صدى عودة السلطان محمد الخامس من المفنى بقبيلة بني وليد بنواحي تاونات

صدى عودة السلطان محمد الخامس من المفنى بقبيلة بني وليد بنواحي تاونات

صدى عودة السلطان محمد الخامس من المفنى بقبيلة بني وليد بنواحي تاونات

شكل حدث نفي السلطان محمد الخامس في 20 غشت 1953، منعطفا خطيرا في تاريخ الحماية الفرنسية بالمغرب، فمنذ أقدم الفرنسيين على هذا الفعل خرج جل المغاربة، في البوادي والمدن للاحتجاج والتظاهر والمطالبة إرجاع السلطان الشرعي لعرشه، غير أن تعنت الإدارة الاستعمارية، وإصرارها على عدم الخضوع لمطالب الشعب المغربي، انطلقت العديد من العمليات الفدائية غير المنظمة، استهدفت رجال الاستعمار ومصالحهم الحيوية وكذلك زبانيتهم من الخونة وعباد المصلحة الشخصية، وتعتبر العملية التي نفذها الشهيد علال بن عبد الله من أجل اغتال السلطان الصوري محمد بن عرفة أبرز هذه العمليات على الإطلاق.

وهكذا توالت العمليات الفدائية لتصبح منظمة بشكل سيري في إطار منظمات، استهدفت كل المصالح الاستعمارية بالبلاد، ولم تكن قبيلة بني وليد في معزل عن هذه المجريات، بل انخرط رجالها في صميم أحداثها وبرهنوا عن الروح الوطنية التي تملأ قلوبهم، وعبروا عن ذلك بنقل الفدائيين والأسلحة القادمة من الشمال نحو مدينة فاس، وهكذا أضاف أبطال بني وليد جهادهم إلى جانب جهاد إخوانهم في باقي أقاليم المملكة المغربية، مما شكل قوة ضغط على الاستعمار الفرنسي، الذي اضطر مرغما أن يعيد رمز البلاد السلطان الشرعي بتاريخ 16 نونبر 1955، هذا الحدث (حدث عودة الملك محمد الخامس)لم يمر بصمت دون أن يحرك ساكنا في سكان بني وليد الذين كان العديد منهم إذ ذاك منخرطون في صفوف جيش التحرير، بل إنهم استغلوا هذا الحدث فرصة للتعبير عن مدى انتصارهم على الاستعمار وزبانيته.

وهكذا خلد سكان بني وليد ملحمة تاريخية لا يمكن تجاوزها أو نسيانها، دون الوقوف عندها، هذه الملحة ما هي إلا تلك المظاهرة التي نظمها السكان بمركز بني وليد احتفلا بعودة الملك الشرعي لبلاد، وإعلانا رسميا بانقضاء عهد الحجر والحماية. وفي هذا الصدد يحكي أحد المشاركين في هذه الملحمة وهو السيد محمد الدشر، عن طريقة تنظيم هذه المظاهرة وردود الفعل السلطات الاستعمارية بالمنطقة منها، إذ يقول بأنه بعد عودة جلالة المغفور له محمد الخامس من المنفى، اتفق بعض السكان، وخاصة منهم بعض أصحاب الدكاكين بمركز بني وليد، على القيام بتنظيم مظاهرة تعبيرا عن غضبهم وسخطهم على الاستعمار الفرنسي، غير أنه في صباح اليوم الموالي لم يجتمع إلا عدد قليل من الرجال، حيث كان الجميع مترددا في تنظيم هذه المظاهرة نظرا لما يعرفونه عن الإدارة الاستعمارية من قمع وعنف تجاه المعارضين لها، لكن غيرة بعض هؤلاء الأبطال وشجاعتهم وحماسهم الوطني جعلهم يصرون على تنظيمها مهما كان عددهم، ومهما كلفهم الأمر، وهكذا قاموا بتثبيت صورة الملك محمد الخامس على قطعة من خشب، وكذلك قاموا بإحضار الراية المغربية التي لم يسلمها لهم أحد التجار إلا بعد تهديده بحرق دكانه.

وبعد القيام ببعض الإجراءات التنظيمية، ورفع المتظاهرون صورة الملك والراية المغربة، بدؤوا يهتفون ويرددون: ”العاشقين في النبي وصليوا عليه”، وانطلقوا بشكل منتظم، اجتمعت حولهم السكان حتى امتلأ السوق الأسبوعي في غير يوم سوق، وكان لا يسمع بمركز بني وليد في تلك اللحظة إلا التكبير والصلاة على النبي وبعض الشعرات الوطنية، كما تعالت زغاريد النساء اللاتي هببن نحو المظاهرة معبرين بدورهن عن تضامنهن مع أزواجهم، وأبنائهم، الأمر الذي أصاب الإدارة الفرنسية بالدهشة والحيرة حيث لم يسبق لهم أن شاهدوا مثل هذا الموقف بالمنطقة.

 وأمام هذا التحدي الذي أعلنه السكان كان لابد السلطات الاستعمارية بالمنطقة أن تتدخل لمواجهتهم، فحاولت في البداية تهدئتهم بالملاينة والمسايسة، فقام بهذا الدور القائد الرماش، الذي حاول إقناعهم بالعدول عن القيام بهذه المظاهرة، إلا أن إصرار المتظاهرين جعلهم لا يأبهون لكلامه، بل إن أحد المتظاهرين وهو إدريس الغنوي الذي كان جنديا، هاجمه ونعته بالخيانة، الأمر الذي زاد من غضب القائد الرماش، ونظرا لما عرفه مركز بني وليد من تجمهر من طرف السكان اضطر القبطان السماح للسكان بإكمال مسيرتهم شريطة عدم الخروج من داخل السوق الأسبوعي، والاتجاه نحو الإدارة الفرنسية بالمنطقة، لتخوفه من تواجد بعض أعضاء جيش التحرير بينهم، لكن المتظاهرين كانوا قد ازدادوا حماسا وانفعلا وتذوقوا طعم الانتصار على الإدارة الاستعمارية وقائدها، فلم ينقادوا لشرط القبطان بالبقاء داخل أسوار السوق الأسبوعي بل خرجوا إلى الشارع الرئيسي وسط السكان، فوقف في طريقهم خليفة القائد عبد الله بن الحاج عمر الذي كان أحد رجالات الاستعمار المعروفين فقالوا له: ”حي سيدك ها هو رجع” أي ألقي التحية لجلالة الملك لقد عاد من المنفى، الأمر الذي زاد من غضب الإدارة الاستعمارية ودفع بها إلى اتخاذ قرار استعمال العنف لتفريق هذه المظاهرة وإلقاء القبض على المتزعمين.

ونظرا لوجود بعض العناصر من فرق ”الكوم” من أبناء المنطقة ومن المتعاطفين مع إخوانهم والمتضامنين معهم، جعلهم يعملون على تسريب قرار الإدارة الفرنسية لمواجهة المظاهرة بعد فشل الطرق السلمية، حيث أخبروهن بالانسحاب وتفريق المتظاهرين قبل أن يتم اعتقالهم، وبالفعل ما تمكن المتظاهرين من الانسحاب حتى كانت قوات العسكرية تنهال على السكان بضرب والجرح إلا أن تم تفريق الجميع، لتبدأ حملة الاعتقالات في صفوف المتزعمين فتم إلقاء القبض على كل من السيد محمد الدشر صاحب هذه الشهادة ورجل أخر يدعى ولد عميمر بن أحمد، ووالسيد إدريس الغنوي، وتمت محاكمتهم بالسجن، غير أن المعتقلين طعنوا في هذا الحكم، ليتم تقديمهم إلى محكمة الاستناف، إلا أن قرارا جاء من مدينة فاس يأمر بإطلاق سراح المعتقلين السياسين بمركز بني وليد.

وبهذه المظاهرة يكون سكان بني وليد قد أبانوا عن غيرتهم على دينهم ووطنهم وملكهم، معلنين تحديهم للإدارة الاستعمارية بالمنطقة وعملائها، مبرهنين عن المعنى الحقيقي للتضحية في سبيل الحرية والاستقلال، إن هذه المظاهرة رغم بساطتها فهي مقارنة بعدد ساكنة المنطقة ووقعهم يمكن اعتبرها بأنها عظيمة، خاصة وأنها جاءت في مرحلة حاسمة من تاريخ المغرب، وهي مرحلة المخاض والاستعداد لإعلان استقلال المغرب عامة.

إعداد: عاهد ازحيمي

عاهد ازحيمي /طالب باحث من اقليم تاونات

عاهد ازحيمي /طالب باحث من اقليم تاونات

عن الكاتب

صحفي

تاونات جريدة إلكترونية إخبارية شاملة مستقلة تهتم بالشأن المحلي بإقليم تاونات وبأخبار بنات وأبناء الأقليم في جميع المجالات داخل الوطن وخارجه.

عدد المقالات : 7235

اكتب تعليق

لابد من تسجيل الدخول لكتابة تعليق.

جميع الحقوق محفوظة لموقع تاونات.نت - استضافة مارومانيا

الصعود لأعلى