هذا ما كتبه الصحافي المغربي (إبن تاونات) جواد التويول عن عاصمة جمهورية تتارستان

موسكو- جواد التويول*: “تاونات نت”//-في طريقٍ يمتدّ بين التاريخ والمعاصرة، قادنا القطار من موسكو إلى قازان، عاصمة جمهورية تتارستان، لنكتشف مدينة تجمع في ملامحها بين سحر الشرق ودقة الشمال، وبين الأصالة الإسلامية والعراقة الروسية التي لا تخطئها العين.

كانت الزيارة، التي تندرج في إطار جولة صحفية تزامنا مع انعقاد القمة الروسية العربية بموسكو مناسبة للتوقف عند عمق الحضارة الروسية وتنوّعها الثقافي، ولرصد مظاهر التقدّم الصناعي والإنتاج الفلاحي الذي بات يميز مناطق عديدة من هذا البلد القاري المترامي الأطراف.

في قازان، تتجلّى روسيا الأخرى: مدينة أنيقة تتزيّن بمعالمها التاريخية التي تصافح نهر الفولغا، وبمؤسساتها العلمية التي تحولت إلى مراكز جذبٍ لآلاف الطلبة من داخل البلاد وخارجها. وقد شكلت زيارتنا لجامعة قازان، إحدى أعرق الجامعات الروسية، لحظة مميزة للوقوف على تجربة تربوية متطورة تستند إلى مناهج تعليمية حديثة، تجمع بين البحث العلمي والتطبيق العملي في مختلف التخصصات.

كما أتيحت لنا الفرصة للقاء عدد من مسؤولي جمهورية تتارستان، الذين قدّموا عرضًا شاملًا حول الدينامية الاقتصادية التي تشهدها المنطقة، وحجم الاستثمارات الأجنبية التي تحتضنها قازان في مجالات الصناعة، والفلاحة، والطاقة، والتكنولوجيا، والخدمات. وقد أبدى مسؤولو الجمهورية حرصهم على تعزيز التعاون والانفتاح على الشركاء العرب مؤكدين أن تتارستان تمثل اليوم إحدى الوجهات الاستثمارية الواعدة داخل الفيدرالية الروسية، بما توفره من مناخٍ مستقرّ وبنية تحتية متطورة وبيئة قانونية مشجعة.

ومن بوابة المعرفة إلى رحاب الروح، كان لزيارة مسجد قدشريف، الذي يُعدّ أحد أبرز رموز الهوية الإسلامية في تتارستان، أثر عميق في النفوس. فالمسجد، بتصميمه المعماري البديع وقببه البيضاء التي تعانق السماء، يشهد على التعايش الفريد الذي يطبع هذه المدينة، حيث تتجاور المآذن مع أبراج الكاتدرائية في مشهدٍ إنساني بليغ يعكس التسامح والتنوّع الديني الذي يميز روسيا الحديثة.

ولم تقتصر الرحلة على المعمار والعلم فحسب، بل امتدت لتشمل نبض الفن والموسيقى، حيث توقفنا عند التراث الموسيقي التتاري، ذلك المزيج المدهش من الأنغام الشرقية والآلات الشعبية التي تروي حكايات قومٍ استطاعوا الحفاظ على لغتهم وإبداعهم عبر قرونٍ من التحولات.

لكن ما شدّنا أكثر من أي شيء آخر هو الدفء الإنساني الذي لمسناه في استقبال أهل قازان. فقد كانت الحفاوة البالغة والابتسامات الصادقة ونكهات المطبخ التتاري المفعمة بالأصالة خير دليل على عمق الضيافة الروسية في هذه المنطقة التي تُعرف بانفتاحها وتسامحها الثقافي.

قازان ليست مجرد محطة في رحلة مهنية، بل تجربة حضارية تختزل معاني الانسجام بين الماضي والحاضر، وتقدّم للعالم نموذجًا في كيفية التوفيق بين الأصالة والحداثة. إنها مدينة تُدرّس التاريخ في جدرانها، وتُدرّس المستقبل في جامعاتها، وتُغنّي للحياة بأنغامها التتارية العذب

جواد التويول*:صحافي بوكالة المغرب العربي للأنباء -عضو المكتب التنفيذي للنقابة الوطنية للصحافة المغربية- عضو المكتب التنفيذي لمنتدى كفاءات إقليم تاونات.

تاونات

تاونات جريدة إلكترونية إخبارية شاملة مستقلة تهتم بالشأن المحلي بإقليم تاونات وبأخبار بنات وأبناء الأقليم في جميع المجالات داخل الوطن وخارجه.