ذ. بوزيد عزوزي: رسالة مفتوحة للصحافة المغربية بكل أصنافها وإلى كل المتدخلين والشركاء

ذ.بوزيد عزوزي* -فاس :”تاونات نت”/- أتساءل كمواطن مغربي ، وأنا أحمل في أحشائي غيرة مريرة إلى ما آل إليه الإعلام ودوره في بلادنا ، هذا الإعلام الذي فقد حريته التعبيرية والتحريرية في توجيه بوصلته نحو الأهداف الحيوية الساعية إلى تأطير المجتمع تأطيرا حضاريا من أجل الدفع به إلى قمم التقدم الحضاري الهادف إلى جعل المواطن المغربي يعيش حياة كريمة ويعمل على أسس قيم النزاهة الإجتماعية فكرا وممارسة .

فقدان هاته الحرية التوجيهية الذاتية صدرت من تداخل معطيات متعددة من بينها غياب الكفاءة عند عدد من الصحفيين العاملين بإعلام القطاع الخاص .

سؤال محوري يفرض نفسه

ألا يمكن للدولة أن تساهم ، تذكيرا وتصويبا وليس فرملة لحرية التعبير ، في تأطير كل منصة إعلامية تزيغ عن الصراط المستقيم العاكس لقيمنا الأساسية وتراثنا وثقافتنا وحضارتنا ؟

إن وجوب احترام تاريخنا وقيمنا وأخلاقياتنا لا يتناقض إطلاقا مع مبدأ الحرية التعبيرية .

الحرية قيمة أساسية وحيوية يكفلها دستورنا من جهة ، ومن جهة أخرى دستورنا يحمي كذاك قيمنا الأساسية والحيوية المتجذرة في مجتمعنا منذ قرون خلت .

إن المغرب وطن الأصالة الحضارية وموطن المعاصرة المتفاعلة مع قيم حضارتنا .

تفاعل مجتمعنا مع لزومية التلاقح مع كل ما هو جديد وبناء ، أساس من أسس التقدم لمجتمعنا في القرن الواحد والعشرين ، دون أن نحيد عن الخط الثقافي-الحضاري  المسطر في دستورنا المذكر بأصولنا العتيدة وهويتنا القحة الأصيلة .   

أين نحن مما قاله جلالة الملك سيدي محمد الخامس رحمه الله وأسكنه فسيح جنانه يوم افتتاحه وكالة المغرب العربي للأنباء MAP التي كان مقرها بزنقة اليمامة بمحاذاة باب الرواح بالرباط

       ” الخبر مقدس والتعليق حر .” 

إذا لم تخني الذاكرة كان ذلك بمناسبة تخليدنا لعيد الإستقلال يوم 18 نونبر 1959 وتنصيب الأستاذ المهدي بنونة رحمه الله كأول مدير لوكالة المغرب العربي للأنباء التي كان قد خلقها آنذاك هو وثلة من الوطنيين كشركة مجهولة الإسم على أساس الظهير الشريف لسنة 1922 خلال شهر ماي من نفس السنة .

هل لا زال فعليا الخبر مقدسا ؟

هل لا زال فعلا التعليق حرا ؟

إعلامنا إعلام له جذور راسخة في ثقافة المواطن المغربي ، فهو يقرأ جريدته وجرائده الورقية كل صباح ويتصفح الصحافة الإلكترونية يوميا

مع الأسف انتشرت منذ مدة صحافة لا تمت بصلة لثقافتنا الوطنية تسعى لمسخ هويتنا الوطنية المغربية الأصيلة عبر اجتهادها في مسح ذاكرتنا وإعادة توجيه أسس حضارتنا وتشتيت محطات تاريخنا بتكسير محاور ثقافتنا وتراثنا .

حمدا لله أن عندنا إعلاميون كبار بأقلامهم وذكائهم وفكرهم الحي المتقد ووطنيتهم الصادقة وانتمائهم الأزلي لمثلثنا المقدس ؛ فلهم كل التقدير والتبجيل .

عهدي بالإعلام ، الذي استحق في وقت ما إسم “السلطة الرابعة” ، يسعى إلى مواكبة تقدم المجتمع بمحاصرة كل ما من شأنه ان يفسق عن الصواب من طرف السلط الثلاث : التشريعية ، والتنفيذية ، والقضائية وذلك بتنوير الرأي العام عن منزلقات هاته السلط وذاك هو بحق دوره الحضاري في مواكبة مسيرة المجتمع وتطلعه إلى اللحاق بركب الدول الساعية إلى أعلى مستويات الرقي المادي والأخلاقي ذات المرجعيات الحضارية من عدل وتضامن وتسامح من أجل المصلحة العامة للوطن .

مع الأسف الشديد ، ألاحظ بمرارة كبيرة جدا أن الإعلام في بلادنا انزلق إلى منزلقات خطيرة لم نشهدها من قبل ، رمت به في شعب خطيرة لن تحمد عقباها على المدى المتوسط والطويل .

ما بالك أن يتعامل الإعلام  بحقد فيركب الصور والأشرطة من أجل محاولة تحطيم شخص لأنه لا يتقاسم الرأي مع الجهة المناوئة الموعزة بالفعل المشين  ؟ 

ليعبر كل طرف عن رأيه وتقديم الحجج والبراهين للدفاع عن رأيه ، فإن كان على حق أصاب وإن أخطأ إعتذر فأصاب ، هاته هي الروح الديمقراطية حتى في أبسط قواعدها ؛ أما أن يريد المرأ أن يكون دائما على حق فذلك هي قمة الأنانية والتفاهة .

لقد أصبح الإعلام يخبط خبط عشواء وكأنه موجه بأياد خفية لا تخدم مصلحة وطننا بل تعمل جاهدة وبكل ما أوتيت من إمكانيات وأدوات ووسائل تقنية إلى تغيير هوية المجتمع ومسح ذاكرته الحضارية وتخريب مستقبل الأمة جمعاء عن طريق تفخيخ عقول الأجيال الصاعدة من أطفال وشباب

عوض أن يشتغل إعلامنا على العمل من أجل تثبيت أسس حضارتنا وتاريخنا ، أصبح يعمل عن معرفة أو عن جهل بالنصوص وبالقيم ، عن وعي أو عن غير وعي يعمل على تشتيت الرأي العام الوطني ويغرس فيه روح الأنانية والإجرام والإبتعاد عن كل القيم الحضارية التي عمل من أجل تشييدها أباؤنا وأجدادنا من تجذير الهوية الوطنية وتعميق أسسها حفاظا على هويتنا القحة الأصيلة وتاريخنا المجيد النابع من الحضارة العربية-الإسلامية التليدة .

إن الصحافة مهنة وتخصص تتطلب سنوات عديدة من التكوين الصعب المراس والتمكن من أسسها وقيمها

إن الصحافة عقيدة قبل ان تكون حرفة للكسب والإسترزاق ، فأصبح يلجها كل من هب ودب وكل من فشل في الدراسة وفي الحصول على مصدر شريف للرزق .

أسجل بكل مرارة أن عددا من منابر الإعلام أصبحت مع الأسف الشديد أداة لتفجير المجتمع عن طريق حقنه بقيم لا علاقة لها بقيمنا بل مناهضة لقيمنا .

لقد جعلت منهم مستخدمين بدون هوية وهم يحملون عنوان صحافية أو صحافي ، وجعلت منهم أدوات لترويج قيم حضارات أخرى غريبة عنا مقابل كسب المال السهل

عدد من حاملي صفة صحافي ناس فاشلون حتى أنهم لا يستطيعون تحرير سطور معدودة فأحرى مقالا أو أكثر ، همهم الإسترزاق عن طريق المراوغات وفي حالات بعينها وسيلة للإبتزاز والتفخيخ بكل سبل الإبتذال .

حين مرر الإعلام لأشخاص وجموعات خاصة غير متمكنين من أسس القطاع ومحاور خطه التحريري للدفاع عن المصلحة العامة للوطن أولا وأخيرا ، أصبح همه الوحيد هو تشتيت الرأي العام وإبعاده عن أهداف متابعة بناء الدولة-الوطنية ، أصبح مجتمعنا قاب قوسين أو أدنى عن متاهات قد تجرنا إلى منزلقات غاية في الخطورة .

لقد وصل بي الحد شخصيا إلى ألا أنصت إلى بعض المحطات الإذاعية ولا أسعى حتى لرأية بعض القنوات التلفزية ناهيك عن هجرتي منذ سنوات طويلة للصحافة الورقية إلا لبعض منها التي تجذبني بقوة نظرا للمواضيع التي تتطرق إليها  على سبيل المثال لا للحصر كجريدة “صدى تاونات” وموقع “تاونات نت” وجريدة “الوطن الآن” وموقع “أنفاس-بريس”.. .

كيف بي أن أتابع بعض وسائل الإعلام التي أصبحت مملوكة من طرف مجموعات تسعى جاهدة لغرس الفتنة في المجتمع عن طريق إفشاء الفساد والمثلية وتناول المخدرات والإجرام من قتل ونهب وابتزاز ورشوة وذلك بأساليب عالية الخبث عن طريق نشر صور أو أشرطة صوتية أو مصورة أو إشهار خادشة للحياء ، الخ .

الهدف الوحيد والأوحد  لهاته الوسائل الإعلامية ، كأدوات تخريب ،  هو إفساد المجتمع وتشتيته وتفخيخ عقول المواطنين وتحطيم كل مرجعية ثقافية وحضارية مكتسبة أبا عن جدا التي يصمد أو يحاول المجتمع أن يصمد في وجهها من أجل الحفاظ عليها وانتشالها من براثين الإعلام الإسترزاقي التخريبي الذي تديره خفية ومن وراء الستار مجموعات مالية وفكرية حاقدة على حضارتنا وتاريخنا

أملي الكبير أن تستفيق أطرنا الإعلامية الوطنية الواعية والنزيهة ، الحاملة في أحشائها للغيرة الكافية وللمحبة الصادقة لوطنها وتاريخها المجيد للمحافظة على تراثنا وثقافتنا وحضارتنا لمواجهة هاته الموجة القوية جدا والخطيرة الساعية إلى تخريب أمتنا ومواجهتها بحزم وبدون أية مواربة.

لكم مني جميعا صادق تشجيعاتي واعتزازي وثقتي كمواطن مغربي ، أحب وطنه حتى النخاع

*الأستاذ عزوزي بوزيد / فاس.

بطاقة تعريف الأستاذ بوزيد عزوزي* :

  • من مواليد مدينة تاونات

– أستاذ جامعي 1996 – 2016 .

– مدير مديرية المساهمات المالية والصناعية ، والسياحية 1983-1987  بالبنك الوطني للإنماء الإقتصاديي BNDE ،

– مدير مديرية المقاولات المتوسطة والصغرى بالبنك الوطني للإنماء الإقتصادي 1987-1994 BNDE ،

– مستشار المدير العام للمكتب الوطني للمواصلات السلكية واللاسلكية 1995-1996 ONPT

– مدير مديرية التعاون الدولي وتنمية القطاع الخاص بوكالة تنمية الأقاليم الشمالية 1996-1999 APDN ،مدير المعهد العالي للتجارة وإدارة المقاولات ISCAE بالرباط  1999- 2004 .

عن الكاتب

صحفي

تاونات جريدة إلكترونية إخبارية شاملة مستقلة تهتم بالشأن المحلي بإقليم تاونات وبأخبار بنات وأبناء الأقليم في جميع المجالات داخل الوطن وخارجه.

عدد المقالات : 7180

جميع الحقوق محفوظة لموقع تاونات.نت - استضافة مارومانيا

الصعود لأعلى