” مطر يتعقبني…” بقلم القاص أنس الكنوني

القاص أنس الكنوني- تاونات                                                                              القاص أنس الكنوني -تاونات

خاص بجريدة “تاونات نت”/عندما ألامس حقيقة الحياة بأناملي، أعرف لماذا أنا لا زلت حيا بعد محاولا ت عديدة غادرة لاغتيالي، مرة نجوت من بين عجلات سيارة مجنونة، و مرة نجوت من عنق حبل فاشل و ضعيف، بعدما أطعمتني الحياة بعض حبوبها المهلوسة فلم أدري ما أنا عليه، و مرة نجوت من قبر الفقر بعد أن بلعني، و مرة خرجت من المستشفى مجروح الفؤاد من تجربت حب فاشلة.. و أكثر المرات تصادفت مع حضور سيدي الحظ فحال بيني و بين الموت.. لا شك أنني لا زلت حيا لأعبر حاجز الحياة و أصنع لغري حياة كما يشتهي، فأنا هنا لأكون ما أريد في فلك هذا الواقع الرمادي…..

إذن و تيمنا بشراسة الحياة البشرية نحو الموت، سألغي الزمان و المكان، و أعود من مقهى التعب حاملا معطفي المستقبلي بما تشبث به من عبث، فأنا لم أعش تجربة موت حقيقية و لم أعد من عالم غيبي، محمولا بقصص الموتى، كما أني تجاوزت نكهة الحياة من أجل نفسي، أنا أعيش لغيري هكذا ختمني قضاة الحياة و الموت اللامرئيين، و لا فقيه في البلد يستطيع تجريدي من صهوة التضحية من أجل الآخر الأنا الذي يعيش داخلي و يحاورني في شتات الألفاظ المنضبطة في معنا واحد لا يتجاوز زمان و مكان الموت و الحياة، و لأن مقهى التعب الذي يستضيفني يوميا ثائر على الزمان و المكان و سلطة الموت و الحياة، فهو سيد الأنا حين أتيه عن واقعي المشمئز الذي لا هدف لوجوده في العالم المرئي، و أصبح سجين العبث…””

و كان ذنبي أني كنت لطيف الفؤاد و الضمير … وردة صاحبة عيون المها تلك التي افترشت الشوك في قلبي و رحلت تاركة خناجرها .. و ذنبي أني أذعنت لسلطة دموعها فمددت يدي إليها حين سقطت ناهضا بفؤادها، حاميها من كلاب و ذئاب حولها، ناصحا إياها بقوة الإرادة و العزيمة، مغيرا حالها من حال لحال على حسابي نفسي فما كان جزائي إلا الخذلان .. أسامحك..!! نعم فأنا أسامحك قولا لكن قلبي و عقلي لا يسامح أبدا ..

و من كثرة خيبتها و سوء حظها فقدت حسن النية و حسن الظن، عندما انتشلتها من مستنقع القذارة فيه دفعتني .. و من عيون المها ما غدر و خان و ساء لهذا القلب و العقل الذي سماها وردة لتزهر … و كنت هذه المرة الضحية ..

كنتُ ضحية ثقة عمياء تعمدتها، لأعطيها أملا في الحياة، و أعلمها أن من الناس ما نذر و اختلف عن باقي الأرواح الشريدة .. لطيف تلطفتُ في فهم أغوارها، و لكن أغوارها قد سبتني، غسلت في قلبي يديها و نشفتهم بمديل حيائي، سلبتني و تركتني ملطخ الفؤاد و الثياب أداري جرحا استوفى نزيفه مكامن العذاب …

وردة بعيون المهما غادرة .. لم تكن حقيقة محضى لتتجسد على أرض الواقع، كانت بعض خيال أو سراب يعلمني قحط المشاعر، و كنت أنا التجلي الحر في الرواية من بداية تدوينها بمقهى جوهرة حيث جلست معها ذات مرة أرعى حزنها بشيء من المواسات، و الحب، و تلطيفا لفؤادها و مراعاة لمشاعرها .. و من يذكر دامي الفؤاد من غير غارق في البحر يداري الأمواج ..

لم أحظى حتى بذكرى وردية لأعمم اسمك على الربا و الشجر، هل كان الاسم مزفيا لشوكة يا ترى ؟؟ و العيون لم تكن عيون المها الحالمة إذن .. !! شيء من القصة غير مضبوط المعنى و القافية، شيء منها سرق في شارع التعب، حيث تركتني و خطوتُ وحيدا و خطوتي راجية الحياة .. ما معنى الحياة بغير تعب ؟ و كيف يحلوا لك أن تحيا على حساب موتي .. ؟؟

كان الشتاء عندها لا زال محاكيا خدي بغير تعب، و كنتُ عبارة عن أشلاء واقفة تراقب تقدمك نحو شارع السعادة بنرجسية الباذخين، ألهذه الدرجة تحبين السعادة ؟؟ و ما أدراك بهذه السعادة ؟ الكل مزيف في زمن الغرائب يا ابنة السراب، لا شيء يتجلى حرا بلباس يواري الحقيقة لأقول له، أنت تستحق الحياة، و ما الحياة إذن !! بضع خطوات مبعثرة على الأرض و نمضى مع الذكرى كاللاشيء .. الموت يا سيدت الخيال هو الحل الوحيد للعيش في واقع مقصوص الفؤاد و الجناحين، واقع يغوص في النواقص من كل حدب و حتى من الجمل و الكلمات، و المعنى هنا مقصوص اللفظ بدون أن يكتمل، تعمدته في خاطري لأني بعد لم أكتمل، نتقصني الحياة تلك التي طارت بها جوهرة التي سميتها في الرواية بغير اسمها وردة بعيون المها، و كلا الإسمين خيال في سراب، و أظل الواقعي في الرواية ..

من أخاطب بعدك ؟ شجيرات السنديان العالية التي ملئت المكان !! أم أخاطب فيك هوسي بالنسيان !! أم أرثيهم بعدك بثورة الموت المنبعث من شرايني !! لماذا الإنسان مسامير هذه الحياة يغذي الجرح بالألم ؟؟ حسبتك وردة ستزهري و يفوح عبيرك، إذا بالنرجسية فاحت منك قبل فصل الربيع، و ماذا يسبق و يعقب الحريق إلا الدخان …

أحمق أنا من الصغر، من يوم ولدت و أنا أجاري المطر، أخبروني العابرون في خريطة حياتي أن هرمونات الحرارة زائدة في جسمي، فأقول لهم إلمسوا يدي، فإذا بهم باردين كالصباح البارد في فصل الشتاء، قال لي أحد العابرين الذي مكث في تاريخ موتي مدة :

– بارد أنت يا صديقي مع العلم أنك لا تشعر بالبرد بقميص شفاف في فصل الشتاء .. ما هذا التناقض ؟؟ أنت لست عاديا يا صديقي شيء فيك مستتر، لم يسبق لي أن رأيت من قبل شخصا يتواطؤ مع المناخ، و يصبح المناخ صديقه لا يؤذيه، هذا شيء من العجب !!

ضحكت من هوس الناس و قولهم في، و أجبته مدركا لفحوى وصفه المبتور، فقلت له :

– يا صديقي إنها مشاعري المرحومة التي ماتت من زمن موت العاطفة في الصغر، كنت جائعا حينها و لم يكن لي من الحنان ما يكفي لأطعمها، فماتت على غير رغبتي و صرت ميتا من حينها، و كانت الشتاء أرحم بي من الإنسان، فتعاطفت مع قلبي الميت و صارت دفئا يعتليني كلما أمطرت .. فالمطر خليلي و الخليل لا يؤذي خليله، و لا تسألني أكثر فهذا شيء من الماضي عاينني لن تدركه الآن ..

شارع التعب شبيه بي أنا المتعب من شراسة الحياة، الموت ألطف و أرحم من الحياة، و كل الأحياء شرسين حيوانيين في الغالب، لا يتعاطفون مع الموتى الذين استعمروا كل شوارع التعب ..

هذا شهيد الفقر في الزاوية من الشارع مرقع الفؤاد و الثياب يترجى سارقا لحياته ليمنحه بعض النقود حتى يطعم فراخا انبلجوا من البيض ليعانقوا سراب الحياة مقاومين الموت من أجل الحياة .. و هذا شهيد الهوى قتلته عاشقة سرقت منه الحياة و تركته يترجاها متذللا بالرحمة و الشفقة، تركته وحيدا يلفظ أخر أنفاس الحب من قلبه ليصير ميتا بعدها و يسرق حياة الحب من كل قلب حي صادفه و يتركه صريع موت العشق بدوره …

شارع التعب شارع يضج بالتناقضات، لا يقف عند زمان أو مكان، يمتثل لناعورة لا اسم لها و لا بداية و لا نهاية لها، ناعورة تعيد ما مضى في هيئة ما لا تختلف عن الماضي، و تسرق الحاضر من المستقبل لتعيده إلى الماضي في هيئة ما لا تختلف عن الحاضر و المستقبل.

أنس الكنوني /جماعة اخلالفة –مشكور /إقليم تاونات

عن الكاتب

صحفي

تاونات جريدة إلكترونية إخبارية شاملة مستقلة تهتم بالشأن المحلي بإقليم تاونات وبأخبار بنات وأبناء الأقليم في جميع المجالات داخل الوطن وخارجه.

عدد المقالات : 7183

اكتب تعليق

لابد من تسجيل الدخول لكتابة تعليق.

جميع الحقوق محفوظة لموقع تاونات.نت - استضافة مارومانيا

الصعود لأعلى