في الذكرى 76 لاندلاع الحرب العالمية الثانية التاوناتي الحاج ادريس بن دربي..قارب 100 عام حارب النازيين والهندوشين في الطابور المغربي الخامس

بن دربي رفقة زوجته الياقوت

بن دربي رفقة زوجته الياقوت

تاونات :خاص بجريدة”تاونات نت”/بدأت القصة عام 1943 ولم تنته ونحن نهاية صيف عام 2015. كل شيء حوله يذكرّه بمعاركه مع “ماما فرنسا”، رافضة أن تذوب في تقدم عمره البالغ 96 ربيعا، مرورًا بأوسمة الشرف التي تملأ أرشيف حياته، وانتهاءً بعزة النفس والأنفة التي تجثم على محياه.

هي قصة الحاج بندربي، الابن البار لقبيلة الحياينة بمنطقة غربية قرب حجرية التابعة إداريا لتراب جماعة اولاد داوود بإقليم تاونات حيث يعيش وهو يحتفل هذه السنة، بكثير من الصمت، بعيد ميلاده 96. لا تزال ذاكرته رصينة وهي تتذكر بعض ما جرى، ولا يزال صوته قادرًا على توضيح بعض الحقائق قبل أن يغالبه التعب. حارب لأجل فرنسا في الحرب العالمية الثانية ضد أطماع هتلر، وكان أول الجنود الذين رفعوا راية “بلاد الأنوار” عندما اقتحموا ألمانيا رافعين شارة النصر، وعاد ليحارب لأجلها في معركتها الخاسرة في شمال فيتنام في الفترة ما بين 1951 و 1954.

في 1943 دخل التجنيد العسكري مع فرنسا، قبلها كان خبر بميدان الحرب في تدريب سابق له مع الجيش الاسباني، حيث استغل فرصة تواجده بمنطقة كتامة لينخرط في حملة تجنيد اسبانية للشبان المغاربة هناك، بعدها عاد الى دواره غربية قرب حجرية، حيث سينخرط من جديد في صفوف الجيش الفرنسي، تلقى حينها تداريب عسكرية بالقاعدة العسكرية لظهر المهراز بفاس ثم بالدارالبيضاء، من هذه الأخيرة انتقل في باخرة حربية أمريكية رفقة الطابور العسكري المغربي الخامس لينزل في ميناء مارسيليا على ساحل الأبيض المتوسط، أعدت القوات الأمريكية قاعدة انطلاق القوات الفرنسية المعززة بالطابور المغربي الخامس قوامها 25 ألف جندي لمحاربة النازيين الألمان وسط معارك استعملت فيها طائرات مقاتلة ومدافع ثقيلة، من حسن حظ المحارب ادريس بن دربي أن مهامه كانت ترتبط بالتموين العسكري، اذ كان مكلفا بنقل المؤن من العتاد والسلاح والغذاء الى جبهات القتال.

بن دربي أيام الشباب

بن دربي أيام الشباب

في هذه الحرب الشرسة، لاحظ المحارب المغربي بن دربي شراسة القوات النازية وتفوقها العسكري، إلا أن بسالة قوات التحالف بمعية الطابور المغربي الخامس تمكنت من دحر الألمان إلى ما وراء جبهة ستراسبورغ بل ودخلت قوات التحالف بمشاركة الطابور المغربي الخامس إلى عمق التراب الألماني إلى حين استسلام النازيين وانتهاء الحرب العالمية الثانية.

ففي وثيقة مؤرخة بالثاني من غشت عام 1953، يتحدث وزير الدفاع الوطني الفرنسي والقوات المسلحة عن أن الطابور الخامس المغربي أبان عن إمكانيات عالية في القتال:” في ميدان يحتضن الكثير من المجالات

الوعرة، وأمام خصم عدواني يتوّفر على قوة عددية كبيرة، استطاع الطابور الخامس المغربي، الذي كان معزولًا دون أيّ دعم، أن ينجز مهمته بشجاعة كبيرة، كلّفته ضريبة ثقيلة من الخسائر”.

في هذه الوثيقة التي تعدّد إنجازات الطابور الخامس المغربي، يظهر اسم ادريس بن دربي كأحد أفراده. غير أن ذلك لم يشفع لهذا المقاتل المغربي أن يطالب ماما فرنسا بمزيد من الحقوق بعد عودته من جحيم الحرب، إذ وجد نفسه فلاحا خدوما لأرضه المعطاء وأبا عطوفا على أسرته ومواطنا خدوما لوطنه وملكه، لم يصاب في تلك الحرب الطاحنة التي قتل فيها المئات من المجندين المغاربة بأذى، فهو كثير الانضباط والفطنة وحريص على الاستقامة والحذر، منذ أن جندته فرنسا كي تضعه في الصفوف الأمامية للقتال ضد القوات النازية.

الحاج بن دربي

الحاج بن دربي

بعد عام 1945، بانتهاء الحرب العالمية الثانية، عاد البطل ادريس بن دربي الى وطنه وأسرته بغربية، 26 كلم جنوب غرب مركز تاونات، بعد سنة ونصف قضاها الى جانب زوجته وأبنائه، تم المناداة على قدماء المحاربين وكان بن دربي واحدا منهم، فتوجه برفقة قدماء محاربي تاونات إلى القاعدة العسكرية الفرنسية ظهر المهراز بفاس قبل أن يتوجه رفقة فيالق عسكرية فرنسية مطعمة بقدماء المحاربين المغاربة والدزايريين والتوانسة، قضت الرحلة إلى الفيتنام ( الهيندوشين) 20 يوما على متن سفينة حربية فرنسية، توزع المحاربون على جبهات قتال مختلفة، غير أن طبيعة هذه البلاد كانت مختلفة عن تلك التي حارب فيها هؤلاء الالمان بجبهات القتال في اروبا حيث كثافة الغابة وكثرة الأفاعي في المياه، كانت مهمة ادريس بن دربي وفيلقه العسكري حراسة ومراقبة قاعدة جوية فرنسية بالفتنام، كان ادريس بن دربي يدرك طريقة التعامل مع (الشينوا)، كانت نساؤهن يفدن على محيط القاعدة الجوية لأخذ كلاء الماشية لم نكن نطردهن كانت معاملتنا جيدة معهن، حينها لم يحصل أي اعتداء على القاعدة الجوية العسكرية للطائرات الفرنسية طيلة عامين قضيتها بالمطار العسكري، إلا أن تغيير أسلوب تعامل الضباط الفرنسيين بعد ذلك قد جلب نقمة الهندوشين وتوصل بن دربي بعد عودته الى مسقط رأسه سنة 1955 ، بخبر إحراق المطار العسكري الذي كان يحرسه باستعمال البنزين ومقتل جنود فرنسيين وأمريكيين وأنجليز.

بعد عودته الى بلدته سنة 1955، حيث قضى الحاج بن دربي فترة بالقاعدة العسكرية لمكناس وفاس ومنها حصل على التقاعد العسكري كأحد قدماء المحاربين بالجيش الفرنسي، اختار بن دربي في البداية الاستقرار بفاس قبل أن ينتقل بشكل نهائي الى مسقط رأسه بغربية مع أسرته الريفية، ولم يرضى بأنفته العودة الى فرنسا قائلا ” أفضل الحرية على أن أذهب الى فرنسا لأجل السياحة بالبون” حيث تخلى عن زيارة فرنسا واكتفى بتلقي تعويضاته منذ عودته من شمال فيتنام سنة 1955 .

تتكون أسرة هذا المحارب المغوار الذي تزوج ثلاث نساء، من  ثمانية أبناء وهم محمد بالرباط والزوهرة بغربية وليلى بالرباط وعبد الحق بفاس وأسية بغربية ورشيد بغربية وخالد بغربية وأسماء بكلاز وزوجته الياقوت التي لازالت إلى جانبه تعاني من مرض عضال.

محمد العبادي

عن الكاتب

صحفي

تاونات جريدة إلكترونية إخبارية شاملة مستقلة تهتم بالشأن المحلي بإقليم تاونات وبأخبار بنات وأبناء الأقليم في جميع المجالات داخل الوطن وخارجه.

عدد المقالات : 7180

اكتب تعليق

لابد من تسجيل الدخول لكتابة تعليق.

جميع الحقوق محفوظة لموقع تاونات.نت - استضافة مارومانيا

الصعود لأعلى