهِم في تشكيل البناء الإدراكي والمعرفي للأفراد والمجتمعات.

فالإذاعة المغربية التي تعود سنة انطلاقتها إلى 1928. والتلفزة المغربية التي شرعت في بث برامجها سنة 1962، وعلى مدار تاريخهما، مرت أجيال وأجيال من الإعلاميين أثرت وتأثرت بهذا لكيان الذي ترك بصماته عليهم وعلى ذاكرتهم، وكلما احتاجوا لغفوة منه رجعوا بذاكرتهم للخلف ينهلون منها أجمل الحكايات.

 وتبرز في هذا الإطار، أطقم البرامج والنشرات الإخبارية من مخططي البرامج ومذيعين ومحررين ومنشطين وفنيي الروبورتاج والتوضيب وتقنيي التصوير والصوت وعمال الصيانة ومسوقو الإعلانات التجارية الذين يقومون بتنظيم الأعمال التجارية، إلى جانب مسؤولي العلاقات العامة والأعمال الإدارية المرتبطة بإنتاج البرامج والسهر على إعداد النشرات الإخبارية من اجتماعات التحرير إلى بثها عبر الأثير.

فطيلة أشهر فصل الصيف، تسترجع معكم جريدة “العمق المغربي” من خلال مؤرخ الأجيال الإعلامية محمد الغيذاني، ذكريات رواد وأعلام بصموا تاريخ الإعلام السمعي البصري المغربي عبر مسارهم المهني والعلمي وظروف اشتغالهم وما قدموه من أعمال إبداعية ميزت مسار الإعلام الوطني، وذلك عبر حلقات يومية.

الحلقة 86 ستخصصها للإعلامي الكبير امحمد البوكيلي :

ازداد الاعلامي امحمد البوكيلي سنة 1952،بدوار ” ماخوخ “بجماعة الوردزاغ بإقليم تاوناتـ، تابع دراسته الابتدائية والثانوية بمكناس، وهو تلميذ بالثانوي بمدينة مكناس، مارس المسرح مع جمعية مسرح الغد وجمعية العمل المسرحي، التحق بمدينة الرباط للاشتغال بوزارة البريد سنة 1971، وبالرباط لم يجد ما يشفي غليله في المجال المسرحي، خاصة وأن حركة المسرح الهاوي كان آنذاك في أوج عطاءه. تردد على بعض الفرق المسرحية بحي يعقوب المنصور وبدار الشباب الليمون وخاصة بإحدى الجمعيات بمدينة سلا التي كان يمارس فيها الفنان محمد الجم وتعرف عليه من خلال مشاركته في مسرحية كانت تحمل عنوان ”هل من حل”.

وبالرغم من ذلك لم يجد البوكيلي نفسه في هذه الجمعيات، واتجه للتعاون مع التلفزيون في بعض الأعمال المسرحية وكان أول عمل شارك فيه من إعداد أحد رواد المسرح وهو المرحوم العربي بلشهب الموظف بوزارة الشبيبة والرياضة والذي كان يشرف على المهرجانات السنوية لمسرح الهواة.

 وكان العمل المسرحي يحمل عنوان ” العروسة طارت” وكانت تداريب المسرحية تتم في منزل البوكيلي المتواضع والمكون من غرفة واحدة ومطبخ وحمام، بعد هذه التجربة تعامل مع المخرج التلفزيوني محمد العليوي و مع المخرج عبد الرحمان ملين من خلال أعمال كتبها الراحل علي الحداني.

الاعلامي امحمد البوكيلي

أما مرحلة التعاون مع الاذاعة المغربية، فكانت البداية مع فرقة التمثيل الاذاعي ومع المخرج والمؤلف عبد اللطيف السويسي، الذي كان يشتغل أيضا بديوان عبد اللطيف أحمد خالص المدير العام للاذاعة والتلفزة المغربية، وبعد مساهمات متعددة في اعمال تمثيلية اقترح عبد اللطيف السويسي على البوكيلي التعاون كمذيع في الاذاعة لكونها في حاجة لأصوات إذاعية متمكنة من قواعد اللغة والتذييع، قبل البوكيلي الدعوة، وبدأ يساهم في قراءة بعض نصوص البرامج دون علم مدير الاذاعة آنذاك الاستاذ محمد بن ددوش الذي فطن الى الأمر وهو يتأهب للتوقيع على أول تعويض للبوكيلي، فسأل عنه وقيل له ان المعني بالامر موظف بوزارة البريد ويتمتع بصوت جيد وثقافة لغوية محترمة، فاستدعاه الى مكتبه. وبعد التعرف رحب به متعاونا الى جانب الأصوات الاذاعية التي كانت تشتغل في الاذاعة مثل لطيفة القاضي وعبد الجبار العلوي واحمد سعيد العلوي.

 ومن ذكريات هذه المرحلة التي يعتز بها البوكيلي، شهادة قالها في حقه الراحل الشاعر والاذاعي ادريس الجاي، فحين كان البوكيلي يقرأ بمعية لطيفة القاضي مساهمات المستمعين في برنامج ” ناشئة الأدب ” نوه به الجاي وبصوته وثقافته، فهكذا كانت البداية.

مع توالي الأيام لاحظ البوكيلي، أنه أصبح يشتغل حوالي ستة عشر ساعة في اليوم، فبالاضافة لعمله الأصلي بالبريد، كان يقضي ساعات طوال بالاذاعة. وهنا جاءت فكرة الالتحاق اداريا بالاذاعة وتمت العملية بسهولة، وصادفت العملية تولي الأستاذ محمد بنعبد السلام مهام مسؤولية قسم الانتاج.

 وهنا يقول البوكيلي أنه لابد من الحديث عن النقلة النوعي التي عرفتها الاذاعة آنذاك والمتمثلة في بداية البرامج التفاعلية المباشرة، وذلك بإشراك المستمعين في مناقشة البرامج وطرح أسئلتهم على ضيوف الاذاعة مباشرة عبر الهاتف.

الاعلامي امحمد البوكيلي خلال تكريمه بتاونات من طرف إدريس الوالي مدير جريدة “صدى تاونات” سنة 2016 ويتوسطهما الإعلامي والمنشط الفني محمد الشهبوني

وساهم في إطلاق العملية عدد قليل من الإذاعيين الذين كان يضمهم قسم الانتاج وهم بنعيسى الفاسي وامحمد الجفان ورشيد الصباحي والسيدة ليلى وعبد الكبير بنبيش وامحمد البوكيلي والمخرجين بنعيسى حجي وحسن صمان ومصطفى بنيس.

 هذا الفريق كان يحظى بدعم من رئيسه محمد بنعبد السلام الذي يرجع له الفضل في خلق هذه النجوم الاذاعية. ويقال أنه لولا بنعبد السلام ما كان البوكيلي ولا الجفان ولا السيدة ليلى ولا بنعيسى الفاسي، فالفضل كل الفضل يرجع لهذا الهرم الاعلامي الذي حرك الاذاعة طوال أكثر من عقدين من الزمن.

 ويفتخر البوكيلي أن بنعبد السلام مكنه من محاورة عدد من الشخصيات من بينها، الراحل المناضل والسياسي عبد الرحيم بوعبيد والراحل عزيز بلال السياسي ورجل الاقتصاد الكبير…

قدم البوكيلي برامج كثيرة من إعداده او بالتناوب مع زملائه في قسم الانتاج، مثل صباح الخير، ضيف الزوال.

أما البرنامج الذي يعتز به في مساره الاذاعي هو ” الريشة والقناع ” الذي قدمه حوالي خمس سنوات، عالج فيه الأدب المغربي كله واستضاف له معظم الكتاب والأدباء المغاربة في نهاية الثمانينات وبداية التسعينات.

 أما البرامج التي تركت صدى كبيرا في الأوساط الاعلامية، والتي قدمت بشكل جماعي وكان لها الوقع الكبير في حياة البوكيلي وزملائه في الاذاعة، برامج ”الاحد لكم ” وبرنامج ” 180 دقيقة ” الذي كان يقدمه خالد مشبال ثم ” ليالي رمضان” و”قافلة التنمية وقطار التنمية ”…

يتحدث البوكيلي عن أهمية الاذاعة والدور الطلائعي الذي لعبته في معالجة الأحداث الوطنية ومساهمتها في التنمية من خلال ما خلدته من برامج كان عدد من السياسيين والوزراء يتهيبون ويتخوفون من المشاركة فيها. فقد كانت هذه الشخصيات حينما توجه لها الدعوة للمشاركة، كانت تستعد لذلك ومنها من بدأت تتعلم العربية لكي تتمكن من المشاركة في البرامج الاذاعية، فمثلا كان وزير المالية محمد برادة لا يكاد ينطق جملة مفيدة بالعربية وبعد الاستضافة الاولى والثانية والثالثة أصبح رجلا متمكنا من العربية ممزوجة بدارجة نقية.

أما عن تجربة إذاعة طنجة فيقول البوكيلي أنها كانت بالنسبة له امتحانا عسيرا، فبعض أصدقائه المقربين، حين اقترح عليه تولي مسؤولية تسيير إذاعة طنجة حذروه وقالوا له أن هذه هدية ملغومة، ولكنه وبعد وقفة تفكير لم تطل قرر تحمل هذه المسؤولية معتمدا في ذلك على تجربته المهنية كمذيع ومقدم لمختلف أنواع البرامج ومحافظ وعارف بكل خبايا وخصائص العمل الاذاعي، قرر خوض التجربة.

 وعن ظروف التعيين وكيف علم بالخبر، يقول البوكيلي أنه سنة 1994، بعد تقديمه لبرنامج ضيف الزوال، كان يتردد على إحدى المقاهي امام وكالة المغرب العربي للأنباء لقراءة الصحف، وفي طريق عودته الى منزله وقت الغذاء، وأمام فندق شالة توقفت سيارة مدير الاذاعة السيد عبد الرحمان عاشور وخاطبه ” هل تريد أن تذهب الى طنجة ؟ أجابه البوكيلي بنعم ، وقال له هيئ نفسك، وبعد أيام جاء التعيين والتحق البوكيلي بطنجة وتسلم المهمة من السيد خالد مشبال الذي غادر المسؤولية بعد وصوله سن التقاعد.

 تسلم البوكيلي المهمة وكانت إضافة جديدة لمسارا حافل في مهامه الاذاعية، كلها طموح بأن يقدم إضافة نوعية ويترك بصمة في مسار هذه الاذاعة العتيدة، وهذا ما كان بحيث تكللت بالتجربة بفوز إذاعة طنجة بعدة جوائز من مهرجانات عربية ووطنية كمهرجان القاهرة ومهرجان اتحاد إذاعات الدول العربية بتونس…

وبعد تسع سنوات قضاها في طنجة، وفي سنة 2003 تولى مهمة مدير الاذاعة المغربية، وكانت عودة جديدة للعمل الى جانب زملاء وإخوة اشتغل معهم لسنوات، وكانت تجربة مهمة.

من المنجزات الهامة التي تحسب للبوكيلي، إحداث إذاعة محمد السادس للقرآن الكريم، هذا التأسيس يقول البوكيلي أنه جاء بعد جلسات مطولة مع مجموعة من الاذاعيين.

محمد الغيداني

 وقال أن الفكرة ليست بجديدة، ففي بداية السبعينات كانت الاذاعة تقدم كل رمضان إذاعة القرآن وكان يشرف عليها الراحل عبد الحميد احساين وكانت تبث برامجها يوميا من التاسعة صباحا الى حدود آذان المغرب، ولكن التجربة توقفت لسنوات. وهنا تسائل البوكيلي عن إمكانية إحياء التجربة، وبعد نقاشات مع الزملاء والمتعاونين معه، تقرر تحرير مراسلة للمشروع وتقديمها للرئيس المدير العام للاذاعة والتلفزة السيد فيصل العرايشي. هذا الأخير رحب بالفكرة طالبا من البوكيلي تنسيق الأمر مع وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية الأستاذ أحمد التوفيق. وبعد تقديم المشروع لجلالة الملك جاء تدشين الإذاعة التي اختير لها اسم ”إذاعة محمد السادس للقرآن الكريم”، وكان ذلك سنة 2006، تجند الجميع لإخراج هذا المولود الى حيز الوجود وحضي التدشين بحضور صاحب الجلالة الملك محمد السادس، وبعد سنتين من انطلاقتها والأصداء الطيبة التي خلفتها في صفوف المهتمين والمستمعين تقرر الزيادة في فترة بثها حيث أصبحت تبث برامجها على مدار الساعة، وكان هذا النجاح سببا في بروز القناة التلفزية السادسة. وعلى إثر الهيكلة الجديدة الذي عرفها الإعلام السمعي البصري الوطني٬ عين البوكيلي مديرا للقنوات القرآنية (إذاعة وتلفزة محمد السادس للقرآن الكريم)٬ وهي المهمة التي ظل يضطلع بها إلى غاية 2009، حيث كلف بمهمة لدى المديرية العامة للشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة، إلى أن احيل على التقاعد الاداري سنة 2013.

 ويقول البوكيلي أنه كلما استمع لإذاعة محمد السادس أو القناة السادسة إلا وينتابه الشعور بالفخر والإعتزاز لهذا الإنجاز الهام ويشكر الله سبحانه وتعالى أن مكنه من المشاركة والمساهمة في إخراج هاتين القناتين الى حيز الوجود.

حضي امحمد البوكيلي بعدد من التكريمات من عدة مؤسسات وجمعيات، توج من طرف الإذاعة الوطنية وبعض الصحف المغربية كأحسن منتج ومقدم برامج عدة مرات، عضو لجنة الأخلاقيات بالقناة الثانية منذ فبراير 2013، عضو مؤسس وعضو المكتب التنفيذي لنادي الصحافة بالمغرب ، وعضو المكتب الوطني للنقابة الوطنية للصحافة -سابقا- حاصل على وسام العرش من درجة فارس. * المصدر: كتاب “للإذاعة المغربية.. أعلام”، وكتاب “للتلفزة المغربية.. أعلام” – محمد الغيداني

عن الكاتب

صحفي

تاونات جريدة إلكترونية إخبارية شاملة مستقلة تهتم بالشأن المحلي بإقليم تاونات وبأخبار بنات وأبناء الأقليم في جميع المجالات داخل الوطن وخارجه.

عدد المقالات : 7235

جميع الحقوق محفوظة لموقع تاونات.نت - استضافة مارومانيا

الصعود لأعلى