قناطر بني وليد ومرنيسة (ضواحي تاونات) على واد ورغة زمن الاستعمار الفرنسي
الدكتور محمد اللحية°-فاس:”تاونات نت”/-منذ بضعة أشهر خلت، ظهرت على الواتساب، دعوة عدد من ساكنة منطقتي بني وليد وطهر سوق بإقليم تاونات، إلى إحياء مشروع مرتبط بالمرحلة الاستعمارية، هو مشروع بناء قنطرة على واد ورغة بين بني وليد وفناسة، لفك العزلة عن هذا المركز بربطه مباشرة بطهر السوق من جهة، ولتجنب مشاكل المرور التي يتسبب فيها انزلاق التربة في كل موسم مطير، على الطريق الرابطة بين تاونات طهر السوق عند مرورها بمنطقة بوهودة، من جهة أخرى.
اتصالا بذات السياق، يسعدني أن أقدم إليكم بعض المعطيات التاريخية التي تكشف عن حقيقة هذا المشروع وطبيعته.
أنشأ مركز ثلاثاء بني وليد التابع في التقسيم الترابي لدائرة ورغة العليا، بموجب القرار المقيمي بتاريخ 23 يوليوز 1926، بصفته مكتب للاستعلامات المكلف بالإشراف السياسي والمراقبة الإدارية على بني وليد وصنهاجة مصباح (صنهاجة الشمس وصنهاجة الظل). ثم أصبح المركز يسمى بمكتب الشؤون الأهلية ابتداء من مارس 1927، فملحقة للشؤون الأهلية منذ شتنبر 1940.
تم ربط المركز بواسطة طريقين: مسلك جنوبي يصله بعين عايشة، مرورا بمركز عين مديونة، عبر مقطع صعب يمتد على 25كلم، ومسلك طرقي جيد شمالي طوله 3 كلم، كان يربطه انطلاقا من سوقه الأسبوعي (الثلاثاء)، مرورا بواد ورغة، بالطريق الواصلة بين تاونات وطهر السوق على مستوى المكان المعروف ب «ساحل صباح». وهو الطريق الرئيسي التي كانت السلطات الفرنسية تعول عليه بالدرجة الأولى، لقربه من هذه الطريق، ولصعوبة الطريق الأول، كما ذكرنا.
من ثمة جاء اهتمام السلطات الفرنسية بإقامة قنطرة على مستوى نقطة عبور واد ورغة (المخاضة أو المشرع باللسان المحلي)، لتفادي مخاطر عبوره أثناء فترات ارتفاع منسوبه من جهة، وإزالة أحد العوامل الأساسية المؤثرة سلبا على انتظام إيقاع سوقه الأسبوعي، من جهة أخرى.
لكن يظهر أن السلطات الفرنسية وجدت في البداية صعوبات تقنية في بناء القنطرة، بحكم اتساع مجرى النهر عند هذا المستوى، وانبساط الأراضي على ضفتيه، وما كان يقتضي ذلك من تكاليف مادية مرتفعة، بحيث لم تبدأ أشغاله إلا سنة 1935، ولم يتم تدشينها، فيما يبدو إلا سنة 1939، كما يستشف من رسالة بعثها قائد بني وليد (الجديدي) لمسؤول بالسلطات العليا الفرنسية، شاكرا الدولة الفرنسية على هذا المشروع الذي ساهم في انتعاش التجارة وفي تسهيل عملية المرور.
وبحسب بعض الوثائق الفرنسية، كانت القنطرة المنشأة مزدوجة واحدة للذهاب والأخرى للإياب، لذلك يسميها الفرنسيون قنطرة ((Pont va et vient، وهما مصنوعتان من الفولاذ المحمول، على دعامات من الإسمنت.
ظلت القنطرتان مستعملتين إلى أن انغرست جوانب إحداهما في الأرض، عند عبور شاحنة ذات حمولة ثقيلة لها سنة 1949، فطرح مشكل إصلاحها، حيث منحت أشغال الإصلاح لشركة (Masquiba)،كما ظهرت فكرة مشروع إقامة قنطرة جديدة.
وبعد دراسة المشروع، بين رئيس الملحقة القبطان دو لابيير (Cap. Delapierre) والسيد بيرونسيل (Burancel)، من مديرية الأشغال العمومية في يناير 1950، تقرر اختيار مكان القنطرة أسفل الأولى، على بعد 5كلم من مركز بني وليد بالمكان الذي تسميه الوثائق الفرنسية «باب غنام» (Bab Rhenem)، وتم الاتفاق بأن تتولى الملحقة إنجاز الطريق، فيما تتكلف الأشغال العمومية بناء القنطرة.
بالرغم من أن أشغال المشروع انطلقت مباشرة بعد هذا الاتفاق، بعملية تهيئة الطريق، أي بأشغال رسم معالمها (Terrassement)، فقد اعترضت سير أعماله مشاكل مادية منها صعوبة الحصول على الرمال والحجارة لتهيئة الطريق، وصعوبات طبيعية، ارتبطت بفيضانات الواد المتكررة التي كانت تعرقل بناء القنطرة، وبذلك لم تنته هذه الأشغال إلا بانتهاء بناء القنطرة الجديدة في 15 يناير1955.
كانت القنطرتان القديمتان إلى هذا التاريخ لا تزالان مستعملتين بعد اصلاحهما المتكرر، ودعمهما بمعبر ثالث مؤقت، لكن بعيد بناء القنطرة الجديدة ببضع أيام فقط، تسببت الفيضانات في تعطيلهما. ولأن وجودهما كان حيويا بالنسبة لسوق الثلاثاء الأسبوعي حيث كان يستقبل عبرهما قصاده من قبائل أولاد بوسلامة وبني ونجل وفناسة، فقد طالبت جماعة بني وليد في مارس من هذه السنة، السلطات المسؤولة بضرورة الاحتفاظ بهما، مبينة أن الاستغناء عن هذا المعبر سيحرم السوق من نصف مرتاديه. ومع أن هذه السلطات وعدت بدراسة طلب جماعة بني وليد، فقد استبعد رئيس الملحقة القبطان لومبير (Cap Lompere) في يوليوز تحقيق مطلبهم، بالنظر أن أجزاء الحديد للقنطرتين قد نقلت إلى منطقة تافرانت لاستعمالها بإحدى قناطرها. ثم تلاحقت الاحداث باندلاع ثورة جيش التحرير بگزناية ومرنيسة في أكتوبر، فطوي ملف المشروع المذكور نهائيا.
°أستاذ جامعي بكلية الآداب بفاس –مهتم بالتاريخ المحلي–من مواليد مرنيسة بإقليم تاونات سنة 1953.