ثورة التكنولوجيا وأثرها على الأسرة

family
يتفق الجميع ولا سيما علماء الاجتماع على أن الأسرة هي عماد المجتمع، والمجتمع كما يذهب (تارد) إلى أنه جملة أفراد يحاكي بعضهم بعضاً، أو يلتقون في صفات مشتركة موروثة من نموذج واحد قديم، وهذه هي الذرية الاجتماعية، والحقيقة أن المجتمع يقوم على أفراده وعلى العلاقات القائمة بينهم، ولكنه شيء آخر غير هؤلاء الأفراد وغير تلك العلاقات، ولكل مجتمع ثقافته ونظمه، وعاداته وتقاليده، وله صور شتى كالأسرة، والعشيرة، والقبيلة، والأمة، والشعب، وهو يشملها جميعاً، ولكنه أن أُطلق أخذ في أوسع معانيه .

 

ترتبط المجتمعات عادة بعدد من المعايير أو الأعراف المتخذة كمعايير هي آداب التصرف والحياة والتفكير المحددة اجتماعياً، والمعاقب على تجاوزها اجتماعياً، فالمعيار الاجتماعي هو مستوى العادات والتقاليد والتوجهات المشتركة، الذي تبلغه جماعة، وتتخذه بمثابة قوة موجهة لسلوكها أو تصرفها، ويمكن اعتبار المعيار الاجتماعي بمثابة المرجعية الذاتية للجماعات المعينة، ومن ضمن هذه الجماعات الأسرة، وإذا ما تعرضت هذه المعايير إلى تغيير خارجي ولا سيما من قبل وسائل الثورة المعلوماتية أو إلى تبديل بمرور الزمن وبإرادة أفراد الأسرة والمجتمع فهنا مكمن الخطر الذي يهدد هوية المجتمع، إذا ما حدث وتم ضرب أو تهديد منظومة القيم أو المعايير الاجتماعية والتي هي بمثابة مبادئ عامة يتمسك بها الأفراد تمسكاً شديداً بحيث تؤثر على سلوكهم وتجعلهم يتميزون بالتطابق والتشابه، سيكون هناك صراع ما بين منظومة قيم الداخل والقيم الوافدة من الخارج عبر آليات الثورة المعلوماتية أو بمعنى آخر يحدث صراع بين نوعين من الثقافة (ثقافة الداخل وثقافة الخارج) .

 

لقد أضحت اليوم تكنولوجيا المعلومات وتحديداً تكنولوجيا الاتصال القطار الذي استقلته العولمة لتحقيق أهدافها السياسية والاجتماعية، وقبل ذلك كله الأهداف الثقافية التي تسعى أو تمهد لترويض العقول من أجل عدم تعارض الأهداف السياسية والاقتصادية، ومن هنا يتم التمهيد لنسف المعايير الاجتماعية من مبادئ وقيم وعادات والتي يتمسك بها الفرد والأسرة والمجتمع، ومن أجل تحقيق ذلك فإن تكنولوجيا المعلومات أو الثورة المعلوماتية تؤثر على هوية الفرد والأسرة العربية عبر عدد من الآليات تحرير إرادة الشعوب من القيود الاجتماعية والثقافية والفكرية التي يعتقد منظرو العولمة بأنها تعيق تقبلها للثقافة الجديدة عن طريق الاستخدام الموجه للكلمات والصور .

 

وفي ذلك يرى هربرت شيللر أن السيطرة على البشر وعلى المجتمعات تتطلب في الحاضر وقبل كل شيء الاستخدام الموجه للإعلام، فمهما كان جبروت القوة التي يمكن استخدامها ضد شعب ما فإنها لا تفيد على المدى البعيد، إلا إذا تمكن المجتمع المسيطر من أن يجعل أهدافه مقبولة على الأقل، إن لم تكن جذابة بالنسبة لهؤلاء الذين يسعى لإخضاعهم، فالحالة الشعورية لسكان بلد ما لها دورها الملموس في تحديد سلوكهم الاجتماعي ونهجهم الثقافي، تعويد العقول على مشاهدة ومعايشة الأنماط المغربة للثقافة الجديدة بإحكام السيطرة على المعلومات وتوظيفها وتعميقها وفقاً لمواصفات محددة وبمقومات تم اختبارها عملياً لتعتاد الشعوب عليها وعلى مشاهدتها عن طريق التكرار غير الملل، هذا التعويد يمكن في ظل ظروف معينة أن يلحق بالصحة العقلية للإنسان فيصبح أسيراً لعاداته، إعادة تشكيل الحياة الاجتماعية للشعوب على نمط الحياة الغربية وحثها على المشاركة فيها على نحو نشط يحقق على المدى قولبة الإنسان بحسب النموذج الاجتماعي الغربي، تعزيز فكرة الانخراط النشط في الثقافة الجديدة عن طريق إبراز مظهرها الخارجي والثناء على كل من يتبناها ويعمل بموجبها، بما يشجع الانتماء إليها، وعلى اعتبار أنها أسلوب للحياة العصرية المهتمة بآخر تقليعات العصر، وبالأشكال الجديدة للمأكولات والمشروبات والمتعة والترفيه والإنفاق في إطار يتجاوب مع حاجة الرأسمالية إلى زيادة الاستهلاك من جهة، والتأكيد على قيم المجتمع الرأسمالي من جهة أخرى.

 

المصدر: الوكالة الاخبارية العربية بقلم أيمن هشام

عن الكاتب

صحفي

تاونات جريدة إلكترونية إخبارية شاملة مستقلة تهتم بالشأن المحلي بإقليم تاونات وبأخبار بنات وأبناء الأقليم في جميع المجالات داخل الوطن وخارجه.

عدد المقالات : 7248

اكتب تعليق

لابد من تسجيل الدخول لكتابة تعليق.

جميع الحقوق محفوظة لموقع تاونات.نت - استضافة مارومانيا

الصعود لأعلى