الحاكـوز..إرث لامادي يحتفل فيه كل سنة بإقليم تاونات

فاطمة الزهراء خليول:”تاونات نت”/- كل سنة حين يترعرع العشب الأخضر ويمتزج معه البرد القارس ،يحتفل سكان اقليم تاونات بالحاكوز وهو تقليد موروث من جيل لآخر، دأب القدامى على الاحتفال به في منتصف الليالي التي تستمر أربعين يوما…فيحتفل بالأرض وعطائها الدائم.وعادة ما يميز هذه الفترة الممتدة بين 25 دجنبر والمنتهية في اليوم الثاني من شهر فبراير، هو وفرة الأمطار وقساوة الطقس حسب ظروف المناخ-.

وهي عادة تستمر ثلاثة أيام وفي كل يوم تبدع الأمهات مأكولات من عمق الطبيعة وكرمها…

 ففي اليوم الأول تحضرن الدشيشة في وجبة العشاء التي تتكون من الشعير والحليب، وأحيانا يتم تحضيرها بالتوابل. وفي نفس الليلة يوضع الحمص في الماء، وفي الصباح الباكر تقوم سيدة البيت بمزجه بخليط مكون من الملح والثوم المفروم والفلفل الأحمر ،ويطلق عليها اسم بشق عينو.

ويليه تحضير “الكحاح” أو “المطلوع”وهو خبز يتم وضع فيه الفواكه الجافة كاللوز والجوز. ويحتفل باليوم الأخير “السفنج” الذي يتوسطه سمك السردين المقلي.

وإلى جانب هذا التنوع الغذائي يتشارك السكان في عادات غريبة وهذا ماينبت عنه حب التقاسم والائتلاف بينهم، فينسجون صورا خيالية لوحش يطلق عليه اسمه “الحاكوز” يهجم على الأطفال الصغار. فيتم استخدام أغصان الشجر، وكذلك الرسم بالرماد على الوجه لزرع الخوف في قلوب الصغار.

وعندما ينطفئ ضوء النهار ويعلن الليل مجيئه، يتسلل الأطفال عبر ظلامه لطرق أبواب المنازل وطلب بشق عينو  والخبز المطرز بالفواكه الجافة ،عبر غناء أهازيج بدوية مستوحاة من الواقع وفيها يسلطون الضوء على اسم سيدة البيت بمدحها وذكر خصالها الحميدة “واباينو باينو باينو شرق شرق هرس البريق فوسط دالطريق واباينو باينو باينو خالتي حليمة مترضاشي ترضنا بلا شي، خالتي حليمة تضوي علينا باللتشينة واباينو باينو باينو“.

وإن حصلوا على ما يشبع بطونهم الصغيرة يمدحون أفراد المنزل بعبارة ” باش عيدت هاد الدار بالحوالة دشقار والقوالب دالسكار”، والهجاء هو نصيب من لم يكترث لمطالبهم فيتم ذمهم بعبارة ” باش عيدت هاد الدار بالكراع دالكيدار والخناشي دالحجار “.

والآن بين الأمس واليوم تلاشى ذلك الدفئ العائلي والإندماج الاجتماعي فلم تعد البيوت مفتوحة ولا القلوب كذلك.

 إن هذا الإرث اللامادي بطابعه الرمزي والدلالي لازال يسامر حاضرنا في بعض القرى ورغم أن التكنولوجيا تمكنت من جعل العالم قرية صغيرة لكنها في الجهة المقابلة قتلت فينا روح الهوية ،وزرعت داخل مجمعاتنا نسخا من ثقافات دخيلة.

عن الكاتب

صحفي

تاونات جريدة إلكترونية إخبارية شاملة مستقلة تهتم بالشأن المحلي بإقليم تاونات وبأخبار بنات وأبناء الأقليم في جميع المجالات داخل الوطن وخارجه.

عدد المقالات : 7235

جميع الحقوق محفوظة لموقع تاونات.نت - استضافة مارومانيا

الصعود لأعلى