قراءة : في مذكرتي وزير التربية الوطنية المتعلقتين بالتراجع عن تدريس بعض المواد العلمية بالعربية و في تداعياتهما …بقلم الأستاذ :عبد الرحمن بن عمرو

الأستاذ عبد الرحمن بن عمرو

الأستاذ عبد الرحمن بن عمرو

الرباط :جريدة”تاونات نت”/موضوع التراجع في المذكرتين :

صدرت عن وزير التربية و التكوين المهني ، رشيد بن المختار ، مذكرتان مؤرختان في 19 أكتوبر 2015 و موجهتان إلى السيدتين و السادة مديرتي و مديري الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين.

المذكرة الأولى و تحمل رقم 384/15 و موضوعها : لغة تدريس الرياضيات بشعبة العلوم الاقتصادية و التدبير :

و قد جاء فيها بأنه : ” تصحيحا للاختلالات التي تعرفها المنظومة التعليمية ، في السلك الثانوي التأهيلي ، فقد تقرر ابتداء من الدخول المدرسي المقبل 2016/2017 ، تدريس مادة الرياضيات بالسنة الأولى بالكالوريا شعبة علوم الاقتصاد و التدبير و السنة الثانية بالكالوريا بمسلكي العلوم الاقتصادية و علوم التدبير المحاسباتي باللغة الفرنسية على غرار باقي المواد المميزة لهذه الشعب و المسالك المتفرعة عنها ، و يمكن ، إن توفرت الشروط الضرورية لذلك ، بدا تدريس الرياضيات بالسنة الأولى باكالوريا شعبة علوم الاقتصاد و التدبير ابتداء من الدخول المدرسي الحالي 2015/2016 باللغة الفرنسية .

و تجدر الإشارة إلى أن الاكاديميات الجهوية للتربية و التكوين مطالبة بتعميم هذه الإجراءات، على كل مؤسسات الثانوية التأهيلية ، العمومية و الخصوصية ، الحاضنة للشعب و المسالك المشار إليها سابقا ” .

و المذكرة الثانية و تحمل رقم 385/15 و موضوعها : لغة تدريس الرياضيات و العلوم الفيزيائية بالجدع المشترك التكنولوجي و شعب و مسالك التقني صناعي :

و قد جاء فيها على نفس المنوال الذي جاء في المذكرة الاولى ما يلي :

” و بعد ، فتصحيحا للاختلالات التي تعرفها المنظومة التعليمية في السلك الثانوي التاهيلي ، فقد تقرر ابتداء من الدخول المدرسي المقبل 2016/2017 تدريس مادتي الرياضيات و العلوم الفيزيائية باللغة الفرنسية بالجدع المشترك التكنولوجي و السنة الأولى بالكالوريا بشعبتي العلوم والتكنولوجيات الميكانيكية و العلوم و التكنولوجيات الكهربائية و السنة الثانية بالكالوريا لمسلكي العلوم و التكنولوجيات الميكانيكية و العلوم و التكنولوجيات الكهربائية ، و ذلك على غرار باقي المواد المميزة لهذه الشعب و المسالك . كما يمكن للأكاديميات الجهوية للتربية و التكوين بدأ تدريس هذه المواد باللغة الفرنسية ابتداء من الدخول المدرسي الحالي 2015/2016 بالجدع المشترك التكنولوجي إذا توفرت لديها الشروط الضرورية لذلك و تجدر الإشارة إلى أن الأكاديميات الجهوية للتربية و التكوين مطالبة بتعميم هذه الإجراءات ، على كل مؤسساتها الثانوية التأهيلية العمومية و الخصوصية ، الحاضنة للشعب و المسالك المشار إليها سالفا ” .

موقف ، عبد الإلاه بنكيران ، رئيس الحكومة ، من قراري التراجع عن تدريس المواد العلمية بالعربية غلى الفرنسية :

حسب ما جاء في وسائل الإعلام فإن رئيس الحكومة صرح ، في تدخل له أمام مجلس المستشارين يوم الثلاثاء فاتح دجنبر 2015  بأنه ” راسل وزير التربة الوطنية طالبا منه تأخير قرار فرنسة تلك السنة الدراسية قصد التمكن من التفكير فيها لأنه لم يكن على علم بها و لم يعطها أهمية …”

عمر عزيمان رئيس المجلس الأعلى للتربية و التكوين و البحث العلمي يدخل على الخط لصالح الوزير بن المختار و ضد رئيس الحكومة بنكيران :

و مما جاء في تصريح عزيمان ، حسبما جاء في جريدة الصباح ليوم 23/12/2015 ما يلي :

    1 ) إن موقف رئيس الحكومة السلبي من تعزيز اللغات الأجنبية ، غارق في النزعة الإيديولوجية العقيمة ، و يكشف عجزا في استيعاب مضامين الخطب الملكية و نقضا متعمدا لالتزام سابق بتنفيذ الرؤية الاستراتيجية الجديدة لإصلاح التعليم ، التي سلمها الملك محمد السادس ، شخصيا ، إلى رئيس الحكومة ، قبل أسابيع …

  2 ) أبدى عمر عزيمان غضبا جديا من عودة رئيس الحكومة ، إلى نقاش اللغات الأجنبية اثناء مروره الشهري في البرلمان و تقريعه وزير التربية بسبب مذكرته حول تدريس المواد العلمية باللغة الفرنسية فشدد عزيمان على ان الملك محمد السادس حسم قضية اللغات الاجنبية و علاقتها بالهوية في خطاب العرش في يوليوز الماضي ، ملمحا في سياق آخر ، إلى أن مذكرة وزير التربية الوطنية تدخل ضمن تطبيق أولي للرؤية الاستراتيجية الجديدة …

  3 ) إن جلالة الملك تفضل في خطاب عيد العرش بتأكيد الرؤية الاستراتيجية للتعليم التي أعدها المجلس الأعلى ، من حيث جوهرها و مضمونها ، و اتخذ مواقف حازمة و واضحة تجاه الإشكاليات المطروحة و منها قضية اللغات الأجنبية و الهوية التي قال الملك بشأنها أنه ” خلافا لما يدعيه البعض فإن الانفتاح على اللغات و الثقافات الأخرى لن يمس بالهوية الوطنية بل على العكس سيساهم في إغنائها ” .

  4 ) وظف عمر عزيمان أيضا الفقرة التي أكد فيها الملك أن انتظارات الاسر  المغربية من إصلاح التعليم  و التي يكشفها الإقبال على مؤسسات البعثات الأجنبية و المدارس الخاصة رغم تكاليفها الباهضة ” تتجسد في تعليم جيد  و منفتح يقوم على الحس النقدي  و تعلم اللغات و يوفر الشغل و الانخراط في الحياة العامة .

   5 ) يقول صاحب الجلالة في خطاب العرش : ” إن إصلاح التعليم يجب ان يظل بعيدا عن الأنانية و عن أية حساسيات سياسية تراهن مستقبل الأجيال الصاعدة بدعوى المحافظة على الهوية ” .

  6 ) أشار عزيمان إلى انه لا مجال ، للتراجع عن أي مقررات المجلس ، و على الجميع الالتزام بها و تصريفها على أرض الواقع ، إذ قال ” أن الرسالة وصلت أيضا إلى الحكومة و تملكت الرؤيا الاستراتيجية للإصلاح و القطاعات المعنية انخرطت في بلورة الاولى للتطبيق ” .

مناقشة و تحليل قراري الوزير بن المختار و تصريحات كل من بن كيران و عزيمان :

أولا : مناقشة قراري رشيد بن المختار بالتراجع عن تدريس بعض المواد العلمية بالعربية :

إن القرارين المذكورين يتسمان بخطورة كبيرة لأنهما يقضيان على مستقبل أجيال من الشباب من ناحية ، و يمسان بمكتسبات الشعب المغربي من ناحية ثانية ، و يخرجان عن المشروعية الدستورية و القانونية من ناحية ثالثة ، و الكل حسب التوضيحات الآتية :

 أ – القراران يقضيان على مستقبل أجيال من التلاميذ و الطلبة الشباب و يضيع جهود سنين من التكوين للأساتذة و تمرسهم على استعمال العربية في تدريس العلوم موضوع التراجع :

إذ لا ننسى أن تدريس العلوم التقنية بالإعدادي ثم بالثانوي بدا منذ أواسط الثمانينات ( 1985 ) في عهد حكومة عز الدين العراقي ، أي منذ أكثر من ثلاثين سنة ، و هي مدة كافة ليتم ، منذ سنين ، تعريب امتدادات هذه العلوم بمختلف المعاهد و الكليات العلمية بالجامعات المغربية ، و ليبدأ التخرج منها منذ سنين ، لكن كل ذلك لم يتم ، و إنما الذي تم ، هو مفاجأة الشعب المغربي ، في أواخر سنة 2015 بتقرير  وزير التربية الوطنية و التكوين المهني العودة إلى فرنسة بعض العلوم التي سبق تعريبها منذ سنين كخطوة أولى ، فيما يظهر ، لفرنسة الباقي ، متسببا بخطوته هته ، لو نفذت ، في القضاء على مستقبل أجيال من التلاميذ و الطلبة الذين درسوا بالإعدادي العلوم المعنية بالعربية و سيفرض عليهم ، بالثانوي دراسة امتداداتها بالفرنسية ، و متسببا ، من ناحية أخرى ، في إضاعة جهود سنين من التكوين لأساتذة التدريس لتلك العلوم بالعربية ، و بما صاحب هذه الجهود و نتج عنها من تكاليف مالية باهضة تحمل المواطنون ، عبر الضرائب ، تسديدها من مداخيلهم المحدودة .

  ب – إن القرارين يتجاهلان مطالب الشعب المغربي ، عبر ممثليه الحقيقين ، في تعريب مختلف مجالات الحياة و في مقدمتها ، التدريس باللغة العربية ، لكافة العلوم و في جميع الأسلاك الابتدائية و الثانوية و الجامعية ، و هكذا و على وجه المثال :

  1 ) في سنة 1957 تم إنشاء اللجنة العليا لإصلاح التعليم ، و هي اللجنة التي قررت المبادئ الخمسة التي يجب أن يبنى عليها إصلاح التعليم و هي التوحيد و المغربة  و التعميم و المجانية و التعريب .

  2 ) بيان علماء و مثقفي المغرب حول سياسة التعليم و هو البيان المؤرخ في 23/5/1970         و الذي من بن ما جاء فيه : ” التذكير بان التعريب الكامل العام في التعليم و الإدارة و العمل والشارع ، هو مطلب قومي أجمعت عليه الأمة منذ الاستقلال و هو لا يتعارض ، بحال من الأحوال ، مع دراسة اللغات الأجنبية الحية كلغات ، و لا يتعارض مع رغبتنا جميعا في التفتح على حضارة القرن العشرين ، و إنما يؤكد فقط رغبة الشعب المغربي في المحافظة على مقومات شخصيته الوطنية ، و من المعلوم ان هذه الشخصية لا يمكن أن تنمو و تزدهر إلا في إطار اللغة القومية ، و لا يمكن للتعليم ّأن يصبح شعبيا و ديمقراطيا و مزدهرا إلا باللغة العربية …” .

   3 ) بيان علماء المغرب ، و هو البيان الصادر عن المؤتمر الثامن لرابطة علماء المغرب بتاريخ 11 شعبان 1401 هـ الموافق لـ 4/6/1981 و الذي من بين ما جاء فيه : ” … إن المؤتمر الثامن لرابطة علماء المغرب بالناضور يعلن تمسكه و مطالبته بالعودة إلى إقرار مبدا التعريب الذي أجمع عليه الشعب المغربي ، و خاصة في المناظرة الوطنية حول التعليم سنة 1964 ،          و هي المناظرة التي جاء في توصياتها ما يلي : أن لغة التعليم في جميع مراحل التعليم هي اللغة العربية ، و لا يشرع في تعليم اللغات الأجنبية كلغات ، إلا في التعليم الثانوي .

و لذلك فإن المؤتمر يرفض أي مشروع في إصلاح التعليم ، لا يقوم على هذا الأساس الوطني ” .

   4 ) نص مشروع الميثاق المؤرخ في 17 أبريل 1994 و المنجز من قبل اللجنة الوطنية المختصة بقضايا التعليم ، و المشكلة من 330 عضوا تم اختيارهم تحت إشراف وزارة التربية الوطنية ، و هو المشروع الذي تضمن التأكيد على المبادئ التي يجب أن يرتكز عليها أي إصلاح للتعليم ( التعميم ، و الالزامية ، و المجانية و محو الأمية و التوحيد و التعريب و تدريس اللغات).

و فيما يخص التعريب و تدريس اللغات نص مشروع الميثاق على ما يلي :

” اعتبار التعريب مبدأ اساسيا ، انطلاقا من ان اللغة العربية ليست وسيلة للتواصل فقط ، و لكنها أداة أساسية لترسيخ الهوية و تعزيز روح المواطنة و مجال التعايش الاجتماعي ، و التعبير عن الذات .

اعتبار اللغة العربية لغة القرآن ، محورا أساسيا للتعليم بوضع خطة محكمة لتعريب جميع مراحل و إعداد الأطر اللازمة ، كما و كيفا ، لتنفيذ هذه الخطة ، مع وجوب العمل بتوازي على تعريب جميع مجالات الحياة الاقتصادية و الثقافية و الإدارية مع الانفتاح على اللغات كوسائل لضمان مواكبة بلادنا لوثيرة التطور الحضاري العالمي …” .

و لم يكتب لمشروع الميثاق المذكورة ، الذي اتفق عليه جميع اعضاء اللجنة ، الدخول إلى مرحلة التطبيق لأن الراحل الملك الحسن الثاني عارضه و لم يوافق عليه ، فدخل للحفظ في الرفوف ، كأمثاله من المشاريع الملتزمة ، التي قد تستخرج للتطبيق في يوم من الأيام .

ج – لأن قراري الوزير رشيد بن المختار ، لا ينسجمان حتى مع الحد الأدنى الذي جاء به “الميثاق الوطني للتربية و التكوين ” لسنة 1999 و ذلك فيما يخص لغة التدريس للمواد العلمية :

إن الميثاق المذكور ، الذي أنجزته لجنة مكونة من 34 عضوا و الذي عارضته العديد من المنظمات الوطنية ، لم يتراجع عن تدريس المواد العلمية بالعربية في الثانوي و لذلك  فإن قراري الوزير رشيد بن المختار ، خالفاه على مستوى التراجع عن تدريس بعض العلوم العربية بالتعليم الثانوي ، و كذلك على مستوى الاستمرار في تدريس العلوم باللغة الفرنسية بالتعليم العالي ، بالرغم من انصرام المدة العشرية للتدريس بها حسب الميثاق و الكل حسب التوضيحات الآتية :

فبالنسبة للتعليم الثانوي ،فإن الميثاق تحدث عن إصلاحه من خلال البنود من 71 إلى 76 ، و لم يتضمن أي بند من هذه  البنود الستة أية مقتضى يسمح بتدريس أية مادة من مواد التدريس ، سواء كانت علمية أو غير علمية ، بلغة أجنبية سواء كانت الفرنسية أو غيرها .

و بالنسبة للتعليم العالي ، فقد جاء في باب الدعامة التاسعة المتعلقة ” بتحسين تدريس اللغة العربية و استعمالها و إتقان اللغات الأجنبية و التفتح على الأمازيغية ” ما يلي “

” إن اللغة العربية ، بمقتضى دستور المملكة المغربية ، هي اللغة الرسمية للبلاد ،  و أن تعزيزها و استعمالها في مختلف مجالات العلم و الحياة كان و لا زال و سيبقى طموحا وطنيا ..

و اعتبارا للدور الذي ينبغي أن ينهض به التوجيه التربوي في تحديد لغة تدريس العلوم و الانفتاح على التكنولوجيا المتطورة .

تعتمد المملكة المغربية ، في مجال التعليم سياسة لغوية واضحة منسجمة وقارة تحدد توجها المواد التالية ( البند 110 ) .

” يستلزم الاستعداد لفتح شعب للبحث العلمي المتطور و التعليم العالي باللغة العربية إدراج هذا المجهود في إطار مشروع مستقبلي طموح ، ذي أبعاد ثقافية و علمية معاصرة …” ( البند 112).

” ابتداء من السنة الأكاديمية 2000-2001 تحدث أكاديمية اللغة العربية باعتبارها مؤسسة وطنية ذات مستوى عال ، مكلفة بتخطيط المشروع المشار إليه أعلاه و تطبيقه و تقويمه بشكل مستمر ، و تضم تحت سلطتها المؤسسات و المراكز الجامعية المهتمة بتطوير اللغة العربية ” ( البند 113).

” يتم تدريجيا ، خلال العشرية الوطنية للتربية و التكوين ، فتح شعب اختيارية للتعليم العلمي والتقني و البيداغوجي على مستوى الجامعات باللغة العربية ، موازاة مع توافر المرجعيات البيداغوجية الجيدة و المكونين الأكفاء .

و يتم أيضا على مستوى التعليم العالي فتح شعب اختيارية عالية التخصص للبحث و التكوين باللغة الأجنبية الأكثر نفعا و جدوى من حيث العطاء العلمي و نشر التواصل ” ( البند 114).

و من المعلوم أن العشرية المشار إليها في البند 111 هي المدة الممتدة من سنة 2000 إلى سنة 2009 .

و هي المدة التي حددها الميثاق المعني لاستكمال تنفيذ جميع مقتضياته ، و قد حددت هذه المدة في البند 20 من الميثاق .

و  قد مضى على انتهاء المدة العشرية أكثر من ست ( 6) سنوات  و المغرب لازال بدور في حلقة مفرغة على مستوى عدم تدريس المواد العلمية بالعربية في التعليم العالي ، بل يفاجؤ الجميع بتقرير انفرادي يتعلق بالعودة إلى فرنسة تدريس  بعض المواد العلمية بالثانوي كإجراء أولي قد  يتلوه فرنسة ما تبقى منها …

ح – إن قراري وزير التربية الوطنية و التكوين المهني لا يتمشيان حتى مع توجيهات                  و توصيات المجلس الأعلى للتربية و التكوين و البحث العلمي، و ذلك حسب التوضيحات الآتية:

بالرغم من كون توجهات و توصيات المجلس الأعلى للتربية و التكوين و العلمي :

من ناحية ، لم يحظ بأي إجماع وطني .

و من ناحية أخرى ، لكونها توصيات غير ملزمة ما دامت لم تتحول، حتى تاريخه ، إلى نصوص قانونية .

و لأن قراري السيد وزير التربية الوطنية و التكوين المهني، لا يتمشيان حتى مع التوجهات والتوصيات التي خرج بها المجلس و المتعلقة بالتدريس بلغة أجنبية واحدة أو أكثر بالإعدادي وبالثانوي ، و هكذا ، فقد جاء في الصفحة 14 – الفقرة 3 من المحور الذي يحمل عنوان ” تمكن لغوي جيد و تنويع لغات التدريس ” و هو المحور الذي ورد في الملخص الذي خرج به المجلس تحت عنوان ” من أجل مدرسة الانصاف و الجودة و الارتقاء – رؤية استراتيجية للإصلاح 2015-2030 ”  نقول ورد في الفقرة الثالثة منه ما يلي :

” تنويع لغة التدريس ، بالإعمال التدريجي للتناوب اللغوي ، كآلية لتعزيز التمكن من اللغات عن طريق التدريس بها ، و ذلك بتعلم بعض المضامين أو المجزوءات ، في بعض المواد ، باللغة الفرنسة ابتداء من التعليم الثانوي التأهيلي في مدى القريب ، و من الإعدادي في المدى المتوسط ، و بالإنجليزية ابتداء من الثانوي التأهيلي في المدى المتوسط … ” و يستنتج من الفقرة الثالثة المذكورة ما يلي :

1 ) أنها لا تتعلق بتدريس مواد بلغة أجنبية و إنما فقط بتدريس بعض المضامين أو المجزوءات في بعض المواد بلغة أجنبية الأمر الذي لا يعني عدم تدريس المواد التي تنتمي إليها تلك المضامين أو المجزوءات بالعربية ، و إنما يعني فقط اختيار بعض المقاطع أو المجزوءات من تلك المواد من أجل تدريسها ، بالإضافة إلى العربية ، بلغة أجنبية . و هو أمر معمول به في العديد من الدول ، بما فيها الدول المتقدمة … ، و تعمل به هذه الدول سواء على مستوى التعليم الثانوي أو العالي …

2 ) إن الفقرة المعنية لا تحصر بعض تلك المضامين و المجزوءات في المواد العلمية ، و إنما كما يقول فقهاء اللغة ، فإن المطلق يؤخذ على إطلاقه بما يترتب عن هذا الاطلاق ان تكون بعض المضامين و المجزوءات ذات طبيعة علمية أو أدبية أو اجتماعية …، و هكذا ، و على وجه المثال، فيمكن للأقسام ، من التعليم الثانوي ذات التوجه العلمي أن تدرس بعض المجزوءات من المواد العلمية بلغة أجنبية ، و أن تدرس أقسام الثانوية ذات التوجه الأدبي بعض المقطوعات من المواد الأدبية من الأدب الأجنبي ….

خ – إن قراري وزير التربية الوطنية و التكوين المهني ، القاضيين بفرنسة تدريس بعض المواد العلمية ، يعتبران ، من الناحية القانونية ، باطلين بطلانا مطلقا لدرجة الانعدام و بالتالي غير ملزمين لأي أحد و ذلك لعدة أسباب قانونية تنص عليها مقتضيات المادة 20 من القانون رقم 90-41 المنظم للمحاكم الإدارية ، و الكل حسب التفاصيل الآتية :

تنص المادة 20 من القانون رقم 90-41 المنظم للمحاكم الإدارية فإن : ط كل قرار إداري صدر من جهة غير مختصة أو لعيب في شكله أو الانحراف في السلطة أو لانعدام التعليل أو لمخالفة القانون ، يشكل تجاوزا في استعمال السلطة ، يحق للمتضرر الطعن فيه أمام الجهة القضائية الإدارية المختصة ” .

إن قراري السيد الوزير خالفا مقتضيات المادة 20 المذكورة و بالتالي فهما باطلان للأسباب الآتية :

1 ) السبب الأول هو : العيب في الاختصاص :

فالذي يقرر في لغة التدريس ، في نطاق الدستور و القوانين المطبقة له ، ليس هو وزير التربية الوطنية و التكوين المهني ، و إنما هو البرلمان ، على مستوى القانون ، و الحكومة على مستوى المرسوم أو المراسيم التطبيقية للقانون ، و ذلك حسب التوضيحات الآتية :

فالبرلمان يختص بإصدار القوانين ( الفصل 71 من الدستور ) .

و مما يدخل في مجال القانون : ” الحقوق و الحريات الأساسية المنصوص عليها  في التصدير ، و في فصول أخرى من الدستور ” ( الفصل 71/1 دستور ) .

و استعمال اللغة العربية في جميع المجالات بما فيها مجالات التعليم هو حق وطني مكفول بالفصل 5 من الدستور و هو الفصل الذي ينص على أنه :” تظل العربية اللغة الرسمية للدولة “. و تعني كلمة الرسمية ، من الناحية القانونية ، وجوب استعمال اللغة المرسمة في جميع الميادين ، بما فيها ميدان التعليم .

و مع أن البرلمان ، تبعا لما ذكر ، هو المختص بإصدار النص القانوني المتعلق بلغة التدريس ، فإنه لا يجوز له أن يصدر قانونا ينص على جواز التدريس بغير العربية أي بلغة أجنبية ، لأن مثل هذا القانون سيكون معرضا للإلغاء، من قبل المجلس الدستوري و ذلك بسبب عدم دستوريته، و عدم دستوريته ترتكز ليس فقط لمخالفته للفقرة الأولى من الفصل 5 من الدستور و إنما أيضا لمخالفته للفقرة الثانية من نفس الفصل ، و هي الفقرة التي تنص على أن : ” الدولة تعمل على حماية اللغة العربية وتطويرها و تنمية استعمالها ” .

على أنه إذا كان لا يجوز للبرلمان سن نص قانوني يجير استعمال لغة أجنبية في التدريس لمادة   أو أكثر من المواد العلمية أو الأدبية ، فإنه يجوز له ، إصدار نص قانوني يحدد بمقتضاه اللغات الأجنبية الواجبة التدريس لأن مثل هذا النص تسمح به الفقرة السادسة من الفصل الخامس من الدستور ، و هي الفقرة التي تنص على أن الدولة تسهر على انسجام السياسة اللغوية و الثقافة الوطنية ، و على تعلم و إتقان اللغات الأجنبية الأكثر تداولا في العالم ، باعتبارها وسائل للتواصل و الانخراط و التفاعل مع مجتمع المعرفة ، و الانفتاح على مختلف الثقافات ، و على حضارة العصر” .

و إذا كان البرلمان ، بغرفتيه ، و هو المختص ، قانونا ، بتقرير لغة التدريس ، و التي لن تكون إلا العربية ، فإن الاختصاص في تحديد مواد التدريس و منهجية التدريس و مراحله ، و وسائله البشرية و المادية و غير ذلك من المتطلبات ، يعود إلى الحكومة ، عبر مراسيم ، و ليس إلى وزير التربية الوطنية و التكوين المهني . و السند في هذا الاختصاص المخول للحكومة ، هو المواد 72 و 89 و 92 من الدستور :

فالمادة 89 تنص على انه : ” تمارس الحكومة السلطة التنفيذية تعمل الحكومة ، تحت سلطة رئيسها ، على تنفيذ البرنامج الحكومي و على ضمان تنفيذ القوانين ، و الإدارة موضوعة تحت تصرفها ، كما تمارس الإشراف و الوصاية على المؤسسات و المقاولات العمومية ” .

و المادة 92 من الدستور تنص على انه ” يتداول مجلس الحكومة ، تحت رئاسة رئيس الحكومة ، في القضايا و النصوص التالية :

– ………….

– …………….

– السياسات القطاعية ” .

و بطبيعة الحال فإن ” قطاع التعليم ” هو ضمن القطاعات المرفقية التي يدخل تدبيرها في اختصاصات الحكومة …

السبب الثاني : هو العيب في الشكل :

لأن القرارين المشار إليهما في المذكرتين لا يتضمنان اسم وصفة من قررهما و تاريخ اتخاذهما  و مرتكزاتهما الواقعية و القانونية .

السبب الثالث : هو عيب الانحراف في السلطة :

و يعرف الاجتهاد الفقهي و القضائي عيب الانحراف في السلطة عندما يكون وراء اتخاذ القرار تحقيق مصلحة خاصة أو فئوية تحت غطاء تحقيق مصلحة عامة . و المعروف عن الوزير رشيد بن المختار بأنه ينتمي إلى فئة الفرنكفونين المدافعين عن تأبيد استعمال الفرنسية في جميع المجالات ، بما فيها مجال التعليم . و من بين الأدلة على ذلك انه فضل الجواب بالفرنسية عن سؤال ألقي عليه بالعربية من أحد القنوات التلفزية الفرنسية المستعملة للعربية …

و تدعي هذه الفئة الفرنكفونية ان الفرنسية هي أقدر على استيعاب المواد العلمية و لذلك يجب تدريس هذه المواد بها بدل العربية التي ليست في نفس المستوى ، و هو ادعاء يعارضه العديد من المختصين في اللسانيات .

وحتى مع الفرض ، جدلا ، بأن الفرنسية أقدر من العربية على تدريس العلوم ، فلماذا  يحصر الأمر في الفرنسية فقط ، أليست هناك لغات أجنبية في مستوى الفرنسية ، ان لم نقل أعلى ، قادرة بدورها على استيعاب العلوم التقنية للتدريس بها مثل الانجليزية و الألمانية و اليابانية و الروسية والصينية و الإسبانية ، الإسبانية التي يجمعنا بها تاريخ و حضارة و اقتباسات و تفاعلات و اشتقاقات لغوية و عدد كبير من المتخرجين بها .

و التمسك باستعمال اللغة العربية ، كلغة رسمية في جميع المجالات ، بدل الفرنسية لا يقلل من مكانة الفرنسية ، كلغة علم و أدب و ثقافة ، بل و لا يقلل  من حق جميع شعوب العالم ، سواء منها النامية أو السائرة نحو النمو ـ في الاعتزاز  بلغتها و السعي نحو تنميتها و نشرها و العمل على استعمالها في جميع مجالات الحياة …

السبب الرابع : هو عيب انعدام التعليل :

حسب العمل القضائي و الاجتهاد الفقهي ، فإنه يعتبر بمثابة انعدام التعليل ،  التعليل المبهم القابل لشتى التأويلات …

و بالرجوع إلى القرارين المشار إليهما في مذكرتي الوزير رشيد بن المختار نجدهما قرارين متصفين بالعمومية و الإبهام : فهما يرتكزان في الرجوع إلى الفرنسية على :” تصحيح الاختلالات التي تعرفها المنظومة التعليمية و خصوصا منها تلك المتعلقة بتكامل المواد التعليمية في السلك الثانوي التأهيلي …” .

و ذلك بدون :

تحديد نوع الاختلالات ، و المتسبب فيها :

– هل اللغة العربية ؟

– أم الأساتذة ؟

– أم منهجية التدريس ؟

– أم سوء التدبير و التسيير و التنفيذ الذي تضطلع به وزارة التربية الوطنية و التكوين المهني .

و بدون تحديد نوع الاختلالات المتعلقة بتكامل المواد التعليمية في السلك الثانوي التأهيلي .

و إذا كان المقصود بعدم التكامل ، هو تغيير لغة التدريس  بالتعليم العالي للمواد العلمية ، تغييرها من العربية إلى الفرنسية ، فإننا متفقون على هذا المقصود ، و لكن من المسؤول عن هذا الخلل ؟ و كيفية التغلب عليه وتجاوزه ؟

إن المسؤول عن الخلل المذكور هو الدولة المغربية ، و من خلالها وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني ، لأنها ، لغاية تاريخه ، لم تستكمل تعريب المواد العلمية على مستوى التعليم الجامعي رغم مرور أكثر من ثلاثين سنة على تعريبها بالثانوي …

و إصلاح الخلل المذكور و تجاوزه لا يكون بالرجوع إلى فرنسة المواد العلمية بالثانوي و إنما باستكمال تدريس امتدادتها بالعربية على مستوى الجامعي …

و حسب تصريحات العديد من أساتذة التعليم الثانوي الذين كانوا يدرسون المواد العلمية بالفرنسية ثم أصبحوا يدرسونها بالعربية ، فإن مستوى التلاميذ في استيعاب هذه المواد العلمية ارتفع عما كان عليه الأمر عند تدريسها لهم بلغة موليير .

السبب الخامس : عيب مخالفة القانون :

و تتجلى هذه المخالفة :

1 – في مخالفة مقتضيات الفصل 5 من الدستور ، الذي هو أعلى درجة في القانون ، و هو الفصل الذي ينص على رسمية اللغة العربية و يوجب على الدولة العمل على حمايتها و تطويرها و تنمية استعمالها .

2 – و مخالفة الفصل 6 من الدستور الذي ينص على أن :” القانون هو أسمى تعبير عن إرادة الأمة ، و الجميع ، أشخاصا ذاتيين و اعتباريين ، بما فيهم السلطات العمومية ملزمون بالامتثال إليه .

و تعتبر القواعد القانونية ، و تراتبيتها ، و وجوب نشرها ، مبادئ ملزمة …

3 – مخالفة المادة الثانية من القانون رقم 02- 10 المتعلق بإنشاء أكاديمية محمد السادس للغة العربية . و هي المادة التي من بين ما جاء فيها ، على مستوى الأهداف و المهام ، ما يلي :

” تعتبر الأكاديمية هيئة وطنية مرجعية عليا في مجال النهوض الفاعل باللغة العربية ، و ضمان تطورها و مواكبتها للمستجدات في البحث العلمي و اللغوي و التربوي و التكنولوجي ، والحرص على سلامة استعمالها و ضبط قواعدها ، و الحث على تعميم  استعمالها في جميع المرافق العمومية و تتولى ، لهذه الغاية ، بتعاون و تنسيق مع السلطات المختصة ، إنجاز المهام التالية :

1 ) ……….

2 ) القيام لفائدة قطاع التربية و التكوين بمختلف مستوياته بالدراسات و الأبحاث الهادفة إلى تسيير استعمال اللغة العربية و ضبطها ، و إصلاح مناهج تدريسها ، و تطوير الوسائل التعليمية المتعلقة بها و الإسهام في تعريب البرامج الدراسية …”.

خ ) مؤاخذة رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران لوزير التربية و التكوين المهني، رشيد بن المختار، رغم أهميتها النسبية فإنه ينقصها الحبك القانوني، و يشوبها غياب الحسم و تنطوي على التردد ، و لحقها نوع من التراجع :

و ذلك كله حسب التوضيحات الآتية :

1 ) ففي الوقت الذي أكد فيه السيد بنكيران أمام مجلس المستشارين ليوم فاتح دجنبر 2015 أنه هو رئيس الحكومة ، و هو أمر لا يختلف فيه اثنان ، فإنه لم يرتب على ذلك ما يخوله الدستور ، من كون الحكومة التي يرأسها هي المختصة ، في نطاق الدستور ، بالتقرير في لغة التدريس وليس وزير التربية الوطنية و التكوين المهني و أن يعتبر هذا الأخير معتديا على اختصاص الحكومة و أنه سيضع حدا لهذا  الاعتداء و محاسبة مرتكبيه …

2 ) كان على رئيس الحكومة أن يضمن تصريحه بأن قراري الوزير بالعودة إلى فرنسة بعض المواد العلمية هما قراران باطلان بطلان مطلقا و معدومان و غير منتجين لأي أثر قانوني، وأنه سيكاتب مديرتي و مدريري الأكاديميات الجهوية للتربية و التكوين من أجل عدم العمل بهما ، …

3 ) بل أكثر من ذلك ، فقد ظهر ، فيما بعد ، نوع من التراجع عما صرح به السيد بنكيران  أمام الغرفة الثانية يوم الثلاثاء فاتح دجنبر 2015 ، إذ صرح في جلسة المساءلة الشهرية بمجلس النواب ( الغرفة الأولى ) يوم الثلاثاء 22 دجنبر 2015 ، حسب ما تناقلته وسائل الإعلام ، صرح بما يلي : ” … لقد حسم المجلس – يقصد المجلس الأعلى للتربية و التكوين و البحث العلمي – في لغة التدريس و لا خلاف على ذلك . القضية تتعلق بسنة واحدة قرر الوزير فرنستها لمقتضيات تربوية و رأى في ذلك مصلحة فأثارت ضجة كبيرة . و قد طلبنا منه إيقاف هذا القرار إلى أن نضع القانون الإطار، و سنعقد لقاء يوم السادس من الشهر لنبدأ في مناقشة القانون الإطار … ” مع أنه :

من ناحية : فإن المجلس المعني لا يحسم لأنه مجرد مجلس استشاري يقتصر دوره على تقديم اقتراحات ، و ان هذه الاقتراحات لا تصبح ملزمة كلها أو بعضها ، إلا إذا صيغت في قالب قانوني يصدر عن البرلمان ( القانون الإطار ) ، و أن هذا القانون الإطار لا بد أن تصدر بشأن تطبيقه قوانين أو مراسيم مفصلة له …

من ناحية أخرى ، فكما فصلنا في ذلك أعلاه فإن المجلس المعني لم يقترح فرنسية مواد علمية بالثانوي ، و إنما اقترح تدريس بعض المضامين و بعض مجزوءات بعض المواد ( علمية و غير علمية ) بالفرنسية ، دون أن يعني ذلك عدم الإبقاء على تدريس هذه المواد ، المستخرج منها بعض المضامين و المجزوءات ، الإبقاء على تدريسها بالعربية …

و من ناحية ثالثة ، فإن الأمر لا يتعلق بسنة واحدة ، أو أقل أو أكثر من سنة ، قرر الوزير فرنستها لمقتضيات تربوية ، و إنما الأمر يتعلق بقرارين صادرين عن الوزير ضدا على مقتضيات الدستور و القوانين الجاري بها العمل .

و من ناحية رابعة : إذا كان طلب رئيس الحكومة ، الوارد في تصريحه أمام مجلس النواب و الموجه إلى الوزير رشيد بن المختار و الذي موضوعه إيقاف القرارين ( و ليس قرار واحد ) إلى أن يتم وضع القانون الإطار أو بالأحرى مشروع القانون الإطار هو طلب مشروع و له أهميته  فإنه من المفروض أن يعرض مشروع القانون الإطار على البرلمان قصد المناقشة و المصادقة ، و بطبيعة الحال فإنه من المفروض كذلك أن يكون هذا المشروع غير مخالف لمقتضيات الدستور وكذلك الأمر بالنسبة للقانون الذي سيصدر عن البرلمان …

كـ ) تصريحات عمر عزيمان ، حسبما جاء في جريدة الصباح ، جانبت الصواب سواء من الناحية القانونية أو الواقعية و ذلك من عدة جوانب من بينها : 

1 ) فهو ينسب إلى رئيس الحكومة موقفه السلبي من تقرير اللغات الأجنبية في التعليم … ، مع أنه لم يسبق للسيد بنكيران أن صرح بذلك ، بل لم يسبق ، منذ الاستقلال و لغاية تاريخه،  أن  صرح أحد ، ( فرد أو منظمة ) باستبعاد تدريس لغة أو أكثر من اللغات الأجنبية ، و الخلاف ظل محصورا في لغة تدريس المواد ، هل العربية أم أحد اللغات الأجنبية ، و قد حسم الدستور المغربي في هذه النقطة من خلال الفصل الخامس منه حسب التفاصيل التي استعرضناها أعلاه …

2 ) يضيف السيد عزيمان بأن موقف السيد بنكيران ” غارق  في النزعة الايديولوجية العقيمة ” مع أن التمسك باستعمال العربية في تدريس المواد لا علاقة له بأية ايديولوجية ، و إنما بالقانون وأعلى مراتبه هو الدستور ، و إذا كانت ايديولوجية من الايديولوجيات توجب التمسك بسيادة القانون و التصدي لمن يخرقها فمرحبا بها …

3 ) يقول السيد عزيمان في تصريحه بأن السيد بنكيران : يكشف عن عجز في استيعاب الخطب الملكية ، مع أنه :

من ناحية : فإنه لم يسبق للملك ، في أية خطبة من خطبه ، و منها خطاب 30 يوليوز 2015 أن قال بأن لغة تدريس المواد يجب أن تكون بلغة أجنبية أو يجب التراجع عن تدريس بعض المواد بالثانوي من العربية إلى الفرنسية ، و كل ما جاء في الخطاب المذكور هو “أن  الانفتاح على اللغات والثقافات الأخرى لن يمس بالهوية الوطنية ، بل على العكس سيساهم في إغنائها … ” وهذه الرؤيا الملكية لا يختلف فيها اثنان و تتمشى مع مقتضيات الفصل 5 من الدستور حسبما استعرضناه أعلاه …

و من ناحية أخرى ، فإن الملك يمارس اختصاصاته في نطاق ما يسمح له بذلك الدستور ، و لا يوجد أي نص في الدستور يجيز للملك تقرير اللغة التي يجب أن يتم بها تدريس المواد سواء في المرحلة الابتدائية أو الإعدادية أو الثانوية أو الجامعية ….

و إذا كان الفصل 42 من الدستور ينص على أن الملك ” يسهر على احترام الدستور … ، وعلى صيانة حقوق و حريات المواطنين …” فإن من بين مقتضيات الدستور :

– رسمية اللغة العربية ، بما تستلزمه هذه الرسمية من وجوب استعمالها في جميع المجالات بما فيها مجال التدريس بها …

– و أن من بين حقوق المواطنين التي ينص عليها الدستور حقهم في استعمال لغتهم الرسمية في جميع الميادين بما فيها التعليم …

علاقة تعريب التعليم بتعريب الإدارة و المؤسسات العمومية و الخاصة و الإعلام و سوق الشغل :

إن الهدف من التعليم ليس فقط هو تلقين و تدريس المعارف و الإبداع و الفن و الثقافة بصورة عامة ، و إنما ، بالإضافة إلى ذلك هو تصريف مختلف المعارف المتلقاة في التعليم ، تصريفها في التنمية الاقتصادية و الاجتماعية و في تقديم مختلف الخدمات الجيدة ، كما ونوعا، إلى المواطنين، و بلغتهم الرسمية ، و هي الخدمات التي تؤدي عبر الإدارة و مختلف المرافق و المؤسسات العامة و الخاصة ، و إذن هناك علاقة جدلية بين تعريب التعليم و تعريب الإدارة و مختلف المؤسسات والمرافق العامة و الخاصة ، فتعريب التعليم يفرض تعريب هذه الأخيرة و العكس صحيح …

لا توجد إرادة سياسية للتعريب و المسؤول عن ذلك هو الدولة المغربية بمختلف مكوناتها :  

        لقد مضى على ترسيم اللغة العربية أكثر من نصف قرن ( أول قانون نص على رسمية اللغة العربية هو القانون الأساسي للمملكة المعلن عنه بظهير 02 / 06 / 1961 و بعد ذلك توالى التأكيد على هذه الرسمية في مختلف الدساتير ، ابتداء من دستور 1962 إلى آخر دستور صادر في 2011 ) .

و بالرغم من كون الرسمية تقتضي ، كما رأينا تعريب جميع المجالات فإن أغلب هذه الأخيرة لازالت مفرنسة ضدا على الدستور و على رغبة الشعب بواسطة ممثليه الحقيقيين المتجليين في أحزابه الوطنية و نقاباته المناضلة و مجتمعه المدني و علمائه و مثقفيه …

و السبب في ذلك يرجع إلى عدم وجود إرادة سياسية لدى النظام السياسي المغربي أي لدى الدولة المغربية لتفعيل رسمية اللغة العربية في كافة الميادين ، بل العكس من ذلك توجد إرادة لعرقلة التفعيل المذكور و من مظاهر العرقلة ما يلي :

أ – على مستوى السلطة التشريعية ( البرلمان ) :

إن مختلف البرلمانات التي تعاقبت ، منذ الاستقلال إلى الآن ، لم يصدر عنهاأي قانون تفصيلي يفعل و يطبق رسمية اللغة العربية المنصوص عليه في الدستور بما في ذلك تحديد الجزاءات المترتبة على خرق النصوص القانونية المتعلقة باستعمال العربية :

و قد سبق للراحل عبد الخالق الطريس ، عن فريق حزب الاستقلال ، أن تقدم للبرلمان بمقترح قانون متعلق بتعريب الإدارة و الوظيفة العمومية و المحاكم و التشريع و التعليم ، إلا أن الحكومة دفعت بعدم قبول المقترح في نطاق الفصل 56 من الدستور ذاكرة أنه من حيز النصوص التنظيمية التي تختص بها الحكومة . و أمام الاعتراض المذكور من طرف الحكومة رفع الأمر إلى الغرفة الدستورية بالمجلس الأعلى التي قضت ، بتاريخ 16 محرم 1384 (29 مايو 1964 ) و تحت رقم 245 / 64 : ” بأن مقترح القانون المتعلق بالتعريب و الذي تقدم به النائب السيد عبد الخالق طريس هو بجميع فصوله من حيز النصوص التنظيمية “

و قد مضى أكثر من نصف قرن على صدور قرار الغرفة الدستورية و مع ذلك ، و لغاية تاريخه ، لم يصدر عن الحكومة أي مرسوم تنظيمي يفعل مبدأ رسمية اللغة العربية ، و هكذا ، و لغاية تاريخه ، فلا البرلمان أصدر قانون تفعيل رسمية اللغة العربية و لا الحكومة أصدرت مرسوما تنظيميا يفعل ترسيم اللغة العربية .

و كان يجب انتظار يناير من سنة 2008 ليقوم الفريق الاستقلالي للوحدة و التعادلية بتسجيل مقترح قانون يتعلق بتعريب الإدارة و الحياة العامة . إن هذا المقترح ، الذي مضى على تسجيله بالبرلمان أكثر من ثمان سنوات ، لازال في الرفوف ينتظر المناقشة و المصادقة سواء على مستوى اللجنة المختصة أو على مستوى مجلسي البرلمان …

و مهمة البرلمان بغرفتيه لا تنحصر فقط في التشريع و إنما أيضا في مراقبة أعمال الحكومة و أجهزتها عبر تشكيل لجن البحث و التقصي ( الفصل 67 من الدستور ) و عبر استفسار رئيس الحكومة و وزرائه و الاستماع إلى أجوبتهم ( الفصل 100 دستور ) ، و استماع لجنه إلى مسؤولي الإدارات و المؤسسات و المقاولات العمومية و بحضور الوزراء المعنيين ( الفصل 102 دستور ) ، و مع ذلك لم يسبق للبرلمان ، عبر ولاياته المتتالية ، منذ الاستقلال ، تشكيل لجن للتقصي و البحث حول أسباب عرقلة استعمال العربية بالإدارات و المؤسسات العمومية ، و كذلك لم يسبق له ، عبر فرقه البرلمانية و لجنه أن استفسر الوزراء و مسؤولي الإدارات و المؤسسات و المقاولات العمومية ، عن أسباب عدم استعمال العربية …

و على مستوى السلطة التنفيذية ( الحكومة ):

فرغم أن الدستور ينص على رسمية اللغة العربية و استعمالها ( الفصل 5 ) و على سيادة القانون ( الفصل 6 ) و على ” أن الحكومة تعمل ، تحت سلطة رئيسها ، على تنفيذ القوانين و الإدارة موضوعة تحت تصرفها ، كما تمارس الإشراف و الوصاية على المؤسسات و المقاولات العمومية ” ، فإنه لم يسبق لها ( للحكومة ) أن حاسبت وزراءها و مسؤولي الإدارات و المؤسسات التابعين لهم ، عن عدم استعمال العربية …

نعم سبق للوزيرين الأولين : للوزير الأول عبد الرحمن اليوسفي من خلال منشوره رقم 58 / 98 المؤرخ في 11 / 12 / 1998 ، و الوزير الأول عباس الفاسي ، من خلال منشوره رقم                  04 / 2008 و المؤرخ في 22 / 04 / 2008 و سبق لهما أن وجها إلى الوزراء و الكتاب العامين ، و من خلالهم ، إلى رؤساء و مديري مختلف المؤسسات و المصالح التابعة لهم ، تحثهم على استعمال العربية .

و حسب ، ما علم ، فإن رئيس الحكومة ، عبد الإله بنكيران ، سلك نفس اتجاه سلفيه حيث وجه بدوره منشورا إلى وزرائه و كتابه العامين ، و من خلالهم ، إلى رؤساء المديريات و المؤسسات العمومية ، يدعوهم إلى استعمال العربية ، إلا أن المنشورات الثلاث ظلت صيحة في واد و بدون استجابة لغاية تاريخه . و عدم الاستجابة تقتضي المحاسبة و المؤاخذة ، إلا أن أي شيء من هذا القبيل لم يتم الأمر الذي يدل على أن توجيه مثل هذه  المنشورات كان من قبيل الدعاية ليس إلا …

و على مستوى السلطة القضائية :

فرغم كون الفصل 5 من القانون رقم 64 . 3 بتاريخ 22 رمضان 1384 ( 20 يناير 1965 ) المتعلق بتوحيد المحاكم نص على : ” أن اللغة العربية هي وحدها لغة المداولات و المرافعات والأحكام المغربية ” .

و رغم كون الفصل الأول من قرار وزير العدل رقم 63 – 414 بتاريخ 29 يونيه 1965 والمتعلق باستعمال اللغة العربية لدى محاكم المملكة ، نص على أنه : ” يجب أن تحرر باللغة العربية ، ابتداء من فاتح يوليوز1965 جميع المقالات و العرائض و المذكرات و بصفة عامة جميع الوثائق المقدمة إلى مختلف المحاكم . ” ، نقول رغم كل ذلك ، و رغم مرور أكثر من نصف قرن على صدور القانون المذكور و قرار وزير العدل التطبيقي له ، فلازالت أغلبية الوثائق المدلى بها للمحاكم ، بمناسبة المنازعات المطروحة عليها محررة بالفرنسية والقضاة المعروض عليهم نزاعات الأطراف لا يطلبون ، تلقائيا ، من مقدمها ترجمتها للعربية ، و عندما يطلب أحد الأطراف أو دفاعهم من المحكمة الأمر بترجمتها للعربية فقد تستجيب  أو لا تستجيب لطلبه …

و عدم تقديم الوثائق إلى القضاء و هي محررة بالعربية أو مترجمة لها لا يعتبر خرقا لرسمية اللغة العربية فقط ، و إنما عرقلة لتحقيق العدالة لأنه ليس من المؤكد أن جميع الأطراف أو دفاعهم يتقنون الفرنسية و ليس من المؤكد كذلك أن جميع القضاة الذين يبثون في النزاعات المعروضة عليهم يتقنون الفرنسية لفهم الحجج المقدمة إليهم ، خاصة التقنية منها ، فهما دقيقا وعميقا . و كما يقول الفقهاء ، فإن الحكم على الشيء فرع من تصوره ، و بالتالي فإن القاضي الذي لا يستوعب عمق الحجج المقدمة إليه من الأطراف لا يمكنه أن يصدر حكما عادلا و لو رغب في ذلك .

عدم تفعيل القانون رقم 02- 10 المتعلق بإنشاء اكاديمية محمد السادس للغة العربية :

رغم مرور أكثر من 12 سنة على إحداث أكاديمية محمد السادس للغة العربية ، فإن هذا الإحداث لم يفعل سواء على مستوى تعيين الوزارة الوصية المشرفة عليها ، كما تنص على ذلك المادة الأولى من قانون الإحداث ، او على مستوى تشكيل الأجهزة التي ستشرف على إدارتها كما تنص على ذلك المادة الثالثة من قانون الإحداث . و عدم التفعيلين المذكورين دليل كذلك على عدم الرغبة في تنمية اللغة العربية و استعمالها …

و أكبر عرقلة على تعطيل انتشار العربية و تنميتها و استعمالها هو عدم تعريب سوق العمل في القطاع العام و القطاع الخاص و جعله مفتوحا فقط أمام حاملي شواهد المعاهد و الكليات المفرنسة ….

الدليل على كون العربية قادرة على استيعاب جميع العلوم و المعارف و استعمالها و تصريفها هو كونها رسمية على المستوى الدولي ضمن ست لغات مرسمة في الوقت الذي لم تحظ بهذا الشرف لغات دول صناعية كبرى متقدمة في سائر العلوم التقنية و غير التقنية مثل ألمانيا واليابان وإيطاليا … و يعني ترسيمها بالأمم المتحدة تقرير استعمالها في جميع أجهزتها و لجانها المركزية و الجهوية …

و قد جاء في قرار الترسيم الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في الاجتماع رقم 2206 في 18 دجنبر 1973 ما يلي :

” إدراكا  للدور المهم للغة العربية في نشر حضارة الإنسان و ثقافته و تطويرهما و المحافظة عليهما .

و تقديرا للغة العربية ، كونها لغة تسع عشرة دولة عضو بالأمم المتحدة ، و إحدى  اللغات المستخدمة في المنظمات المتخصصة التابعة للأمم المتحدة ، كمنظمة التربية و العلوم و الثقافة ، و منظمة الأغذية و الزراعة ، و منظمة الصحة العالمية ، و منظمة العمل الدولية ، و أيضا كونها إحدى اللغات الرسمية و لغات التخاطب ، في منظمة الوحدة الإفريقية …

فقد تقرر أن تصبح اللغة العربية إحدى اللغات الرسمية و لغات التخاطب ، في الجمعية العامة ولجانها الرئيسية ….” .

لا يمكن لأية لغة أن تتطور و تنمو إلا بالاستعمال :

هناك قاعدة علمية تقول : ” بأن العضو الذي لايشتغل يموت ” ، و هذه القاعدة تطبق في جميع مجالات الحياة فيما فيها مجال اللغة ، و هكذا ، و على سبيل المثال :

فالسباحة لا يتم تعلمها بالاطلاع النظري على طرق تعلمها ، و إنما بالممارسة العملية بشاطئ البحر و بالمسبح ، و على مستوى من الماء غير عميق ، و أثناء الممارسة فقد يتجرع الممارس قليلا من الماء و في النهاية يتعلم .

و نفس الشيء  بالنسبة لتعلم السياقة للدراجة أوللعربة …

و بطبيعة الحال تقع أخطاء عند انطلاق الاستعمال ، و يكون المنتوج ناقصا و به بعض العيوب ، و لكن مع الممارسة و الاستعمال و التصحيح يتم التغلب على تلك الأخطاء ، بتجاوزها و الانتقال إلى مرحلة الإجادة فالجودة فالإبداع فإنتاج المعارف …

أما الذي لا يمارس فيظل في مكانه ساكنا لا يتقدم . و كما تقول الحكمة : من لا يتقدم يتأخر …

ما العمل ؟

أمام إصرار الدولة على عرقلة استعمال العربية في جميع المجالات التي تعرضنا لبعضها               ما العمل ؟

إن العمل يجب أن ينطلق من القوى الحية الوطنية الديمقراطية الممثلة لرغبات الشعب المغربي ، السياسية و النقابية و الجمعوية و الحقوقية و الثقافية . و يكون عمل هذه القوى على وجه المثال عبر :

فضح عرقلة استعمال العربية في جميع المجالات و ضمنها مجالات التعليم و الإدارة … و تحديد أسماء وصفات المعرقلين و أساليب عرقلتهم .

مطالبة البرلمان و الحكومة ، عبر المراسلات و الاتصالات و البيانات و العرائض و الوقفات والمسيرات الاحتجاجية بإصدار القوانين و المراسيم المتعلقة بتعريب جميع المجالات ، و في مقدمتها مجال التعليم بجميع أسلاكه و مجال الإدارة و المؤسسات العمومية و الإعلام و سوق العمل بالقطاع الخاص …

المطالبة بسحب مذكرتي وزير التربية الوطنية و التكوين المهني ، و اللجوء إلى القضاء عند الاقتضاء لإبطالهما …

المطالبة بهيكلة أكاديمية محمد السادس للغة العربية .

خلق ائتلاف تنسيقي من المنظمات المعنية من أجل العمل على تحقيق ما ذكرو ما يرتبط به و ينتج عنه  .

عن الكاتب

صحفي

تاونات جريدة إلكترونية إخبارية شاملة مستقلة تهتم بالشأن المحلي بإقليم تاونات وبأخبار بنات وأبناء الأقليم في جميع المجالات داخل الوطن وخارجه.

عدد المقالات : 7227

اكتب تعليق

لابد من تسجيل الدخول لكتابة تعليق.

جميع الحقوق محفوظة لموقع تاونات.نت - استضافة مارومانيا

الصعود لأعلى