إقليم تاونات ربع قرن من زراعة الكيف والتهميش المتوارث
عادل الطنجي*-فاس:”تاونات نت”/-أدى تغلغل زراعة الكيف بالجزء الشمالي لإقليم تاونات خلال فترة زمنية لا تتعدى ثلاثة عقود، في إحداث تحولات اقتصادية وسوسيو مجالية عميقة، والتي تمظهرت في خلخلة بنية المجتمع القروي، كما أدت هذه الزراعة إلى بروز تأثيرات اقتصادية واضحة على حساب النشاط الفلاحي التقليدي، حيث ركبت الأسر الريفية قاطرة اقتصاد قروي هش، تفتقد فيه للشرعية القانونية، إذ أن مداخيل وأسعار منتوج الكيف رغم اغراءاتها، أضحت بدورها تحت سيطرة فئة قليلة من المضاربين والوسطاء وخاضعة بشكل قوي لتقلبات السوق الدولية لتهريب المخدرات.
كما أحدثت هذه الزراعة تحولات اجتماعية -أحيانا عنيفة – مست علاقات الإنتاج وأنماط العيش، وأدت إلى تراجع تماسك الروابط الاجتماعية، وتصاعد نزعات الفردانية. مما أفضى إلى اختفاء بعض أعراف التضامن القبلي. علاوة على مساهمة هذه الزراعة في تغير المشهد الزراعي حيث أصبحت المنطقة تعيش تبعية غذائية تامة. في ظل الوضع التي تعيش على وقعه الساكنة القروية بمقدمة الريف، عمل المشرع المغربي على تقنين زراعة الكيف بموجب قانون 13-21 المتعلق بالاستعمالات المشروعة للقنب الهندي، التي عُرفت تاريخيا في المناطق الشمالية.
وقد جاءت هذه الخطوة من أجل وقف التناقض القائم بين واقع يجرّم هذه الزراعة، وآخر يؤكد أن المغرب من أكبر مصدري الكيف. فهناك من يرى أن هذا القانون يطمح إلى استغلال الفرص التي تتيحها السوق العالمية وخلق فرص واعدة للشغل، وتحسين دخل المزارعين وحمايتهم من شبكات التهريب الدولي للمخدرات. وهناك من يراه تعزيزا للأزمة بالمنطقة.
فحسب التحريات الميدانية التي قمنا به مع مجموعة من الأسر بإقليم تاونات؛ فقد أكد عدد كبير من الفلاحين قبولهم بالتقنين، ويعللون ذلك إلى كونه سيساهم في التخفيف من الأزمة الاقتصادية التي تعيش على وقعها المنطقة، بالإضافة إلى أنه سيخول لهم الاشتغال في إطار قانوني، بعدما كانوا مجرد مجرمين فارين من العدالة لا يستطيعون حتى الذهاب إلى الأسواق أو تسجيل أبنائهم في سجل الحالة المدنية.
وهذا الوضع كان يشكل احباطا واستياء كبيرين لدى معظم الأسر بإقليم تاونات. في حين عبر مجموعة من المزارعين عن رفضهم لهذا القانون بدعوى أن المستفيد الأكبر منه ليس الفلاح الفقير، وإنما كبريات الشركات التي ستستثمر رساميلها بالمنطقة. كما أكد مجموعة من الفلاحين عن عدم ثقتهم في أجهزة الدولة، ويرون أن تقنين زراعة الكيف ما هو إلا غطاء سياسي من أجل استئصال هذه الزراعة وحرمان أهل الريف من مصدر رزقهم الوحيد، ويعللون ذلك بأنه – حسب هذا القانون- زراعة الكيف ستخصص في صناعة المواد الطبية والتجميلية، وهذا يعني أن الشركات المتخصصة في الإنتاج ستأخذ الكيف من المزارعين بشكل خام، وبالتالي عدم حصولهم على البذور من أجل الزراعة وبقاء أهل الريف من دون زراعة الكيف.
*طالب باحث بسلك الدكتوراه بفاس