فرنسا بين الماضي والحاضر والمستقبل وعلاقتها بدول الجنوب..بقلم الأستاذ بوزيد عزوزي

د. بوزيد عزوزي* –تاونات :”تاونات نت”/- على ضوء الإنتخابات الأخيرة في فرنسا وتبوء اليمين الصدارة “التجمع الوطني” بقيادة السيدة  مارين لوبين بعد حزب “الجمهورية إلى الأمام” بقيادة الرئيس إيمانويل ماكرون ، ما هو مستقبل علاقات دول الجنوب مع فرنسا التي أصبحت في مفترق الطرق الملتقية مع المسار الفرنسي الطويل القادم من القرن 18 ، فرنسا التي دخلت القرن الواحد والعشرين بتوجهات ثقافية وفكرية مغايرة ؟

تساؤل تفرضه المعطيات الوضعية الملحة المتحورة حول تساكن وتعايش قوميات وأديان وثقافات مختلفة ومتعددة على أرض واحدة .

هذا الواقع الإجتماعي-السياسي تسبح فيه عدد من دول اوربا .

  يظهر شريط-المصور/فيديو ، متداول على الشبكة العنكبوتية ، يظهر الجالية المسلمة وهي تقيم الصلاة في الفضاء العام بمدينة فرنسية بينما يقف قبالتهم مجموعة من مناصري ومذكري ومرددي محتوى قانون 1905 ، وهم يحملون العلم الفرنسي الثلاثي الألوان العاكس لأسس الجمهورية الفرنسية : الحرية، المساواة، الأخوة ، هاته المجموعة تذكرنا بحارقي المصحف الكريم.

                             تقديم

هاته الوقفة المناهضة للإسلم لها مثيلاتها في عدد كبير من المدن الأوربية والفرنسية على وجه الخصوص وهي قد تعكس شرخا في الإختيارات الثقافية وربما انشطارا في المؤسسة السياسية الرسمية .

ما هو مستغرب هو الآتي : في الوقت الذي ينادي الغرب بالحرية وتحديدا بعض التيارات السياسية ذات البعد الفكري والعمق الإديولوجي ، في نفس الوقت  تناهض الإسلام بدء بالتنديد بممارسته وانتهاء بالتشويه بذاته ؛ هنا يتسائل المرء : ما هو البعد الفكري المخيف الذي يحمله الإسلام في أحشائه وما هي الممارسة العملية التي تخوفهم من الإسلام ؟

قد يكون الجواب بسيطا : الخوف من عودة البعد الحضاري ذو الأرضية القوية في التسامح والمحبة والتضامن والحق الأصيل والعدل الحقيقي والمساواة على أساس العمل والأحقية والإستحقاق ؛ غير هذا ليس هناك فيه مايخيف .

من المفروض أن تكون أسس الجمهورية عاكسة للقيم المعاشة زمنيا ومجاليا ، هاته الجمهورية التي يعيش تحت سقفها كل حاملي الجنسية الفرنسية مهما كانت أصولهم ومهما كانت دياناتهم وكيفما كانت ألوانهم وقومياتهم ، ما دامت الجنسية تحمل في أحشائها وبين ثنايا طياتها “أسس مؤسسة الجمهورية” التي تحمي كل مواطنيها فردا فردا وبدون استثناء .

يقف المصلون في صفوف متراصة طويلة وعديدة وسط الطريق العام ، يأمهم إمام يوصل التكبيرات وترتيل القرءان الكريم عبر مكبر صوت قوي ؛ يتكون هؤلاء المصلون من مؤمنين ذوو أصول عربية وإسلامية مختلفة من المغرب إلى اندونوسيا مرورا بمصر ولبنان وسوريا والعراق وإيران وباكستان .

                            توطئة

هنا تبرز “إشكالية عميقة جدا” تتمحور حول عدة أسئلة وتساؤلات بأبعاد اجتماعية وسياسية قد تبرز في أية لحظة من زمننا هذا ، زمن الإسلاموفوبيا وكره الآخر في فضاء الكسينوفوبيا المتجذرة في المجتمعات الغربية والآخذة في التوسع مع الصعود التدريجي لليمين المتطرف في عدد من هاته الدول الغربية التي تفجرت فيها النزعة الوطنية الشوفينية الضيقة في الوقت الذي تنادي فيه الحضارة الغربية بالإنفتاح والعولمة .

تتمحور هاته الإشكالية حول مجموعة من الأسئلة من بينها :

 – تشبث المسلمين بممارسة دينهم في دول المهجر حق طبيعي مشروع ؛ لكن ما هو موقف حكوماتهم لحماية رعاياها على ضوء قوانين وقيم المجتمعات الأوربية ؟

ما هو وقع تواجد هؤلاء المواطنين الحاملين للجنسيات الأوربية وممارسة صلواتهم في الفضاء العام على العلاقات الدبلوماسية بين هاته الدول كفرنسا وكل الدول الأوربية مع دول الجنوب 

ما هو موقف الحكومات العربية-الإسلامية من ممارسات رعاياها الحاملين كذلك للجنسيات الأوربية على ضوء الإتفاقيات الثناءية والمتعددة الأطراف والقانون الدولي ؟  

ما هي مواقف هاته الدول ، دول الجنوب ، على ضوء دساتيرها وقوانينها وحضارة أممها وشعوبها ؟  هل تنسلخ عن دينها وحضارتها حماية لحضارة وقيم الدول المضيفة والتي أصبحت كذلك دول رعاياها الذين خلفوا هناك جيلا ثانيا وثالثا ورابعا وتشبعوا بأبعاد عديدة من مكونات الحضارة الغربية وجوانب ثقافتها ؟

في حالة ما إذا قامت صدامات داخل المجتمع الغربي بين مختلف مكوناته من مسلمين وعلمانيين وغيرهم ، كيف يمكن لدول الجنوب ان تحمي رعاياها ؟ وهذه فرضية واردة إذا تمكن اليمين المتطرف من الصعود إلى الحكم في السنوات القليلة القادمة .  

                         الباب الأول

العمق الفكري لقانون 1905 وأبعاده الوضعية

 لا يمكن أن نفهم ما هو حاصل الآن بأوربا على وجه العموم وفي فرنسا على وجه الخصوص دون التذكير بإيجاز شديد ببعض المراحل التارخية والفكرية لهاته الجغرافيا .

     لقد جاء هذا القانون بعد الثورة الفرنسية سنة 1789 التي قلبت الموازين الإجتماعية والسياسية في ظل فكر عصر الأنوار وبإيحاء كبير وعميق وتوجيه منه  .

     ومما جاء في قانون 09 دجنبر 1905 الفرنسي تأكيد الجمهورية ( التذكير بثورة 1789 ) على ثلاث مبادء أساسية إذ يرتكز هذا القانون على 3 محاور تبني للعلمانية laïcité :

 – حرية اختيار الدين ،

 – حرية ممارسة التدين ،

 – عدم التمييز بين الأديان .

     قد يحسن تسليط الضوء بعجالة والتذكير بالأسس الفكرية التي بني عليها هذا القانون في خضم التحولات العميقة التي عرفتها فرنسا بعد ثورة 1789 .

لقد أرخ ورسخ قرن الأنوار لحركة أدبية وفلسفية ما بين 1715 و 1789 على مجموع الجغرافيا الأوربية ، إذ أتى بفكر مغاير جذريا لفكر ولثقافة الحقب السابقة ابتداء من الحرية وانتهاء بالمساواة مرورا بإعادة النظر في أسس الدين والحق في السعادة والحصول على المعرفة ومحاربة الظلامية والجهل والتجهيل والقهر والاستبداد .

بنيت هاته التوجهات على مبادئ ثلاثة :

–  الاستقلالية  autonomie 

مسؤولية الإنسان عن أفعاله finalités  humaines de nos actes

العالمية universalité .

 في هذا الإطار الفكري والمسلسل المعرفي تداخلت تيارات فكرية وأدبية وفلسفية واقتصادية وتقنية متكاملة على مدى تاريخ طويل على يد مجموعة كبيرة من المفكرين الفرنسيين والأنجليز والألمان الخ انطلاقا من القرن السادس عشر والسابع عشر والثامن عشر من بينهم : ديدرو ، مونتيسكيو ، جان جاك روسو ، سان سيمون ، فوريي ، برودون ، فولتير ، جان-لوك ، أدام سميث ، أليكسيس دوطوك-فيل، أوكست كونت ، إيمانويل كانت ، كوث ، الخ .

على مرحلة امتدت طويلا  تأسست وتمحورت التيارات الفكرية على :

 – الإشتراكية الطوباوية socialisme utopique ،

الوضعية positivisme ،

اللبيرالية  libéralisme  ،

وتجدر الإشارة إلى أنه لم يغب عن هذا المسار الطويل والمعقد الفكر العربي-الإسلامي الذي حضر بقوة على جميع المستويات الفكرية والأدبية والفلسفية والعلمية والذي أثر عاليا على الفكر اللاتيني-الروماني والغربي بصفة عامة على يد مجموعة كبيرة ووازنة ، أسرد بعضها فيما يلي بدون ترتيب تأريخي ولا موضوعاتي : ابن سينا ، الغزالي ، ابن خلدون ، الخوارزمي ، فخرالدين الرازي ، البيروني ، الإدريسي ، القاضي عياض ، محمد عبده ، جمال الدين الأفغاني وغيرهم كثر  .

          الباب  الثاني : أسس الحالة الوضعية

إن تناقضات المجتمع الغربي تبرز أنه آخذ في التحول الجذري بعمق فكري في إطار توسع عولماتي مناقض او معاكس لأبعاد الفكر الوطني بمفهومه الشوفيني الضيق كما هو متعارف عليه عند تيار التجمع الوطني الفرنسي بقيادة مارين لوبن .

لفهم ما يجري  في أوربا حاليا وبفرنسا على وجه التحديد ، تجدر الإشارة إلى استحضار إشارة تاريخية سريعة .

نهاية الخمسينات وبداية الستينات ، بعد انتهاء عملية الحركة التحررية ، بدأت أوربا تغري سكان إفريقيا والعالم العربي وآسيا وغيرها من أجل العبور إلى الساحل الشمالي للبحر الأبيض المتوسط والهجرة إليها خصوصا بفرنسا وألمانيا وبلجيكا وهولندا :

– 1. كيد عاملة قوية ومخلصة في المصانع والحقول :

* حين كانت التكنولوجيا في بدايتها ولم يكن الإنسان الآلي/الروبوت موجود بالكثافة الحالية ،

* وحين كان المواطنون الأوربيون يرفضون العمل في قطاعات معينة كالحفر تحت الأرض لاستخراج المعادن لتحصين اقتصاداتهم  ،

* وحين كانت الإقتصادات الأوربية تسعى جاهدة لتنميتها في ظل برنامج مرشال Plan Marshal .

 -2. ولملء فراغ سكاني خلفته الحرب العالمية الثانية ، التي سحقت عددا هائلا من ساكنة أوربا وأصبح الهرم السكاني واسعا من القمة نحيلا من القاعدة .

في ذلك الزمن كان هؤلاء الوافدون من نصف الكرة الأرضية الجنوبي مرحب بهم ماديا ومعنويا مشرفين معززين محبوبين .

أما الآن فقد تغيرت التوجهات المصلحية إذ أصبحت الآلات الإلكترونية والذكاء الصناعي والروبوتات تعمل أحسن وأفضل من كل ما كانت تقوم به تلك اليد العاملة الرخيصة الوافدة من دول العالم الثالث التي كانت مستعمرات سابقة لهاته الدول وتغيرت الإختيارات الوطنية الغربية بمفهومها الجغرافي-الفكري فأخرجت من القمقم كل آليات الإحتقار والتهميش والتنديد مؤللة السلطة الرابعة التي تملكها وشبكات التواصل الإجتماعي بذبابه الإلكتروني وغمزاته ولمزاته والتنظيمات الموازية السياسية منها والإجتماعية.

لقد سبق لي أن حذرت من هذا الواقع سنة 1985 في أطروحتي حول : “المقاولات المتوسطة والصغرى واستراتيجية التنمية بالمغرب” والذي تم نشرها سنة 1987 ثم سنة 1997.

وفعلا  تعرف البشرية حاليا منعرجا كبيرا وواسعا وخطيرا جدا بدأ منذ نهاية القرن الماضي وتتعمق حيثياته باستمرار في قلب تجاذبات قوية وجدلية عنيفة على مستوى الفعل الناطق والفعل الفاعل .

يتهرب عدد من المفكرين الغربيين وحتى عدد من المنتمين إلى فضاءات جغرافية وفكرية أخرى من الإعتراف بأن الإنسانية جمعاء دخلت في مسلسل قوي “لصراع الحضارات” وحتى التنكر ونكران هذا الواقع  الذي يحاولون تلبيسه لباس “نظرية المؤامرة” حتى لا يرفع عنها غطاء واقع المؤامرة العاملة والفاعلة ويفتضح أمرهم وهي منهجية انطوت ، مع الأسف ، على عدد كبير من المثقفين والسياسيين وساروا يتحججون بها .

فالحضارات المشيدة على” أسس فكرية”  تصارع من أجل “البقاء والإنبعاث للديمومة” بينما الحضارات التي ابتعدت عن الروح الفكرية لقرون 17 و18 و19 و20 ارتمت في أحضان الأبعاد المادية باحثة ومستثمرة كل الآليات التي تجعلها مهيمنة ولتجنيدها من اجل “تعزيز أسسها” والوقوف في وجه كل من يحاول المس بمصالحها .

إن التاريخ يخبرنا عن استمرارية التأرجح بين مد وجزر لهذا الصراع الأزلي ، وآخره منذ نهاية القرن التاسع عشر حين اجتمع الغرب بمدينة برلين بألمانيا ما بين شهر نونبر 1884 ويوم الخميس 24 فبراير 1985 حين أمضى ممثلو الدول المجتمعة على “تقسيم العالم بمناطق نفوذ” وفضاءات استقرار من اجل “تحضيرها” mission civilisatrice .

نسجل اليوم أن التاريخ يشهد على “مستوى الحضارة (… ) ”  التي عرفتها دول إفريقيا وأميركا اللاتينية وشرق آسيا التي استعمرتها القوات العسكرية للدول الغربية .

وهذا ما حصل لبلادنا رسميا سنة 1912 وما عاشه الشعب المغربي من ويلات وتقسيم فرضته علينا فرنسا بالمنطقة الوسطى وإسبانيا بالشمال والصحراء ، صحرائنا التي لا زلنا إلى يومنا هذا نصارع من أجل تثبيت سيادتنا عليها ومواجهة مساندي التوجه الإستعماري وكل من يحالفهم ويعمل من أجل إبقائه بدء بالجزائر وانتهاء بدول تختبيء ورائها .

على ضوء كل ما سلف مواطنونا العاملون بدول المهجر  يحملون في عمق أحشائهم وفي كل أركان قلوبهم محبة شعارنا الخالد : الله- الوطن – الملك .

إن ارتباط مواطنينا بديار المهجر بمثلثنا الأزلي الخالد هو الفضاء الصلب الذي يقوي إرادتهم ويشحذ عزيمتهم ويمدهم بالنفس الطويل والكافي والقوي للعمل بجد وإخلاص وتفان في جميع القطاعات الإجتماعية والإقتصادية والسياسية ممثلين لوطنهم أحسن تمثيل بنخوة وأبية وأريحية ، مساهمين في تنمية اقتصاد المغرب بملايير العملة الصعبة من أورو ودولار ومحافظين على دينهم الإسلام الحنيف الوسطي السني ومدافعين عن ملكيتنا الشريفة الحاملة في عروقها الدم النبوي الشريف في ظل سيدنا المنصور بالله جلالة الملك العظيم سيدي محمد السادس حفظه الله وأطال في عمره .

      الباب الثالث : النقاش المتعدد الأبعاد والآفاق

قيام الصلاة في الفضاء العام فيه نقاش ، إذ أن المسلمين الذين نزحوا وهاجروا إلى الديار الغربية أصبحوا مواطنين يتمتعون بكامل حقوقهم الإجتماعية والسياسية ، وبالتالي فهم يعتبرون القيام بالطقوس الدينية حق مشروع من باب المواطنة والإنتماء لهذا الفضاء كما يفعل المسلمون بالدول الإسلامية .

بالمقابل يغتنم الفرصة مناهضو التوجه المضاد والإختيار المناقض لمعارضتهم والتشويش عليهم لإرباكهم والتضييق على متابعة ممارسة صلاتهم وطقوسهم الدينية  كما يفعلون في بلدانهم الأصلية .

في هذا الإطار وعلى ضوء التطورات السياسية الحالية خصوصا مع صعود اليمين المتطرف بفرنسا لا يمكن لنا إلا أن نطرح للتخمين والتفكير مجموعة من الجوانب المؤطرة للإشكالية السالفة الطرح والتقديم في التوطئة في أبعاد أربعة متمحورة حول تساؤلات يطرحها المسلمون هناك  :

-1.البعد الفكري : هل ممارسة الطقوس الدينية حرية فردية أم جماعية ، وهل الدين مسؤولية الدولة والمجتمع أم حرية اختيارية لكل فرد ، وما هي أبعادها التنظيمية على مستوى هيكلة الدولة وتنظيمها وسيرورتها ؟

-2. البعد القانوني : هل هناك قوانين تمنع الممارسة الدينية في الفضاء العام ؟ ولو كانت لتم منع المسلمين من القيام بصلواتهم من طرف السلطات العمومية ، وبالتالي ما هو السند القانوني الذي تحتمي به المجموعات المناهضة للمسلمين للتشويش عليهم  وإحراق المصحف الكريم في عدة دول بدون أي احترام للمعتقدات ولا تبجيل للأديان ؟

-3. البعد السياسي : تقوم الأحزاب السياسية والتيارات المناهضة باستغلال قيام المسلمين بصلواتهم في الفضاء العام إما لمناهضتها وتقويض جموحها أو لمناصرتها واحتضانها من أجل تزكية طموحها والإرتكاز عليها للوصول إلى السلطة والأخذ بزمام الحكم .

4. البعد الإجتماعي : بغض النظر عن  عناصر التيار اليميني المتطرف الذي يقوده إيريك زمور ومارين لوبين الذان يصرحان علانية بكرههم للدين الإسلامي الحنيف ، يتبين من خلال استطلاعات كثيرة ودراسات عديدة أن المجتمع الأوربي الغربي بصفة عامة يحترم الإسلام والمسلمين ويختلط بأوساطهم ويتقاسم معهم القيم الأساسية من محبة وتسامح وتضامن وتعاون … وهذه التنوعات في الإختيارات تعكس وتوضح حقيقة التحول العميق للمجتمع الغربي .

          الخاتمة

يتبين من كل ما سلف أن المجتمعات في كل بقع العالم دخلت مرحلة تغييرات عميقة وجذرية مؤطرة بالسلطة الرابعة ومختلف منصات شبكات التواصل الإجتماعي من أجل تأطير البشرية وتوجيهها حسب القناعات الفكرية والسياسية والمصالح الإقتصادية والمالية الآنية والمستقبلية لكل دولة أو منظمة أو مجموعة أو كيان أو تيار

في هذا المسلسل القوي و الرهيب وهذا الصراع المستميت من أجل الغلبة والهيمنة ، تبقى الأمم والشعوب هدفا رئيسيا للإستراتيجات المهيكلة من طرف الغرب من أجل النفاذ إلى أعماقها والسيطرة عليها والإستحواذ عليها كلاوعي جماعي لتخديرها  وكهوية وكحضارة لتفخيخها واستلابها وكجغرافيا لامتصاص خيراتها الطبيعية واستعمال واستغلال مواطنيها

في هذا الإطار يتقاذف إلى الذهن سؤالان كبيران عريضان يستوجبان الإجابة على الحلول الممكنة لحل أزمة كبرى قد تحل بدول العالم الثالث في حال تمكن المتطرفين اليمينيين من الإستيلاء على الحكم والسلطة في أوربا خلال السنوات القادمة :

  – ا.  في الصف الأول من التخمينات ما هو دور الدولة في تهييء المجال الإقتصادي لتنميته والإجتماعي لتوفير الشغل وتقديم شروط الحياة الكريمة واستيعاب عودة مواطني المهجر إلى أوطانهم الأصلية في حالة صعود اليمين المتطرف إلى الحكم والتضييق عليهم وربما طردهم إلى خارج الحدود وهذه فرضية واردة ، ونكرانها سينطوي على سذاجة سياسية و تخمينات طوباوية وفرضيات بعيدة كل البعد عن الواقعية بكل أبعادها وضعف كبير في القدرة على الإستشراف ؟

     – ب. ما هو دور  الجامعيين الواعين والمثقفين  الملتزمين بقيم الوطنية وبحضارة أممهم وبلدانهم وبتاريخهم وما هو دور الأطر العليا التي تحمل هم الوطن في عمق أفئدتها وما هو دور السياسيين والإعلاميين الغيورين على أممهم وشعوبهم في المساهمة في توعية الرأي العام الوطني وتنويره بمنظور واقعي بعيدا عن كل توجه تشاؤمي او تصغيري لأهميته الكبيرة ، إذ أن التصاريح  الرسمية لمسؤولي التيار الوطني المتطرف واضحة وضوح الشمس ؟

أذا لم يكن المسؤول المجتمعي والفكري والسياسي والإقتصادي على وعي بدقة المرحلة التي تمر بها البشرية في سنة 2022 ، فقد تفوت الفرصة على أممهم وشعوبهم للقفز إلى الأمام ، وسيتخلفون عن الركب الكوني الذي يجري بسرعة فائقة لآفاق سيكتبها بمداد الفخر والاعتزاز الواعون والمتبصرون والغيورون على أوطانهم وتاريخهم وهويتهم على حضارتهم التي بناها آباؤهم وأجدادهم وأسلافهم وقدموا من أجلها التضحيات الجسام .

تاونات في الثلاثاء 26  أبريل 2022 – 24  رمضان 1443 .

بطاقة تعريف الأستاذ بوزيد عزوزي* :

أستاذ جامعي 1996 – 2016 .

مدير مديرية المساهمات المالية والصناعية ، والسياحية 1983-1987  بالبنك الوطني للإنماء الإقتصاديي BNDE ،

مدير مديرية المقاولات المتوسطة والصغرى بالبنك الوطني للإنماء الإقتصادي 1987-1994 BNDE ،

مستشار المدير العام للمكتب الوطني للمواصلات السلكية واللاسلكية 1995-1996 ONPT

مدير مديرية التعاون الدولي وتنمية القطاع الخاص بوكالة تنمية الأقاليم الشمالية 1996-1999 APDN ،– مدير المعهد العالي للتجارة وإدارة المقاولات ISCAE بالرباط  1999- 2004 .

عن الكاتب

صحفي

تاونات جريدة إلكترونية إخبارية شاملة مستقلة تهتم بالشأن المحلي بإقليم تاونات وبأخبار بنات وأبناء الأقليم في جميع المجالات داخل الوطن وخارجه.

عدد المقالات : 7235

جميع الحقوق محفوظة لموقع تاونات.نت - استضافة مارومانيا

الصعود لأعلى