هذا هو تاريخ السوق الأسبوعي لبني وليد بإقليم تاونات…

هذا هو تاريخ السوق الأسبوعي لبني وليد بإقليم تاونات...

هذا هو تاريخ السوق الأسبوعي لبني وليد بإقليم تاونات…

اعداد:د.عاهد ازحيمي-بني وليد:”تاونات نت”/شكل/ يشكل السوق في المجتمعات القروية ركيزة أساسية في حياة الساكنة، فهو المكان الوحيد لاقتناء الحاجيات الضرورية، ولبيع المنتوجات المحلية.

هذا إلى جانب اعتباره قناة التواصل والاتصال الأساسية، بين سكان الدواوير، وخاصة في مرحلة ما قبل الثورة التكنولوجيا، ولهذا عرفت عدة قرى بأسواقها مثل “السبت دمثيوة” و”الاثنين دبني ونجل” و”الخميس دمرنيسة”. وهناك من أصبح يستعمل اختصارا بأنه سيذهب إلى “لثنين” أو إلى “السبت”. ونفس الأمر بالنسبة لبني وليد فهي كذلك يرتبط تاريخها بسوقها الذي يصادف يوم الثلاثاء من كل أسبوع.

لعب السوق الأسبوعي ثلاثاء بني وليد دورا محوريا في حياة الساكنة المحلية، فإلى جانب دوره التجاري لعب عدة أدوار أخرى اجتماعية واقتصادية وسياسية وإعلامية، حيث كانت الساكنة تستغل هذا اليوم لصلة الرحم بين الأهل والأحباب والأصدقاء، وتبادل الأخبار والأحداث التي كانت بطيئة الانتشار، كما كان قناة يصرف من خلالها المخزن قراراته بواسطة البراح. هذا علاوة عن كونه كان مناسبة للعديد من الحرفين والصناع لعرض خدماتهم مثل الحدادة والحجامة والخرازة والخياطة والكوايا والحلايسية والزياتة وكاري مد والسبيبية والشناقة والعواذية…

هذا هو تاريخ السوق الأسبوعي لبني وليد بإقليم تاونات...

هذا هو تاريخ السوق الأسبوعي لبني وليد بإقليم تاونات…

كما كان السوق أيضا فضاء للفرجة والترفيه حيث كان الحلايقية يجمعون حولهم العديد من الشباب والكهول والشيوخ ويبدؤون في ذكر مستملاحتهموطرائفهم في قالب كوميدي يجعل كل المتفرجين يضحكون بأعلى صوتهم، كما كان يأتي أيضا إلى السوق السحرة الذين كانوا يقومون بالعديد من الخدع التي تبهر المتتبعين وتثير استغرابهم. كما كان القمارةعاشقو لعب الورق والسويرتييجدون في السوق فرصة للقاء بعضهم البعض، لإثبات مهارتهم وبراعتهم.

كما كان السوق فضاء للتعارف حيث كانت النساء تستغلن هذا اليوم للبحث عن زوجات لأبنائهن والبحث في أصولهن ونسبهن وصبرهن وحداقتهن، كما كان مناسبة لتوجيه الدعوات لحضور الأعراس أو العقيقة، هذا بالإضافة إلى كون السوق كان قناة لنعي المتوفين ….

هذا هو تاريخ السوق الأسبوعي لبني وليد بإقليم تاونات...

هذا هو تاريخ السوق الأسبوعي لبني وليد بإقليم تاونات…

وإلى جانب هذه الأدوار التي كان يضطلع بها سوق ثلاثاء بني وليد، تميز كذلك بتغيير مكان انعقاده مرات عدة، فتاريخ بني وليد الشفاهي والمكتوب يتحدث عن سوق الماء البارد الذي كان يوجد على ضفة نهر ورغةبلوطة الزيامة والذي يعود إلى مرحلة ما قبل الاستعمار وخلالها، وهو الذي أشار إليه موليراس في كتابه المغرب المجهول بقوله: وعلى واد ورغة يوجد سوق الثلاثاء، كما يقول أيضا في وصف هذا السوق بشكل أكثر دقة: وقرب الزيامة يوجد سوق الثلاثاء الكبير وتباع به الحبوب والأسلحة والملابس والشاي والسكر والشموع ويجلب التجار سلعهم بالخصوص من مدينة فاس التي تبعد عن القبيلة بيومين مشيا، كما يحج الأهالي لمدينة مليلة لاقتناء الأسلحة ذات الطلقات السريعة والسكر والشموع وهم يعبرون الريف رفقة الزطاط (الخبير بالطرقات والمسالك) ونادرا ما يواجهون المشاكل.

ومن مميزات هذا السوق كونه كان يتوسط القرى والدواوير التي كانت تابعة لقبيلة بني وليد، وكذلك القبائل والقرى المجاورة، وكذا قربه من عين تسمى الماء البارد.

 وخلال مرحلة الحماية، وخاصة عندما وصلت جيوش الاحتلال الفرنسي للمنطقة وكانت تسعى لتهدئتها، والقضاء على المقاومة المسلحة بعين مديونة وبوعادلومتيوة وبني وليد وبني ونجل ومرنيسة، فاستغلت الأسواق كوسيلة للضغط على الساكنة، عن طريق محاصرتها، وذلك ما يؤكده التقرير العسكري الفرنسي لشهر دجنبر 1914 الذي ورد فيه بأن: قبائل جبالة أحست بضيق كبير بسبب إغلاق أسواقنا أمامهم، وارتفاع ثمن الحبوب في أسواقهم، مما دفع بهم إلى التقرب إلينا بهدف الاتجار مع القبائل الخاضعة لنا، وظهرت هذه الرغبة خاصة عند متيوة وبني وليد وصنهاجة، كما يشير أيضا تقرير شهر يناير 1915، إلى أنه: ظهرت اضطرابات مؤكدة من طرف القبائل غير الخاضعة، خاصة في شمال صنهاجة وبني وليد، نظرا لإغلاق أسواقنا في وجه جبالة، وطرد القوافل التي تصل إلى أسواق هذه القبائل “.

وعندما أصبحت مقاومة محمد بن عبد الكريم الخطابي تنشط بالمنطقة، وصار يسعى لتوحيد قبائل جبالة ما بين سنة 1922 و 1925، وقيادته لعدة حَرْكات ضد المراكز الاستعمارية وتحقيقه عليها مجموعة من الانتصارات وتهديده لمصالحها، منذ ذلك الحين أصبح رهان فرنسا هو القضاء على هذه المقاومة الشرسة التي اندلعت بالمنطقة، فلجأت لاستعمال كل الوسائل المحرمة دوليا، حيث قامت بقصف الأسواق بالطائرات والمدافع ومطاردة مرتاديه العزل.

هذا هو تاريخ السوق الأسبوعي لبني وليد بإقليم تاونات...

هذا هو تاريخ السوق الأسبوعي لبني وليد بإقليم تاونات…

 ونظرا لكون سوق ثلاثاء الماء البارد كان يتواجد في منبسط شاسع خال من أي تحصينات، حاول سكان المنطقة تحويل هذا السوق إلى منطقة ثانية تعرف بباب يانيس في سفح جبل درينكل، وهو موقع كانت تنتشر به العديد من أشجار الزيتون فاعتقدت الساكنة أن تلك الأشجار ستحميهم من أسلحة وقنابل المستعمر التي كان يتم قذفها بشكل عشوائي، فكان هذا السبب حسب الرواية الشفوية هو العامل الأساسي لتنقيل سوق بني وليد من الماء البارد إلى باب يانيس، غير أن هذا السوق لم يستمر طويلا، لكن اسمه ارتبط في ذاكرة الساكنة المحلية بحادثة قصفه بالطائرات من طرف المستعمر في منتصف عشرينيات القرن الماضي، وسقوط العديد من الضحايا العزل، ولذلك عندما تم العثور على قذيفة من طرف العمال المكلفين بإنجاز شبكة تطهير السائل، بتاريخ 11 أكتوبر 2019، استرجع ساكنة المنطقة هذا الحدث التاريخي الذي مازالت جراحه النفسية لم تندمل بعد.

ولم يستمر السوق ثلاثاء بني وليد بهذا المكان لمدة طويلة حيث تم نقله لمرة ثالثة إلى مركز بني وليد الذي كان لا يزال في طور التأسيس والبناء، وبذلك كان مجاورا للإدارة الاستعمارية وتحت مراقبتها. كما كان أكثر تنظيما ومحاطا بسور، وتوجد في بوابته الرئيسية البينقة، التي كان يجلس فيه المخزنية ورجال السلطة، للمراقبة واعتقال كل مثير للفوضى، أو مبحوث عنه، كما بنيت المحكمة في أسفل السوق.

ومن الأحداث التاريخية البارزة التي شهدها هذا السوق هو قيام ساكنة بني وليد بمظاهرة ضد سلطات الاستعمار بمناسبة عودة الملك محمد الخامس من المنفى سنة 1951 م، حيث التأم مجموعة من الشباب مكان انعقاد السوق الأسبوعي وقاموا برفع راية المغرب وصورة محمد الخامس وبدأوا في ترديد بعض الشعارات، وساروا في مسيرة التف حولها العديد من الساكنة رجالا ونساء حتى امتلأ السوق في غير يوم انعقاده مما اضطر السلطات الاستعمارية إصدار أوامرها للمخزنية بالتدخل لفض المسيرة وتفريق المتظاهرين، واعتقال المتزعمين للمظاهرة.

واستمر هذا السوق ينعقد بمركز بني وليد حتى تحويله سنة 2008، وأقيمت في مكانه اليوم تجزئة أنوال، من أجل الحفاظ على واجهة المركز الجماعي وجعله مستقلا عن السوق الذي كان ينتج عنه مجموعة من الأوساخ والضجيج. بينما قامت جماعة بني وليد بتشييد سوق جديد بمزيارة، على مساحة تصل لخمسة هكتارات، وهو أكثر تنظيما ويتسع لجميع الباعة. وتم افتتاحه بتاريخ يوم الثلاثاء 29 يناير 2008م.

عن الكاتب

صحفي

تاونات جريدة إلكترونية إخبارية شاملة مستقلة تهتم بالشأن المحلي بإقليم تاونات وبأخبار بنات وأبناء الأقليم في جميع المجالات داخل الوطن وخارجه.

عدد المقالات : 7250

جميع الحقوق محفوظة لموقع تاونات.نت - استضافة مارومانيا

الصعود لأعلى