(إبن تاونات) الدكتور إدريس عبادي: الجهات لا ينبغي أن تنتظر كي تصبح غنية لتعمل
عن موقع “الدار”:”تاونات نت”/– يعتبر عميد كلية الحقوق الدار البيضاء عين السبع (إبن تاونات) الدكتور إدريس عبادي في هذا الحوار الذي أجراه معه الموقع الإلكتروني “الدار”؛ أن مبدأ التدرج يحكم سير المغرب نحو الجهوية توجسا من التجربة الإسبانية، مؤكدا أن كل دولة تنهج سياسة جهوية تلائم خصوصياتها.
ويرى عبادي أن حصيلة المجالس الجهوية تبقى متوقفة على مدى اجتهاد رؤسائها ومنتخبيها مشيرا في الوقت ذاته إلى أن الجهات لا ينبغي أن تنتظر لتصبح غنية كي تعمل.
–س: ما هو تقييمكم لمسار الجهوية بعد أكثر من أربع سنوات من صدور القوانين الجديدة المنظمة؟
ج:اللامركزية بصفة عامة و الجهوية بصفة خاصة تخضع لمبدأ قار ينبني عليه كل التنظيم الإداري و الهيكلة الإدارية الترابية ألا وهو مبدأ التدرج la progressivité عند كل إصلاح و كل تشريع جديد يخص اللامركزية الإدارية يعمل بهذا المبدأ؛ حيث أنه منذ الاستقلال، عند كل محطة إصلاح اللامركزية يأتي المشرع بقوانين محتشمة وحذرة وأخذ الاحتياط أن لا يعطي اللامركزية إلا جرعات قليلة وذلك من أجل تجريب كيف ستعمل بها السلطات اللامركزية.
–س: هناك من يعتبر أن الدولة لا تزال مترددة في تفعيل شامل وكامل لمغرب الجهات ما سر هذا التردد في نظركم؟
ج:فلسفة وسياسة الجهوية تختلف من نظام سوسيوسياسي إلى آخر؛ إذا قارنا واستندنا في تحليلنا على ما يعمل به في بلدان عرفت تجربة جهوية وذهبت بعيدا فيها، سوف نخلص إلى ما قلته في سؤالك أن هناك “تردد من طرف الدولة و المشرع”؛ لكن سياسة الجهوية تنبني على أسس تاريخية واجتماعية و جغرافية وقبلية: طبيعة سكانها، لهجاتها وتقاليدهم وكذلك أنشطتهم الاقتصادية والثروات التي تحتوي عليها أولا، قبل أن تكون مجرد تقنية للتدبير الترابي.
لهذا فكل دولة تنهج سياسة جهوية تأخذ بعين الاعتبار هذه المعطيات فتسير بسرعة تلائم هذه الخصوصيات ولا يجب على الدولة والمشرع أن يسيرا بسرعة “تفوق سرعة الموسيقى” كما يقال، وإلا فإن السرعة في ممارسة الجهوية ستنقلب على من سمح بها (يعني الدولة) وهذا ما حصل بالذات في اسبانيا التي بدأت في ممارسة الجهوية حديثا وسارت بسرعة فائقة مما نتج عنه أن انقلبت عليها جهة عرفت تنمية اقتصادية سريعة وأصبحت غنية لها موارد مالية ذاتية تجعلها في غنى عن دعم الدولة بل الخروج عن السياسات العامة للدولة والمطالبة بالاستقلال عن دولة ازدادت وترعرعت في أحضانها و أصبحت غنية بفضلها وكل ما يترتب عنه من زعزعة ركائز الدولة والتضامن بين مكوناتها.
لهذا فإن دولة أحادية مثل المغرب تطبق مبدأ التدرجية لأنه رغم الاستقلالية التي تمنحها الدولة للجماعات الترابية والاختصاصات والموارد المالية التي تنقل إليها فهي تبقى مكونات للأمة حيث أن الأمة بالمغرب تتكون من 12 جهة و 62 إقليما و 1503 جماعات، ولهذا نتكلم عن الدولة-الأمة في إطار الوحدة الترابية.
–س: تواجه المجالس الجهوية بعض التحديات التي على رأسها التمويل؛ هل يمكن أن يمثل هذا المشكل عائقا أمام تفعيل حقيقي لمغرب الجهات؟
ج:الترسانة التشريعية الأخيرة التي تهم الجماعات الترابية بما فيها الجهات، حققت قفزة نوعية كبيرة من حيث تحويل أهم الاختصاصات التي كانت بيد ممثلي الدولة إلى المنتخبين الجهويين وإعطائهم إمكانية خلق آليات تقنقراطية سلسة تمكنهم من وضع وتتبع مشاريعهم التنموية؛ لكن هذه القفزة النوعية المهمة من حيث نقل الاختصاصات لن تكون كافية إذا بقيت الجهات لا تتوفر على موارد مالية متنوعة كافية تمكنها من ممارسة اختصاصاتها والتمتع باستقلاليتها المبدئية. رغم هذا فإن الجهات لا تنتظر أن تكون “غنية” لتعمل.
فجل الجهات منذ 2015 عرفت تطورا نوعيا في أدائها وعملها ومردوديتها مقارنة مع الماضي حين كان الوالي هو الآمر بالصرف. فجميع الجهات قامت بإعداد مخطط جهوي للتنمية بنظرة استراتيجية بمساعدة مكاتب دراسات دولية مكنتها من وضع تشخيص ترابي حقيقي تبعه وضع أولويات برنامج التنمية وخطة العمل من أجل تنفيذ المشاريع المبرمجة.
بعد هذه المرحلة التي مرت بها جميع الجهات كل واحدة حسب السرعة التي ذهبت بها، هناك جهات أخذت المبادرة واتخذت قرارات من أجل النهوض بقطاعات اجتماعية حيوية وخصصت لها مبالغ مالية مهمة كالتعليم وتجهيز الطرق. وبادرت إلى عقد شراكات مع فاعلين عموميين وخواص من أجل تجهيز مجالها بمناطق أنشطة اقتصادية مما كان له وقع على نمو هذه الجهات.
–س: هل تعتقدون أن النخب الجهوية التي أفرزتها انتخابات المجالس قادرة فعلا على رفع هذا التحدي؟
ج:بعض الجهات لم تنتظر دعم الدولة من أجل النهوض بمجالها بل بعضها بادرت لربط اتفاقيات شراكة مع ممولين وقامت بتسويق ترابها على الصعيد الدولي من أجل جلب مستثمرين لخلق ثروة جهوية وخلق فرص الشغل وربط كذلك شراكات مع الجامعات من أجل تطوير البحث العلمي وتوجيهه لصالح تحسين نمط عيش الساكنة وصحتها. لن أذكر أمثلة لجهات ذهبت في هذا الاتجاه لكي لا نلوم أحدا. الذي يمكن قوله واستنتاجه من هذه التجربة هو أن الموارد مهمة لكن الشخصية والريادة leadership التي يتمتع بها رئيس الجهة و مساعدوه و قدرتهم على الإقناع بل قدرتهم على الإغواء séduction تلعب دورا مهما من حيث إشعاع الجهة وجعلها قاطرة لتنمية الأقاليم المكونة لها. واليوم، تبقى الحصيلة مرتبطة بمدى قدرة المسؤولين الجهويين و مواردهم البشرية على الإجتهاد والابتكار في طريقة عملهم و قدرتهم على إيجاد حلول عبر استغلال الفرص المتاحة والخروج من مكاتبهم والبحث عن شركاء واستعمال علاقاتهم المؤسساتية واستعداد المنظمات الغير الحكومية لمشاركتهم التنمية.
–س: هل يمكن أن يعيق الحضور القوي لسلطات الوصاية انطلاقة حقيقية للمجالس الجهوية وبالتالي السير قدما نحو الجهوية الموسعة؟
ج:بالعكس، كلما كان هناك حضور قوي لسلطة محلية ممثلة للدولة فهذا سيكون في صالح توسيع ممارسة الجهوية وفعالية ونجاعة أعمال مجلسها؛ لكن شرط أن تكون السلطة الجهوية الممثلة للدولة غير مركزة فعليا وأن تكون لها استقلالية في اتخاذ القرار دون الرجوع إلى المركز في تناسق مع السلطة الجهوية المنتخبة حيث تأخذ القرارات على صعيد الجهة بسرعة وليونة تمكن مشاريع التنمية من الخروج إلى الوجود وأن يستفيد منها الساكنة بسرعة (وهذا بالذات الذي لم يحصل في بعض الجهات حيث تأخرت المشاريع مما نتج عنه احتقان شعبي وتوترات اجتماعية مما دفع أعلى سلطة إلى إبعاد المسؤولين الذين لم يعملوا بهذا التناغم بينهم كسلطات مركزية وبين السلطات الجهوية والإقليمية ممثلة للدولة منها والمنتخبة. إذا يجب أن نفهم أنه كلما كان ممثل الدولة على الصعيد الجهوي قويا وله اختصاصات متعددة الوزارات، وهو الوالي أو العامل، وله سلطة اتخاذ القرار محل الوزراء جهويا فإن هذا يخدم الجهة كجماعة ترابية منتخبة لها شخصية معنوية تمثل الساكنة الجهوية.