الرباط:د.خالد فتحي°-“تاونات نت”/ الخطاب الملكي لعيد العرش لهذه السنة خطاب مغاير لما سبق من الخطابات الملكية، سواء في التوقيت، أو في المضمون، أو في النبرة التشخيصية القوية للملك. خطاب حمال لعدة إشارات ورسائل بليغة تؤسس لميلاد عهد جديد من العلاقات بين الفاعلين السياسيين والمواطنين، أو لملكية ثالثة لمحمد السادس بعد ملكيته الأولى التي ميزتها تجربة الإنصاف والمصالحة، وملكيته الثانية إبان موجة الربيع العربي التي أهدت للمغاربة دستور 2011.
خطاب غير منمط، لايمتح من لغة الخشب وبعيد كل البعد عن الشعبوية المقيتة التي نزلت بالبلاد وبالسياسة لهذا الدرك من الإسفاف والتهافت الممجوج على الغنائم والريع.خطاب واقعي نقدي ذو نفس ثوري يروم رسم أفق جديد للمغرب وللمغاربة.
في هذا الخطاب المتميز، أعمل جلالته مبضع النقد البناء لتشريح الوضعية السياسية بالمغرب الذي يعيش منذ 9 أشهر على وقع الحراك الاجتماعي بالريف ليضع اليد على ممكن الداء.
9 أشهر من فسح الملكية المجال للفاعلين السياسيين لأجل تلبية المطالب المرفوعة، ومحاولة النجاح في تمرين حسن الإنصات لنبض الشعب وجودة الإنجاز للمشاريع التنموية والتعامل مع الاحتجاج .وهي مدة كانت ضرورية قبل أن يتدخل الملك بهذا الخطاب الذي أتى في موعده بمناسبة عيد العرش، مما يرمز إلى أن المؤسسة الملكية على الرغم من طول أمد الحراك في الحسيمة تصرفت بثقة في النفس وحكمة واناة ومرونة ودراية عميقة بما يخوله لها موقعها الدستوري في إدارة شؤون البلاد.
ميزة خطاب العرش لهذه السنة ،أنه تزامن مع إصدار عفو عن مجموعة من معتقلي الحراك.
أكد من خلاله الملك دور المؤسسة الملكية في تصحيح بعض الأوضاع ،وفي اتخاذ القرارات الاستراتيجية الذكية والمصيرية إلتي يحتاجها الوطن حين الأزمات المصيرية.
ودورها في مراقبة التدافع المجتمعي حتى لا يخرج عن سكة الاعتدال إلى سكة التطرف الاحتجاجي أو الافتئات الحكومي على حقوق المواطنين.
هذا العفو الذي لم يكن لا مبكرا جدا ولامتأخرا، رمى الكرة في ملعب الحراك الذي عليه أن يزيد من التمسك بحمولته الثقافية والاجتماعية والاقتصادية، وأن يحول زخم الاحتجاج والمطالب الآن إلى قوة دفع تجر قاطرة الوطن إلى حيث الرفعة والتقدم والنماء والأمان، في انتظار ان تحل كل المشاكل المتبقية للحسيمة، خصوصا وأننا مقبلون على مناسبات أخرى وطنية ودينية في الشهرين المقبلين . وبالإضافة إلى ذلك، كان العفو عن شباب الفايسبوك لحزب العدالة والتنمية المتابعين بالاشادة بالإرهاب تصحيحا للمآل وإشارة على أن الملك يبقى على نفس المسافة من كل الفرقاء، وأنه ملك الجميع،وأنه ضد الغلو في الخصومة الحزبية.
غير هذا، طبعت خطاب جلالته رغبة حثيثة في استخلاص العبر من التذمر الشعبي في الريف ، من خلال توظيف الإيجابي فيه ونبذ السلبيات ،حيث تحدث بنبرة عدم الرضى عن الأوضاع المعيشية للمواطنين، وخلص إلى أنه على الرغم من الإنجازات المهمة التي يحققها المغرب، إلا أن الملاحظ أن الوطن يتقدم والمواطنين يتأخرون نظرا لللاجدوي التي تلاحق المشاريع التنموية التي تتعلق بتحسين الظروف الاجتماعية للمواطنين.
هذه اللا جدوى، عزاها الملك بخطاب سهل ممتنع إلى جدب مخيلة الابتكار ،وفقر الأفكار في القطاع العام، الذي غزته الاتكالية، والربع، و استكان إلى قلة الإبداع داعيا هذا القطاع إلى التأسي بالقطاع الخاص في النجاعة والحكامة والقدرة على التنافسية .و وردها (اللاجدوى) كذلك إلى تنابز الأحزاب فيما بينها، وانتهازيتها ،واحتجازها رهينة في يد مجموعة من المتلاعبين، والفاسدين والفاشلين ،الذين يتصدون الفرص،و يغيبون وقت الملمات والأزمات الكبيرة.
لم يتردد الملك محمد السادس أيضا في مشاركة الشعب رأيه، وبالتالي فضح الطبقة السياسية داعيا إياها إلى الانسحاب في حالة العجز عن حل المشاكل وعدم القدرة على الإنصات لنبض المواطن في الدوار والحي والقرية والمدينة.
ثم لا يلبث الملك ولايتوانى على أن يتبنى خطاب الحركات الاحتجاجية بالمغرب، حين يعلن على رؤوس الأشهاد ، عدم اقتناعه بأداء تلك الطبقة من السياسيين ،ليدعو بصرامة إلى ربط المسؤولية بالمحاسبة ،وهو ما يستشف منه أن الملك عاقد العزم على اتخاذ كل القرارات التي ستترتب في القريب العاجل عن نتائج التحقيق في تعثر المشاريع التنموية بالريف ،وهو ما يعني أيضا ان الملك والشعب والفئة المتنورة والناجعة والغيورة من الطبقة السياسية، ينقسمون نفس الرؤى، وما يؤشر على أن فصول هذا الحراك هي في منتصف الطريق حيث لازال هناك فصل يتعلق بمحاسبة المتورطين في التمهيد بتهاونهم لهذا الاحتجاج الطويل على الأوضاع المعيشية المتدهورة .
وأن النية الملكية واضحة في استثمار هذا الحراك لمصلحة الشعب والتأسيس لأخلاق سياسية جديدة تعيد الثقة للمواطن، و تصالحه مع صناديق الاقتراع.
كذلك نبه الملك الشعب إلى طينة السياسيين الذين يرتزقون بالفشل في السياسة ،معتبرا أن المواطن والمسؤول هم لديه سواسية و في نفس الدرجة، وأن المسؤول الذي يقامر بمصلحة البلاد واستقرارها هو خائن لها.
الملك كان واضحا جدا حين عبر عن غضبه من الأحزاب التي تقدم مصلحة الحزب و المنتسبين له على مصلحة الوطن. هذه الأحزاب التي تحولت بعض نخبها الحالية إلى كائنات طفيلية تمص دم الوطن وتضر أحيانا بمصالحه الاستراتيجية في التنمية والاستقرار.
لم ينس الملك محمد السادس أن يكون المعبر الأمين عن فئة القوات العمومية التي وجدت نفسها وجها لوجه مع الساكنة ، تتحمل جريرة تعثراث لم تقترفها،بعد أن غاب الفاعلون السياسيون الذين أزموا الوضع بتغليب المصلحة الحزبية والشخصية على المصلحة الوطنية. وهكذا يتولى الملك التذكير بدور هذا الجهاز الوطني. وهذا أمر ضروري، فالأمن ليست له كما نفهم ونعرف جميعا منصات حزبية، ولا حرية في الدفاع عن صورته في مواقع التواصل الإجتماعي. ولا خطباء حجاجيون يجادلون عنه أمام الرأي العام،وهنا كان الخطاب دالا جدا، وهو ينتقد أسلوب التهويل من المقاربة الأمنية التي ضخمها البعض، فالأمن يبقى الضمانة الأولى لممارسة كل الحريات.كما لم ينس الملك أن ينفي ما يروج حول انقسام الدولة على نفسها إلى تيارين بخصوص طريقة التعامل مع الأحداث .
وتبقى الرسالة البليغة للخطاب، هي دعوة الملك الكل لممارسة النقد الذاتي :ادارة،وأحزابا،ومؤسسات،ومسؤولين داعيا الجميع للقيام بدوره دون تردد أوشطط في إطار القانون، مذكرا كذلك بتساوى كل الجهات التي ينبغي أن تطلق فيها كلها مسيرات تنموية جديدة.
وفي الأخير لابد من القول، أن الخطاب جاء بنبرة تفاؤلية تترجم ثقة الملكية في دورها الاستراتيجي الحيوي والحاسم بالنسبة للمغرب، وانحيازها الدائم كعادتها للشعب في المحطات الحرجة.إنه خطاب ملزم للكل لأجل سد الثقوب والثغرات، والتشمير عن ساعد الجد، والقطع عن المقامرة بمصير الوطن .كما أنه خطاب واعد بقرارات مستقبلية على المدى القريب والمتوسط.خطاب يدمج الكل في الحل، لأن الوطن في النهاية حسب مانقرأ بين سطور الخطاب الملكي، هو ما يريده له مواطنوه، الذين ينبغي أيضا أن لا يطالبوا فقط بحقوقهم، بل أن يعملوا بجد وتفان وإخلاص ويأدوا كذلك كل واجباتهم كل من موقعه.وهذا حجر الرحى في الخطاب الملكي، ولب النصيحة الملكية الكامنة بين ثناياه.
°بروفيسور مختص في التوليد وكاتب –من مواليد إقليم تاونات