قصة قصيرة: عقل الإنسان هو الجحيم أو الجنة !…من تأليف: أناس الكنوني

القاص-أنس-الكنوني

فاس:موقع”تاونات نت”/بعد عودتي من مدينة طنجة إلى جبال الريف حيث عاش جدي قديما، استغربت كثيرا للوضع الحالي الذي آلت إليه البيئة هناك، تلك القصص الجميلة التي كان يتحفني بها جدي عن جبالنا البعيدة وعن ما تحتويه من طبيعة خلابة، من أشجار الصنوبر والبلوط والتايكا والزنابق البرية الجميلة التي طالما كان يصنع منها إكليلا وطوقا لحبيبته، والتي طالما أغراني بها لم أر منها شيئا الآن، كانت شبه منعدمة، صارت صورة أخرى للمدينة بسبب النفايات المتراكمة والمساحات القاحلة والحقول الزراعية.

كان جدي دائما يغضب من جيراننا الذين يقطنون معنا في نفس العمارة بحينا بسبب الأزبال التي راكموها عند باب منزلنا، ولا زلت أتذكر عبارته التي طالما رددها لي كلما رأى أزبالا متراكمة في الشوارع أو رأى حربا فتاكة في دول الخليج على التلفاز، يقول لي إن عقل الإنسان هو الجحيم أو الجنة، العقل الذي لا يحترم أخوه الإنسان ولا يحترم الأرض التي ولد منها وعليها، ويشعل النيران في غاباتها، ويفسد روعة أزهارها وأنهارها برمي الأزبال فيها وتلويثها، ويشعل الحروب بغية قتل أخيه الإنسان وتدمير البيئة هذا عقل الجحيم، وهو غالبا ما يقود إلى الجحيم، والعقل الذي يحافظ على البيئة ويحميها ويغرس الأشجار بها، ويمنع إتلافها ولا يخوض أي حرب ضد الإنسان أو ضدها ولا يرمي الأزبال بها ولا يلوثها هذا هو عقل الجنة، ويقود دائما إلى جنة خضراء.

لكن هنا في جبال الريف لم أر شيئا يبهجني، أتلفت جل الغابات، كل ما تركه الاستعمار من استغلال وإحراق وإتلافه للغابة أثناء الحرب التي طالما حكى لي عنها جدي صار الآن تحت رحمة التلوث ودخان المعامل والمزارعين الذين نهبوا جلها، الكل تواطأ ضد هذه الجنة الخضراء هنا، القنابل الكيماوية التي أسقطتها طائرات الاحتلال الفرنسي والإسباني لا زال باديا أثرها، كما لا زالت أبار استخراج الفحم بادية، والآن الزراعة غير المقننة والرعي الجائر ذهب على الباقي، والأزبال طالت أنهار هذه الجنة البعيدة وساهمت بشكل كبير في إتلافها، العقل الإنساني الناهب والذي لا يحترم شيئا طال هذه البقعة الخضراء.

حين عدت إلى مدينة طنجة وأخبرت جدي بكل ما حل بالجنة الخضراء القابعة بالجبال العالية من نهب وإتلاف، حزن كثيرا وطأطأ رأسه لوهلة بدا لي فيها يفكر في أمر ما، ثم قال لي؛ التغيير يا ولدي ينطلق من عقل الفرد، لو أن كل الشباب اليوم يغير تفكيره اتجاه البيئة لما كان حينا تملأه الأزبال والنفايات الآن، وأنتم يا ولدي الجيل القادم وصانع الجيل الذي سيأتي بعدكم، إذا لم تفكروا بشكل إيجابي اتجاه بيئتكم وأرضكم الخضراء فسيأتي يوم وتصير خرابا، إن أول ما عليك فعله يا ولدي هو أن تحسس أصدقائك بأهمية البيئة وبالأمراض التي تتسبب فيها الأزبال والنفايات وبأضرارها على الإنسان والحيوان والطبيعة، وإذا ما غابت الأشجار والمساحات الخضراء التي تحمينا من غازات أكسيد الكربون سنكون أمام معضلة عظيمة، سنتسبب في تغيير مناخي كامل وستكثر الأمراض وستنقرض مجموعة من الحيوانات. كانت هذه الكلمات من جدي سبب في حملة لجمع الأزبال قمت بها مع أبناء حينا بحي بسوق دبرا، قمنا بتنظيف حينا من كل النفايات وأبدعنا في تجميل طرقاته وأسواره بلوحات تشكيلية رائعة على يد مجموعة من المواهب، وهذه البادرة انتقلت إلى مجموعة من الأحياء المجاورة كتحد فيما بيننا، الكل أصبح يتضامن من أجل أن يبدوا حيه وشارعه أنقى وأجمل من الأحياء الأخرى، أبدع الشباب أجمل الفنون التشكيلية وقاموا تشجير الحدائق العمومية وغرس الأزهار بها، وقد انتقلت المبادرة إلى الغابات المجاورة بالرميلات بتدخل بعض جمعيات المجتمع المديني من أجل تنظيفها من النفايات وتشجيرها.

كانت البداية من العقل، وصارت الآن واقعا قريبا سيشهد البلاد كلها، يجب علينا أن نبدأ بالعقل دائما، والتغيير الذي لا يتجاوز التنظير إلى التطبيق ليس بتغيير، فبيئتنا تحتاج منا مبادرة فعلية كما فعلتم. هكذا حدثني جدي بعد هذه المبادرة التي قمنا بها، الآن صرت أتساءل أكثر، ماذا لو شهدنا مثل هذه المبادرة في كل المجالات الحيوية ببلادنا ؟ لو شهدناها حتما لتغيرت بلادنا إلى الأفضل ! لقد صدق جدي حين قال؛ عقل الإنسان هو الجحيم أو الجنة.

عن الكاتب

صحفي

تاونات جريدة إلكترونية إخبارية شاملة مستقلة تهتم بالشأن المحلي بإقليم تاونات وبأخبار بنات وأبناء الأقليم في جميع المجالات داخل الوطن وخارجه.

عدد المقالات : 7186

اكتب تعليق

لابد من تسجيل الدخول لكتابة تعليق.

جميع الحقوق محفوظة لموقع تاونات.نت - استضافة مارومانيا

الصعود لأعلى