من جبال تاونات إلى إنجلترا..قصة نجاح مغربية أصيبت بشلل الأطفال في سن الخامسة

 بوجمعة الكرمون:عن “العمق المغربي”:”تاونات نت”/ قصص تميز أبناء الهامش لا حصر لها، وسِيٓرهم المهنية في البقاع ناطقة بفلسفة الإصرار التي توجه هذه الذوات، والتي تؤكد، بما لا يدع مجالا للشك، أن الحاجة إلى التحدي لم تنهزم في مجتمعنا بعد، وأن من سار على الدرب وصل.

موقع ” العمق” ينقل لقراءه مسار ابنة دوار جبلي في تاونات، عانت كثيرا في طفولتها، لكنها صنعت لنفسها عالما ضمن عوالم الكبار في المملكة المتحدة(إبريطانيا).

بطاقة عبور..

 ازدادت مريم الحجيوج بدوار ” حراكة” بجماعة كلاز نواحي مدينة تاونات، والانتساب الهوياتي يعني الكثير للخبيرة في الصحة النفسية، على اعتبار أن ارتباطها بالدوار والإقليم ما زال متواصلا رغم بعد المسافة، حيث انشغالها بقضايا المجتمع القروي، وبمعاناة المواطنين في الجبال.

طفولة صعبة.. لكن!

تحكي مريم الحجيوج آغا، الخبيرة في الصحة النفسية وداء السكري، في تصريح ل” العمق”، في محاولة لإعادة ترميم مسار طفولتها الحبلى بالآهات، لكنها حبلى، كذلك، بكل معاني الإصرار والعزيمة، تلك المعاني التي غذّت في دواخلها الشعور بالبقاء، في وقت كانت شروط الإحباط والانهزام مهيأة في القرية المنسية، تقول ” أصبت بشلل الأطفال في سن الخامسة، وتمكنت من العيش بفضل والدتي رحمة الله عليها.. وبقائي على قيد الحياة في حد ذاته معجزة”.

في سن السابعة ستشرع الخبيرة المغربية في استعادة جزء من عافيتها، حيث بدأ وضعها الصحي يتحسن شيئا فشيئا، قبل أن تجد الأستاذة الحجيوج آغا نفسها أمام تحدٍّ جديد بشعار ” لا بديل عن المدرسة”!

 الأم والأخت لطيفة..

 التحاق مريم الحجيوج بالمدرسة اقترن بصعوبات كثيرة؛ المرض من جهة، وبعد المدرسة عن الدوار بأكثر من ثلاث كيلومترات من جهة ثانية، وتردد الأم في إرسال فلذة كبدها خوفا عليها من جهة ثالثة، لكن الإصرار ظل هو سيد الموقف، وبمساعدة شقيقتها لطيفة، التي تعترف بدعمها الكبير لها، تحقق الحلم، ” كانت تساعدني على حمل المحفظة ومسك بيدي.والحمد لله تمكنت بفضل مساعدة ودعم أختي حفظها الله من الحصول على شهادة الدروس الابتدائية من مجموعة مدارس كلاز”، قبل أن تستأنف رحلة تعليمها بمدينة تاونات وجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، حيث عاشت أحداث فاس أوائل التسعينات.

 الوظيفة ومغادرتها صوب انجلترا..

 تخصص الخبيرة في الصحة النفسية مريم الحجيوج في شعبة الاقتصاد مكّنها من الحصول على وظيفة بالمديرية الاقليمية للفلاحة بتاونات، وتحديدا بمكتب المحاسبة، ثم تقلدت بعدها منصب الكتابة الخاصة للمدير الإقليمي للفلاحة إلى غاية أوائل سنة 2002، حيث تزوجت من الدكتور زين العابدين آغا وهو مواطن باكستاني مقيم في انجلترا، قررت على إثره الالتحاق به في المملكة المتحدة، لتحصل على الجنسية البريطانية سنة 2005، وبعدها استأنفت مسارها العلمي الذي دشّنته في قرية جبلية بضواحي تاونات.

 تحدّيات وطموح بحجم الجبل..

 تقر الأستاذة الحجيوج بأن البدايات لم تكن سهلة في انجلترا، سواء من باب اللغة والتواصل، أو من باب الاندماج الوظيفي والاجتماعي، لكن ملكة الكفاح التي لازمتها منذ طفولتها، وتقاسمتها مع الكثيرات من بنات الهامش، يسّرت لها شروط الاندماج المهني والمجتمعي، بعدما التحقت في البداية بشركة خاصة، قبل أن تتفرغ للعمل في مشروع في ملكية زوجها مكلفة بالحسابات، ثم التفرغ للعمل في الدعم النفسي والاجتماعي، والانخراط في الحقل المدني والتطوعي، خصوصا في كل ما يتعلق بالدعم الموجه للمصابين بداء السكري.

 وقد مكنها متابعتها الدراسة الجامعية في انجلترا من تنزيل طموحاتها على أرض الواقع، بعدما حصلت على Access to Higher Education Diploma سنة 2012 أهلها لولوج إحدى الجامعات البريطانية  De Montfort University، حصلت بعدها على الإجازة والماستر في الصحة النفسية، وكان بحثها حول السكري لمرضى النوع الثاني. والجميل أنها حصلت على أعلى علامة في تاريخ الجامعة التي منحتها شهادة تقديرية ومادية The Best Dissertation by a Thaught Postgraduate Student Award Voucher for Books Purchase .

وواصلت ابنة تاونات مسارها العلمي في انجلترا، وحصلت على ديبلومين في مجال السكري: “Understanding the Care and Management of Diabetes” و Understanding Nutrition and  Health

كورونا والعمل الخيري..

 انخراط الخبيرة في الصحة النفسية، مريم الحجيوج آغا، في المبادرات الجمعوية والخيرية، داخل الوطن وخارجه، زكته مساهماتها القيمة في زمن كورونا، حيث افتتحت عيادة افتراضية على الفضاء الأزرق، وشرعت في تقديم الدعم النفسي والاجتماعي للمواطنين، كما استغلت عيادتها ” المجانية” للتفاعل مع المصابين بداء السكري، وتمكينهم من شروط العناية بصحتهم الجسمية والنفسية، ولأنها نذرت حياتها لخدمة الآخرين، قررت رفقة رفيق دربها تأسيس جمعية لفائدة مرضى السكري.

 بداية بلا نهاية..

 تعترف الأستاذة مريم الحجيوج آغا بأن القوة الكامنة في دواخلنا، بصرف النظر عن كل المحبطات، من الممكن أن تنتج واقعا خفّاقا، وأفقا واعدا ينتشي بالحرمان الخلّاق، والمعاناة البانية، والإكراهات الولّادة.

عن الكاتب

صحفي

تاونات جريدة إلكترونية إخبارية شاملة مستقلة تهتم بالشأن المحلي بإقليم تاونات وبأخبار بنات وأبناء الأقليم في جميع المجالات داخل الوطن وخارجه.

عدد المقالات : 7235

جميع الحقوق محفوظة لموقع تاونات.نت - استضافة مارومانيا

الصعود لأعلى