مظاهر من المقاومة السرية بقبيلة بني وليد بنواحي تاونات

إعداد: عاهد ازحيمي باحث في تاريخ المغرب المعاصر/فاس

إعداد: عاهد ازحيمي باحث في تاريخ المغرب المعاصر/فاس

إن الباحث في تاريخ المغرب المعاصر، يجد نفسه أمام مجموعة من الصعوبات والعراقيل، وخاصة عندما يتعلق الأمر بدراسة تاريخ إقليم أو منطقة معينة، نظرا لانعدام دراسات وأبحاث أكاديمية وعلمية منوغرافية تشفي الغليل من جهة، وضياع الإرث التاريخي لهذه المناطق من جهة أخرى، فأصبح بذلك تاريخ بعض الأقاليم والقبائل المغربية تاريخا شبه مهمل، وأمام هذا الفتور فإن تاريخ المقاومة والحركة الوطنية بالمغرب لازال في حاجة إلى الكثير من الدراسة والغربلة والتمحيص. ومن هذه الزاوية، أصبح البحث في الموضوع ذا أهمية قصوى، ولذلك ارتأينا من خلال هذه الأسطر، إماطة اللثام عن بعض الجوانب من تاريخ قبيلة بني وليد المعاصر، بالرغم من قلة المادة المرجعية.

فقبيلة بني وليد شهدت كغيرها من قبائل جبالة، إبان مرحلة الحماية مقاومة عنيفة ضد الاستعمار الفرنسي، وذلك منذ توقيع عقد الحماية في 30 مارس 1912، حيث انظم سكان هذه القبيلة إلى جانب إخوانهم المجاهدين الأحرار تحت قيادة الشريف أحمد الحجامي، الذي خاض العديد من المعارك ضد الفرنسيين خلال سنتي 1912و 1913.

ثم بعد ذلك التف سكان المنطقة حول عبد الملك محي الدين الجزائري، الذي هو الآخر حقق مجموعة من الانتصارات على الجيوش الفرنسية، ولم يتم القضاء على هذه المقاومة إلا في سنة 1919، بعدما تدخلت القوات الجوية، التي قصفت المقاومين بوابل من القنابل. الأمر الذي اضطر سكان جبالة، أن يتجهوا نحو أجدير ليطلبوا من محمد بن عبد الكريم الخطابي التدخل في قبائلهم بهدف وقف الزحف الفرنسي بالمنطقة.

فلم يتردد زعيم الريف في قبول طلبهم، حيث أسند مهمة قيادة الجيوش لأخيه امحمد الخطابي، الذي صمد في وجه الجيوش الفرنسية حتى سنة 1926، غير أنه منذ هذا التاريخ عرفت المقاومة بهذه المنطقة فترة ركود استمرت حتى سنة 1937، تاريخ حدث الزيارة الميمونة التي قام بها جلالة المغفور له محمد بن يوسف ووريث عرشه آنذاك جلالة الملك الحسن الثاني إلى قبيلة بني وليد.

فكانت هذه الزيارة التي قام بها السلطان محمد بن يوسف إلى بنـي وليـد سنة 1937م، ميلاداً لانبعاث حماس المقاومة من جديد في هذه المنطقة، وتأسيس بعض الخلايا السرية، بين السكان الذين ظلوا يرفضون التعامل مع المستعمر، وأصبحوا يتحينون الظروف الملائمة للإعلان عن غضبهم، وهكذا كان حدث نفي السلطان محمد بن يوسف في 20 غشت 1953، بمثابة المحرك الذي فجر بعض الأصوات التي أبت إلاَّ أن تعلن الرفض وتنادي بعودة الملك الشرعي للبلاد إلى عرشه، وتجسد ذلك من خلال تكثيف سكان بني وليد من أنشطتهم واجتماعاتهم، وامتناعهم عن ذبح أضاحي العيد تعبيرا عن سخطهم، كما رفض أغلب الأئمة الصلاة باسم السلطان الصوري محمد بن عرفة.

كما كانت بني وليد خلال هذه المرحلة تشكل محطة بارزة في نقل السلاح من المنطقة الخليفية إلى فاس وتهريب الفدائيين، وفي هذا الباب أشار السيد عبد السلام البعلوتي إلى أن أول اتصال لبنـي وليـد بالقيادة العليا بمدينة تطوان، كان في يوم 27 غشت 1954 عبر شخصه، إذ قام بتهريب السلاح من تطوان عبر قبيلة بني بوشيبت وصولاً إلى فناسة، وبعدها قامت زوجة الخطابي امحمد بن التهامي بنقل هذا القطاع من السلاح المكون من 3 مسدسات و17 كرنادة، من فناسة إلى بني وليد، ليتم نقله بعد ذلك إلى فاس عبر البرانص.

وهذا ما أكده السيد عبد القدر الزراعلي الذي ذكر بأنه شارك في عمليتين لتهريب السلاح القادم من المنطقة الخليفية، نحو فاس وكانت كل دفعة تتكون من 3 مسدسات وحوالي 30 خرطوشة، وقنبلة أو ما تسمى شيوعا بالكرناد، هذا علاوة على قيامه بتهريب مجموعة من الفدائيين، كالتهامي الديواني والعلامة سي بن قاسم الحريزي، بالإضافة إلى تهريبه للفدائيين الذين حكم عليهم بالإعدام في قضية السلاح الذي اكتشف برأس الواد. كما قام السيد محمد بن الجيلالي الذي كان منزله رهن إشارة الفدائيين واللاجئين في ذهابهم وإيابهم، بنفس العملية، إذ قام هو كذلك بتهريب مقاومين من بنـي وليـد إلى البرانص ومن بينهم محمد الحطاب وعباس البيضاوي.

كما كثف سكان بني وليد خلال هذه الظرفية الحرجة من نشاطهم واجتماعاتهم، ومناقشة الحالة التي كان عليه المغرب، وبدأ التفكير فيما يمكن القيام به من أجل طرد المستعمر ومواجهته، وهذه الأفكار التي كانت تروج في أوساط سكان قبيلة بني وليد خلال هذه المرحة، تمت ترجمتها على أرض الواقع بعد عودة الملك الشرعي من المنفى يوم 16 نونبر 1955، حيث خرج سكان المنطقة في مظاهرة، ليؤكدوا من خلالها على ولائهم، للسلطان سيدي محمد بن يوسف.

وفي هذا الصدد اجتمع بعض المتزعمين والمنظمين لهذه المظاهرة، وقاموا بتثبيت صورة محمد الخامس على قطعة من خشب، وتم رفع راية المغرب، وبدؤوا يرددون مجموعة من الشعارات الوطنية، فخرج سكان المنطقة شيبا وشبابا، رجالا ونساءً، الشيء الذي أفجع السلطات الفرنسية بالمنطقة، التي حاولت تهدئة الأوضاع عن طريق الحيلة، حيث حاول القائد الرماش إقناع المتظاهرين بالعدول عن هذا العمل. غير أن إصرار المجاهدين على متابعة مسيرتهم الاحتجاجية، دفعت بفرق الكوم الهجوم على المتظاهرين، وقامت بضرب كل المشاركين، وبعد ثلاثة أيام من المطاردة، تم إلقاء القبض على الذين تزعموا المظاهرة وتمت محاكمتهم، لكن في صباح اليوم الموالي جاء قرار من مدينة فاس يأمر بإطلاق سراحهم.

وعموما فبالرغم من بساطة هذه الأدوار التي قام بها سكان بني وليد والمتمثلة في تهريب السلاح والفدائيين بالإضافة المظاهرة التي تم تنظيمها، فبالرغم من بساطتها فإنها عبرت عن إصرار أبناء المنطقة على تشديد الضغط على المستعمر، وبذل التضحيات في سبيل الدين والوطن ومن أجل تحقيق الحرية والاستقلال، وتوحيد التراب المغربي.

عن الكاتب

صحفي

تاونات جريدة إلكترونية إخبارية شاملة مستقلة تهتم بالشأن المحلي بإقليم تاونات وبأخبار بنات وأبناء الأقليم في جميع المجالات داخل الوطن وخارجه.

عدد المقالات : 7235

اكتب تعليق

لابد من تسجيل الدخول لكتابة تعليق.

جميع الحقوق محفوظة لموقع تاونات.نت - استضافة مارومانيا

الصعود لأعلى