في لفتة إنسانية بمدرسة الوردزاغ بتاونات..تلميذة تجدد لأستاذها إيمانه برسالته التعليمية النبيلة

نبيل التويول-الوردزاغ”تاونات نت”// – في صباح يوم هادئ في قرية الوردزاغ بضواحي تاونات، كانت الأمور تبدو عادية تماماً. كعادته، دخل الأستاذ العياشي كمية إلى المدرسة متأبطًا حقيبته الثقيلة، ملقيًا التحية على التلاميذ بابتسامته المعتادة، دون أن يخطر بباله أن هذا اليوم سيحمل في طياته لحظة لن ينساها.
بينما كان متجهًا إلى الفصل، سمع صوتًا صغيرًا يناديه من خلفه : ” أستاذ العياشي ! أستاذ العياشي ! ” التفت ليجد التلميذة سلسبيل ميدان، المعروفة بحماسها وتفانيها في التعلّم… كانت تبتسم ببراءة، وفي يديها الصغيرتين شيء ملفوف بعناية.
اقتربت سلسبيل بخطوات مترددة، وقالت بصوت مليء بالطفولة : ” أستاذ، هذه هدية لك بمناسبة عيد المعلم.”. قدمت له علبة صغيرة مغلفة بورق بسيط، لكن معانيها كانت عميقة تفوق بكثير ما تحمله من مظهر.
استلم الأستاذ العياشي الهدية، شاكراً سلسبيل على هذا الاهتمام الذي لم يكن يتوقعه.
في تلك اللحظة، شعر بشيء في قلبه يتغير. كانت كلماته تتدفق بشكل تلقائي، لكن خلف تلك الكلمات كان هناك إحساس جديد. إحساس بأن كل جهوده وتعبه وسهره لم تذهب سدى… و كأنّ سلسبيل بتلك الهدية البسيطة أعادت له الإيمان برسالته التعليمية.
عاد العياشي إلى فصله، لكن شيئًا ما كان مختلفًا… كانت الهدية مجرد رمز، لكنها حملت في طياتها رسالة أعمق : رسالة تقدير صادق من تلميذة صغيرة تُذكره بأن ” التّعليم ليس مجرد وظيفة يومية، بل رسالة نور تضيء طريق الأجيال.
خلال الدرس، كان الأستاذ العيّاشي يلاحظ شيئًا جديدًا. كلما نظر إلى تلاميذه، شعر بأنه يرى فيهم مستقبلًا أكثر إشراقًا. كان يعلم أن العالم يتغير، وأن التعليم يواجه تحديات كبيرة، خصوصًا في المناطق النائية كقرية الوردزاغ. لكن رغم كل الصعوبات، كانت لحظة الهدية تلك تزرع في قلبه الأمل من جديد.
في نهاية اليوم، وعندما غادر الجميع المدرسة، جلس العياشي بمفرده في الفصل.
فتح العلبة التي قدمتها له سلسبيل، ليجد بداخلها رسالة مكتوبة بخط طفولي : “شكراً لأنك تجعلني أحب المدرسة، شكراً لأنك تعلمني.” كانت تلك الكلمات البسيطة كافية لتغمره بموجة من المشاعر. أغلق الرسالة بحرص، واحتفظ بها ككنز ثمين داخل حقيبته.
أدرك الأستاذ في تلك اللحظة أن التعليم ليس مجرد مهنة لتقديم الدروس، بل هو نور يتدفق من القلب إلى العقول الصغيرة، ليعيد تشكيل هذه الأرواح التي تبحث عن المعرفة والأمل.
في مدرسة الوردزاغ، يبقى نور الأستاذ العياشي كمية مشعًا، ليضيء به طريق الأجيال القادمة، تماماً كما فعلت سلسبيل بلفتتها البسيطة، لكنها عميقة للغاية…