غابة درينكل بتاونات..رئة في مهب الريح:فقدان هكتارات سنويا بسبب قلة المراقبة ونشطاء يطالبون بالتدخل العاجل
من إعداد رضا الأبيض وحذيفة بنيخلف:”تاونات نت”/تمتد غابة درينكل الموجودة بجماعة بني وليد في إقليم تاونات، على مساحة شاسعة ممتدة من المركز إلى دواوير مجاورة بجماعتي بوعادل وعين مديونة، حيث وصلت حسب آخر الإحصائيات، إلى 3773 هكتار.
وتشكل هذه الغابة، جزءا مهما من مجموع المساحة الغابوية بالإقليم التي بلغت 27 ألف هكتار سنة 2014 حسب إحصائيات قدمتها المديرية الإقليمية للمياه والغابات بتاونات، لكن عدة عوامل طبيعية وبشرية تزحف عليها وتساهم في تقليصها تدريجيا.
وتتنوع أصناف الأشجار والنباتات بغابة الشماعة والغابات المجاورة لها بهذا الجبل الأعلى بإقليم تاونات، ومن أبرزها الصنوبر الحلبي والبلوط الأخضر والبلوط الفليني، لكن الأكثر انتشارا بها هو القطلب أو ما يصطلح عليه محليا ب”بوخنو”، إضافة إلى العديد من الأصناف الأخرى المتنوعة والمتعددة.
رئة في خطر
يعاني الغطاء الغابوي من عدة تحديات حقيقية، فكل سنة تنقص مساحة 500 هكتار بالإقليم ككل كمتوسط وهذا يعني أنه بحلول عام 2060 سيختفي الغطاء الغابوي بتاونات. كما أن الغابة قبل سنوات قليلة، كانت تتوفر على العديد من الحيوانات كالغزال الذي أقلق الزحف العمراني وعوامل بشرية، راحته وتعرض للصيد الجائر وكذلك الحال بالنسبة للذئب والخنزير البري اللذان لقيا نفس المصير، فقبل أقل من ست سنوات كانت أعداد الخنزير كبيرة جدا، قبل أن تتقلص بفضل الصيد العشوائي كما ًناف الوحيش الأخرى، وأنواع كبيرة من الأشجار.
ويبقى المشكل الأكثر فتكا بالغابة وثرواتها النباتية والحيوانية، هو مشكل الحرائق الذي يساهم في تدهور الغطاء الغابوي بنسبة كبيرة.
ويعزى هذا التقلص المهول للمساحات الغابوية بغابة درينكل بجماعتي بني وليد وبوعادل كما هو الأمر بالنسبة لعدة غابات أخرى بمناطق متفرقة ومختلفة بإقليم تاونات، لأسباب عديدة خاصة اجتثاث الأشجار لإعداد حقول زراعة في ظل بداية زحف هذه الزراعة الدخيلة، على مساحة منها خاصة بالمناطق المعنية بها.
يعتبر القنب الهندي مصدر دخل رئيسي لسكان عدة دواوير، إن لم أقل الوحيد لمعظمها. وتحتاج هذه النبتة، لأرض الغابة المليئة بالأسمدة الطبيعية، لذا يضطر السكان بحكم الفقر وغياب دخل قار لقطع الغابة وزراعة القنب الهندي ويجنون منه أموالا كثيرة فرغم منع زراعته يضطر السكان للمخاطرة لأجل لقمة عيش تسد رمقهم .
إن القنب الهندي دواء قبل أن يكون داء، فغالبية الفلاحين يزرعونه ويستعملونه فيما يضر صحة المستهلكين، بيد أنه يمكن أن يستعمل في صنع الأدوية وكذا مواد التجميل ومن هذا يجب على الدولة أن تقوم بمنع زراعة هذا الأخير وتزرع كميات قليلة لإنتاج الدواء.
تطاول على القانون
إن عدم تفعيل القوانين على أرض الواقع والصرامة في ذلك، يشكل أهم سبب وراء الوضعية المزرية التي آلت إليها الغابة، فهناك عدة قوانين تحد أو تنظم إن صح القول، استغلال الغابة باعتبارها ملكا عاما، خاصة أن معظم أراضي الإقليم لا يتوفر أصحابها على وثيقة قانونية تثبت الملكية بسبب قطع الغابة وغياب المراقبة وفصل الملك العام عن الملك الخاص، إضافة إلى إهمال بعض المسؤولين.
العديد من المواطنين يقطعون الأشجار أمام أنظار المسؤولين عن القطاع، دون تدخل للحد من هذه الجرائم في حق الغابة، والأسوء من ذلك عدم توفر إحصائيات دقيقة حول مساحة الغابة والمخالفات المرصودة، فعندما سألنا حارس الغابة والمسؤول عن الغطاء الغابوي لم يقدم أي إحصائيات بخصوص الموضوع وهذا يطرح إشكالا كبيرا حول تنظيم القطاع الذي يبدو ومن خلال بحثنا أنه يعاني من العشوائية بسبب ترامي بعض المواطنين على الملك العام.
الحريق مفترس الغابة الوحيد
بعد انقراض الحيوانات المفترسة من هذه الغابة أصبح الحريق المفترس الوحيد الذي يلتهم آلاف الهكتارات وذلك بسبب الارتفاع المهول لدرجة الحرارة وقلة التساقطات المطرية خاصة في السنوات الخمس الماضية وبشرارة بسيطة تشتعل النيران وأيضا اضرام نار التدفئة التي تنتقل إلى الأشجار أو إنتاج الفحم بطرق غير قانونية، وغياب المعدات اللازمة لإطفاء الحريق وبعد الوقاية المدنية عن المنطقة، مما يزيد من حجم الأضرار خاصة في غياب شاحنة إطفاء الحرائق.
ونشير إلى أنه قد شب حريق حديثا لكنه لم يمثل أي خطر وكان من الممكن أن يمتد لمساحات شاسعة. وكذلك الحال بالنسبة للإقليم ككل، فقد شب حريق سنة 2019 بعين عائشة البعيدة بكيلومترات قليلة عن مدينة تاونات وعين مديونة، فخلف خسائر مهمة في الغطاء الغابوي وليست هذه العوامل وحدها التي تساهم في تقلص المساحة الغابوية، بل حتى انتشار بعض الطفيليات تحمل اسم ” “la cheuille.
جمعويون غاضبون
خرج فاعلون جمعويون ببني وليد عن صمتهم لإبراز الخطر الذي آلت إليه غابات تاونات ومن بينها درينكل بحيث تم الكشف عن استنزاف واستغلال بارز لعشرات الهكتارات، في ظل صمت مطبق، فسرّه مستشار جماعي بكونه ”نوع من التواطؤ”.
ونشر نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي صورا تبرز مدى تضرر الغابات والخطر الذي يتهددها من كل النواحي.
ان بعض فلاحي غابة بني وليد وغيرهم من سكان مجاورين لمساحات غابوية مختلفة بإقليم تاونات، يقومون بالأنشطة الزراعية في أراضي الدولة أي أراضي لا تخصهم وهذا ترامي على ممتلكات الغير فيجب على الدولة بعزل أراضيها عن أراضي غيرها لتحفظ ممتلكاتها ويحفظ الفلاحون أراضيهم.
وفي هذا الإطار صرح حارس الغابة على مصالح المياه والغابات تقوم بالتشجير بغابة بني وليد وهذا شيء جيد، وصرح كذلك على أنها تقوم بفرض عقوبات صارمة على كل من يقوم بقطع الأشجار وكذا حمل بندقيات الصيد دون أوراق تثبت ملكيتها ممن يتعرضون إلى عقوبات على كل من يتجاوز عدد الطيور الذي يحق صيدها وهذه العقوبات تتنوع من غرامات وحبس .
وينص الفصل 597 من القانون الجنائي أنه من أتلف مزروعات قائمة على سوقها أو نباتات نمت طبيعيا أو بغرس الإنسان، يعاقب بالحبس من سنتين إلى خمس سنوات وغرامة من 200 إلى 250 درهما عن كل شجرة، بشرط ألا يتجاوز مجموع عقوبات الحبس خمس سنوات في مجموعها.