أَضْوَاءٌ عَلَى الملتقى الوطني الأول للزّجل بِقَرْيَةِ بَا مُحَمَّدْ بإقليم تاونات
ذ. نصرالدين شردال-قرية أبا محمد:”تاونات نت”/ تحت شعار: “الزَّجَلُ مَوْرُوثٌ شَعْبِيٌّ، لِنُحَافِظْ عَلَيْهِ” ؛لْتَأَمَ جمهورٌ غفيرٌ من عشاقِ الشّعرِ والزّجلِ حول نشاطٍ ثقافيٍّ وفنيٍّ افتراضيٍّ منظم عن بعد، بمناسبة الملتقى الوطني للزّجل بمدينة قرية با محمد بإقليم تاونات، من 14 إلى 18 يوليوز 2020من تنظيم دار الشّباب، وبدعم وشراكة من وزارة الثّقافة والشّباب والرّياضة، امتدّ على مدى خمسةِ(5) أيامٍ على صفحة المؤسسة بموقع التّواصلِ الاجتماعيّ فيس بوك، جادت فيه قريحة الأصدقاء الشّعراء بقصائد زجلية متميزة، وتفضل الأصدقاء الزّهر القائمين على الملتقى بتوثيقها ونشرها صورة وصوتا في الصّفحة، فحققت الإمتاع والمؤانسة.
وقد شارك في هذا الملتقى كل من الشّعراء الزّجالين: عبد الله الهدي، توفيق بومزين، خديجة الساري، أحمد الشرقاوي، حميد الحيمر، فيما حلّ ضيفي الشرف كل من الأستاذين الباحثين والشّاعرين أمجد مجدوب رشيد ونصرالدين شردال.
بدعم وتنسيق مجموعة من الأسماء الثّقافية والجمعوية بالمدينة على رأسهم السيد مدير دار الشّباب الأستاذ سعيد أجبلي والأستاذ جواد العروسي والأستاذ رشيد هدي وقد سير الملتقى ــ مباشرة ــ الأستاذ الإعلامي إدريس الهني.
وفيما يلي جزء من كلمة نقدية مقتضبة تقدم بتقديمها الأستاذ الباحث نصرالدين شردال:
لماذا الزّجل؟
لأنّ الزّجل فنٌّ إبداعي شعبي بالدرجة الأولى، من الشعب وإليه، تبدعه الطبقة الدنيا من طبقات المجتمع، فهو ليس إبداع النّخبة، بل إبداع العامة، لكنّه إبداع صادق، يكتبه البسطاء للبسطاء وللنخبة أيضا، بلغة بسيطة مفهومة، لكنها لغة نفاذة شفافة، إنّه الفنّ السّهل الممتنع.
إنّه حقا موروثٌ شعبيٌّ، وليس أدلّ على ذلك من كونه فنا متغلغلا في الثّقافة الشّعبية ومسيطرا عليها، هوأن هذه اللغة المغربية الدّراجة لا تكاد تخلو من نتف أو أبيات أو أشطر من الزّجل العربي والأندلسي والمغربي على الأخص، ويتربع على عرش هذه الثقافة الشعبية الشاعر الزجال سيدي عبد الرحمان المجدوب، إنّ تلقيب أو تكنية عبد الرحمان المجدوب، بلفظة “سيدي” ما هو إلا تكريم للزّجال المغربي الذي اكتوى بنار الشّعر وحرقة الكلمة الهادفة والمعبرة.
في إطار الموروث الشعبي والزجلي، وفي إطار ما استمعنا إليه من قصائد بلسان أصحابها طيلة أيام الملتقى (الشعر على لسان صاحبه أحلى) هذه القصائد الزجلية التي استمعنا واستمتعنا بها على الصّفحة لا يمكن تأطيرَهَا إلا ضمن الإبداع المغربي الخالص، الإبداع المغربي الحق، الذي يعتز بالوطنية الصادقة، والهوية المغربية المختلفة، وإن في كان طياته يحمل جرحا نتيجة الأوضاع المتردية على عدة أصعدة.
ينبغي ألا تفتني الفرصة لأكد أن مدينة قرية با(مدينة وقرى) تضم مجموعة من المبدعين والأدباء: في الشعر والزجل والنقد أذكر منهم تمثيلا لا حصرا: الخمار الفرواوي، فاطمة ريان، هشام بريطل، أحمد الزعيم، عبد الله المهدي، توفيق بومدين، حميد الحمير، أحمد الشرقاوي، وغيرهم كثير…
تماشيا مع أخلاقيات الملتقى الافتراضي هذا، أتفاعل مع بعض القصائد الزّجلية لهؤلاء الأصدقاء الأعزاء، آملا كل الأمل أن أكون في مستوى نقدها وتذوقها.
في قصيدة “موت قاعد” (مت جالسا) للزجال والمناضل الإعلامي عبد الله المهدي كشف جمالي وتضامن مطلق مع فئة اجتماعية هشة نفسيا واجتماعيا وصحيا، إنها فئة المتقاعدين الذين أفنوا أعمارهم في خدمة الصالح العام، ثم انزوا في أخر حياتهم منسين ومقصين، يقول الزجال متضامنا:
” نهار كيرميك لنهار
ها انت ف الزنقة، ها انت في الدار
حتى تموت قاعد، ما يجيب ليك حد اخبار
رماوك ونساوك بعد ما فناو منك العمار”
إن القارئ أو السامع لهذه القصيدة أو غيرها من قصائد الزجال عبد الله المهدي الكثيرة، سيأسره ذلك الكون الجمالي المتدفق من الصور الشعرية البسيطة والعميقة في آن، إنه تصوير شعري جميل، ينبغي أن أشير أن الزجال هو فنان فتوغرافي لهذا فإن قصائده الزجلية تأتي دائما بمثابة صور فتوغرافية لا تنسخ الواقع الاجتماعي الهش فحسب، بل تسعى إلى تجميله والرقي به إلى أفق أفضل، وهذه هي رسالة القصيدة الزجلية القويمة والمعبرة.
التجربة الزجلية الثانية للأستاذة خديجة الساري، نبدأ من قصيدتها “بلاغ من سبو وزلاغ” التي تقول في مطلعها:
“السرعة كتقتل، والطريق كتقتل، وإن كانت قدر ومكتاب
من فاس للقرية، كلشي فرية”.
هذه الجملة الشعرية، رغم قصرها إلا أنها قالت بها كلاما كثيرا وكبيرا، يكشف هول الفاجعة، وما تتخبط في مدينة قرية با محمد على أصعدة عدة.
أما قصائد”داء فقدان المناعة المكتسب”، “غزو الفيروسات على الإنسان” “ظاهرة العنف المدرسي” “بكل صراحة”، هذه القصائد تكشف على أهم القضايا الاجتماعية والاقتصادية التي يتخبط فيها المجتمع المغربي كما تقدم نقدا وحلولا ملموسة من أجل الخروج من هذه المشاكل.
تَرْصُدُ الأستاذة خديجة تحولات المجتمع المغربي، وتكتب القصيدة الزجلية برقة بالغة وأمومة عذبة، فهي لا تتعامل مع القصيدة بتلك الشّحنات الإيقاعية والكلمات الصّعبة والعنف اللغوي، واللّهجة الآمرة، بل برقة عذبة، تنصح،تقدم الموعظة، إنها التربية بالزجل، والنظر بعين الرّحمة والعطف على هذا الزمان الموحش والغريب الذي أصبح فيه كما تقول الشاعرة:
“الأستاذ ربيب
والكتاب غريب”
إنها باختصار تكتب بصراحة.
التجربة الثالثة، للأستاذ توفيق بومدين من خلال قصيدته “ضربة الكاو” هذه القصيدة المتميزة التي تعالج الغربة الوطن وتراجع القيم النبيلة، لكنها تستنهض الهمم،وتراهن على القصيدة الزّجلية “القْصِيدَةْ بلْمعاني” التي تقدم الموعظة وتقلبات المجتمع والأصدقاء والقيم النّبيلة.
أما قصيدة “سوق الحكمة في الكلام” فإنها تأكيد على أن الزجل ليس كلاما منظوما في الحلقة، إنه حكمة في الكلام، لا تتأتى إلا لمن أخلص العشق للكلمة.
أما قصيدة:
“الليل مغطي ليلو
والنهار يكشف الأسرار
واللي ما يعرف بحق الليل يسول خليلو”.
فإني أختزل كل ما كتبه الزجال في هذه القصيدة الرائعة جدا، إنها أجمل ما كتبه.
التّجربة الرّابعة للزجال حميد الحمير، والذي نقتطف من إحدى قصائده:
“ولد الحاج
واش معرفتيش ولد الحاج
اللّي في راس الدرب
مول البير والقلب الكبير
كيسقي الجار وكيسقي الغير
والكرم من جيل لجيل: الله يدوم الخير..”
هذه القصيدة الجميلة ترصد تحولات المجتمع المغربي وكيف تحول في الزمن مع التّطور التكنولوجي الهائل وتراجع القيم النبيلة، وتلتقي مع الأغنية المغربية والمثل الشعبي وتصور حالات الوئام والتّضامن الاجتماعي في الأحياء المغربية القديمة، وكأني بالزجال يصور لنا لطقة من اللقطات الاجتماعية الحميمية في الأحياء الشّعبية القديمة بمدينة قرية بامحمد.
هذه القصائد الّتي استمعنا لها على اختلاف تجارب أصحابها في الإبداع والحياة إلا أنّها تلتقي في مجموعة من النقاط الإيجابية، أهمها أنها قصائد مغربية من القاع (من قاع الخابية) قصائد صادقة تكتوي بنار الواقع الاجتماعي الهش، وتحتفي بمدينة قرية با محمد وتحلم بمستقبلها المشرق، وتسعى إلى أن تساهم في بناءه، ليس البناء المادي الملموس، وإنما ذلك البناء المعنوي الذي يربي، ويهذب ويرتقي بالوجدان والفن والذوق المغربي المتميز، وينمي الحس والشّعور الوطني المعتدل والنّبيل.
شكرا مرة أخرى للأصدقاء الأعزاء، للزجالين الذي أمتعونا بهذه القصائد التي ستظل محفوظة ليس فقط في صفحة الفيس، وإنما في صفحات القلوب والوجدان.
واكثروا من الإبداع الشّعري والزّجلي في هذا الزمن الموبوء الّذي نحن في مسيس الحاجة إلى التداوي بالزجل والفن والشعر وكل شيء جميل.