تجليات النضال في العمل النقابي الحديث
القنيطرة:جريدة”تاونات نت”/ إن العمل النقابي الحقيقي هو النضال من أجل الدفاع عن حقوق العمال والعاملات وتحسين ظروف عملهم وعيشهم وذلك انطلاقا من شعار « خدمة الطبقة العاملة وليس استخدامها » وإن الإيمان والقناعة بذلك يعني أن تصريفه يقتضي تقديم التضحيات ونكران الذات . و في خضم ذلك تتجاذب عدة تصرفات قد تضرب العمل النقابي في صميم جوهره و عمق كيانه ، و ذلك مع ظهور فئة من الانتهازيين و الممانعين الذين أدخلوا النضال النقابي في خانة الاسترزاق و النفاق .
كل هذا و ذاك ، لا ينزع عن النقابة أهميتها ودورها في الدفاع عن حقوق الطبقة العاملة، وهنا يجب التذكير والوقوف على الدور التاريخي للنقابات في استقلال الوطن وفي الدفاع عن حريته وكرامته، وكذلك الدور الذي لعبته في تحقيق العديد من المكتسبات سواء المتعلقة بالقوانين و المساطيير القانونية والاجتماعية أو الاتفاقيات الجماعية
لكن اليومنجد أنفسنا مكرهين للقول إن العمل النقابي يعيش في هذه الأثناء و لاشك لحظات ميوعة لا سابقة لها في تاريخ النضال النقابي المغربي الشريف . نقول ذلك ، بعد أن ثبت و حسب العديد من الممارسات و الصفقات و التواطئات بل و الآراء من ذوي النيات السيئة ، أنه يعاني من مرض مزمن لا يرجى شفاؤه !. فقد ابتلي بكائنات الظلام التي تصطاد في الماء العكر فما عادت تقوى على النضال الشريف وسط الصفوف، كما لم تعد تطيق المغادرة بعد طول لبوث انكشفت خلاله عورتها، وبانت حقيقة نفاقها و انتهازيتها في الممارسة النقابية.
لقد ولى زمن النضال مع هؤلاء ، وحل زمن المتاجرة بذمم الشرفاء من ذوي النيات الحسنة والقلوب الطاهرة السليمة… زمن أضحى فيه أسلوب ” السمسرة ” والبلطجةموضة رائجة ، وسوقا للمتاجرة بالسلع الفاسدة ، يعتلي منابرها ” سماسرة ” يستلهمون الهمم الغافلة ، ويضحكون على الأذقان الحالمة ببضاعة دسمة…!
لقد صاروا مع الوقت منافقين من العيار الثقيل ؛ يدعون لشيء ويأتون خلافه ، ويظهرون حملا ودودا وديعا ، ويضمرون باطنا خرابا ، تراهم بين الحواشي أُسُدا تزمجر بالوعد والوعيد و تتباهى بالقدرة الخارقة على الحماية الزائفة. إنهم أشباح ترضى بالذل و الفتات وتقبل أن توصف بأقبح النعوت و تتكيف مع مر الزمان بالذل و الهوان …. أرجلٌ لا تدب إلى العمل إلا لماما و تتشدق بقضاء ما يعجز عنه الركبان .
لقد عرفت منهم الكثير و الكثير، وعاصرت منهم – طيلة أزيد من خمسة عشر عاما من الممارسة النقابية الميدانية في مناطق و فيافي المغرب العميق- نماذج ، وأصنافا ؛ فمنهم من ألفته يناضل بحرقة و غيرة على صيانة كرامة العامل / الموظف و هم قلة ، و منهم من يناضل من أجل أن يتربع على عرش الأشباح يتقاضى أجرا دون أداء واجبه المهني و هم كثر ، و تلقاه يجوب الشوارع و رداهات المباني العتيدة ويتصيد الفرص و يقود الحملات عفوا الاحتجاجات،و يطلق الفرقعات الهوائية أينما حل و ارتحل ، لا لشيئ إلا لأنه يفر من سلطة العمل و يبيع و يشتري في الذمم ليظل كذلك على الدوام يستغل العمل النقابي و يسخره لأجل مصالحه الخاصة، ومنهم من ألفتهمحريصين على تسلق درج المناصب والكراسي ،مجتهدين في تخطي الرقاب ، وركوب الظهور ، والقفز على الجدران القصيرة ؛ فصاروا إلى حيث هم الآن ، بعدما كانوا بيننا ولا شيئ !! .
نحن هنا لا نساوم أحدا و لا نقصد أحدا بعينه ،و لكن بين هذا و ذاك تظل الحرقة بادية على السطور تبحث بكل أنواع الحبر عن ما يشفي غليلها من هذا الكدر النقابي البئيس و التخلص من أناس عهدناهم يناضلون عنا و إذا بهم يناضلون بنا و يتكلمون بأسمائنا بدون استئذان. ونحن هنا لا نتهم أحدا أيضا،بل هو واقع يعرفه الخاص والعام ويتجسد في سلسلة من الممارسات التي لم تعد تنطلي على أحد .
فأمثـــال هؤلاء هم الذين يتلهفون وراء الجيوب الفارغة و يتسابقون وراء يافطات النقابة،و يبحثــون دوما عن العطالة المؤدى عنهـا و التفرغ الوثيــر. واليوم بعد أن اشتد قرع التأنيب على رؤوسهــم، وانفضح نفاقهم، وبـانت على الملإ حقيقتهم ، وانفــض الجمع من حــولهم؛ أخذوا يتوسلون إلى المظلـــومينللبعث …. و البحث منجديد عن ما يمكن أن يكون طوق أمــان، و يعود بهم إلى سابق عهد قريب و لو ببصيص أمل نحو ما يستــرون به عورتهم الــتي أعياها النفاق و التوسل أحيانا و الغدر و تصفية حسابات أحيانا أخـرى كما و قد كادوا أن يموتوا، فـإذا عادوا من جديد عاد معهم نفاقهم و توسلاتهم الانتهازية و الأنانية النقابية ،وأمثال هؤلاء هم الذين يقررون للأسف في مصائر و مطالب الشغيلة العاملة المناضلة ، وينوبون عنها في إبرام “وثيقة الاستسلام”، مقابل الصمت الانتهازي و إبرام “مصادقات” على مقاس المتفاوض سترهن حاضر ومستقبل الشغيلة العاملة، و”توافقات” حول المراسيم التنظيمية و المذكرات الوزارية التي ستدمي مقلة الضعاف و المقهورين منالأيدي الطاهرة التي بايعتهم على النضالو مكنتهم من أصوات بلاهوادة للدفاع عن مصالحهم بكل ما في النقابة من قوة و نضال .
لقد انتهى عصر الدكاكين الفارغةالتي تستجدي في مناسبات و تنتهي ،حتى ماكاد “يثق” فيها إلا ذوي المصالح الراغبة في الصعود السريع و القفز السهل . لقد أضحت تلك الدكاكين مهجورة ، بفعل الخمول والكسل وصارتإطارات مهترئة ، مترهلة ، خاوية على عروشها ، لا يكاد يجاوز رصيدها النضالي بيانات وبلاغات يتيمة يصوغها الانتهازييون بفعل التفرغ الفارغ ، في السراديب المظلمة بعيدا عن القواعد المناضلة التي ما عادت تثق بهم!!.. و أصبح لزاما اليوم العودة إلى سابق العهد في العمل النقابي كما كان في الزمن النضالي غير ذي بعيد يوم كان النقابي نقابيا مناضلا شريفا و يوم كانت النقابة ملاذا لكل المقهورين الغارقين في وحل الظلم و الحيف و يوم كان … و يوم كان .و يوم كنا و كنت و ما زلت حيث ما يجب أن نكون جميعا .
بقلم د. الوارث الحسن : أستاذ باحث بالقنيطرة (من مواليد إقليم تاونات) و عضو اتحاد العربي للصحافة الإلكترونية بالمغرب
عن الكاتب
مواضيع ذات صلة
اكتب تعليق
لابد من تسجيل الدخول لكتابة تعليق.