مدينة تاونات المغربية: لمحة تاريخية وسياسية…

بقلم ذ. محمد أمقران حمداوي-فاس:”تاونات نت”//- تقع مدينة تاونات في شمال المغرب، وهي مركز إقليمي تابع لجهة فاس- مكناس. تمتاز بموقعها الجبلي المطل على وادي ورغة، ما يمنحها مناظر طبيعية خلابة، وتضاريس متنوعة بين الجبال والوديان.
لم تكن تاونات مركزا حضريا معروفا في العصور القديمة مثل فاس أو مكناس، لكنها كانت جزءا من المجال الجبلي لقبائل مختلفة مثل قبائل الحياينة، وغمارة، والبرانس … وهي القبائل التي عُرفت بشراستها واستقلالها عن المراكز السلطانية.
المنطقة عرفت الإسلام مبكرا من خلال الفتوحات القادمة من القيروان، ثم أصبحت جزءا من نفوذ الدول الإسلامية الكبرى كالأدارسة، والموحدين، والمرينيين. كانت المنطقة مهمشة إداريا لكن حاضرة بثقلها القبلي.
وتقدر الإشارة إلى أن قبائل تاونات لعبت دورا مهما في مقاومة الاحتلال الفرنسي، خاصة من خلال دعمها للثورة الريفية بقيادة محمد بن عبد الكريم الخطابي. كانت الجبال ملاذا آمنا للمجاهدين، ومصدرا للمقاتلين والتموين.

ورغم دورها في المقاومة، عانت تاونات – مثل مناطق جبلية أخرى – من التهميش السياسي والاقتصادي بعد الاستقلال. لم تستفد من مشاريع البنية التحتية بنفس وتيرة مدن السهول، وظلت تعاني من ضعف الخدمات الصحية والتعليمية.
ظل النفوذ القبلي قويا بتاونات، مما جعل الانتخابات في المنطقة تتأثر بالانتماءات العائلية والمصالح المحلية. برزت وجوه سياسية محلية حاولت نقل مشاكل الإقليم إلى قبة البرلمان، لكن دون تأثير سياسي قوي على المستوى الوطني.
شهد الإقليم موجات هجرة داخلية ضخمة نحو المدن الكبرى مثل فاس ومكناس والدار البيضاء، بحثا عن فرص عمل وتعليم، ما أدى إلى فراغ تنموي في القرى والجبال.
وتعرف المدينة تحسنا تدريجيا في البنية التحتية، خاصة في الطرق والماء الصالح للشرب، لكنها لا تزال في حاجة إلى مشاريع اقتصادية قادرة على خلق فرص شغل لأبناء المنطقة.

سياسيا، بدأت أصوات المجتمع المدني في تاونات تتعالى للمطالبة بالعدالة المجالية وربط الإقليم بمشاريع تنموية وطنية كبرى، مستندة في ذلك إلى ما قدمته المنطقة تاريخيا في سبيل الاستقلال والوحدة.
تاونات ليست مجرد مدينة جبلية في شمال المغرب، بل هي رمز لمناطق قدمت الكثير ولم تنل حقها بعد. تاريخها المقاوم، وثقلها القبلي، وموقعها الاستراتيجي يجعلها تستحق التفاتة سياسية وتنموية أوسع في مغرب ما بعد الجهوية المتقدمة.