رحلة تاريخية من جبال تاونات إلى بلاد اسكندينافيا

 طارق البكوري-طنجة:”تاونات نت”/- يقع إقليم تاونات في مقدمة سلسلة جبال الريف بجهة فاس مكناس، يضم قبائل عربية تستقر جنوب نهر ورغة، تابعة لدائرتي قرية با محمد و تيسة؛نذكر منها قبيلة احياينة ، قبيلة ولاد جامع وقبيلة اشراگة… ثم قبائل أمازيغية عربت، ابتداءا  من الهجرات قبل الهلالية ومنها قبيلة بني زروال، فشتالة، بني ورياگل، سلاس، الجاية، صنهاجة، مزيات،ارغيوة، امثيوة،امرنيسة…

 تعيش هذه القبائل في تضاريس وعرة داخل المجال الإداري لدائرة غفساي، تاونات و طهر السوق.

ورغم أن هاته القبائل تبنت اللغة العربية، إلا أنها لا زالت تستعمل مصطلحات أمازيغية، خاصة في أسماء النباتات، الدواوير والأواني … مما يجعل لسانها مخضر ما وغنيا من حيث حمولته الثقافية.

 استقراؤنا لهاته الثقافة عموما ولتاريخ المنطقة خصوصا، يصطدم غالبا بشح المصادر الأدبية والمعلومات الموثوقة، مما حدا بنا إلى تبني منهجية طوبونيمية، انطلاقا من مبدأ: أن الحقيقة الثابتة في التاريخ هي الجغرافية.

 الغاية هو الوصول إلى فرضية قابلة للمساءلة ثم البرهنة العلمية الأكاديمية.وسنحاول أن نبين في هذا الموضوع، أن أسماء جل الجبال وبعض الدواوير والوديان الكبرى، بمجال الدرس الذي حددناه في القبائل ذات الأصول الأمازيغية بإقليم تاونات، هي مستمدة من الديانة النوردية الجرمانية.

 من أجل ذلك سنحاول أن نجيب عن السؤال الأولي التالي : هل هناك احتمال أن الأمازيغ الأوائل اعتنقوا هاته الديانة قبل دخول الإسلام؟ 

الجواب نستحضره من قول ابن أبي الزرع في الأنيس المطرب ” وقيل كان يسكن فاس قبيلتان من زناتة: زواغة وبني يزغن، وكانوا أهل أهواء مختلفة، منهم على الإسلام، ومنهم على النصرانية، ومنهم على اليهودية، ومنهم على المجوسية وكان بنو يزغن يسكنون بخيامهم بحومة عدوة الأندلس الآن، وكان بيت نارهم في موضع يعرف بالشيبوبة”.

وكذلك مما ذكره ابن خلدون في ديوان المبتدأ والخبر: ” وكان دينهم المجوسية شأن الأعاجم كلهم بالمشرق والمغرب إلا في بعض الأحايين يدينون بدين من غلب عليهم من الأمم…” .

نستنتج إذن أن الأمازيغ اعتقدوا بالمجوسية ثم نلاحظ أن ابن خلدون تعمد التفريق بين مجوسية المشرق ومجوسية المغرب. وأشهر مجوسية شرقية هي الزرادشتية الموحدة التي تومن بالإله الأوحد ” أهوار مازدا” الإله الحكيم ،تستمد تعاليمها من كتاب الآفيستا  .

أما مجوسية الغرب فأشهرها والتي أثرت في كل الأساطير الأوروبية هي الديانة النوردية الجرمانية والتي تعتبر مجوسية نظرا لاستعمالها النار الموقدة على الدوام أثناء ممارسة الطقوس.

 هذا ما عبر عنه محمود أبو الفيض في كتاب ” الدين والفلسفة والعلم ” ص 139 ” وأطلق العرب اسم المجوس على قرصان النورمان، والسكاندينافيين الذين حاولوا في القرون الوسطى اقتحام السواحل أو الحدود فى بلاد الغرب الإسلامي” أي الفيكينك.  ذه المجوسية تختلف عن الأولى في كونها متعددة الآلهة و التي تسمى آس Ases (كما في لعبة الاوراق الآس يحتل المرتبة الأولى) و وهي مستوحاة من الأساطير الشفهية المتوارثة، و من الكتابة الرونية Futhnark ذات الدلالات الدينية و السحرية ثم من مخطوط إيدا النثرية للكاتب الايسلاندي سنوري ستورلوسون snorri sturluson الذي دون الأشعار الأسطورية  edda poétiques ابتداءا من سنة 1220 م.

سؤالنا الثاني يتحدد في ماهية المجوسية الممارسة من طرف الأمازيغ الأوائل و التي نستقي جوابها من التقارب الثقافي بين سكان مجال الدرس و الشعب الإسكندنافي و هذا من خلال الدلالات الثقافية الأصيلة التالية

ثويزة :ويعني التعاون بالأمازيغية، تقابلها Tiwaz الحرف الروني الذي يدل على الإلاه Tyr ابن الإلاه أب الجميع الذي بثرت يده أثناء تعاون الآلهة على ربط الذئب فنرير العملاق الذي كان يهدد الكون

الهيتي:وهي رقصة جماعية ذكورية تتخللها بعض الأشعار الزجلية يقوم ناظمها بطريقة ارتجالية و بالمرموز مدح أو قدح أحد الحاضرين دون ذكره مباشرة و هو نفس المعنى في شعر Heit عند الإسكنديناف مثله مثل نداء الرعي kunnig في ذكر الآلهة و هو ما نترجمه بالعيوط أو العيطة.

السيد:هو المصطلح الذي نطلقه على الضريح سواء كان الولي الصالح ذكرا أو أنثى و يقابله سيد Seid و هو طقس يمارس فقط من طرف النساء و يبتغى منه الاطلاع على القدر.

ثم من التقارب اللغوي بين الأسماء الجغرافية في مجالنا مع البنتيون ( مجموعة الآلهة) في الميثولجيا النوردية الجرمانية .و تفصيلا إليكم هاته المحاولة:

زدور: جبل يقع بجماعة عين مديونة و يقابله الإله Svedor سفدور و هو إسم من أسماء الإلاه الأكبر ” أب الجميع” Allfather”. إلاه الحكمة والحرب.

الكيل: جبل يقع بعين مديونة. الإلاهة كيل kil أو hel إلهة الموتى وهي بنت الإله لوكي  Loki و هو إلاه الخداع ذكره ابن أبي الزرع و البيدق و آخرون لكاي لوكاي و نربطه بجبل الكيل، لكن الأرجح في نظري أنه هو الجبل الذي تبدل اسمه لجبل الأقرع.

ثوار: جبل يقع بجماعة ارغيوة ويقابله الإله Þórr ثور بفتح الواو و هو إلاه الرعد و البرق.

الصف : جبل بجماعة بني وليد و هو الإلاهة Sif صف زوجة الإله ثور ، صاحبة الشعر الذهبي.

درينكل : جبل ببني وليد مشتق من Dellingr إلاه الفجر.

تاونات : كلمة مركبة من Town بلدة و نات nòtt و هي الشخصية التي ترمز لليل بنت العملاق نرفي Narfi الذي ظهر في شكل لوكي و هي زوجة دلينغر.

داغل : جبل بجماعة تمزگانة أصله الإله داغر Dagr إلاه النهار ابن ديلنغر الفجر و نات الليل.

بلوطة : جبل بتمزگانة من blóta بلوطة وهو جمع blót طقس الأضحية في فصل الشتاء.

تيفروس أو تيفروست: جبل ببني بربر،جماعة بوهودة، يفصل إقليم تاونات عن إقليم الحسيمة و هو مشتق من بيفروست  Bifröstقوس قزح الذي يربط بين أسكارد (السماء) و ميدكارد ( الأرض).

بونينة : جبل بتاونات، و هو مصطلح مركب من bo و هو المقام أو المحل أو البيت ثم نينة أصلها نانا nanna إلاهة القمر.

بوفول : جبل يوجد بتاونات و هو بو Bo أي المقام ثم فولة Fulla إلاهة الخصوبة.

بوهودة : جبل بجماعة بوهودة و هو مركب من بو المقام و هودة من Höd الإلاه الأعمى.

بوعيدون: دوار بجماعة فناسة باب الحيط و هو مركب من بو المقام و عيدون idunn   إلاهة تفاحة الخلود و الشباب.

بوردود : تلة و دوار بجماعة الزيرزر و هو مركب من بور bǿr أي الحقل أو المدينة ثم död الموت بمعنى مدينة الموت

أسمل : دوار ببوهودة مركب من As الآلهة و مل Moll أقوال أي أقوال الآلهة.

أسكار : فالق صخري بالزريزر وهو مركب من كلمتين أس Ases الآلهة ثم kar كار بمعنى الحجر حجر الآلهة

أسرى : وادي ويتكون من أس Ases و Ra  را وهو المجرى أي مجرى الآلهة.

أوضور : وادي وهو مشتق من Óðr أوضر إلاه الزرع، زوج الإلاهة فرية. بعد زواجهما سافر إلى بلاد بعيدة فحسبته الآلهة توفى، بكت فرية دموعا من ذهب، تحولت إلى عنبر بمجرد سقوطها على الماء.

أولاي : وادي وهو مشتق من Ullr أول و هو إلاه الشتاء، صاحب الذرع، الذي يحمي المحاربين ويستطيع العوم بواسطته فوق الماء.

أمزاز : وادي مشتق من الحرف الروني Īsaz  أيزاز و هو رمز الثلج دلالة على الهدوء.

گلاز : دوار مشتق من الحرف الروني Hagalaz  و تعني البَرَد  grêleو هو رمز الماء أصل الحياة.

من هذا النموذج الورش، نستخلص أن المحيط الجغرافي ليس فقط مجالا للعيش بل هو امتداد أنطولوجي للذات الانسانية، ساقنا هنا إلى حضارة نتصور أنها بعيدة كل البعد عنا.

فيا ترى ما هو سر هذا التقارب الثقافي و اللغوي؟ هل العرق الآري المختلط نتيجة الهجرات الهندو-أوروبية المتأصلة من ثقافة يامنة؟هل  هو من مخلفات حكم الوندال أثناء غزوهم أو أفولهم بعد الهزيمة؟ أم هو من معاشرة تجار الفيكينك؟؟؟

عن الكاتب

صحفي

تاونات جريدة إلكترونية إخبارية شاملة مستقلة تهتم بالشأن المحلي بإقليم تاونات وبأخبار بنات وأبناء الأقليم في جميع المجالات داخل الوطن وخارجه.

عدد المقالات : 7232

جميع الحقوق محفوظة لموقع تاونات.نت - استضافة مارومانيا

الصعود لأعلى