الأستاذ بوزيد عزوزي: “هكذا عاش اليهود بتاونات…”

ذ.بوزيد عزوزي-فاس:”تاونات نت”/ المغاربة اليهود، والمعروفين أيضًا باسم اليهود المغاربة، هم المغاربة الذين يعتنقون الديانة اليهودية، وعلى الرغم أن العديد منهم قد هاجروا، إلا أنهم ما زالوا يحتفظون بمعابدهم الدينية الأثرية والعديد من الآثار، بالإضافة إلى الأحياء القديمة التي كانوا يعيشون فيها المعروف بالملاح.

كان عدد المغاربة اليهود في حدود 250 ألف عام 1940، وكان ذلك الرقم يمثل نسبة 10% من مجموع سكان البلاد، ثم بدأت بعد ذلك هجراتهم إلى مختلف بقاع العالم ككندا والولايات المتحدة ودول أوروبا الغربية بما في ذلك إسرائيل، إلا انه ظل لديهم ارتباط بثقافة بلدهم الأصلي حتى بين أفراد الجيل الثاني أو الثالث من المهاجرين، وظل العديد منهم يحتفظ إلى جانب الجنسية بالجواز السفر المغربي.

ومؤخرا توصلت عبر آلية تطبيق الواتساب من أحد الأصدقاء من تاونات بشريط حول نمط حياة اليهود بالمغرب .وقد وفر لي  هذا الشريط بكل صدق مناسبة لأقدم لجريدة “صدى تاونات” وموقع “تاونات نت” ولكل المتتبعين صفحة من كتابي بعنوان ” تاونات .. تاريخ ومستقبل”، باب تاريخ اليهود بتاونات-، الذي سيصدر قريبا بحول الله ، ضمن مجموعة 9 كتب ، أي بعد إصدار كتابي بالفرنسية حول :كوڤيد.19 مولد النظام العالمي الجديد – حالة المغرب ”  خلال هذا الأسبوعثم أصدر بعده : “اللغة العربية ، محور الحضارة العربية الإسلامية” ، يليه “منهجية البحث” ثم “السياسة الدولية الراهنة والأحلاف الجديدة” ثم :”تاونات ، تاريخ ومستقبل”  ثم مجموعة أخرى من الكتب حول المقاولات والجغرافية الإقتصادية الخ

كان اليهود عندنا في حي حجدريان  بتاونات حتى منتصف الخمسينات من القرن الماضي ، وكانوا يسكنون بالحومة “الفوقية” بجانب المسجد العتيق الذي كان قلعة يونانية غاية في الروعة المعمارية والذي هدم نهاية سنة 1961 وبني مكانه المسجد الحالي سنة 1962 .

في هذا المسجد كنت أحفظ القرآن الكريم وألفية ابن مالك والأجرومية للشنقيطي

 كان أحد هؤلاء اليهود يسمى ” موشي ” يتعاطى للتجارة على ظهر الحمار ، وكنا نسميه “العطار”.كان يبيع لنا الألبسة مقابل النقرة : حلي النساء ، وكان مندمجا كليا في أوساط العائلات والأسر في كل المناطق والدواوير التي كان يزورها يوميا من أجل تجارته

وكان أحد جيرانهم يسمى “العياشي” وهو من عائلة بني مسارة ، تاه في آخر أيامه ، كان كلما أراد أن يأكل لهم وجبة معينة يضع لهم أغلال /الحلزون في الطاجين ، فكانوا  ، دون أن يظهروا أي إزعاج ، يقولون : ” حرمها علينا  العياشي”  فلا يأكلونها ، ويتلذذ هو بالتهامها

وجود اليهود بتاونات كان قديما جدا ولم يبنوا أبدا بيعة هناك للعبادة ، بخلاف المسيحيين الذين بمجرد ما أن دخلوا إلى تاونات ، في إطار عملية الحماية سنة 1912 ، بنوا كنيسة كبيرة ، التى أصبحت لاحقا “محكمة السدد” بداية الستينات قبل أن يشتريها البنك الشعبي حيث مقر وكالته اللصيقة بالمسجد وسط مركز مدينة تاونات حاليا

وفي وسط  مركز تاونات المعروف سابقا ب”البراريك” كان اليهود تجارا كبارا حتى بداية الستينات:اليهودي مخلوف وعائلته الكبيرة سارة وأبرهام وداڤيد وهنري وغيرهم كثر

كان متجرهم يوفر جميع حاجيات الساكنة من حلويات ومشروبات وسجائر الخ ، خصوصا الجنود الفرنسيين والمتعاونين في إطار التربية والتعليم من أساتذة بثانوية تاونات وغيرهم بعد حصولنا على الحرية والإستقلال انطلاقا من 16 نونبر 1955 الذي كان يخلد لعيد الإنبعاث وعودة العائلة الملكية الشريفة من منفاها السحيق بجزيرتي كورسيكا ثم مدغشقر

أشير كذلك إلى أن تجارة “ليهودي مخلوف” ازدهرت كثيرا مع انطلاق أشغال طريق الوحدة من فضاء “خميس الزريزر” حتى “أحد إيكاون” بكتامة منذ بداية 1957 ، إذ كان التسوق غالبا ما كان يتم عندهم من طرف منظمي الورش

كان هؤلاء اليهود أصدقاء لأبي رحمة الله عليه ، وكانوا دائما يأتون عندنا للدار بحومة فريشة بحجدريان كما كنا نأكل عندهم بمنزلهم وجبات عديدة “كالشخينة” اللذيذة جدا وأنواع الدجاج والسلاطات الخ… وكانوا يتناولون كثيرا مشروب الماحية

كانوا تجارا وفنانين ، حتى أن أحدهم كان رساما بارعا جدا يسمى “ليڤي” ، زخرف أحد بيوتنا “الغرفة” بعدد كبير من الحمامات بلون السماء الأزرق .

وكانوا قمة في الأخلاق العالية والمعاملة الطيبة والإبتسامة الداءمة والتسامح .

 كان اليهود يسكنون معنا في دارنا  بدار جدي  بحومة فريشة بحجدريان  بتاونات دار الفقيه العلامة عزوزي سي محمد بن الجيلالي بن الحاج محمد بن الحاج عبد العزيز البريكي الجامعي الهلالي بداية القرن العشرين حتى سنة 1926 سنة وفاة جدي رحمه الله وأسكنه فسيح جنانه

كان هؤلاء اليهود تحت حماية سلطته الإجتماعية والمعنوية والأخلاقية يتمتعون بحصانة ” الذمية” أي الذميون الذين يحميهم ديننا الإسلام الحنيف ، وكانوا معروفين في قبائل مزيات وارغيوة وامثيوة وصنهاجة ومزراوة وبني زروال ب”ذمي العلامة سي محمد الجلالي” .

يهود البراريك أي مخلوف وعائلته ، باعوا محل تجارتهم  “لولد الزردة” من دوار حجر معبذ بتاونات، الذي كان يعمل بألمانيا وعاد إلى المغرب سنة 1961 .

بعد ذلك ، سكن مخلوف وعاءلته بالملاح بفاس حتى بداية 1962 ، ومنها هاجروا جميعهم إلى إسرائيل  .

   ( ……)

المصدر:من كتاب” تاونات .. تاريخ ومستقبل” .

عن الكاتب

صحفي

تاونات جريدة إلكترونية إخبارية شاملة مستقلة تهتم بالشأن المحلي بإقليم تاونات وبأخبار بنات وأبناء الأقليم في جميع المجالات داخل الوطن وخارجه.

عدد المقالات : 7182

جميع الحقوق محفوظة لموقع تاونات.نت - استضافة مارومانيا

الصعود لأعلى