قصة قصيرة من إنجاز الطالبة الجامعية فاطمة الزهراء الصالحي القاطنة بتاونات بعنوان “إنها مجرد حياة”

فاطمة الزهراء الصالحي°-تاونات :”تاونات نت”/- القصة بعنوان :”إنها مجرد حياة”

رغم أمواج البحار، وسرعة جريان المياه بالأنهار، وغدر الناس وقساوة الحياة،استطاعت أن ترفع القلم بين أنامل أصابعها وتكتب قصة حياتها المعذبة التي حاربت من أجل الفوز عليها.

ففي قرية صغيرة محاطة بالأشجار تعرف بالهدوء والسكينة  وغناء الطيور فوق الغصون، وفي يوم مطير.. تحتفل فيه أسرة بزفاف ابنها الوحيد الذي اختار لنفسه أجمل فتاة لا يوجد لها مثيل في الدوار…وبعد مرور العامين صارت العروس أما لطفلتين توأم جميلتين، ذواتي شعر أشقر وعيون خضراء يخطفان الأبصار ، قيل أنهما شبيهتي أمهما …فرح لهما كل من في القرية إلا الأب وأسرته…لأنهم لا يريدون من الولدان إلا الذكور، وقد هدد الزوجة بأن يضع المولود القادم في الخيرية إن كان أنثى، تهديد بكت على إثره الأم حتى مرضت.

(…)بعد ثلاث سنوات. وفي ليلة لا يسمع فيها سوى عويل الأم تستعد لوضع المولود، استدعى الأب الممرضة إلى الدار ، وما هي إلا دقائق حتى علا صوت الرضيع ، سلمت الممرضة المولود للأب .. الذي بادر بالسؤال : ماذا أنجبت؟ فردت عليه ببرودة إنها أنثى.

رفض أن يضع الملاك بين ذراعيه، أشرقت الشمس وقصد المكان المؤلم ، وضع ابنته في الخيرية، نعم وضعها، ودون اكتراث عاد … الأم لم تستطع شيئا فألم المخاض لم يزل بعد.

(…) مرت أعوام صار عمر الطفلة “هبة” أربعة أعوام، حضرت عائلة غنية للخيرية تطلب تبنيها وتعيش رفقتها بالدارالبيضاء ، تستمتع بجمال البريئة التي تشبه بهائها أمها التي لا تعرف ، عيونها في الروعة يفوق كل وصف، إن تبسمت غارت من أسنانها النجوم

أخذوها نحو الدار البيضاء ، سجلوها بمدرسة خاصة ، وعند بلوغها السادسة من عمرها ، قررت الأسرة بأن تخبرها بالحقيقة المرة : “هي ليست ابنتهم الشرعية”، رفضت تقبل الحقيقة أول الأمر، لكنها سرعان ما تقبلته مع مرور الايام .. ألفت الوضع واستأنست بأبيها المفترض ، يقودها كل يوم للمدرسة… كانت تحصل دوما على الرتبة الأولى.

(…) في العاشرة من عمرها وفي ليلة جد ممطرة، وصوت الرعد كما الرصاص أيام الحرب.. كانت هبة في البيت معها أبوها وحيدين ..، والأم خارجة في زيارة مفاجئة للأقارب .. لم يكن الأب في حالته الطبيعية، مذمن على المخدرات التي سلبت عقله لياتها، اقتحم غرفة”هبة” حاول اغتصابها بقوة ، رفضت وحاولت أن تحمي نفسها منه ، لكن وقع ما وقع، استيقظت على وقع فقد الشرف.

(…) قررت أن تخبر الأم بما جرى لها..ففعلت لتتفاجأ بتكذيبها للقصة ، أصرت على التوجه للطبيب الذي ماكان له إلا أن يؤكد الحدث المؤلم

تم ستر الخبر بقرار من الأم المفترضة، عاشت هبة ما تبقى من عمرها بالغرفة المظلمة دائمة البكاء، عاشت حياة لا تتمناها أي طفلة في عمرها، لأنها دون شرف، بدا لها العالم كله ضدها ، ولا أحد يساندها أو يشد بيدها، كانت ترى الناس أشبه بالجيوش تخطو نحوها تقاتلها …طفولة أقل ما يمكن القول عنها طفولة سوداء

(…) مرت ست سنوات، وبدأت ملامح الجمال تسطع من جسد هبة المدمر،تخطف بصر ناظرها ، بعيونها السوداء التي تشبه حبتي اللؤلؤ… كانت طويلة القامة ، و معتدلة الجسم تدرس بالسنة الأولى من التعليم التأهيلي ، اختلفت عن أصدقائها ، ترافق الكثير ولا تبوح  إلا بالقليل ، كان جميع التلاميذ يحبونها ، ولا يعرفون شيئا عن ماضيها الأسود.. اتخذت لنفسها صديقة مقربة اسمها شمس ، كانت دائما توجهها نحو الطريق الصحيح ، وتعتبرها أختا وليست صديقة ككل الصديقات .. لطيفتان يضرب بهما المثل في اللطف..

(…) ذات عيد ميلاد رأت شمس أن تهدي هبة هدية العيد ، التي كان حساب في “الفايسبوك” الذي سرعان ما انسجمت معه وحيدة زمانها ، غير مبالية بالعواقب . داومت على تصفحه ، فتعرفت أصدقاء كثر ، منهم شاب عمره عشرون عاما ، يقطن هو الآخر بالدار البيضاء… 

جعلت منه صندوق لأسرارها ، حكت له كل ماضيها ، وثقت به ثقة عمياء ، ورأت فيه الشخص الذي سينير حياتها ، طلب منها اللقاء ، رفضت وأسرت على الرفض، بل ورفضت أن تمده بصورها … لكنه إباء لم يقو على شعر الغزل الذي كان يصلها منه..فازدادت وثوقا به فقررت لقاءه ..لأنها وحيدة في حاجة لمن يؤنسها.

(…) شاورت شمس في الموضوع ، فكانت له رافضة ، غير أن هبة لم تفعل إلا مابدا لها ، اتخذت من الحديقة مكانا للقاء الحميمي ، تطورت العلاقة، إلى أن وصلت مرحلة الوعد بالزواج ، فرحت لأنها ذالك ما تنتضره ، عادت لتشاور شمس ، غير أنها لم تكن مرتاحة أبدا لترفض مرة ومرات …استمرت اللقاءات على أمل تحقيق الوعد ، ليتجدد لقاؤها هذه المرة مع الوحش بدلا من الزوج ، حيث قضى ما قضى وتخلى.

(…) صدمة تلوى الصدمات … وأخرى التالية هي الأقوى: موت شمس ، لم تستطع مقاومة هذا الكم الهائل من الألم … مرت بضروف عصيبة…فكرت ودبرت إلى أن قررت طي الماضي وأحداثه، نجحت في الباكالوريا بميزة رائعة ، كان الحض معها بأن قبلت في مدرسة الهندسة..

تخرجت منها مهندسة معمارية ..جمالها كان جالب الخطاب لها ..أصرت على يكون أول ما يدور بينها وبين من يريدها أن تخبره بشرفها المهدور ، فكان الكل يرفض إتمام العقد … إلا أن تعرفت شاب وسيم أحبها بصدق ، أقام حفل زفاف ضخم علم به الناس كلهم

(…) في ليلة هادئة ، يطرق بابها ، هي العائلة جاءت تطلب العفو، لم يكن لها إلا أن غفرت وقد رأت من نعم الله ما رأت … حملت أنثى ووضعتها بشق الأنفس..ماتت بعدها تاركة الطفلة لأبيها ..وهي الطفلة التي ما إن كبرت وسمعت عن أمها ، فقررت أن تمسك القلم تحكي عن بنت وأخت وأم عاشت دور الأنثى فوق خشبة المسرح مزيفة وقد كتب على ستارها “إنها مجرد حياة“.

° هذه القصة من إنجاز الطالبة الجامعية فاطمة الزهراء الصالحي/ تقطن بتاونات ذي أصول ريفية‎‎

عن الكاتب

صحفي

تاونات جريدة إلكترونية إخبارية شاملة مستقلة تهتم بالشأن المحلي بإقليم تاونات وبأخبار بنات وأبناء الأقليم في جميع المجالات داخل الوطن وخارجه.

عدد المقالات : 7248

جميع الحقوق محفوظة لموقع تاونات.نت - استضافة مارومانيا

الصعود لأعلى