إقليم تاونات: إرث وتحديات وفرص للتطور الاقتصادي والاجتماعي
نبيل التويول:”تاونات نت”// – يعد إقليم تاونات من الأقاليم المغربية ذات التاريخ العريق، الذي لا يمكن إلا أن يكون مصدر فخر للمغاربة جميعًا، و واحد من أكثر المناطق غنى بالموارد الطبيعية في المغرب.
هنا في قلب إقليم تاونات نجد إرثا وطنيا وحضاريا يعكس ملامح من الصمود والتضحيات الكبيرة التي قدمها أبناء هذا الإقليم في مختلف مراحل تاريخ المغرب، مما عزز من مكانة هذا الجزء من الوطن عند السلاطين و الملوك المغاربة.
فقد خص الملك محمد الخامس الإقليم بزيارات تاريخية نظرا لدوره الكبير في دعم الوحدة الوطنية والمساهمة الفعالة في التحرير، من خلال تشييد طريق الوحدة التي وحدت الشمال بالجنوب، ثم استمر هذا الاهتمام في عهد الملك الحسن الثاني، حيث حرص على بناء سد الوحدة الذي يعتبر بمثابة معلمة مائية أصبحت في زماننا تساهم بقوة في الأمن المائي و الغذائي للمغاربة.
واليوم، في ظل عهد الملك محمد السادس، تشهد المنطقة مجموعة من المشاريع التنموية التي تعكس توجه الدولة نحو تعزيز مكانة الإقليم على كافة الأصعدة. وقد تجسدت هذه الرؤية بشكل واضح من خلال الزيارة الملكية الميمونة للملك محمد السادس التي تركزت على تطوير البنية التحتية في مجال الماء و الطاقة والاهتمام بالمشاريع الاجتماعية، في سعي جاد لتطوير إقليم تاونات ليصبح قطبًا تنمويًا في المغرب، كما أعفى جلالته على الآلاف من المعتقلين على خلفية زراعة القنب الهندي، و هذا الإعفاء لوحده يثبت بشكل لا يدع مجالا للشك بأن الدولة المركزية أصبحت مدركة لخصوصية كل إقليم، ولا سيما بعد سن قانون تقنين نبتة القنب الهندي الذي حرر المواطنين من الهواجس الأمنية و الخوف من المتابعات و الاعتقالات، مما سيمنح الإقليم جرعة إضافية لعودة النشاط الإقتصادي و الحياة الثقافية إلى سابق عهدهما.
الإقليم بين التاريخ والتحديات :
ورغم التاريخ المجيد لهذا الإقليم، فإن التحديات الكبرى تظل حاضرة، حيث لا يزال الإقليم يعاني من البطالة المرتفعة و نقص فرص الشغل، بالإضافة إلى مشاكل كبيرة تتعلق بـ البنية التحتية في بعض المناطق التي تعاني من تهميش واضح. ومن أبرز التحديات الاجتماعية التي تواجهها ساكنة إقليم تاونات هي النسب المرتفعة للانتحار التي تضع علامة استفهام حول قدرة الحكومة والسلطات المحلية في توفير بيئة صحية آمنة للمواطنين.
ومع ذلك، يبقى الإقليم يعكس ثروة غير عادية في الموارد الطبيعية، حيث يعتبر أكبر خزان للمياه العذبة في المغرب، وهو ما يمنحه قيمة استراتيجية في مواجهة ندرة المياه التي تعاني منها العديد من الدول المجاورة. كما يعد إقليم تاونات أكبر منتج للزيتون في المغرب، مما يجعل منه ركيزة أساسية في القطاع الزراعي المغربي، ويؤكد قدرة الإقليم على إحداث تحول كبير في الصناعة الزراعية إذا ما تم استثمار هذه الموارد بالشكل الأمثل.
و يعتبر إقليم تاونات مهدًا للعديد من الشخصيات المتميزة، مثل رشيد اليزمي الذي طور بطاريات الليثيوم وأحدث ثورة في تكنولوجيا الطاقة. كما لا ننسى ياسين بونو، حارس مرمى المنتخب الوطني، الذي لعب دورًا بارزا في تألق المنتخب المغربي في كأس العالم 2022، مشرفًا بذلك بلده وأبناء إقليم تاونات على الساحة العالمية.
إن هذه الشخصيات تمثل نموذجا حيا للقدرة على تجاوز الصعاب وتحقيق النجاحات التي ترفع اسم إقليم تاونات والمغرب عموما، على المستوى الوطني والدولي.
النهضة الدبلوماسية المغربية في عهد ناصر بوريطة :
من ناحية أخرى، تواكب النهضة الدبلوماسية التي شهدها المغرب في السنوات الأخيرة بفضل القيادة الحكيمة لجلالة الملك و التدبير الرصين للسيد ناصر بوريطة، وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، هذا التوجه التنموي للمملكة. لقد نجح بوريطة، من خلال مهنيته و إدراكه العميق للعقيدة الديبلوماسية المغربية الضاربة في القدم و خبايا المدرسة الواقعية في العمل الديبلوماسي، في تعزيز مكانة المغرب على الساحة الدولية، وفتح آفاقًا واسعة للتعاون مع القوى الدولية العظمى في المجال الاقتصادي.
وتشكل النهضة الدبلوماسية المغربية حجر الزاوية في استقطاب الاستثمارات الأجنبية وتوسيع شبكة التعاون الدولي. هذا النجاح الدبلوماسي الذي يساهم فيه ناصر بوريطة بإمكانه تعزيز مكانة إقليم تاونات كمركز للاستثمار إلى جانب أقاليم الصحراء المغربية، حيث يمكن الاستفادة من هذه النهضة لتوجيه الاستثمارات ذات الصلة بالفتوحات الدبلوماسية التي يقودها جلالة الملك على مستوى الدول التي لم تعترف بعد بمغربية الصحراء، و توجيهها مستقبلا نحو إقليم تاونات، خاصة على مستوى تشييد قنصليات دول وازنة مثل الصين الشعبية أو روسيا الاتحادية، أو الاستثمار في بعض القطاعات ذات جدوى اقتصادية مهمة في تاونات مثل تثمين زراعة القنب الهندي و الصناعات التحويلية المرتبطة به، بالنسبة لبعض الدول الأخرى التي لا تعترف بمغربية الصحراء، لكن يمكن استقطابها بالذهب الأخضر الذي ينعم به الإقليم ولله الحمد، مما يعزز استدامة هذه الموارد الطبيعية في المنطقة ويضمن تنمية اقتصادية ذات قيمة مضافة مرتفعة لأبناء الإقليم، بل يمكن التأسيس عليها في المفاوضات مع هذه الدول.
التنمية في عهد عامل الإقليم صالح داحا:
وإلى جانب هذه التطورات على المستوى الدبلوماسي، يبرز عامل إقليم تاونات صالح داحا، باعتباره ابن الصحراء المغربية، كشخصية محورية في عملية التنمية المستدامة لهذا الإقليم.
و يتمتع السيد داحا بخبرة واسعة مكنته من فهم متطلبات الإقليم، منذ إحالة سابقه السيد حسن بلهدفة الذي نتمنى له موفور الصحة والعافية و طول العمر،على المعاش، مما يسمح باستشراف آفاق جديدة من التنمية.
ومع توجهات المملكة نحو تحقيق تنمية شاملة ومستدامة في مختلف أقاليمها، فإن إقليم تاونات سيكون له نصيب وافر من هذه الرؤية، خاصة إذا تم استلهام النموذج التنموي الناجح الذي تحقق في الصحراء المغربية وبدأ يحصد النتائج الإيجابية.
ويعد نموذج الصحراء المغربية الذي أرسى معالمه جلالة الملك محمد السادس بمثابة مصدر إلهام لجميع أقاليم المملكة، فقد أظهر كيف يمكن استغلال الموارد الطبيعية بشكل مستدام، لتحقيق رفاهية و ازدهار الصحراويين المغاربة، ويعد الاستثمار في البنية التحتية و التعليم و الصحة من أبرز أوجه هذا النموذج، الذي يعكس نجاح الدولة في رفع مستوى العيش وتحقيق الاستقرار الاجتماعي في المناطق التي كانت نائية أو معزولة.
وبينما يواجه الإقليم تحديات كبيرة، مثل البطالة ونقص البنية التحتية، إلا أن هناك بوادر أمل حقيقة.
و يبقى عامل الإقليم صالح داحا قادر على تطبيق نموذج الصحراء المغربية التنموي في إقليم تاونات، ليحقق بذلك قفزة نوعية نحو تنمية مستدامة تأخذ بعين الاعتبار الإمكانيات الطبيعية والبشرية التي يزخر بها الإقليم.
إن إقليم تاونات، بما له من إرث تاريخي ومساهمات وطنية، يعكس جزءا من مجد المغرب وأصالته، وسيظل أحد أعمدة النمو والتقدم في المملكة المغربية رغم ما يعتريه من إكراهات و نقائص، إذا ما توفرت الإرادة السياسية، في انتظار تحولات إيجابية تضعه في طليعة الأقاليم المغربية الرائدة…