إنتاج الصمغ بإقليم تاونات.. حرفة الأجداد تقاوم البقاء في حضرة حفظة القرآن والفقهاء
عبد اللطيف الحافضي –عن موقع”كاب24 تيفي”:”تاونات نت”/ يعتبر “الصمغ” أو “السمق” من بين الوسائل التي اكتشفت منذ أزيد من 7 قرون، بحسب معلومات غير مؤكدة، وكان وهو الأداة الوحيدة التي ابتكرها الفقهاء لتحفيظ القرآن للطلاب المساجد عبر الأجيال، كما شكل مهد الحضارة العربية الإسلامية، إلا أن هذا المورث أضحى مضمحلا نظرا للتطور الحاصل على مستوى الكتابة وتحفيظ القرآن داخل الكتاتيب والزوايا والمساجد، لكن بالرغم من هذا التحول فما زالت بعض المناطق بالمغرب، تحافظ على هذا الإرث التقليدي خاصة بالمناطق القروية التي تشتهر بتوافد الطلاب على المساجد بنفس التّقاليد المتبعة والمتمسكة بطريقة التدريس بالألواح لحفظ كتاب الله وتعلّمه وتعليمه كغيرها من المدن المغربية الأخرى.
إنتاج الصمغ.. نعمة بطعم النقمة
طاقم قناة كاب24 تيفي، تسلل إلى إحدى المناطق القروية بضواحي إقليم تاونات شمال مدينة فاس، والتقى بأحد المنتجين التقليديين لهذه المادة المهمة ويتعلق الأمر بـ”محمد القزقوز” وهو رجل قروي في السبعينات من عمره، وهو واحد من بين الأشخاص المعدودين؛ الذين تشبثوا بهذه الحرفة، وذلك بغرض النبش في أسرار ومراحل صناعة المداد التقليدي والإكراهات التي تضع الصانع المحلي أمام واقع قلة المدخول ورهان المحافظة على الموروث.
محمد القزقوز المزداد سنة 1951 بدوار تاورضة التابع لجماعة الورتزاغ بإقليم تاونات، قال في لقاء مع كاب24 تيفي، والخجل يسم محياه، “إن حرفة إنتاج هذه المادة ورثها عن أبيه رحمه الله؛ الذي كان يقوم بإعداد هذه المادة بالمنطقة إلى جانب أشخاص آخرين والبالغ عددهم 15 عشرة شخصا قبل أن توافيهم المنية”، مبرزا أنه قضى مدة تزيد عن ثلاثين سنة في إنتاج هذه المادة، رغم أن مدخولها المادي جد هزيل مقارنة بحجم الأعمال الشاقة التي ترافق مختلف مراحل الإنتاج وما تتطلبه من جهد عضلي، لكن بالنسبة له “مواصلة العمل للحفاظ على هذا الإرث التقليدي هو الرهان الأساسي”، داعيا بحرقة ” أنا كنطلب من الفقها والطلبة والعشابة فالمغرب وخارج المغرب يجيو يشريو مني هاد المنتوج باش نحافظ على هاد الموروث”. وتختلف طرق تحضير مادة الصمغ التقليدي من صانع إلى آخر فهناك من يفضل طريقة حرق صوف الأغنام، وهناك من يفضل طرقا أخرى، أما بالنسبة لمحمد القزقوز فقد وقع اختياره على جعل قرون المواشي كمادة أساسية لإنتاج صمغ بالجودة المطلوبة.
أعمال شاقة ترافق مراحل معقدة
كاب24 تيفي، عاينت الطريقة المحكمة والدقيقة التي تمر منها عملية تحضير هذا المنتوج، وهي عملية كما وصفها المنتج الوحيد بالمنطقة بـ”الشاقة”، فطريقة إنتاج هذه المادة الأساسية كما أورد ذلك محمد القزقوز في تصريح للقناة، يتطلب أولا اختيار المكان المناسب للممارسة هذا النشاط الحرفي نظرا للمخاطر التي قد يتسبب فيها، فالمكان ينبغي أن يكون معزولا ويحوي معدات أساسية من فرن تقليدي وبرميل من ماء ونار وغربال وأداة صلبة تستعمل بغرض تحويل المادة إلى مسحوق.
إن أول ما يجب العمل عليه بالنسبة لهذا الرجل العصامي هو تأمين المادة الخام وهي عبارة قرون المواشي والتي يقدر ثمن الكيلوغرام الواحد بـ 30 درهما، وهي مادة كما أكد المتحدث ذاته، تكلف السفر بعيدا عن المنطقة وبالضبط إلى مدينة فاس، وبعد العودة إلى مسقط الرأس يقول “محمد القزقوز” متحدثا لكاب24 تيفي : أباشر في عملية إعداد طلبيات الزبناء، وفق مراحل دقيقة، ففي المرحلة الأولى أقوم فيها إقحام (القرون) وسط كومة من الخشب الموجود داخل فرن تقليدي من أجل الشروع في عملية حرقها لمدة تزيد عن الساعة ونصف حتى تصل إلى وضعية متفحمة.
وفي المرحلة الثالثة كما تابعت كاب24 تيفي، يتم استخراج كمية القرون المحروقة بعد حرقها، ثم وضعها على أرضية صلبة من أجل سحلها بواسطة أداة حادة حتى تتحول إلى مسحوق لين، ثم بعد ذلك يتم غربلة المسحوق بواسطة غربال خاص، ثم توضع الكمية المسحوقة ببرميل يحتوي على ماء ساخن يكون معدا بشكل مسبق بغرض طهيه، مع القيام بتحريك المسحوق بواسطة أداة مخصصة لذلك( بالة) كل 10 ثوان، تحت نار هادئة لمدة تزيد عن سبع ساعات حتى تتحول إلى سائل أسود داكن، ووضعه داخل 5 لترات بعد إناء حديدي خاص قبل وضعه بقنينات بلاستيكية بعد تعريض السائل لانخفاض درجة الحرارة.
صرخة لدعم المنتج وحماية الإرث من الانقراض
وبالرغم من الصعوبات الأعمال الشاقة التي ترافق مختلف عمليات إنتاج هذه المادة فإن الحصيلة بالنسبة لمحمد القزقوز، جد هزيلة مقارنة بحجم المشاكل التي تطرح بعد الإنتاج خاصة على مستوى التسويق، بحيث يجب على المنتج، السفر إلى مدينة فاس بغرض توزيع منتوجه بطلب من الزبناء الفقهاء منهم والعشابة وطلبة القرآن، بالإضافة إلى نوعية الصمغ المصنوع، بحيث يصل ثمن الصمغ السائل؛ الذي هو من الجودة العالية، ما بين 25 درهم إلى 30 درهما للتر الواحد، أما المنتوج من الجودة المتوسطة وهو عبارة عن أقراص مشمسة تصل حوالي5 دراهم للقرص الواحد”، مبرزا “أن بيع المنتوج يتم عبر الاتصال به عبر الهاتف أو إرساله بواسطة طلبية خاصة إلى مدينة فاس.
هشام الصياد، أستاذ التربية الإسلامية، ومهتم بالشأن الديني، قال في تصريح لكاب24 تيفي، إن هذه المادة؛ التي كانت تستعمل قديما في الكتابة على اللوح، تعرضت للنسيان والإهمال وبقيت حبيسة في المساجد والكتاتيب القرآنية والمعاهد الدينية والمدارس العتيقة، وهذه المادة لها دور كبير في الكتابة على اللوح وحفظ القرآن الكريم.
وأضاف المتحدث ذاته، أن المحافظة على استمرارية هذا الموروث تتطلب تدخل الجهات المختصة بالشأن الديني خاصة وزارة الأوقاف والفاعلين الجمعويين، والاهتمام بالمنتجين لهذه المادة؛ التي تعتبر من التراث الثقافي والمادي ومن الهوية المغربية، وذلك عبر تشجعيهم على خلق تعاونيات من أجل ضمان تسويق جيد لهذا المنتوج وبالتالي حماية هذا الموروث الديني من الانقراض.
ومن جهته قال عبد الله السعيدي، قريب عمي محمد، إن هذا الرجل المكافح ما زال يحافظ على هذا الموروث الهام بما أوتي له من قوة من أجل استمرار هذا المنتوج، مؤكدا أنه في حالة عدم تسويق منتوجه وعدم وصوله إلى المستهلك فأكيد أن هذا الإرث سيضمحل حتى أن ينقرض، لأن منذ مدة كان حوالي 15 شخصا يشتغلون في هذا المجال بالمنطقة، لكن للأسف مع عدم تسويق هذا المنتوج واللجوء الى روض الأطفال والكتابة بالأقلام جعل هذا الإرث أن ينقرض بشكل تدريجي، داعيا “إلى الاتصال بهذا الرجل الذي لا يدخر جهدا لإنتاج منتوج جيد وممتاز وطبيعي وأن تعود ثقافة المسجد وحفظ القرآن بالألواح المكتوبة بالمداد إلى وضعها الطبيعي والحفاظ على هذا التراث التقليدي، داعيا الجهات المسؤولة تقديم يد المساعدة لهذا الرجل في عملية تسويق منتوجه ودعمه مادية ومعنويا”.
وبالرغم من الأهمية التي احتلتها مادة “الصمغ” لدى الفقهاء بالمغرب والوطن العربي، والدور الذي لعبته الكتابة بهذه المادة على الألواح من أجل حفظ القرآن للطلاب بالمساجد والمدارس العتيقة، فإن صناعة المداد التقليدي لم تدخل بعد وفق متتبعي الشأن المحلي والإقليمي، إلى قاموس وزارة الصناعة التقليدية من أجل إدخالها ضمن البرنامج الوطني للمحافظة على الحرف والاعتراف بها كمهن مدرة للدخل والنهوض بها، اسوة بباقي الحرف التي بصمت إسمها في قائمة الحرف المصنفة عالميا كصناعة الفخار والدارزة، وذلك عبر خلق مبادرات اجتماعية لهيكلة هذا النوع من الإنتاج وتسويقه والرفع من جودته للإستجابة لمتطلبات السوق المحلية والإقليمية والوطنية ولما لا الدولية.