في اليوم العالمي لذوي الاحتياجات الخاصة: وضع سياسة عمومية مندمجة للنهوض بحقوق هذه الفئة
عبد الحميد العزوزي*- تاونات:”تاونات نت”//- يوم 3 ديسمبر من كل سنة يحتفل العالم باليوم العالمي لدعم ذوي الاحتياجات الخاصة الذي خصصته الأمم المتحدة منذ عام 1992م من أجل دعم تلك الفئة من المجتمعات، وضمان حقوقهم، إلى جانب زيادة الوعي لدى الشعوب بإدماجهم في الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية، والعمل على توصيلهم إلى عالم شامل وميسر.وتمكينهم من أجل تحقيق التنمية المستدامة.
خلق الله الخلق وقدره قال تعالي ” إنا كل شيء خلقناه بقدر ” وهيأ لخلقه سبل القيام بمهامهم التي خلقوا من أجلها ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” كل ميسر لما خلق له ” وقد اقتضت حكمة الله تعالى أن يوجد بين خلقه أشخاص ربما يرى فيهم بعض الناس نقصا أو علة ، ولكن الحقيقة هي أن كل إنسان يشكل في محملة بينانا متكاملا لا يتفاوت إلا في النسبة بين الظاهر والباطن ، فإنما بتفاضل الناس بينهم بالظاهر ويتفاصلون عند ربهم بالباطن ” قال تعالى ” إذ أكرمكم عند الله أتقاكم ” صدق الله العظيم .
نظرة عم الإعاقة عبر العصور:
الإعاقة هي جزء من الطبيعة البشرية وجزء لا يتجزأ من التجربة الإنسانية. وهي تنتج عن التفاعل بين الاعتلالات الصحية مثل الخرف أو العمى أو إصابة الحبل الشوكي ومجموعة من العوامل البيئية والشخصية. ويعاني اليوم ما يقدر بنحو 1,3 مليار شخص – أو 16٪ من سكان العالم – من إعاقة كبيرة. ويزداد هذا العدد بسبب زيادة الأمراض غير السارية وزيادة أعمار الأشخاص ذوي الإحتياجات الخاصة هم مجموعة متنوعة، وتؤثر عوامل مثل الجنس والعمر والهوية الجنسانية والتوجه الجنسي والدين والعرق والانتماء الإثني والوضع الاقتصادي على تجاربهم في الحياة واحتياجاتهم الصحية.
ولا شك في أن عمر الإعاقة من عمر البشرية ، إذ لا يعقل ألا يتعرض الإنسان في أي زمان ومكان لإعاقة ما ، ففي جدار معبد مصري عثر على رسم عمره خمسة آلاف سنة لطفل فرعوني مشلول الساق قال المتخصصون المحدثون إنه يمثل طفلا كان مصابا بشلل الأطفال على أن تطور المفهوم الإنساني للإعاقة والتعامل معها ، يعد المقياس الأصدق لمدى التطور الحضاري للمجتمع المعين ، ولمدى رقي إنسانية الإنسان في البوثقة البشرية الاجتماعية .
ففي العصور القديمة كانت الفطرة إلى المعاق نظره ازدراء وكانت معاملته تتسم بالقسوة والطغيان ، فكانوا يتكون للموت جوعا ، ويوأدون وهم أطفال .فكان المجتمع اليوناني يهتم فقط بأصحاب القوة البدينة التي يحتاج إليها في الحروب ، وهناك من كان يتخذ الشخص المعاق كوسيلة للترفيه والتسلية كما كان في روما القديمة .وهناك من كان يقضي على الشخص المعاق، لما فيهم من عبء على المجتمع .
وأفلاطون بدوره كان يرى في المعاق ضررا للدولة ، حيث دعا إلى نع المعاقين من التناسل حتى ينقرضوا، ونفي الأخرين خارج الدولة وعدم السماح لأي معاق من خارج الدولة بالدخول إليها .
ومع ظهور الديانة المسيحية بمبادئها الإنسانية السامية ، انعكس مفهوم الدين السماوي على المعاق الذي أصبح موضوع رحمة وعطف من قبل المجتمع المؤمن ، والإسلام من جهة بذل مجهودات كبيرة منظمة لإيواء المتخلفين عقليا وتعليمهم .
أما في التاريخ الحديث ، فمنذ الحرب العالمية الثانية التي نتج عنها ملايين المعاقين تطورت نظرة المجتمعات إلى الإعاقة والمعاق بصورة جذرية فتظافرت جهودها للعمل على إعادة تأهيل المعاق لوظائف تناسب إمكاناته .
فالإعاقة في حذ ذاتها هي إعاقة ذاتية ، وتترتب عليها إعاقة اجتماعية تتمثل في عجز المصاب عن أداء بعض أدواره في المجتمع .
من هنا جاء اهتمام الدول مؤخرا وحرصها الدائم على رعاية المعاقين اجتماعيا وتأهيلهم الجيد ، حتى يستطيعوا تأدية أدوارهم الاجتماعية تبعا لما يتمتعون به من قدرات ، كما باتت الدول تحرص على تأكيد أن المعاق هو جزء من المجتمع الذي يعيش فيه ، له حقوق وعليه واجبات كأي فرد سوي معافى .
اهتمام القطاعات الحكومية بقضايا ذوي الاحتياجات الخاصة:
منذ حصول المغرب على استقلاله نهضت البلاد لاستكمال الأهداف ،وتحقيق الأحلام وكما قال قائدنا المغفور له محمد الخامس تغمده الله برحمته من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر ولم يختص رحمه الله عليه بالاهتمام بفئة دون أخرى ولا بجهة دون جهة ،بل توجه بقلبه وعقله إلى الكل صغيرا وكبيرا رجلا وامرأة ،قويا وضعيفا ففكر في إصلاح أحوال ذوي الاحتياجات الخاصة اثر حوادث أو سبب ما يواسيهم ويداويهم ويعينهم على النهوض وعلى العمل بل على الأمل ،وهذا هو المقصود والهدف المتوخى.
وتبعه خلفه جلالة الملك الحسن الثاني رحمه الله فصار على نفس المنوال ،وجند لهذه الأعمال الخيرية أسرته الشريفة التي تعمل في كل ميدان من هذه الميادين الاحسانية،وترعى بكل عناية واهتمام أولئك الذين عثر حضهم واحتاجوا إلى السهر على أحوالهم والسعي إلى إنهاضهم وإدماجهم في المجتمع ، ولم تنقطع هذه المسيرة ولكنها استمدت إلى خلفها لمعظم ،إلى ملك يهتم أكثر بالفئة المحرومة .
وفي هذا الصدد، تجسدت العناية الملكية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس بهذه الفئة منذ اعتلاء جلالته عرش أسلافه المنعمين، على الخصوص، في مضاعفة المشاريع والمراكز الاجتماعية لفائدة ذوي الإحتياجات الخاصة ، خاصة في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية.
وقال جلالته في خطاب ألقاه سنة 1999 بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب، “أم كيف يدرك تكافؤ الفرص وإتاحتها للجميع إذا كان المعوقون جسديا يهمشون ويبعدون عن الميادين التي هم لها مكونون ومستعدون في حين أن الاسلام – وهو دين التكافل والتكامل – يدعو إلى الاهتمام بالمستضعفين ومساعدتهم على الاندماج في المجتمع والاخذ بيدهم ليكونوا أعضاء فيه عاملين منتجين”.
وقد أبدى المغرب اهتماما خاصا بهذه الشريحة من المجتمع، من خلال التعبير عن إرادته الراسخة والتزامه الثابت بصيانة وتعزيز حقوق ذوي الإحتياجات الخاصة ، حيث وضعت المملكة، في إطار الاستراتيجيات والبرامج ذات الصلة بالموضوع، التي عهد إلى لجنة وزارية تتبع تنفيذها، مشروع مخطط العمل الوطني 2017-2021 لتنزيل السياسة العمومية المندمجة للنهوض بحقوق ذوي الإحتياجات الخاصة .
كما اعتمدت المملكة سياسة عمومية مندمجة للنهوض بحقوق الأشخاص في وضعية إعاقة، وإقرار وأجرأة مجموعة من الخدمات الموجهة لهذه الفئة في إطار صندوق دعم التماسك الاجتماعي، وإنجاز البحث الوطني الثاني حول الإعاقة، واستصدار قانون إطار يتعلق بحماية حقوق ذوي الإحتياجات الخاصة والنهوض بها، والذي يعتبر إطارا عاما يوجه تدخل مختلف الفاعلين في المجال، علاوة على تطوير الإطار التنظيمي المؤطر لحصيص توظيف الأشخاص ذوي الإحتياجات الخاصة بالقطاع العام.
وتهدف الترسانة القانونية، التي عمل المغرب خلال العقود الأخيرة على تعزيزها لفائدة هذه الفئة، إلى مساعدة هذه الشريحة من المجتمع على مواجهة الإكراهات والتحديات في مجال الولوج إلى العلاجات والتعليم وكذا اندماجها الاجتماعي والمهني، لا سيما بعد المصادقة على الدستور الجديد.
كما انخرطت المملكة في تفعيل خطة التنمية المستدامة لعام 2030، من خلال إيلائها أهمية بالغة للأهداف التي تساهم في النهوض بالأشخاص ذوي الإحتياجات الخاصة وحمايتهم، خصوصا في إطار الأوراش القائمة مثل المبادرة الوطنية للتنمية البشرية.
ومن بين المبادرات المتخذة في هذا المجال مشروع قانون يتعلق بتعزيز حقوق الأشخاص ذوي الإحتياجات الخاصة، الذي يتضمن عدة إجراءات وتدابير تهم تمكينهم من الولوج إلى حقوقهم الأساسية في مجالات التربية والتعليم والوقاية والرعاية الصحية والتكوين والإدماج المهني والولوجيات والمشاركة في الأنشطة الرياضية والثقافية والترفيهية.
كما يحرص المغرب على مواصلة جهوده الحثيثة التي يبذلها للنهوض بحقوق ذوي الإحتياجات الخاصة ، كأوراش تأسيسية مهيكلة، حيث تم وضع سياسة عمومية مندمجة للنهوض بحقوق هذه الفئة ومخطط عمل وطني لتنزيلها ومخطط خاص بالصحة والإعاقة، وقانون إطار ينص على ملائمة التشريعات الوطنية مع التشريعات الدولية والاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإحتياجات الخاصة .
*مهتم بالأشخاص ذوي الإحتياجات الخاصة/ مدينة تاونات.