تكريم إبن حاضرة إقليم تاونات الناقد حميد اتباتو في الجامعة الصيفية للسينما بالمحمدية

الناقد حميد اتباتو رفقة القاص محمد الجاي بتاونات

الناقد حميد اتباتو (على اليمين) رفقة القاص محمد الجاي بتاونات

المحمدية :جريدة “تاونات نت”/أقامت مؤخرا الجامعة الصيفية السابعة للسينما والسمعي البصري بمسرح عبد الرحيم بوعبيد بالمحمدية، حفلا تكريميا خاص بالجمعوي والباحث السينمائي إبن جماعة ارغيوة بإقليم تاونات الدكتور حميد اتباتو، باعتباره وجها بارزا ومعطاء من وجوه حركة الأندية السينمائية بالمغرب، من خلال شهادة قيمة ألقاها في حقه الناقد السينمائي والصحافي التلفزيوني عبد الإله الجوهري، تلاها تقديم هدية رمزية وورود للمحتفى به والاستماع إلى كلمة له بالمناسبة.
فيما يلي مقاطع من نص شهادة عبد الإله الجوهري في حق حميد اتباتو، بعنوان “حميد اتباتو: سيرة ومسيرة مثقف صدوق”:

 وقفتي اليوم أمام مسار حميد اتباتو، مناسبة لتقديم شهادة صادقة، مكرسة لمعانقة سيرة ومسيرة صديق صدوق، فرض علينا أن نحبه لأخلاقه السامية و كتاباته النقدية المسافرة بين الهنا و الهناك، بين الواضح الذي تحوم حوله أسراب الكتبة و الغامض المنزوي في الهامش، مسرح الهامش وسينما الهامش، أو لنقل الإبداعات المنسية المحاطة بسياج سميك من النسيان، نسيان تاريخ تراثي أصيل و طاقات بشرية حقيقية تنتمي لهذا الوطن، اهتمامه بثقافات الهامش لم تكن يوما مزايدة أو لغوا زائدا، بل موقفا و معاناة حقيقية من اجل ثقافة مغربية أصيلة .
لن أجول في عوالم المخيلة و الرؤى و الذات ، لأقول: الأب اشتغل هناك في البعيد على الأراضي الفرنسية، قبل أن يفارق الحياة تاركا زوجة في بادية الهامش، تحضن الأولاد و تعلمهم معاني حب الأرض و قيمة الإنسان ..
إذا كان حميد وريثا لشيء من أجداده، فإن ذلك يتمثل في الطموح الذي لا يعرف النهايات، أرى له عزة الوالدين وتاريخ ملئ بالمفارقات، مفارقات طفل يغادر البادية باتجاه مدينة صغيرة إسمها تاونات، هناك، تعلم بعضا من معاني الاعتماد على النفس والمجاهدة على البقاء حيا، ليتدحرج بعد سنوات الإعدادي والثانوي، نحو الأزقة والشوارع والدروب الفاسية، أتخيله وقتها مراهقا يدخل فاس من احد أكثر أبوابها شهرة، باب الفتوح المشرع على التاريخ و الهوية المغربية، ها هو يرتجف خوفا من شبح المدينة وقساوة الفاسيين مع الغرباء القادمين من الجبال الريفية، أو ربما شوقا لحضارة إدريسية منقضية، لكن خيالات كهذه تبدو لاغية، لأن البدوي الذي كأنه لم يخن يوما نسغ وروح البادية، بسهولة عرف كيف يتآخى مع عوالم فاس القاسية، استطاع أن يصنع لنفسه مكانا عاليا، ذكاؤه الفطري وهدوؤه العقلاني جعلا منه إنسانا استثنائيا، فهو ليس من النوع الصدامي في علاقاته اليومية بل و حتى في قضايا الفكر والتحالفات الإبداعية، شابا ورجلا كان ولا يزال، شعاره تغليب الفكر على العاطفة والبحث عن القواسم المشتركة في العلاقة مع باقي الناس أكثر من البحث عن قضايا الخلاف، لكن الاختلاف عن الآخرين والبحث عن التمايزات الثقافية والفكرية، قادته إلى معانقة عوالم قد تبدو للغير غرائبية، ثقافة الهامش والمنسي الثقافي، أو لنقل، كل ما يؤصل الهوية المغربية، وعبرها الانتصار لهوية الإنسان كإنسان، كتابات وبحوث اتخذت منحى استثنائيا تستجيب للهواجس الجمالية المنشغلة بتأسيس خطابات إبداعية تتأسس على الجدة والجدية، انطلاقا من وعي فاعل مؤسس على مرتكزات وطنية بعيدة عن التزييف والفلكلرة المرضية الزائفة، ورافضة لمحاولات تسييد القبح الفني وتحويله إلى أخطبوط يتسلل إلى مسام واقعنا المغربي.
بنجاح حصل على الشهادات ، الواحدة تلو الأخرى ، و بدأت كتاباته تغطي المساحات الورقية بالجرائد و المجلات المغربية و العربية ، و أنا هناك في البعيد أحاول اللحاق ، أعود في العطل المدرسية لأجده حاضرا بقوة في المنتديات الثقافية و التجمعات النضالية ،استثمر علاقات إنسانية عميقة و حول شقته المنزوية في أحد أكثر الأحياء الشعبية إلى صالون أدبي بل مكتبة شعبية مفتوحة على وجوه الخلق و الإبداع ، لوحات و رسومات فطرية و عشرات الكتب و المراجع الحديثة و التراثية ، بساطة الأثاث عنوان للأصالة المغربية ، ورغم سنوات البطالة و العطالة المفروضة نتيجة سياسات لا وطنية ، الروح ما هزتها رياح الوهن العاتية ، ظل كما كان شجرا وارفا واقفا إلى جانب مجموع الأندية السينمائية الوطنية ، متنقلا بين المدن و القرى ، محاضرا و مساهما في تنشيط الجلسات الثقافية ، بل و كاتبا لمؤلفات نقدية و قراءات إبداعية ، كتب نذكر منها : ” السينما المغربية ، قضايا الإبداع و الهوية ” و ” السينما الوطنية بالمغرب ، أسئلة التأسيس و الوعي الفني ” مثلما ناقش قبلهما رسالة الدكتوراه ببحث تحت عنوان ” مواصفات الهوية في المسرح الاحترافي المغربي ” ، و رغم هذا التألق ، ظل كما هو صديقي و رفيقي في رحلتي بالروح و النجوى كما كنت رفيقه في كل ما يكتب أو يفعل ، معا تحملنا الصعاب و المسؤوليات في المكتب الجامعي لحركة الأندية ، كان ولا يزال رهاننا على أن الجامعة الوطنية للأندية السينمائية هي الحاملة لمشعل الثقافة الحقة ، وقف مرات عديدة بكل شجاعة و جرأة منتقدا و منتفضا في وجه القبح الفني و الفكري ، كان البعض يعتبرها مجرد مزايدات أو محاولات لتكريس بطولات واهية ، وحدي و معي بعض الأصدقاء ، كنا نعرف أريحيته الفكرية و الروحية و شجاعته في أن يقول و يفعل ما يؤمن به ، لا يلين بسهولة ، لأن المستقبل أكثر أهمية بالنسبة له من الماضي ، بل ومن الحاضر ، الحياة فجرت لديه طاقات إبداعية كامنة لأنها مليئة بالتحديات ، راهن دائما على الطهارة و الصفاء ، ظل واقفا لا يرف له جفن ، هو يتقدم و هم ( أعداء النور و مرتزقة الظلام ) يتراجعون ، يتراجعون و يتراجعون ..
رغم سنوات عديدة من الكفاح الثقافي و النضالي، ما آن لهذا الفارس أن يرتاح ، لأنه مطوق بالحب اليوم أكثر مما كان مطوقا به البارح ، قلعة مكونة تشهد و تغسالين تشهد و ورزازات تشهد ، بل كل مناطق المملكة تشهد، على أن حميد مر، مرارا و تكرارا ، بنعال من ريح ، متأبطا شغفه العلمي و المعرفي ، ناثرا الورود ، ورودا نهديها له في هذه الأمسية الباذخة كعربون محبة و كتكريس لثقافة الاعتراف بالبساطة و الروح الإنسانية الغامر.

إدريس المزياتي

 

 

عن الكاتب

صحفي

تاونات جريدة إلكترونية إخبارية شاملة مستقلة تهتم بالشأن المحلي بإقليم تاونات وبأخبار بنات وأبناء الأقليم في جميع المجالات داخل الوطن وخارجه.

عدد المقالات : 7235

اكتب تعليق

لابد من تسجيل الدخول لكتابة تعليق.

جميع الحقوق محفوظة لموقع تاونات.نت - استضافة مارومانيا

الصعود لأعلى