أنيسة فتاة في أعالي جبال غفْساي بضواحي تاونات..أو حينما يزهر الأمل في أرض الغدر
نبيل التويول:”تاونات نت”// – في أعالي جبال غفْساي الوعرة بضواحي تاونات، حيث تقع قريةُ عينِ زيتون بعيدة عن صخب المدن، كانت تعيش أنيسة، فتاةٌ تشربت حب أرضها وعائلتها منذ نعومة أظافرها… لم تكن الحياة سهلة في تلك القرية، الطرق صعبة، والمرافق قليلة، ولكن كل شيء فيها كان يبعث الحياة في قلب أنيسة…
كانت تعود كل عام إلى تلك الأرض التي أحبتها، فتحتضنها عائلتها بحب وتعود روحها تزدهر بين أحضان الطبيعة والناس البسطاء...
لكن أنيسة لم تكن كأية فتاة… كانت تحلم بأن ترى قريتها، التي طالما اعتبرَتها أجمل بقعة على الأرض، تتألق وتزدهر… كان حلمها أن تبدِل ظروف أهلها للأفضل، أن ترى البسمةَ على وجوه الأطفال والشيوخ، وأن يعيشوا حياة أكثر كرامةً وسعادة.
كبرت أَنيسة و معها حلمها… قررت أن تتخذ خطوة جِريئة، فأنشأت جمعيةً خيريةً هدفُها أن تقدم يد العون لأهل قريتها. جلبت المساعدات، وزعت الملابس والطعام، و بدأت تخطط لمستقبل أفضل للجميع.
كانت ترى في كل وجهٍ تلمسه يدها البسمةَ التي طالما حلمت بها، و لكن، الرياح دائما لا تجري كما تشتهي السفن.
بدأت الشائعات تدور، انقلب عليها بعض أهل القرية الذين كانت تعتبرهم كعائلتها…
قالوا إنها تسعى لمصلحتها، وإنها تريد أن تتسلق على أكتافهم. تلك الكلمات كانت كالسكاكين التي طعنت قلب أنيسة. كيف يمكن لأشخاص ساعدتهم بكل حب أن يظنوا بها هذا السوء ؟؟ كانت الصدمة قاسية، وأحلامها بدأت تتلاشى أمام عينيها.
لكن رغمَ الألم، لم تستسلم أنيسة… أدركت أنها كانت تعمل لأجل الله، وليس لأجل أي مدح أو تقدير.
لم تعد تتوقع الشكر من أحد، بل واصلت تقديم المساعدة بصمت، وهي تعلم أن الخير لا ينسى، حتى وإن أنكره البشر. كانت تخطو كل خطوة بإيمان أعمق. داخليا، كانت تقاتل للحفاظِ على نَقاءِ قلبِها.
مرت الأيام، وتغيرت نظرتها إلى القرية… لم تعد ترى نفس البريق الذي كان يملأ قلبها سابقا، لكن ذلك لم يمنعها من الاستمرار. قالت في نفسها : ” قد يخونني البشر، ولكن الله يرى، سأظل أُعطي بكل ما أوتيت من قوة، ولن أطلب شيئا في المقابل.”
و في لحظة مصارحة مع نفسها، شكرت أنيسة أولئك الذين طَعنوا في شرفها وكسروا قلبها، لأنهم علموها درسا عظيما… علموها أن النوايا الخالصة لا تحتاج إلى تصفيق، وأن العطاء الحقيقي لا ينتظر مردودا… أصبحت أنيسة أقوى، أكثر حكمة، وأدركت أن الحب الحقيقي والعطاءِ الصادق يكمنان في الاستمرار.
هكذا، عادت أنيسة إلى قريتها كل عام، ليست تلك الفتاة الحالمةَ فقط، بل المرأة التي حملت هموم الناس على كتفيها، رغم الجراح… أصبحت رمزا للصمود والقوة في وجه التحديات، وعاشت بقلب مليء بالعطاء الذي لا ينضب، غير منتظرة لأية كلمة شكر، لأن إيمانها كان يكفي/