بعد اتفاقية تنمية النقل المدرسي بالعالم القروي:تلاميذ قرى إقليم تاونات ينقلون إلى مؤسساتهم كالأغنام!

نقل تلاميذ البوادي في ظروف جد صعبة

نقل تلاميذ البوادي في ظروف جد صعبة

جريدة”تاونات نت”- محمد العبادي و أسماء القادري/يخرجون في ظلمة الصباح الباكر، ويعودون في أول الليل! ليسوا تجارا للأسواق الأسبوعية و لا عمال مناجم ، ولا عمال مياومين، بل هم مجرد تلاميذ يقضون ما بين ساعة إلى 6 ساعات وثلاث كيلومترات الى 25 كيلومترا في “التنقل” اليومي من وإلى المؤسسة التربوية التي يدرسون بها! لا تقلهم حافلات نقل مدرسي لائقة، ولكن سيارات النقل السري ( مرسديس 207 وسيتروين ) أشبه بتلك التي تخصص لنقل البضائع والماشية، حيث يكدس العشرات منهم فيها منذ السادسة صباحا، على أن يعودوا بعد غروب الشمس.

عجز النقل المدرسي يضع تلاميذ البادية أمام مطرقة النقل السري وسندان الهدر المدرسي

يظل النقل المدرسي يؤرق سكان الجماعات القروية والدواوير النائية وذات المسالك الوعرة بشكل خاص، وفيما لا يزال بعض التلاميذ وأولياؤهم يحتجون ويطالبون بتوفيرها، فإن آخرين استسلموا للأمر الواقع، وراحوا يبحثون عن وسيلة أخرى، عدا حافلة نقل محترمة تقلهم من وإلى المدرسة، فلجأوا إلى سيارات النقل السري والدواب والمشي على الأقدام كيلومترات عديدة، رغم مشقة الطريق والظروف المناخية الصعبة في عز الحر والشتاء.
ولا يزال الكثير من التلاميذ غير قادرين على الذهاب إلى المؤسسات التربوية التي يدرسون بها في ظروف لائقة ومقبولة، خاصة في الدواوير النائية التي تبعد فيها المؤسسة التربوية عن التجمعات السكانية بعشرات الكيلومترات، حيث يضطر حينها التلميذ للتنقل لمسافات طويلة مشيا على الأقدام ذهابا وإيابا، خاصة أن بعض المناطق لا توجد فيها حتى وسائل نقل عمومية كانت أو خاصة، في حين يركب آخرون الدواب ويقطعون الوديان والجبال للوصول إلى القسم الدراسي.
وتسببت هذه الحلول الترقيعية في صناعة مشاهد أقل ما يقال عنها إنها “مأساوية”، عبر “شحن التلميذ والتلميذة كالبضاعة” من أجل نقله إلى المدرسة لتلقي العلم والمعرفة. وهي المظاهر التي تؤثر جسديا ونفسيا على التلاميذ، خاصة في طور الثانوي والاعدادي، ما يعرضهم لمختلف المخاطر في الطريق، ومن الناحية النفسية يفقدهم هذا التنقل الصعب التركيز في الدراسة ويجعلهم يفرون منها أو يضطرون لتوقيف مسيرتهم الدراسية في سن مبكرة.

مشهد لأسطول النقل المدرسي بالعالم القروي (تلاميذ ثانوية الامام الغزالي بتفرانت)

مشهد لأسطول النقل المدرسي بالعالم القروي (تلاميذ ثانوية الامام الغزالي بتفرانت)

الواقع يسقط نظريات الاتفاقيات والمراسيم!

تضمنت الاتفاقية المبرمة بين وزارة التربية الوطنية ووزارة الشغل في عهد الوزير محمد الوفا، ما اصطلح عليه بتنمية النقل المدرسي بالعالم القروي الموجهة الى مديري الاكاديميات الجهوية للتربية والتكوين في 13 مارس 2013 ، أنه عملا بالمبادئ النبيلة للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية ودورها في انعاش الشغل ودعم مختلف الانشطة المدرة للربح وبغية اتاحة الفرصة للمقاولين الشباب للاستثمار في مجال النقل المدرسي بالوسط القروي وتنميته ؛ سبق لهذه الوزارة ان وقعت في شهر يوليوز 2010 اتفاقية اطار بين وزارة التشغيل والتكوين المهني والادارة العامة للوكالة الوطنية لانعاش الشغل والكفاءات ANAPEC. وتروم هذه الاتفاقية من جهة تحديد الاطار العام لإرساء شراكة بين هذه الوزارة ووزارة التشغيل والتكوين المهني من خلال الوكالة الوطنية لانعاش الشغل والكفاءات ومن جهة ثانية استثمار برنامج “مقاولاتي” في مجال النقل المدرسي بالوسط القروي.

وتبعا لذلك وقع السادة الولاة ومديرو الوكالات الجهوية لانعاش الشغل والكفاءات  ومديرو الاكاديميات الجهوية للتربية والتكوين خلال انعقاد المجالس الادارية لهذه الاخيرة برسم سنة 2010 اتفاقيات مماثلة طبقا للالتزامات المشتركة التي تنص عليه الاتفاقية الاطار السالفة الذكر.

وفي السياق نفسه اصدرت وزارة التجهيز والنقل دفترا للتحملات يتعلق بالنقل المدرسي لحساب الغير وقد وافت الوزارة ” المديرية المكلفة بالدعم الاجتماعي ”  في حينه بنسخة منه قصد التنفيذ كلما امكن ذلك مما سيساهم في تنشيط الاقتصاد المحلي وخلق مناصب شغل جديدة لفائدة الشباب .

هذا وعملا على توفير النقل المدرسي لفائدة التلميذات والتلاميذ بالوسط القروي ؛طلب منها تكثيف الجهود والتعبئة وتنسيق العمل مع الجهات المعنية من اجل تفعيل :

–         بنود الاتفاقية الاطار المذكورة.

–         بنود دفتر التحملات المتعلق بالنقل المدرسي لحساب الغير.

وهكذا ظل منشور الاتفاقية وبنودها حبرا على ورق، بحيث لم يتم تفعيل ولا تنزيل لا بنودها ولا دفتر تحملاتها، وظلت مسألة تنمية النقل المدرسي بالعالم القروي مجرد خطاب للاستهلاك لا أقل ولا أكثر، ولا أدل على ذلك واقع النقل المدرسي بالعالم القروي كما اشرنا اليه.

 

تلاميذ تبودة وكيسان ومزراوة وتمضيت و(...) يعانون في صمت

تلاميذ تبودة وكيسان ومزراوة وتمضيت و(…) يعانون في صمت

رحلة “الشتاء والصيف” للوصول إلى المؤسسة

يواجه أطفال المدارس القاطنون بالجماعات القروية لدائرة غفساي، كما هول الحال بدائرة تاونات والقرية وتيسة، صعوبات كبيرة في التنقل إلى الثانويات أو الاعداديات لمزاولة دراستهم، بسبب النقص الفادح المسجل في وسائل النقل المرخصة، حيث تتوفر الجماعات القروية على حافلة أوحافلتين أحيانا لنقل عشرات التلاميذ في اتجاهات مختلفة، مما يضطر بالساهرين على تدبيرها الاقتصار على محاور طرقية دون أخرى، مما يحرم تلاميذ عدد من الدواوير  من هذه الخدمة.
وحسب الأولياء، فإن الرحلة الأولى تبدأ على السادسة صباحا وبعضهم لا يعودون إلى منازلهم إلا بعد صلاة المغرب، حيث يتنقل أطفالهم في أوضاع قاسية جدا، تشتد أكثر في فصل الشتاء حيث تنخفض درجة الحرارة إلى الصفر درجة ، خاصة أن السيارات التي يتم نقلهم فيها باردة وتشكل خطرا على حياتهم.
ومن جهة أخرى، يتم حشر عشرات التلاميذ ذكورا وإناثا على متن سيارة مرسديس 207 بداخلها وعلى سطحها، حيث يشتكي التلاميذ من الظروف الصعبة التي يتنقلون فيها على مسافة تزيد عن 20 كلم أحيانا في طرقات متردية ومحفوفة بالمخاطر دون تأمين من خطر التعرض لحوادث سير لا قدر الله، وهي الوسيلة الوحيدة المتوفر لنقلهم في غياب وسائل نقل مرخصة.

متى ينهض الفاعلون بإقليم تاونات للتغلب على إكراهات النقل المدرسي؟؟؟


يتميز اقليم تاونات بتضاريس وعرة وظروف مناخية صعبة٬ تزيدها هشاشة البنيات التحتية خطورة، مما يجعل تنقل التلاميذ والساكنة كابوسا يوميا٬ وهو ما يشكل أحد أكبر المشاكل التي تعرقل جهود التنمية بالاقليم.ففي بداية أي موسم دراسي جديد٬ يطرح مشكل النقل المدرسي خاصة بالنسبة للتجمعات السكنية التي تبعد عن المؤسسات التعليمية مما يشكل أحيانا كثيرة سببا رئيسيا في الهدر المدرسي وتفشي الأمية في صفوف أبناء المنطقة.
وعلى الرغم من البعد عن مراكز المؤسسات والمدارس التعليمية وانتشار الدواوير والتجمعات السكنية على مسافات متباعدة فيما بينها ٬ فإن ذلك لم يمنع من التفكير في ايجاد سبل ووسائل تحل إشكالية النقل المدرسي بالاقليم الذي كان يعرف منذ أكثر من عقدين من الزمن أزمة في التمدرس وخاصة في صفوف الفتيات.
ولتجاوز هذا الواقع واستشعارا منها بما يهدد مستقبل الأجيال الصاعدة على مستوى تراجع التحصيل العلمي ومردودية التلاميذ خاصة في صفوف الفتاة القروية بالإضافة إلى تفشي ظاهرة الهدر المدرسي٬ فان جهود الفاعلين من سلطات اقليمية ومجلس اقليمي وجهوي وجماعات محلية ومنظمات المجتمع المدني يجب أن تتظافر لمواجهة هذه الإشكالية التي باتت تقض مضجع التلاميذ أنفسهم وجمعيات آباء وأولياء التلاميذ.
من هنا وبفضل الإرادة القوية والعمل التطوعي والمقاربة التشاركية في تدبير الشأن المحلي والتربوي بين المبادرة الوطنية للتنمية البشرية والجماعات الترابية باقليم تاونات، أمكن تحقيق إنجازات مهمة ورفع تحديات كبيرة على مستوى النقل المدرسي بالوسط القروي غير أن ثمة مجهودات لازالت تنتظر باقي الفاعلين لاحتواء هذا المشكل العويص.

تلاميذ بمزراوة ينتفضون احتجاجا على غياب النقل المدرسي

وتلميذات بثانوية الإمام الغزالي يعانين في صمت

قرر عدد من التلاميذ اناثا وذكورا عند بداية الدخول الدراسي، تنظيم وقفة احتجاجية أمام مقر جماعة مزراوة للمطالبة باطلاق سراح حافلة للنقل المدرسي كانت تقلهم خلال السنة الماضية الى اعدادية وثانوية كلاز، غير أن هذا المطلب قوبل بلغة أخرى لا تعتمد مقاربة اجتماعية وتربوية ملحة، وهو غياب اتفاقية اطار لتشغيل حافلة النقل المدرسي المسلمة الى الجماعة في اطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، ما يضطر بالعشرات من التلميذات والتلاميذ الى الاصطفاف صباح مساء الى جانب الطرقات في انتظار وسيلة نقل تقلهم الى مؤسساتهم التعليمية، ويدفع الأمر احيانا الى قطع كيلومترات عديدة مشيا على الاقدام، وغالبا ما يصلون متأخرين. وفي هذا الاطار ظلت آذان جمعيات آباء وأولياء التلاميذ صماء بكماء وعيونهم عمياء عن الظروف الصعبة التي تواجه فلذات أكبادهم أن كان الحال بمزراوة أو بتبودة أو كيسان أو تمضيت أو غيرها من المناطق القروية البعيدة عن المؤسسات التعليمية الثانوية والاعدادية. فالبعض من التلميذات انقطعن عن الدراسة في غياب وسائل نقل وفي غياب منح الاقامة بالجناح الداخلي أو بدار الطالبة بثانوية الامام الغزالي والبعض الآخر تكبدت اسرهن تكاليف اكتراء غرف لهن في وضع صعب ومكلف لأسر فقيرة لا حول ولا قوة لها.

                                         هل تتدخل الحكومة لتنظيم النقل المدرسي بالعالم القروي

على ضوء الاكراهات والمثبطات التي تطرح بحدة فيما يخص تدبير النقل المدرسي بالعالم القروي، وحساسية هذا الاخير بالنسبة لجودة التمدرس والهدر المدرسي والرهانات والتحديات التي تواجه التمدرس بصفة عامة وتمدرس الفتاة القروية بصفة خاصة وازاء استمرار نزيف الانقطاع عن الدراسة بفعل غياب وسائل النقل المدرسي او الداخليات ودور الطالبة الكفيلة باستيعاب العدد المتزايد على هذه الخدمات من لدن التلاميذ بالجماعات القروية، فانه بات على الحكومة، بالنسبة للنقل المدرسي وتلافيا لأخطار محتملة وسعيا لتنظيم هذا القطاع، فان ثمة جملة من الشروط والضوابط على الفاعلين المكلفين بنقل التلاميذ إلى مؤسساتهم التربوية، قصد تحقيق “نقل مدرسي نوعي” لكافة المستفيدين، مع تحديد كيفيات وشروط استغلال نشاط النقل المدرسي. اذ أن ضبط “النقل المدرسي”، لابد أن يتم بواسطة وسائل تصمم لنقل أكثر من 9 أشخاص بما في ذلك السائق في شكل “خدمة منتظمة” تنقل التلاميذ المتمدرسين من نقاط الصعود نحومؤسسات التربية والتعليم والعكس، كما تقوم الجماعات المحلية بضمان النقل المدرسي طبقا للتشريع والتنظيم المعمول به، فيما يمكن السماح للمقاولين والجمعيات ذات الطابع التربوي، التدخل مباشرة وعبر إمكانياتها الخاصة أوعقد اتفاقية مع متعاملي النقل العمومي للأشخاص، من أجل ضمان خدمة النقل المدرسي.

وبالنسبة لشروط استغلال النقل المدرسي، فانه يجب أن يخضع إلى الحصول المسبق على الرخصة تسلمها الادارة المختصة بالنقل، كما يجب على كل سائق نقل مدرسي أن يستوفي الشروط الآتية، أن يكون بالغا 26 سنة على الأقل، أن يكون حائزا على رخصة سياقة من الصنف “د”، أن يخضع إلى تحقيق إداري تقوم به مصالح الأمن المختصة التي تلزم بتبليغ رأيها لمصلحة النقل في أجل شهرين من تاريخ إخطارها، وأن يقدم شهادة طبية تثبت كامل الصحة البدنية والعقلية.

وتجدر الإشارة هنا أيضا، أنه بات من الضرورة تفعيل الاتفاقية الإطار بين وزارة التربية الوطنية ووزارة التشغيل ووكالة التشغيل من اجل تشجيع المقاولين الشباب على اقتحام هذا المجال في إطار الاستغلال الخاص وفق دفتر تحملات، من شانه أن يشجع على توفير خدمات النقل المدرسي بالعالم القروي.

عن الكاتب

صحفي

تاونات جريدة إلكترونية إخبارية شاملة مستقلة تهتم بالشأن المحلي بإقليم تاونات وبأخبار بنات وأبناء الأقليم في جميع المجالات داخل الوطن وخارجه.

عدد المقالات : 7232

اكتب تعليق

لابد من تسجيل الدخول لكتابة تعليق.

جميع الحقوق محفوظة لموقع تاونات.نت - استضافة مارومانيا

الصعود لأعلى