جريدة ” تاونات نت”تنفرد بنشر سيرة وحياة الشيخ العلامة الفقيه العلامة محمد العربي بن احمد الفشتالي ابو محمد

تراجم علماء إقليم تاونات

تراجم علماء إقليم تاونات

تاونات:جريدة”تاونات نت”/نسبه وولادته :هو أبو محمد محمد العربي بن احمد بن عبد الكريم الفشتالي نسبة الى قبيلة فشتالة إحدى قبائل إقليم تاونات.

ولد سنة 1052هـ/1642م بمدينة فاس وغالبا في سكناه الأولى بزنقة الرطل حيث هناك نشا وترعرع في حضن أبويه إلى سن التمييز وهو السن الذي اعتاد الآباء أن يدخلوا أبناءهم الكتاب لتعليم الكتابة والقراءة وحفظ القران الكريم .

نشأته وتعليمه:إن الأخبار والمعلومات عن نشأة هذا الشيخ الصالح الجليل محمد العربي الفشتالي غير متوفرة ولا يعلم اين نشا وتعلم الكتابة والقراءة وحفظ القران هل في باديته فشتالة بين أهله وذويه تم دخل فاس ليدرس على علماء جامع القرويين أم دخل أبوه أو جده فولد المترجم له في فاس وفيها نشا على التربية والتعليم الأولي عند التمييز وبعد حفظ القران الكريم وما كان متداولا من المتون النحوية والفقهية صار يتعاطى العلم عن المشايخ الكبار والعلماء الإجلاء المتصدرين للإقراء والتدريس بجامع القرويين  وغيرها من مساجد فاس العامرة أحاطها الله بالحفظ والرعاية من كل مكروه.

ومهما يكن الأمر فقد شب سيدي محمد العربي الفشتالي في طلب العلم والأدب والحكمة قراءة وإقراء ينهل العلم من أهله مشافهة قال العالم أبو العباس ابن العريف :

من لم يشافه عالما بأصولــــه              فيقينه في المشكلات ظنــــــــون

من أنكر الأشياء دون تيقـــن              وتثبت فمعــانــــــد مفتــــــــــون

الكتب تذكرة لمن هو عالــم               وصوابها بمحالها معجـــــــــــون

والفكر غواص عليها مخرج              والحق فيهـــــا لؤلؤ مكنــــــــون

وقال العالم الأديب محمد بن محمد بن محمد بن حسن الشمتي المغربي :

من يأخذ العلم عن شيخ مشافــه         يكن من الزيغ والتصحيف في حرم

ومن يكن اخذ للعلم من صحف          فعلمه عنــــــد أهـــــل العلم كالعـدم

فعمل بجد واجتهاد في تحصيل العلم وفنونه عاملا بنصائح العلماء في مجال العلم وطلبه فقال بعض العلماء :

خليلي لا تكسل  ولا تهمل  الدرس        ولا تعد طوعا في بطالتها النفسا

ولا تترك التكرار فيما حفظتــــــه         ومن ترك التكرار لا بد ان ينسا

إن العلـــــوم لأشـخـــاص مغيبــة         فليس يدركهن الا مــــن درســـا

وقال غيره :

شمر ولكن في أمور الدين مجتهدا            ولا تكن مثل غير قيد فانقــــاد

وقال عبد الله بن المبارك :

يـــــا طالب العلم بادر الورعــــــا            وهاجر النوم واهجر الشبعــــا

يــــــا أيها الناس انتم عشـــــــــب             يحصده الموت كلما طلعــــــا

لا يحصــــــد المرء عنــــــد فاقته            إلا الذي في حياته زرعـــــــا

وقيل لمحمد بن الحسن :

تعلم فـــــان العلم زين لأهلــــــه             وفضل وعنوان لكل المحامــــــــد

وكن مستفيدا كل يوم زيـــــــادة             من العلم وأسبح في بحار الفوائـــد

تفقه فان الفقه أفضل قائــــــــــد             إلى البر والتقوى واعدل قاصـــــد

هو العلم الهادي إلى سن الهدى            هو الحصن ينجي من جميع الشدائد

فان فقيها واحدا متورعـــــــــا              اشد على الشيطان من ألف عابــــد

فحصل له المطلوب وحظي بالمرغوب حتى أصبح أستاذا مشاركا في فنون العلم له معرفة بالتجويد والأداء وأحكام الرسم مما يتعلق بعلوم القران والقراءات القرآنية ومن مشاهير العلماء العاملين الورعين ومن أكابر الزاهدين .

شيوخه :

من الطبيعي انه إذا تعددت مواد العلم وفنونه تعدد معها الشيوخ لان هناك علوم القران وعلوم الحديث وعلوم التفسير بالإضافة إلى علوم اللغة والآداب والحساب والتصوف وما إلى ذلك حسب ما كان يدرس بجامع القرويين أو غيرها بمساجد فاس المحروسة ومن بين الشيوخ الذين درس عليهم :

–  الشيخ الفقيه العلامة الحيسوبي المقرئ سيدي أبو زيد عبد الرحمن بن أبي القاسم بن القاضي كان السلطان مولانا الرشيد يستشيره فيمن يوليه على شؤون فاس من حاكم وقاض ومحتسب وناظر أوقاف توفي سنة 1082هـ /1671 م.

–  الشيخ الفقيه العلامة سيدي أبو محمد عبد القادر بن علي الفاسي كان من الطلبة الافاقيين الذين وردوا على فاس برسم القراءة فأصبح إماما من الأئمة وعلما من الإعلام وتخرج عليه إعلام مثل هذا المترجم له وكان ينتقد بشدة الطريقة التي تسلكها النساء في اخذ العلم ملأت حياته القرن الحادي عشر كله وله رسائل متبادلة مع السلطان المولى إسماعيل حول العبيد وتوفي رحمة الله سنة 1091هـ/1680م.

-الشيخ الفقيه العالم الأديب الإمام أبو علي الحسن بن مسعود اليوسي صاحب المؤلفات المتعددة وكان الإقبال على مجالسه عظيما لتضلعه في العلوم العقلية ومن تلامذته السلطان المولى رشيد توفي رحمة الله عام 1102 هـ/ 1690 م.

–  الشيخ الفقيه العلامة الإمام أبو عبد الله محمد – فتحا –  بن احمد ميارة الفاسي الكبير حامل لواء المذهب المالكي وتوفي سنة 1072 هـ/1661 م . وقد ميز صاحب السلوة بين أساتذة الشيخ سيدي محمد العربي الفشتالي فجعل هذين الشيخين الآتي ذكرهما من شيوخه في التصوف والطريقة وهما :

– الشيخ الفقيه الإمام العامل القدوة سيدي محمد بن محمد بن ناصر الدرعي الاغلاني يقول عنه الشيخ محمد بن الطيب القادري : ( رأس في العلم والعمل والولاية ماهر في التفسير والحديث والتصوف) توفي رحمة الله عام 1085 هـ/1674م.

– الشيخ الفقيه العالم النحوي سيدي أبو عبد الله محمد بن المبارك السجلماسي  المغراوي يقول محقق كتاب التقاط الدرر في هامش ” 3 ” : ( اشتهر كفقيه ونحوي وتضلع في علم القراءات درس بالقرويين وله منظومة في القراءات ولد سنة 1019 هـ/1610م. وتوفي في 05 ربيع الأول من عام 1092 الموافق 25 مارس 1682م) .

ولعل من رفقائه في الدراسة على هؤلاء الشيوخ وغيرهم الشيخ العلامة أبو سالم عبد الله بن محمد العياشي المتوفى سنة 1090هـ /1679م.

تلاميذته :

يقول محمد بن الطيب القادري عند الحديث عن اخذ الشيخ سيدي محمد العربي الفشتالي العلم ومن أخد عنه : ( اخذ صاحب الترجمة عن غير واحد منهم : الشيخ أبو عبد الله محمد بن محمد بن ناصر الدرعي وعن سيدي الحسن بن مسعود اليوسي حسبما رايته بخطة وعن سيدي عبد القادر بن علي الفاسي واخذ عنه غير واحد في الابتداء منهم ; جدنا سيدي عبد السلام بن الطيب القادري وأخوه محمد العربي ).

المهام التي زاولها الشيخ سيدي محمد العربي الفشتالي :

لقد تقلد الشيخ الفاضل الصالح سيدي  أبو محمد محمد العربي الفشتالي أعمالا اشتغل فيها من بين هذه الأعمال :

  أولا : التدريس : ويدل على اشتغاله بهذه المهمة قول صاحب النشر : ( انتقل لرأس الجنان بقصد الإمامة في مسجده وتدريس الرسالة وغيرها وكان يقرئ هنالك الصبيان القران الكريم والأماكن المذكورة من عدوة فاس القرويين ولم يرقط أحواله شبهة ).

وقول صاحب السلوة : (وكان “رحمه الله  – أستاذا مشاركا في الفنون ، له معرفة بالتجويد، والأداء ،وأحكام الرسم).

ثانيا : الإمامة و الخطابة . قال صاحب الإعلام بمن غبر من اهل القرن الحادي عشر : الفقيه النجيب المشارك الخطيب ، أبو عبد الله محمد العربي بن أحمد الفشتالي ) .وقال أيضا (وناب في خطبة القرويين وغيرها ) ، وقال صاحب نشر المثانى : (كان أول سكناه بزنقة الرطل ،  ثم في رابع ربيع الأول سنة 1074 هـ / 1663م ، انتقل لرأس الجنان بقصد الإمامة في مسجده).

   ثالثا : خطة العدالة : قال صاحب صفوة من انتثر من أخبار صلحاء القرن الحادي عشر : ( وكان مع ذلك من أهل العدالة ، يجلس بسماط العدول ، فإذا كتب لأحد وثيقة و أعطاه الأجرة أخذ منها قدر ما تستحقه الوثيقة ، ورد له الباقي ) ، وقال صاحب السلوة : (وكان في بعض الأزمات منتصبا للشهادة بحانوت من حوانيت شهود فاس القرويين ).

أقوال العلماء فيه ، وثناؤهم عليه :

يقول العالم المؤرخ سيدي محمد بن الطيب القادري ، حفيد تلميد الشيخ سيدي العربي بن أحمد الفشتالي: (الفقيه العلامة ، المدارس الفهامة ، الصوفي الأروع ، الولي الصالح الأنفع ، الهائم في الجلال ، العاكف في الجمال ، أبو محمد سيدي العربي بن أحمد الفشتالي ، كان رضي الله عنه ، أحد أكابر الزاهدين ، ومن المشاهير العلماء العاملين ومن أهل الأحوال الواصلين ).

ويقول صاحب السلوة : (الفقيه العلامة ،المشارك الفهامة ،الولي الصالح الأروع ، البركة الأنفع،الهائم في الجلال ،و العاكف في الجمال ،الناظم الناثر ، الصوفي الباهر ، أبو محمد سيدي محمد العربي بن أحمد بن عبد الكريم الفشتالي ، به عرف.

   كان رحمه الله أحد أكابر الزاهدين ، ومن مشاهير العلماء و العاملين ، و من أهل الأحوال الواصلين ، ومن أجل أهل زمانه علما و عملا وورعا ، مشهورا بذلك… وكان رحمه الله أستاذا مشاركا في الفنون ، له معرفة بالتجويد و الأداء و أحكام الرسم … وكان زاهدا في الدنيا ، منقبضا عن الضلمة ، طالما راودوه على القضاء و غيره فامتنع منه … وكان رضي الله عنه مع ما هو عليه من الأحوال و الأسرار ، و المواهب و الكشف ، يخفي أحواله و يكتم أسراره ).

ويقول الشيخ محمد بن محمد مخلوف : ( … الشيخ الكامل ، العالم العامل ، الكثير الكرامات ).

   و يقول الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الله الفاسي الفهري : ( الفقيه النجيب ، المشارك الخطيب ، أبو عبد الله محمد العربي بن أحمد الفشتالي ، قرأ على أستاذ الجماعة أبي زيد بن القاضي بالسبع ، و لالزم شيخ الجماعة أبا محمد عبد القادر الفاسي ، و حضر مجالسه كثيرا ، و انتفع نفعا ليس محصورا .

  و كان– رحمه الله- أستاذا حاذقا ، حافظا لمخارج الحروف محققا ، له معرفة بالتجويد و الأداء ، و للناس فيه اعتقاد حسن و اقتداء ، اشتهر ب العدالة و الدين ، و الزهد و الورع المتين ، و محبة صادقة في الصالحين ، باحثا عن أحوالهم ، مقتبسا من فيض أنوارهم ، قوالا للحق ، سالكا سنن من سبق ، وناب في خطبة القرويين وغيرها ).

و يقول الإمام محمد بن أحمد الحضيكي : ( محمد العربي بن أحمد الفشتالي ، كان- رضي الله عنه – عالما مشاركا في الفنون … له معرفة تامة بالتجويد ، و الأداء ، وأحكام الرسم ، مع تواضع وزهد تام و ورع .

وكان يجلس في بساط العدول ، إذا أعطاه صاحب الوثيقة أجرة أخذ ما تستحقه الوثيقة ، ورد الباقي لصاحبها ، معرضا عن الضلمة و أرباب الدنيا ، قد طولب بالقضاء مرارا فأبى ) .

  و نقل صاحب السلوة أقوال بعض العلماء منها :

  • قول الشيخ مولانا عبد العزيز الدباغ في الإبريز : ( إنه من العارفين بالله ، و من يحضر الديوان في حياته )

  • قول الشيخ سيدي أحمد بن عبد الله معن : ( إنه كان من أكابر الأولياء العارفين).

عبادته و روعة أقواله :

  إن مما يستخلص من أقوال العلماء في الشيخ العربي الفشتالي ، و الثناء عليه ، أن الشيخ أبا محمد محمد العربي الفشتالي كان تقيا ، ورعا يتحرى في عيشه و معيشته الحلال ، و يتجنب الشبهات ، خشية و خوفا من الوقمع في الحرام ، و ذلك لشدة حرصه على مراقبة الله تعالى ، ومما يدل على ورعة و تقواه ما أثر عنه ، حكاه المترجمون  له و من ذلك.

  ( أنه لم ير قط مارا مسجد منذ زلجوه ،تورعا من كسب من انفق على تزليجه  ، فكان إذا دخله من غير صحنه ،فقيل له : إن النفقة من مهر امرأة و هو حلال ، فقال : هو المهر ، ولكن أصله من شبهة لأن المرأة كانت من أولاد أعراض الذين قاموا في الفتنة ، و كانت زوجة السلطان مولاي الرشيد ، ووهبت دفعه لها في الصداق على ذلك ).

     (أنه مرجع بعض الناس لشهادة في رهن ، فلما ذكر الشاهدان صورة الرهن ،  تخيل فيه بعض الفساد ، فارشدهم إلى وجهة الصحة ، فما نشب إلا وواحد من المشهدين يشتمه بأقبح الشتم، و ينسبه للتلبس و التقول ، فلم يتغير منه شيئ ، ويبقى ساكنا ، فلم يجبه بشيئ ، أعياه الكلام فسكت ، وبقي مطرقا إلى أن طال الحال ،فقال سيدي محمد العربي الفشتالي للمشهد المذكور : ألم نكمل هذا الأمر لنخرج إلى شغلنا ؟ ولم يزد على ذلك ، فهذا شأن من يحتسب الحركات و السكنات الله تعالى ، و من له قوى على نفسه رضي الله عنه ).

  ( أنه كان إذا اضطره الحال إلى المعاش – حيث كان مفتقرا – انتصب للشهادة بحانوت من حوانيت عدول فاس القرويين ، فإذا كتب لأحد وثيقة و أعطاه أجرة ،أخذ منها ما تستحقه الوثيقة فقط ، و إذا تناول منه ما يكف ضرورته ، صرف من يأتيه من المشهدين بعد ذلك لغيره  من الشهود الذين بقربه ، و يقول إنه لم يستفتح و لم يقبض اليوم شيئا ).

    أنه أشهد على بيع دار، و قال البائع للمشتري عند التبايع :أن بها بقيقا بلفظ تصغير بق تعضله ، و أشار بأصبعه ، و لما كتب وثيقة البيع ، كتب بآخرها : و ذكر البائع أن بالدار بقا ، و جعل يعضله بيده .

    و قد قال مولانا عبد العزيز الدباغ في الإبريز : (وكراماته – رضي الله عنه – كثيرة ، ومناقبه في الناس شهيرة ) ، نذكر منها : الحكايتين :

  الأولى :  ( أنه لما اجتمع عليه طلبة بموضع مجلسه الذي يدرس به ، و أخذه حال ، و جعل يصفق بيده بيده و يذكر بعض الأزجال في المدح النبوي حتى أغمي عليه ، ففر عنه جميع الطلبة ، فتركوه إلا واحدا منهم، كان هو قارئه، فبقي ينتظره ، حتى آفاق ، فسأله عن الطلبة ، فقال له : ذهبو إلى أماكنهم ،فقال له : ما لك لم تذهب أنت معهم ؟فقال له يا سيدي؛ لمن أتركك هكذا ؟ فقال له لا تقرأ على أحد من اليوم ،و اشتغل بالتدريس فينتفع بك الناس ، يذكر أن هذا البعض هو سيدي عبد الرحمان بن عمران، فقد كان يدرس العربية كثيرا و كان آيتا فيها) .

 الثانية : (تكلم ذات يوم مع بعض طلبته ، فقال : أتضنون أن الكشف شيئ ؟ إنما هو شطارة و سرعة فهم ، و إن شككتم في هذا ، فانظرو إلي فإنكم تعرفوني و تعرفون أحوالي كلها ، و تعرفون أني لست بولي ؛ فقالوا له : نعرفك كذالك فقال لواحد منهم بعينه مكاشفا : ألست تريد أن تفعل كذا ، في وقت كذا؟ فقال الطالب: نعم ، فقال سيدي العربي : هو ما قلت : إن الكشف شطارة ، فصدقوه : و ظنوا أن الأمر كذلك ، و تلاهى عليهم ).

   وقد نقل عنه أقوال كثيرة منها :

   *   أعلم أن ملاقات الناس أمر عظيم ، و خطر جسيم ، و مضر للدين ، و مهيج للغضب الكمين ، ومضهر للصغائر ، و جالب لحقد المثافن ، فدع عند الملاقات ، و اشتغل بالقربات ، و تكذر الحديث الوارد في الخلقات ، و أسأل من الله التثبت على الخيرات و على المتابعات آمين .

    * أعلم أن إصلاح الملاحات ، هو الإقلال من فضول الكلام و الإقبال الملك العلام ، فإن لم يكن سليقة ، فليكن استعمال لا لرياء ولا لسمعة ، بل تكلف فعسى أن يكون حالا .

   * إذا أقبل العبد على الإخرة صغرت في قلبه الدنيا ، و استحقرها ، وتذكر ذنوبه و مساويه ، فيحتقر نفسه و يعيبها ، كما قال القائل :

لما تحققت أني لا أشاهدكم            غمضت طرفا فلم أنضر إلى أحد

   و أجاب عمن سأله عن خطة القضاء : أما إذا سألتني عن خطة القضاء ، فالذي يضهر لي فيها : أنها صداع الرأس : و سم قاتل في الجوف : و سلسلة في العنق : و سنارة في الحلق : و هذا ما ضهر لي فيها : و قد علمت أن درء المفاسد : مقدم على جلب المنافع و السلام .

   و قال العالم المؤرخ محمد بن الطبيب القادري في نشر المثاني : و من مقيداته ما وجدته بخطه رحمه الله تعالى :

  يا من أياديه عندي غير واحدة          و من مواهبه تنمي على العدد

  ما نابني في الزمان قط نائبه             إلا وجدتك فيها آخذا بيــــــدي

  و له مراسلات تواصلية مع شيخه سيدي محمد بن محمد بن ناصر الدرعي ، و من بينها :

   ( إلى محل الروح ، و شفاء القلب المجروح ، أبي عبد الله سيدي محمد بن ناصر ، نصر الله بكم دينه ، و أعز بكم كلمة نبيه صلى الله عليه و سلم.

  من عبد الله تعالى الذليل الحقير ، البائس الفقير ، المتبرئ من حوله و قوته حالا ز مآلا ، العربي بن أحمد الفشتالي ، نور الله بصيرته بمعرفته ، وفتح قلبه لسلوك طريقته ، و من عليه بنفحات أهل الكمال ، و طمس عنه كل باب سوى بابه ، و من عليه بكشف حتى لا يشاهد في الظاهر و الباطن إلا الله : { ربنا آتنا من لدنك رحمة و هيئ لنا من أمرنا رشداًََََ }  { رَبناَ ضلمناَ أنفسنا و إن لم تغفر لنا و ترحمنا لنكونن من الخاسرين } .

  هذا سيدي و الحمد لله من علينا بالإسلام ، و جعلنا من أمة محمد عليه أفضل الصلات و السلام ، و من علينا بالإنخراط في تربيتكم التي ظهر علينا ــ و الحمد لله ــ فضلها ، فجدد سيدنا لعبدك ، و كثر ما يعرض على عبدكم الكلام في طريق القوم، و الخوض في ذلك ، حتى ربما يتوهم متوهم أنه سلك شيئا من ذلك ، و هو بعيد من ذلك ، و أخشى من المقت ، لا حول ولا قوة إلا بالله .

  و قبل هذه الأيام اعتراني وسواس عظيم ، ثم شفاني الله منه ، و أما الورد سيدي هاني في بعض الأيام تغلبني عيني عنه ، و يظهر على أثره في مسائل دنياي ، فضلا عن مسائل ديني ، و رأيت في منامي قبل هذا القريب ، أني أصلي بغير وضوء ، ثم رأيت بعد ذلك أني توضأت و فاتتني الصلاة ).

  فكانت هذه رسالة جواب من شيخه سيدي محمد بن محمد بن محمد بن ناصر الدرعي :

  ( و عليك السلام و رحمد الله تعالى و بركاته ، أما بعد:

  و ثبتك { بالفَـول  الثابت في الحيـوةِ الدنيا و في الآخرة } ، فاتق الله و أبشر ، و لا تخل نفسك من مطالعة كلام القول ، فإن فيه ثفاء الداء العضال ، ” و من تشبه بقوم فهو منهم ، و كتب محمد بن ناصر كان الله له ).

  وفـاته :

  إن الموت حقيقة لا مفر منها ، قال تعالى : { كل نفس ذآئقة الموت  و إنما توفون أجوركم يوم القبامةِ } : { ولن يًُّوخر الله نفسا إذا جاء أجلها } ، فما من إنسان في هذه الدنيا ، و هو على قيد الحياة إلا و يرتجل من دار إلى دار ، سواء قام أو جلس ،أقام أو ارتحل ، هو في الحقيقة مرتحل و مسافر في عجلة الحياة التي لا تتوقف أبدا ، و تنتهي به إلى الموت ، و إلى الدار الآخرة ، قال أبو الحسن التهامي :

     حكم المنية في البرية جار              ما هذه الدنيا بدار قرار

    و قال غيره :

    و ما الدنيا بباقية لحــــــــي             و ما حي على الدنيا بباق

   و قال غيره:

   تأمل في الوجود بغير فكر                  تــر الدنيا الدنية كالخيــال

  ومن فيها جميعا سوف يفنى                 و يبقى وجه ربك ذو الجلال

  لكن العلماء العاملين ، و الأولياء المخلصين الصادقين ، و الأصفياء المتقين ، كانوا في الدنيا يذكرون الموت دائما ،لأنه موعد لقائهم لحبيبهم ، و المحب لا ينسى قط موعد اللقاء . قال تعالى : { آلآ إنّ أولياء الله لا خوفُُ عليهم و لا هم يحزنون 62 الذين ءامنوا و كانوا يتقون 63 لهم البشرى في الحياة الدنيا و في الآخرة } .

  عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال : ( يا رسول الله ؛ من أولياء الله ؟ قال : إذا رأؤوا ذكر الله ) .

  و عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : { إن من عباد الله عبادا يغبطهم الأنبياء و الشهداء يوم القيامة ، بمكانهم من الله ، قيل من هم يا رسول الله ؟ قال : قوم تحابوا في الله من غير أموال ولا أنساب ، وجوههم نور ، على منابر من نور لا يخافون إذا خاف الناس ولا يحزنون إذا حزن الناس ، ثم قرأ :{ آلآ إِنّ أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون }  ) . و هذا ما تدل عليه الآية : إن الذين فالوا ربنا الله ثم آستقاموا تتنزل عليهم الملائكة أًَلا تخافوا ولا تحزنوا و أبشروا بالجنة التي كنتم توعدون 29 نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة و لكم فيها ما تشتهي أنفسكم و لكم فيها ما تدعون 30 نزلا من غفور رحيم 31 }.

يقول الدكتور وهبة الزحيلي في معنى هذه الآيات : ( دلت هذه الآيات دلالة قطعية ، على أن الجزاء منوط بالعمل ، فمن أقر بالربوبية و الوحدانية و الألوهية لله عز و جل ، و استقام على أوامرالله و طاعته ، فتلهمه الملائكة ما تقربه نفسه ، و ينشرح له صدره ، و يزيل مخاوفه ، و يبدد أحزانه ، و تقول له الملائكة تتنزة بالبشارة ، نحن قرناؤكم الذين كنا معكم في الدنيا ، نحفظكم و نلهمكم الحق ، و إذا كان يوم القيامة لا نفارقكم حتى ندخلكم الجنة . و هذا إما من قول الملائكة ، أو من قول الله تعالى ،و الله ولي المؤمنين ومولاهم ، و من كان اللهه وليه فاز بكل مطلب و نجا من كل مخافة ، و لكم في الآخرة كل ما تشتهيه أنفسكم من الملاذ ، و لكم ما تسألون و تتمنون رزقا طيبا ، و ضيافة كريمة ، و نعمة عظيمة من الله الغفار الستار لذنوب عباده التائبين ، الرحيم الرحمان الرؤوف بعباده في جميع الأحوال .

 و قد دلت هذه الآية على أن كل هذه الأشياء المذكورة ، جارية مجرى النزل ، والكريم إذا أعطى النزل فلابد أن يحقق السعادة للمعطى ، و تلك السعادة تحدث عند رؤية الله عز وجل ، و التجلي و الكشف التام ).

  و صدق رسول الله صلى الله عليه و سلم إذ يقول : {  من فارق الدنيا على الإخلاصلله وحده ،و عبادته لا شريك له ، و إقام الصلاة ، و إيتاء الزكاة ، مات والله راض عنه }.

إن الشيخ العالم الصالح الورع ، أبا محمد محمد العربي الفشتالي قد مات ، يقول صاحب السلوة : ( توفي ــ رحمه الله ــ كما ذكره سيدي عبد المجيد المنالي في رحلته ،بالطاعون ، بعد  زوال الشمس من يوم الأربعاء ، خاتم جمادى الثانية ، سنة اثنتين و تسعين و ألف ، الموافق 1681 م ، قال : ” و دفن من الغد ضحوة الخميس ، أول يوم من رجب بمسجد سيدي علي حماموش ، خارج باب الفتوح ” .. و هذا ــ و الله أعلم ــ هو التحقيق بعد وفاته ، و يوافقه قول صاحب المورد الهني : ” توفي في آخر جمادى الثانية عام اثنين و تسعين ـــ بمثناة أولا ـــ و ألف ، و دغن قرب سيدي علي احماموش بباب الفتوح “، خلافا لقوله في نشر المثاني : توفي في حادي عشر جمادى الأولى ، عام اثنين و تسعين و ألف ، و دفن بجوار سيدي علي حماموش تحت مصلى باب الفتوح ، و لما في الإبريز من أنه : ” توفي عان تسعين و ألف ” و لما في فهرسة سيدي إدريس المنجرة من أنه :” توفي مهل شعبان سنة اثنتين و سبعين بتقديم السين ، و ألف ، و الله أعلم ).

  و ليس خطورة  في موة الشخص أيا كان لكن الخطورة تكمن في قبض العلم ، بقبض صاحب العالم ، و أن العالم لم يمت ، بل سيظل حيا بذكره ، لما تركه من علم في صدور الناس ، أو مؤلفات ينتفع به الناس، كما قال الإمام ابن حزم رحمه الله .

  مناي في الدنيا علوم أبثهــــــا                             و أنشرها في كل باد و حاضــر

 دعاء إلى القرآن و السنن التي                             تناسى رجال ذكرها في الحاضر

  و قال غيره :

يموت قوم فيحيى العلم ذكرهم                              و الجهل يلحق أمواتا بأمـــــوات

و قال آخر :

أرى العلمــــاء أطولنـــا حيــاة                              و إن أضحوا رفاتا في القبــــور

أنــاس غـيــبــوا وهم شـهـــود                              بما ابتدعوه مــن علــم خطـــــير

كأنهم حضور حــيــي تجــــري                                      محاسن ذكرهم عند الحـــضـــور

لــئن ملئت قبــــورهم ظــلامـا                               فإن ضـــياءهم مـــلء الصــــدور

فرحمه الله رحمة واسعة ، و أسكنه فسيح جناته آمين ، و الحمد لله رب العالمين .

المؤلف: ذ. عبد الكريم احميدوش عضو المجلس العلمي لتاونات

عن الكاتب

صحفي

تاونات جريدة إلكترونية إخبارية شاملة مستقلة تهتم بالشأن المحلي بإقليم تاونات وبأخبار بنات وأبناء الأقليم في جميع المجالات داخل الوطن وخارجه.

عدد المقالات : 7248

اكتب تعليق

لابد من تسجيل الدخول لكتابة تعليق.

جميع الحقوق محفوظة لموقع تاونات.نت - استضافة مارومانيا

الصعود لأعلى