مقاربات في تجليات «صهيل العشق» للشاعر إبن إقليم تاونات أحمد مفدي

 

الشاعر الدكتور أحمد مفدي

الشاعر الدكتور أحمد مفدي

تختزن تجربة الشاعر أحمد مفدي فيضا من التميز،فالقصيدة لديه مضمار ترقل فيها المجازات،وتتبلور الرؤى،وتسري في وديان النفس بالنفس الإيقاعي والرمزي،وهي في تحققها تولج الجمالي في الرؤيوي (بالحمولات الإنسانية الكبرى:الحرية والحياة والمصير) لذا فكل قراءة تفتق أبعادا ثرة،فسبحي في «صهيل العشق» كشف لي راهنية هذا العمل الشعري،بل وقوة استشرافه للتحولات ولواقع وصراع الإنسان الوجودي.

إيراق العناوين:

تضيء لنا في ديوان “صهيل العشق”للشاعر أحمد مفدي،ط1 عام1996 دار البوكيلي/القنيطرة، تضيء دربَ العشق ثريات تسع،فيها الضفاف والحدائق والأشجار وزلاغ والوادي والنورس،وفيها العشق والأشواق واللقاء والصحو والنسيان والغد والصهيل،والبراعة و السير إلى عينيها وخلع النعل في قداسة الشعر.

«صهيل العشق»معلقة لفاس ودرب للسير نحو الشعر:السير على ضفاف النسيان،ورفيف شوق لمعانقة الفجر:براعة،حدائق الصحو،أشجار النورس عيناك،معلقة الأشواق،في درب الهكار،ألقاك غدا،فاس:صهيل العشق،والكأس زلاغ،وختام الديوان أمر ألذ من الشهد:اخلع نعليك بوادي الشعر. وتحيل العناوين إلى دلالات منها:

المكان:فاس،زلاغ،درب الهكار،واد،حدائق،ضفاف.

العشق والشوق:صهيل،الأشواق،العشق،الشعر،عيناك.

العروج:السير،اخلع،ألقاك.

الصحو:غدا،الصحو.

اليقين:الكأس.

الصهيل:

ما كان الصهيل إلا شموخا وفروسية ومجدا،وكان عنوان هوية وجود.ووجدان الإنسان العربي يسكنه الصهيل،بل سكن روح النبوة،”وَوَهَبْنَا لِدَاوُدَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدِ إِنَّهُ أوَّابٌ * إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِىِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ * فَقَالَ إِنّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ * رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحَاً بِالسُّوقِ وَالأعْنَاقِ ).سورة ص الآية 30/33.ولن نخوض في مجمل التفسيرات والتأويلات،والتي لا تنفي جميعها الجلي في الآيات:إني أحببت حب الخير. فخير الخير،الخيل. وروى عبدالله بن عمرو بن العاص ــ رضي الله عنه ــ قال : ( أصاب رسول الله (ص) فرسا من جدس ( حيّ باليمن ) فأعطاه رجلا من الأنصار وقال :  إذا نزلت فانزل قريبا منّي فانّي أتسارّ  إلي صهيله ) ، ففقده ليلة فسأل عنه ، فقال له الرجل : يارسول الله أنا خصيناه ، فقال (ص) : ( مثّلت به مثلت به مثلت به الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة ، أعرافها أدفاؤها وأذنابها مذابّها ، التمسوا نسلها ، وباهوا بصهيلها المشركين ) .

والصهيل جموح وطموح وتوق،وعشق للانبلاجات،وخوض للأراضي البكر،يقول الشاعر في قصيدة فاس صهيل العشق والكأس زلاغ،«من سكب الراح صهيلا ومجرات نجوم/وثريا،ما بينهما طرف غزالة..!؟».

والصهيل بوح يبشر باكتمال القصيدة،ويرسم شوقها على سماء الوجد،والصهيل نداء الحرية ،الصهيل جنون:«اللاهث مجنون،يلتقط القول النازف أنفاسا يغمسه/محروقا في جسد اللغة الولهى» قصيدة :ألقاك غدا،والصهيل تحول ومكابدة العابد الواجد في محراب الواحد،والصهيل عروج نحو سدرة النور.

 معمار النص الشعري لدى مفدي:

 براعة وحذق لا حاجة فيه إلى دليل،فبمجرد ما تشرع في القراءة ،يغمرك انتشاء متوهج،ينشأ من خفي وسحر الإيقاع الرافل في أفياء التراث،ومن أسرار البناء الملتحم المصبوب صبابة،الفياض بماء العبارة وترقرق اللغة ولذة ما تعبق به من إيحاءات،وفتنة الصور الشعرية وتسلسلها وتعالقها في وحدة النص.وسنعرض لقصيدة (السير على ضفاف النسيان)وهي الأولى في ترتيب القصائد بالديوان كنموذج.تفتتح القصيدة بمقطع من ثلاثة أسطر«يا من تحتجزين بعينيك:شهابا/يتنور في السدفة أنداء وإهابا…/وسنابيل سناء..!» ولاتغفل ما تفعله النون وأثر التنوين  في هذا المقطع في النفس وهو يتكرر أربع مرات،في دفقات تشد وثاق القصيدة،يعضدها تكرار النداء سبع مرات،وتعزيز وتلوين ذلك بالاستفهام والأمر.فضلا على طول الجمل الشعرية واستغراق الصور لأكثر من جملة.وتردد تقفية المقطع المكرر في ثنايا القصيدة:(شهابا،إهابا،سرابا،شرابا،يبابا،)وما يوازيها(نهاية،بداية،وشاية،غواية).

وتختم القصيدة بأسلوب الأمر:«ناديتك يا ساكنتي/كي يومض ما فيك من العشق/ردي للعبد الآبق ما قد سلبا/وأزيحي عن قدميه الرسن المسنون،حتى يتملا في أرجاء/العتق هواء…!».فكيف يدرك جمال هذه الصور الشعرية دون فك بنياتها الرمزية؟ والكشف عما للتكرار من أدوار فنية بلاغية،وإيقاعية.

والتكرار اختيار فني وملمح أسلوبي تتجلى فيه الأبعاد النفسية لمنتج الخطاب والأبعاد الدلالية والإيقاعية والتركيبية اللاحمة لبنية النص، فضلا على امتداداته نحو التلقي والتداول،وكما للتكرار غايات وأبعاد فله محل وصور يتخذها كتكرار الأصوات كالحروف مثلا،أوتكرار الألفاظ أوالرموز أو البنى التركيبية صغرى كالإضافات وأشباه الجمل،أوكبرى  كتكرار الجمل والصور.فقد تكرر لفظ الشوق 21 مرة بصيغ متعددة مفردا وجمعا،وتردد الكأس 15 مرة بلفظه المفرد،حفت به ألفاظ النور:الصفو،النور،سناك،وتشير إلى شراب اليقين..وتكرر لفظ معضد للنور وهو لفظ الصحو 13 مرة. فضلا على ألفاظ الليل والشمس والفجر والبهاء والدمع واللوعة والرحلة وغيرها،وكذا تكرار الأنساق والأساليب مثل الاستفهام والشرط.

كعبة التجليات:

صفة الكعبة أنها قبلة الجهات،ومركز التجليات،ومنزل الكرامات ،وفي ديوان صهيل العشق،التقت جهة الدفقات الصوفية في عشق الواحد والشوق إليه،بجهة حمحمة عشق الوطن،ومن نسائمه:المشتى وفاس ،وليست فاس سوى طيب من طيوب الوطن المعشوق ومقام من مقاماته، بل إن الوله لينداح فيسع الأمة العربية والكون.فجهة ما يرسمه الشاعر من حلم بفجر يغتسل الإنسان في نوره الحر:(الفرس،الصهيل،الإبحار،الرحلة،الإسراء،والعروج).

ثم جهة رمز إليها بالغزالة وكنى عنها بالكأس فكانت عين الحقيقة.تلك هي الجهات وهي ذاتها القبلة:«كنت العاشق والمعشوق تكابر أن تنسى/أمتك الولهى زمن الإفلاس»من قصيدة في درب الهكار.هي أربع تجليات:

1ــ عشق الله:(النور والعروج)

2 ـــ عشق الوطن:(الفجر والأشواق)

3 ـــ عشق الإنسان والحرية:(الرحيل والظمأ والمكابدة)

4 ــ عشق القصيدة واليقين والحقيقة(الكأس والغزالة)

ففي جهة التجلي الأول /العشق الصوفي نقرأ:«ويسير إلى القلعة صوفيا يحكي/قصة من مات وفي فمه وهج محظور..!»من قصيدة حدائق الصحو:«فالعشق مراتب ينهزم الفارس إن رام نزاله»ص96. يقول محمد بنعمارة في كتابه الهام: الصوفية في الشعر المغربي المعاصر ط1ـ 2000 ــ المغرب ص 80:«نجد أحمد مفدي في قصيدته:”اخلع نعليك بوادي الشعر”يستعد لإدراك منتهى السدرة،وهو يحاول أن يتطهر من إثم عنصره الناسوتي.ويقف في منعطف برزخي بين نورانية القلب،وظلامية النفس.يخاطب الكينونة المظلمة،بلغة الكينونة المشرقة مستمدا من ظلال السدرة والعروج إليها معاني تلك المخاطبة:أحمل في القلب ظلال السدرة واعرج/في علياء الوهج/واقطف من شجر الزقوم بقايا الإثم/تطهر ما/في النفس من الظلمة والأوزار/واملأ راحتك اليمنى ببهاء الشمس.»وجلي ورود ألفاظ:السدرة،اعرج،بهاء،وتلك الثنائية التي أشار إليها الدكتور بنعمارة رحمه الله،ثنائية النور والظلام وما يزخر به معجمها ليضيق المجال لتناوله في هذه الورقة،واحتيج فيه إلى مقال يفرد الحديث عنه،لما يكنزه الديوان من خصوبة الرؤى،وثراء الأنساق الجمالية.

وفي جهة التجلي الثاني،يقول في فاس:«ياصاحبتي لألأة أنت وفاس صهيل العشق بعينيك مدى/والكأس زلاغ.»ص96. فاس في عيون الوطن عشق،وصاحبته هي حلمه الساكن فيه،بهاء الحرية المشتهى،المضيء الفياض بالنور وبالأحلام،وزلاغ علو في تاجه كأس الحقيقة،وشمسها. يقول:«لوأني خلدت بهذا الكون الشاسع ما أحببت سواك /يا أيتها الممشوقة من لهب الجذب/مدي شفقا نحوي،وانسكبي قوس قزح،ها أشطان القلب إذا نامت عيناك/تتدلى/كي أتلفت،حيث أسير يلاحقني شواظ هواك…»من قصيدة معلقة الأشواق.ويقول في أشجار النورس عيناك:«ياصاحبتي/قولي ما شئت من الأعذار/لومي ما شئت من اللوم/فاللوم على شفتيك بقايا الأشعار/وأنا لا أعرف أن أكتب إلا عن وطني..!»فالشاعر تسكنه قضية الوطن،الوطن المكان،والوطن الإنسان،لا تسلم قصيدة من هذا الهاجس،بل لا تكون القصيدة قصيدة لدى مفدي إلا به وفيه وعنه وإليه،به تورق رؤاها،تلقاك في منعطفات النص الشعري بصور وأساليب كقوس قزح،لكنها وإن تعددت ألوانها هي ذات نبض واحد.

في المقبوس الأول يعانق الجذب والوجد الصوفي عشق الوطن،والصورة منيرة ملونة: شفق،قوس قزح،شواظ.والحركة فيها حركة نفسية وحسية مضطربة عنيفة لأنها تجسد وتصور جيشان عاطفة وصهيل عشق:مدي،انسكبي،تتدلى،أتلفت،أسير،يلاحقني.وتأمل وشوشة الشين في هذا العشق،وترقرق القاف:الممشوقة،شفقا،قوس قزح،القلب،يلاحقني..وهذا ليس سوى ملمح من ملامح الانتشاء الشعري والترصيع الفني.

 ويقول في التجلي الثالث،الذي وسمناه بالرحيل والمكابدة:« كنت القارئ كف الصمت،وأحلم بالوعد،وأرسم في القلب/صداك»ص98.ويقول:«أحمل في القلب ظلال السدرة واعرجْ/في علياء الوهج»ص119.ويكويه شوق:« قد تجري بي القدمان ويسبقني الخاطر منصاعا../إذ أعلو قمم الأطلس والشوق زلاغ…/لكن مابين الوادي/والقمة خاصرة أنبُتُ فيها ملفوفا بالشعر وأمشي/ملتاعا…!»ص105.

ويرمز في التجلي الرابع إلى عين اليقين بالغزالة والظبية مرة،وبالكأس مرات:«الظبية شاردة ينبت في عينيها النورس والمرعى عوسج..!/يا أيتها الظبية/سيلي دفئا كالشمس تلفع أطراف الوادي»حدائق الصحو.والترميز في هذه الصورة الشعرية مثقل بما حبلت به المرحلة التي كتب فيها النص،فالمرعى والوادي يحيلان على الوطن،والعوسج شوك والنورس حلم.أما الكأس فهي وإن تلونت سياقات ذكرها إلا أنها تدور في فلك دلالي يجمع بين الروح المعرفة والعروج والنور واليقين:«قد علمني الشعر وهذا السمت الموحش أن أشرب في الكأس سناك» فاس صهيل العشق والكأس زلاغ.فالكأس روح الشاعر وهيولى القصيدة.

والعالم يضحك من وله الأقزام:

لا يخطئ نظرك وذوقك ما يلج بصيرتك من ملامح النقد اللاذع للمتخاذلين والأقزام في أرواحهم ،بل والسخرية منهم،فالصهيل حريق وكف تقبض على يقينها بمعانقة الفجر.وتردد معجم كاشف،يفضح النابحين والمستغلين ،ومن  مفردات هذا المعجم:الذئاب،البغاة،الوغد،خفافيش الليل،غيلان ،غاو،مارد،متعجرف ،السحت،عواء،عاق،الأبواق،أفاعي..غر…(عجيب تردد الغين في هذا المعجم كأنما غين الغول تناسلت أو انفرطت ظلمتها) يقول في قصيدة براعة:«لا تشرب من المهل المدار شرابه!!/بين مهلهم،وبين رحيقك الأشهى مسافة أن تفيق..!» وهذا سر تردد لفظة الصحو 13 مرة.فالصحو تجل ورؤيا وبهاء،صفت به وله البصيرة.

تجليات التراث:

 1 ــ على مستوى المعجم:

نمثل لذلك ب :أشطان،الباشم،ظعن،القيصوم،الحادي،الداعص،الرسن،الدو، وكنات،،العثم ،الحنو،أعلاق،الكنس،آرام،العنام،البان،الرسن،يرقل…

ولا تخفى صلة هذا المعجم الوثيقة بالصحراء،وبفيوض القصائد والمعلقات والمذهبات والقلائد،وما سار في الآفاق من لذيذ الشعر العربي،المحتفل بالصحراء ساكنها وكائنها،والظاعن فيها بين االقيصوم والحنو،والراحل في مسراها الواله بحاديها.

2 ــ على مستوى التناص:

والتناص هو ما أشارت إليه اكريستفا بقولها:«النص ترحال للنصوص و تداخل نص في فضاء نص معين تتقاطع و تتنافي ملفوظات عديدة مقتطعة من نصوص أخرى»علم النص – جوليا كريسيتفا : ترجمة فريد الزااهي ، توبقال للنشر ، ص 21 . وأقلي اللوم ص13.(يقول جرير: أَقِلّي اللَومَ عاذِلَ وَالعِتابا /وَقولي إِن أَصَبتُ لَقَد أَصابا)هزي الكون ص16. هزي ص107. ( وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا (25) سورة مريم) فيؤز الصامت أزا ص44(أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا (83 سورة مريم).تزاور عنه السحب ص50. لاتزاور ص106.( وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال وهم في فجوة منه ذلك من آيات الله من يهد الله فهو المهتدي ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا) الآية 17 من سورة الكهف وحملت عصاي أهش بها ص51.( قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَىٰ غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَىٰ (18) قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَىٰ (19) سورة طه ،من دبر ص12(وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ) سورة يوسف الآية 27.اخلع نعليك:( إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ ۖ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى)سورة طه الآية 12. فالشاعر تنهل روحه من فيوض القرآن،رجاء وشوقا وعشقا وإسراء وعروجا،وشهابا وفجرا.

3 ــ على مستوى البناء والتشكيل:

يجرد الشاعر من ذاته ذاتا يخاطبها:«يا من تحتجزين بعينيك شهابا»ص12.«يا صاحبتي/ أشجار النورس عيناك..!»ص53.«يا صاحبتي/قد تجمح قصيدتك المسبية في الأكواب/مدامة»ص104.وهو في ذلك يستلهم تجربة الشاعر العربي في تراثنا الشعري:كقفا نبك مثلا.وهذا ليس غريبا من شاعر صاحبَ أستاذ التاريخ الأدبي الكبير نجيب محمد البهبيتي،وجاس بالجسد والروح كل تفاصيل القصيدة،وولج واحات الشعر المغربي في خمائله و صحرائه،ففتق أزهار المعاني،وكشف مواكب ومواطن الجمال،فحاز الإبداع من كل أطرافه،وأعلى لواء وبرهان البراعة.

الرمز الشعري:

يقول مفدي في قصيدة ألقاك غدا:«ما أكتب من أبجدية صلصال العصر،وبعض القول مُعَمَّى؟» ولربما هذا ما يفسر التكثيف الشديد،وتغليف العبارة بأردية المجازات المضفورة،فلا تفصح القصيدة عن سرها،بل توغل في النأي المغري اللذيذ،وتتمنع بغنج فاتن،لذا نجد ثلاث مستويات أسلوبية في ما يتصل بالوضوح والغموض،والمعجم والموضوع:

1 ــــ جزالة الأسلوب وثراء العبارة ،وجنوح المعجم إلى التراث،وأوضح مثال قصيدة:براعة.

2 ــــ حلاوة الأسلوب ووضوحه الفني،وقرب المأخذ،وكنموذج  نشير إلى قصيدة: أشجار النورس عيناك.

3 ــــ  نصوص جمعت بين الإيغال في الترميز وتكثيف الصور الشعرية،كما قال الشاعر:«ما أكتب من أبجدية صلصال العصر،وبعض القول مُعَمَّى؟».ص86.

 فنجد من الرموز الشعرية التي حفل بها الديوان: النورس،الحمامة،الخفافيش ،الغزالة،الظبية،الغيلان،الأفاعي،الذئب،الرسن،الشمس،السنبلة،الفجر،الكأس..(تكرر رمز الكأس15مرة.) والعوسج..الرمل…وقد سبقت الإشارة إلى الدلالات الرمزية والجمالية للكأس.وينظر إلى هذه المجموعة من الرموز الشعرية على النحو الآتي:

ـــ الرموز الإيجابية (العشق والنور):النورس وهو رمز يوحي بالأمل والحياة،والحمام وهو رمز يفيض عشقا:«لكن يخضل الشعر المسكون حمائم عشق/يحدو قافلة اللوعة والحب أمارة..»ص88.يضاف إلى ذلك الغزالة والشمس والفجر والسنبلة والكأس.

ــ الرموز السلبية(الليل والقيد): الخفافيش ورد بصيغة الجمع وهو معادل لكل سلبي مظلم.ويندرج مع هذا الرمز:الغيلان والأفاعي والذئب والعوسج والرسن..فهي رموز تجمع دلالات الخداع والمكر والإفساد والظلم والإيلام بل والتعذيب…

القارئ:

يحدد ريفاتير الظاهرة الأدبية بكونها « ليست إلا علاقة جدلية بين النص والقارئ .»وبدون القارئ لا تكون هناك نصوص أدبية على الإطلاق.حسبتيري إيجلتون.وتحدد إمان سلون كيفية تشكل معنى أو فهم من بين المعاني: المعنى في النص لا يصوغ ذاته أبدا، بل إن على القارئ أن يحضر في المادة النصية لكي ينتج المعنى.يقول الشاعر أحمد مفدي:«لما فقد الرسم وإعجام الحرف قراره /لو يعرف قارئها الفذ مزاره ».ألقاك غدا.ونرجو أن نكون بهذه المقاربة قد حاورنا«صهيل العشق»وكشفنا بعض سحره وسره.وتضمخنا بطيب من طيوب ذلك القارئ الفذ.

أمجد مجدوب رشيد/شاعر وكاتب

أمجد مجدوب رشيد/شاعر وكاتب

أمجد مجدوب رشيد/شاعر وكاتب

عن الكاتب

صحفي

تاونات جريدة إلكترونية إخبارية شاملة مستقلة تهتم بالشأن المحلي بإقليم تاونات وبأخبار بنات وأبناء الأقليم في جميع المجالات داخل الوطن وخارجه.

عدد المقالات : 7245

اكتب تعليق

لابد من تسجيل الدخول لكتابة تعليق.

جميع الحقوق محفوظة لموقع تاونات.نت - استضافة مارومانيا

الصعود لأعلى