إبن إقليم تاونات الأكاديمي الدكتور عطاء الله الأزمي في حوار مطول: اللغة العربية تعاني من هجمة “دارجوفونية”

عبد العالي الدمياني-عن جريدة”الأحداث المغربية”:”تاونات نت”/-أجرت مؤخرا جريدة “الأحداث المغربية” في عددها رقم 7294 حوارا مطولا مع إبن إقليم تاونات الدكتور عطاء الله  الأزمي أستاذ التعليم العالي بالدارالبيضاء والكاتب العام للائتلاف الوطني لترشيد الحقل اللغوي والأمين العام للرابطة المغاربية لحماية اللغة العربية.ونظرا لأهمية هذا الإستجواب نعيد نشره هنا في موقع “تاونات نت”تعميما للفائدة:

س:بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية، كيف تشخصون واقع العربية على المستوى الدولي بين لغات العالم الحية؟

* ج:بداية؛ أشكر الملحق الثقافي لجريدتكم الغراء على الضيافة(وليس الاستضافة، لأنها خطأ شائع)، وأشكركم الأخ والزميل سي عبد العالي الدمياني شخصيا على إتاحة الفرصة للحديث مجددا عن اللغة العربية في هذا الحوار.

طبعا، كما يعلم الجميع، كانت منظمة اليونسكو قد أعلنت منذ سنوات الثامن عشر من دجنبر يوما عالميا للغة العربية، ومن غريب الصدف أو عجيبها، أن يتزامن هذا الاحتفال والاحتفاء، بالاحتفال بيوم عالمي آخر، هو اليوم العالمي للمهاجر، فنحن هنا أمام هجرة للأشخاص والأفراد والمجموعات البشرية، وهجرة للعقول واليد العاملة، وهجرة للغات ! واقع اللغة العربية اليوم على المستوى الدولي بين لغات العالم الحية، واقع مشجع ومطمئن رغم مجموعة من الإكراهات البنيوية والذاتية، فالعربية اليوم، يتحدثها أكثر من 467 مليون من الأشخاص عبر العالم، وهي لغة رسمية في العديد من الدول، ليس فقط العربية، بل حتى الإسلامية، وهي من بين اللغات الخمس أو الست المعتمدة بهيأة الأمم المتحدة، ولغة رسمية كذلك بعدة مؤسسات ومنظمات وهيآت إقليمية ودولية، وتحتل حاليا المرتبة الخامسة عالميا، زد على ذلك أن دولا أوروبية وأمريكية وأسيوية، اعتمدت اللغة العربية بصفتها لغة ثانية أو ثالثة بمدارسها ومؤسساتها التعليمية ومعاهدها العليا، بل من الدول العالمية من جعلت اللغة العربية لغة إجبارية بمؤسساتها التعليمية، إلى جانب لغتها أو لغاتها الرسمية.  هذا كله، يوحي بأن العربية تتمتع عالميا بالاعتراف والتقدير والترتيب والاعتماد والاستشراف المستقبلي، رغم مجمل الإكراهات التي أشرت إليها، والتي قد نعود إليها في موضع آخر من هذا الحوار.

– س:وأي واقع تعيشه لغة الضاد في المغرب؟

* ج:بالمغرب، تعيش اللغة العربية وضعا صحيا ووضعا متذبذبا في الآن نفسه. كيف ذلك؟ وضعا صحيا، لأنها، إلى جانب اللغة الأمازيغية، لغة رسمية وفق الفصل الخامس  من دستور المملكة(يوليوز 2011)، ولغة التدريس في مستويات التعليم المدرسي إلى حدود البكالوريا (رغم التراجع الأخير والخطير من لدن وزارة التربية الوطنية التي عادت إلى فرنسة المواد العلمية)، وهي لغة الإدارات والمعاملات، رغم مزاحمة أو هيمنة الفرنسية في بعض منها، خصوصا بعالم المال والأعمال والاقتصاد، وبالجامعة، وهي لغة الثقافة والإعلام والتواصل اليومي(طبعا هناك الدوارج المشتقة منها)  …ألخ .. ومتذبذبة، لأنها رغم دستوريتها صراحة، إلى جانب أختها الأمازيغية، ما زالت تعاني من هجمة فرنكفونية شرسة من الخارج ومن بني جلدتنا الأوفياء والخلص لماما فرنسا، حيث أعادنا القانون الإطار 51- 17 القهقرى، بالعودة إلى فرنسة المواد العلمية بالتعليم المدرسي، والتراجع عن مشروع تعريب الجامعة، وغض الطرف عن الخروقات العلنية والمتكررة التي تمارسها الكثير من مؤسسات الدولة والإدارات والمقاولات والشركات العمومية والخصوصية، وذلك  بقصر تعاملاتها- الكتابية والشفوية على حد سواء – على الفرنسية، في تحد سافر لمقتضيات دستور المملكة، الذي صوت عليه المغاربة في استفتاء تاريخي في فاتح يوليوز 2011.. وتتحمل في ذلك الحكومة ورئيسها كامل المسؤولية، لأنها المسؤولة أمام جلالة الملك عن تطبيق مقتضيات الدستور، والحرص على احترام تطبيقه وتفعيله.

ومع كل هذا، فوضع اللغة العربية يبشر بكل خير، بفضل جهود وتضحيات متواصلة لمجموعة من جمعيات المجتمع المدني التي تنشط في مجال تطوير اللغة العربية وحمايتها من الهيمنات الداخلية والخارجية.

– س: يتسم الواقع اللغوي في المغرب بالتعدد، وهو تعدد أفضى غياب سياسة لغوية لتدبيره إلى فوضى لغوية، من المستفيد من واقع التشرذم اللغوي هذا؟ وما تأثيراته على الهوية الوطنية؟

* ج:طبعا سؤالكم الوجيه هو تحصيل حاصل لما سبق… التذبذب الذي أشرنا إليها أعلاه، وغياب الإرادة السياسية الحقيقية، والتقاعس عن تفعيل مقتضيات الدستور…وغيرها كثير، كل ذلك، لا يمكن إلا أن يفضي إلى هذه الفوضى اللغوية التي تشهدها بلادنا. كما تعلمون، عشنا عقودا من الزمن، منذ الاستقلال إلى الآن، بل أهدرناها، في التأرجح بين تبني التعريب، والتراجع عنه، والرجوع إلى التعريب، ثم التخلي عنه، فأضحينا، كما يشير اللساني العالمي المغربي الشهير الدكتور عبد القادر الفاسي الفهري، في وضعية : اللا لغة (Ni- langue)، وهي سياسة، في تقديري الشخصي، مقصودة ومدروسة وممنهجة. وحتى لا ننعت بالعدمية أو التطرف الفكري واللغوي، أقول، وبموضوعية: يجب ويحق لنا أن نفخر داخل بلدنا المغرب بثراء لغوي وبتعدد لغوي غني وشامل: فهناك العربية والأمازيغية(بأنواعها) والحسانية والتعبيرات الثقافية واللغات الأجنبية الأخرى، من عبرية وأنجليزية وإسبانية وفرنسية، إن هذا الغنى، وهذا الثراء، لا يعكس الواقع اللغوي وواقع التعدد اللغوي بالمغرب المتسم بالفوضى والعشوائية والتشرذم، فالعقل والحكمة والقانون يقول: إننا بصفتنا مغاربة صوتنا على دستور سنة 2011 يعترف باللغتين العربية والأمازيغية لغتين دستوريتين في الحياة العامة والإدارات والمؤسسات… وأن الحكومة هي الساهرة والمسؤولة عن تطبيق أو تنفيذ هذه المواد والمقتضيات الدستورية ! لكن، واقع الحال يقول غير ذلك، هناك تقاعس، هناك تراجع، هناك غض الطرف، هناك محاولات لفرض الأمر الواقع على المواطن المغربي بمختلف شرائحه المجتمعية، وهناك سياسة لغوية وتخطيط وواقع لغويين متناقضين مع الدستور، وتدبير غير معقلن وغير دستوري يرهن مستقبل أبنائنا وبناتنا وأجيالنا الحالية واللاحقة،  ويؤثر تأثيرا واضحا على هويتنا الوطنية واللغوية، ويعطي هذا التشرذم المقصود فرصا ذهبية للمعادين للعربية، من الداخل والخارج، لشحذ معاول الهدم  والإتيان على البقية الباقية من هويتنا العربية الأمازيغية الحسانية الضاربة في جذور التاريخ، وفي أمة مغربية يتجاوز وجودها الاثني عشر قرنا، وأكثر هاته المعاول شراسة الفرنكفونية وأذنابها وأتباعها داخليا وخارجيا، وهذا ما تسعى إلى مواجهته بعلمية وموضوعية ووطنية وعروبة وأمزغة، بعض من جمعيات المجتمع المدني التي ننتمي إلى بعض منها، أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: الائتلاف الوطني لترشيد الحقل اللغوي، والتنسيقية الوطنية للغة العربية، والرابطة المغاربية لحماية اللغة العربية.

– س:يقال عن العربية إنها ليست لغة علم وتكنولوجيا وغير قادرة على مواكبة تطورات ومستجدات العصر، كيف تردون على هذه الدعاوى؟

* ج:هذه دعاوى الفاشلين والعاجزين وأذناب الفرنكفونية وغير الفرنكفونية، وكذلك دعاوى الحاقدين والمتربصين… يقال: “رب ضارة نافعة”، ووباء كوفيد19، الذي أصاب العالم والإنسانية، والذي نسأل الله أن يرفعه عنا قريبا، أرغم العالم على اعتماد التكنولوجيا الحديثة والتعليم عن بعد في التدريس. والمغرب لم يشذ عن القاعدة، فقد تم إنتاج العديد من البرانم والدروس الرقمية للتدريس عن بعد باللغة العربية، وأثبتت اللغة العربية أنها قادرة على مواكبة تكنولوجيا الإعلام والاتصال والتواصل، بل إن العديد من المبتكرات اخترعها العرب مؤخرا، وكثير من العلوم تدرس بالعربية في دول متعددة، خصوصا بمصر والسودان والشام والشرق الأوسط ودول الخليج..وغيرها … وكثير من أطروحات الطب عندنا بالمغرب تعد وتنجز وتناقش باللغة العربية … اللغة يا سادة، عربية كانت أم فارسية أم أنجليزية أم ألمانية أم روسية أم أردية أم صينية…ألخ… إنما هي أداة ووسيلة تواصل ليس إلا، وعليه، فالمشكلة ليست في اللغة إطلاقا، بل في مستعمليها، وطريقة تطويرهم وتنميتهم وتطويعهم لها لتجاور باقي لغات العالم، والمشكلة أيضا في قوانين الدول الناطقة بها التي من واجبها أن تحميها من كل هيمنة، ومن كل دخيل، ومن كل تهاون وتقاعس، أو استهتار أو سلوكات ومواقف عدوانية غير علمية تواجهها.

– س:رغم الطابع الرسمي للعربية تبدو الفرنسية هي الأكثر حضورا في الاقتصاد والإدارة وجزء مهم من الإعلام، إلى ماذا تعزون هذه الهيمنة؟

* ج:لقد أشرت إلى ذلك آنفا، وأؤكده هنا، بكل موضوعية ومسؤولية، إنها الهيمنة الفرنكفونية، وغياب الإرادة السياسية، المتمثلة أساسا في احترام مقتضيات الدستور المغربي، والسهر على محاربة جميع من يخالفه كان من كان، ومنها اللوبيات الاقتصادية الفرنكفونية، التي تسيطر على عالم المال والأعمال والاقتصاد والإعلام … وتسللت من كل ذلك حتى إلى المدرسة والتعليم، في محاولات يائسة لطمس معالم هوية هذا الشعب العربي الأمازيغي المغربي الأصيل. نحن لسنا ضد أي لغة في العالم، لكن ليس على حساب لغتينا الدستوريتين: العربية و الأمازيغية.

طبعا مخلفات الاستعمار الفرنسي ما زالت تلقي ظلالها، وتجثم بكلكلها على مجتمعنا المغربي، وما زالت وصية “ليوطي” تطبق بحذافيرها، والدليل الساطع هاته الهيمنة التي أشرت إليها للغة الفرنسية مقارنة مع اللغتين الدستوريتين، فالحياة اليومية للمواطن المغربي تعج بسيطرة الحرف اللاتيني بالمؤسسات والإدارات العمومية والخصوصية، وبواجهات المحلات التجارية والأسواق الكبرى، والمقاهي والمطاعم وبالعيادات والمصحات وبعض المؤسسات التعليمية الخصوصية، وبالمقاولات والشركات والأبناك ..ألخ …  وإذا كنا قد حققنا استقلالنا الترابي والسياسي سنة 1956، فما زلنا نتوق إلى تحقيق استقلالنا اللغوي بعد أكثر من ستة عقود من هذا الاستقلال؟؟ 

– س:رغم مرور ما يقرب من عشر سنوات على التنصيص على مجلس اللغات والثقافة المغربية في الدستور لم يزل لم ير النور بعد، ويعرف تعثرات في البرلمان، هل يتعلق الأمر بغياب إرادة سياسية في هذا الاتجاه؟ وماذا يمكن لهذا المجلس ان يفعله في ظل الصراع اللغوي الدائر في المغرب؟

* ج:من خلال معرفتي الخاصة بهذا الموضوع، فقد كنا داخل الائتلاف الوطني لترشيد الحقل اللغوي من جمعيات المجتمع المدني التي شاركت في تقديم مقترحاتها وقراءتها وتنقيحاتها بشأن مقترح قانون هذا المجلس، وشخصيا، لا نعلم مآلات تلك الاقتراحات، واقتراحات باقي المؤسسات والجمعيات المشاركة

كما تفضلتم، وكما أشرت سالفا، هناك غياب إرادة سياسية حقيقية، هناك حسابات ضيقة غير علمية وغير لغوية، وهناك ربما صراعات المناصب والمواقع، وهناك ممانعة بعض المؤسسات التي ترفض الذوبان أو الاندماج في هذا المجلس، نظرا لتاريخها ولإنجازاتها ولأدوارها الطلائعية في الحفاظ على اللغة العربية وتطويرها وتنميتها، وهي محقة في ذلك.أما تعثرات البرلمان،  فأرجعها إلى الحسابات السياسية الضيقة بين بعض من الأحزاب السياسية والفروق البرلمانية، سواء من الأغلبية أو المعارضة، التي تحتكم إلى العقيدة الحزبية الضيقة مغلبة إياها على المصلحة الوطنية العليا.

أمام هذه الوضعية، وهذا التأخر الكبير، وهذا “البلوكاج”، ماذا عسى هذا المجلس (مجلس اللغات والثقافة المغربية) أن يفعله ويصنعه، وهو لم ير النور بعد؟؟ أعتقد بأن الجواب سابق لأوانه، لأنه حتى المقترحات العملية والقانونية والعلمية التي شاركت بها مجموعة من المؤسسات وجمعيات المجتمع المدني، لا ندري ولا نعلم مصيرها، فكيف نعلم ما يمكنه أن يفعله هذا المجلس مع وقف التنفيذ، في ظل الصراع اللغوي الدائر بالمغرب، وهو أصلا يعيش صراعا!

– س:شكلت أكاديمية محمد السادس للغة العربية إطارا مؤسساتيا كان من المفترض أن يقوم بتدبير أمثل للعربية ويسهر على تطويرها، كيف تقرؤون إلغاءها وتذويبها في مجلس اللغات والثقافة المغربية؟

* ج:فعلا، هذا التذويب أو الإلغاء أو الإقبار كان منتظرا، بحكم التقادم وطول الانتظار دونما طائل، وبحكم تضارب المصالح والرؤيات وزوايا النظر، والاختلافات غير العلمية وغير اللغوية، بشأن تكوينها وهيكلتها وأعضائها ومن يترأسها،  وحدود مسؤولياتها وأدوارها، وتم اختزالها بالفصل 5 من الدستور، في مجلس وطني للغات والثقافة المغربية، الذي يضم مؤسسات عدة معنية بمجالات الاهتمام باللغات.

طبعا، أكاديمية محمد السادس للغة العربية، على غرار مؤسسات وهيآت ومجالس عليا للغة العربية ببعض الدول العربية، هي مؤسسة رسمية وإطار مؤسساتي كان منتظرا أن تسهر على العناية والتدبير الأمثل للغة العربية، والعمل على تنميتها وتطويرها، وفق لما جاء به الدستور، وكما هو حال المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، وكانت ستكون، لو قدر لها أن تكون، الجهة المخولة لإبداء الرأي الرسمي والحسم في أمور عدة تهم اللغة العربية، مثلما هو شأن المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، وغيره من المؤسسات ذات الصلة، لكن، لا أحد يعلم، باستثناء أصحاب القرار وقلة من المقربين منهم، الأسباب الحقيقية الكامنة وراء هذا الإلغاء والتذويب، وإن كان الأمر وطنيا يحتاج إلى مراجعة وتدارك وطنيين يتجاوزان أي اعتبارات ذاتية أو ذات حمولات متعددة ومختلفة.

– س:لم تعد العربية مزاحمة فقط من قبل الفرنسية بل أيضا من لدن الاتجاه الدارجافوني الذي صارت له سطوة في الإعلام السمعي والسمعي البصري وفي وسائل الاتصال والتواصل الجديدة وفي الإشهار بأنواعه، كيف يمكن للغة الضاد أن تواجه هذا المد الكاسح؟

* ج:صدقت، هذا الذي أسميته بالاتجاه الدارجافوني هو على مقاس الفرانكفوني، هما وجهان لعملة واحدة: الفرنسة والتلهيج لتضييق الخناق على العربية التي إن تطورت ونمت وازدهرت، ستصيب الفرانكفونية وأنصارها وأتباعها ومريديها …في مقتل ..! نحن أمام معركة جديدة، معركة تدريج الإعلام ووسائل الاتصال والتواصل ..وتلهيجها، ضدا على الذوق العام للمغاربة، وعلى مقتضيات دستورهم الذي صوتوا عليه بحب وطواعية في استفتاء تاريخي بتاريخ 1 يوليوز 2011، فإذا بهم يفاجؤون ببعض من مواطنيهم وأبناء جلدتهم من المغاربة، يخططون وينفذون خططا مدروسة وممنهجة لتمييع المشهد اللغوي وتلهيجه تلهيجا “زنقويا وشارعيا”، لإتمام معاول الهدم التي استهلتها الفرنكفونية

لقد ضاق المواطن المغربي ذرعا، بمختلف شرائحه المجتمعية، من الإعلام السمعي والبصري والمكتوب، ومن الإعلانات والإشهارات المسموعة والمرئية والملصقات..التي تتفنن في تدبيج موادها ونشراتها وبرامجها وإعلاناتها…بسيل من العبارات الدارجة والعامية، القدحية أحيانا، والتي تستعمل أحيانا حتى الحرف اللاتيني ( مثلا، تجد إشهارا يتحدث عن فرصة لشراء منتوج يقال لك لا يعوض، مكتوبة هكذا:(inzéglable ) يعني بالدارجة: ما كيتزكلش)؛ ما هذا التمييع؟ وما هذه السفافة والانحطاط في اللغة؟ أعجز العقل المغربي الكبير عن إنتاج إعلان لائق، ولو بالعامية أو الدارجة، ومحترم للذوق المجتمعي وللسليقة اللغوية الفطرية؟؟ أما عن الإذاعات والتلفزة  بقنواتها، فحدث ولا حرج.. منها ، أنني سمعت مرة إحدى المذيعات بإذاعة رياضية، تقول لمراسل الإذاعة، وهو ينقل مقابلة رياضية قال لها: الآن مع رمية شرط أو تماس، فأجابته بسرعة وبغلظة وبتشنج(بالدارجة طبعا):( لا ..هنا معندناش شرط، كول: توش )؟؟

ويعضد هذا كله، أغلب شركات الإشهار  والإعلانات التي تتبنى نهجا فراكفونيا وتلهيجيا واضحا وصريحا وممنهجا ومقصودا، وهي معروفة لدى الخاص والعام، بتوجهاتها وبخططها وبأساليبها وببرامج عملها … وبإخلاصها وتفانيها في مسخ اللغة العربية، وتمييع تداولها بين مستعمليها ومتكلميها، وهنا نستحضر دور “الهاكا”، وهي مؤسسة عمومية، التي عليها أن تلعب دورها الرقابي، المخول لها من لدن الدولة، للإسهام كذلك في السهر على تطبيق أو تفعيل مقتضيات الفصل الخامس من الدستور، والقيام بالافتحاصات والإجراءات اللازمة لمنع هذه المهازل اللغوية من الوصول إلى آذان الملايين من المغاربة وعيونهم

فعلا، هناك في المقابل محاولات جادة، وإن كانت محتشمة، للحفاظ على هويتنا اللغوية، عبر مبادرات فردية أو جماعية محدودة، منها وضع أحد أندية الدرجة الأولى الاحترافية لكرة القدم(لعله نادي نهضة الزمامرة)  لأسماء لاعبيه على الأقمصة باللغة العربية، في سابقة هي الأولى من نوعها بالبطولة الوطنية الاحترافية..

ما العمل أمام هذا المد الكاسح؟ على الدولة والحكومة أن تتحمل مسؤوليتها الدستورية كاملة، فهي مسؤولة أمام جلالة الملك وأمام الشعب والمواطنين لاحترام العمل بالدستور، وعلى جمعيات المجتمع المدني العاملة في هذا المجال اللغوي الواسع، وخصوصا ما يتعلق بالترشيد اللغوي وحماية اللغة العربية، أن تضاعف جهودها، وتقدم برامج وبدائل أكثر فاعلية وتأثيرا، بعيدا عن المناسباتية أو التموقعات والتبعيات غير الجمعوية، حتى تكون بالفعل قادرة على الإسهام بجدية وعلمية في تخليص مجتمعنا من هاته الآفة الجديدة التي تطولها، وتسيء إلى جمالية لغتنا العربية، وقدرتها الخارقة على إنتاج الفصيح والدارج أو العامي على أعلى مستوى من الرقي الذوقي والفني والأسلوبي، في ترفع تام عن البذيء والوضيع من سفاسف اللغة والكلام، وعلى الإعلام بمختلف أنواعه: المرئي والمسموع والمكتوب والالكتروني أن يلعب دوره الوطني والتعبوي لتقديم مواد تحترم مقتضيات الدستور لغويا، وتراعي مستوى الذوق العام للمواطنين، وعلى السلطات العمومية المعنية سن قوانين وإجراءات بديلة للحد من ظاهرة الابتذال اللغوي وهيمنة الفرنكفونية الكاسحة، عن طريق تطبيق عقوبات زجرية رادعة وذعائر وغرامات على المخالفين، مثلما هو شأن بعض الدول العربية التي يؤدي فيها المخالفون للتعامل بالعربية غرامات باهظة لثنيهم عن تكرار ذلك.  وأملنا كبير أن تكون السبل العلمية والعملية، والتضامن وتحمل المسؤولية من لدن مختلف الفاعلين والمتدخلين مدخلا طبعيا لتجاوز هذه المعضلة المفتعلة التي عمرت طويلا، وآن الأوان لتنفك عن وطننا وعن مواطنينا.

عن الكاتب

صحفي

تاونات جريدة إلكترونية إخبارية شاملة مستقلة تهتم بالشأن المحلي بإقليم تاونات وبأخبار بنات وأبناء الأقليم في جميع المجالات داخل الوطن وخارجه.

عدد المقالات : 7180

جميع الحقوق محفوظة لموقع تاونات.نت - استضافة مارومانيا

الصعود لأعلى