عبد اللطيف الماموني*-باريس:”تاونات نت”//- يعد إقليم تاونات من أهم الأقاليم الفلاحية داخل جهة فاس–مكناس، نظراً لما يختزنه من مؤهلات طبيعية وبشرية جعلت قطاع الزيتون وزيت الزيتون يحتل موقعاً مركزياً في الحياة الاقتصادية والاجتماعية للمنطقة.
ويعتمد آلاف الفلاحين على هذه الشجرة المباركة كمصدر رزق أساسي، فيما تمثل زراعة الزيتون أحد أبرز مكوّنات الهوية الزراعية المحلية وخصوصا في جماعة عين مديونة.
ورغم غياب إحصاءات رسمية محينة خاصة بالإقليم، فإن المؤشرات الجهوية والوطنية والدراسات الأكاديمية تؤكد أن تاونات تُعدّ من أكبر “خزانات الزيتون” في المغرب، بفضل تضاريسها الجبلية المناسبة، ومهارة فلاحيها المتوارثة جيلاً بعد جيل، واتساع المساحات المزروعة عبر عقود من العمل الدؤوب.
مكانة تاونات داخل دينامية الجهة والبلاد:
تشير المعطيات الرسمية والدراسات المتخصصة إلى أن جهة فاس–مكناس تُعدّ من أبرز الجهات المنتجة للزيتون وزيت الزيتون في المغرب، بسبب تنوع مناخها ووفرة مواردها الزراعية، إضافة إلى برامج التأهيل الفلاحي المعتمدة خلال السنوات الماضية. وفي قلب هذا النسيج تبرز تاونات كفاعل رئيسي في الإنتاج، سواء من حيث المساحات المغروسة أو من حيث مساهمة الفلاحين في سلسلة الإنتاج.
وتؤكد الدراسات الجغرافية الصادرة عن باحثين مغاربة أنّ إقليم تاونات يسجّل أعلى نسب توسّع لمساحات الزيتون في الجهة، سواء في الزراعات الجبلية التقليدية أو الزراعات المطرية. وهذا ما يجعل الإقليم مركز ثقل استراتيجي في سلاسل القيمة المرتبطة بإنتاج الزيتون.
السياق الوطني: بوادر موسم قوي رغم الجفاف سنة 2025:
تشير تقارير دولية مختصة في الأسواق الزراعية إلى أن المغرب يتجه نحو موسم استثنائي في إنتاج الزيتون سنة 2025، حيث يُتوقّع:
• بلوغ إنتاج زيت الزيتون حوالي 200 ألف طن، أي أكثر من ضعف مستويات الإنتاج خلال سنوات الجفاف السابقة.
• بلوغ محصول الزيتون ما يقارب مليوني طن على الصعيد الوطني.
• تعزيز موقع المغرب ضمن أكبر الدول المنتجة عالمياً، مع توسّع حضوره في الأسواق الإفريقية والأوروبية.
هذه المؤشرات تمنح الأقاليم المنتجة – وفي مقدمتها اقليم تاونات – فرصة تاريخية لإعادة تثبيت موقعها، وإبراز جودة إنتاجها، ورفع مساهمتها في الاقتصاد المحلي والوطني، إذا توافرت الرؤية الواضحة والدعم اللازم.
واقع الفلاح التاوناتي: تحديات تتكرر كل موسم :
على الرغم من الإمكانات الهائلة التي يزخر بها الإقليم، فإن الفلاحين يواجهون مجموعة من الصعوبات البنيوية التي تتطلب معالجة عاجلة.
1. ارتفاع تكاليف الجني (السقاط واللقاط) واليد العاملة لنقل المحصول:
يعاني الفلاحون من نقص اليد العاملة الموسمية وارتفاع أجور العمال، مما يرفع تكلفة جني القنطار ويقلّص هامش الربح، خاصة لدى الفلاحين الصغار الذين يشكلون الأغلبية في الاقليم.
2. ضعف او انعدام المسالك القروية وصعوبة النقل رغم الدواب:
لا تزال العديد من الدواوير تعتمد على طرق وعرة وغير مصلوحة او معبدة، مما يجعل نقل الزيتون إلى المعاصر مكلفاً وشاقاً، ويؤثر في جودة المنتوج وفي سرعة تسويقه.
3. تفاوت جودة وحدات العصر والتخزين:
رغم توفر بعض المعاصر العصرية، وخصوصا في المراكز الحضرية إلا أن وحدات أخرى لا تزال تفتقر إلى المعايير الصحية والتقنية الضرورية، الأمر الذي ينعكس سلباً على جودة الزيت وصورة “زيت تاونات” لدى المستهلكين.
4. تقلبات الأسعار وغياب ضبط السوق:
شهد الموسم الحالي تقلبات واضحة، حيث انخفض سعر الزيتون والزيت في الأسواق الجهوية إلى مستويات متدنية، مقابل ارتفاع رسوم العصر في بعض الوحدات. وقد حذرت فعاليات سياسية ومدنية من مؤشرات احتقان اجتماعي إذا لم تُضبط السوق ويُحمَ الفلاح الصغير.
5. ضعف التثمين وغياب علامة تجارية محمية:
على خلاف بعض الجهات الأخرى التي طورت قدرات كبيرة في التعبئة والتغليف والتصدير، لا يزال جزء كبير من إنتاج تاونات يُباع خاماً دون تثمين، مما يضيع فرصاً اقتصادية هائلة كان يمكن أن تعود بالنفع على الإقليم وساكنته.
مقارنة مع الأقاليم الرائدة: أين يقف اقليم تاونات اليوم؟
أقاليم مثل مراكش–آسفي، وسوس–ماسة، وبني ملال–خنيفرة استطاعت تطوير منظومات قوية لإنتاج زيت الزيتون عالي الجودة، عبر:
• تحديث وحدات العصر،
• تطوير أساليب التعبئة والتغليف، واللوجستيك
• الحصول على شهادات الجودة،
• التوجه نحو التصدير،
• خلق علامات تجارية معروفة وطنياً ودولياً.
أما اقليم تاونات، وعلى الرغم من غنى إنتاجه، فما زال قطاع الزيتون فيها بحاجة إلى رؤية استراتيجية واضحة ترتقي بالمنتج المحلي إلى مستوى جودته الحقيقية وتفتح أمامه أبواب الأسواق الواسعة.
رؤية استراتيجية للنهوض: كيف يتحول اقليم تاونات إلى قوة زيتونية وطنية؟
لكي يستعيد الإقليم مكانته الطبيعية ويستثمر إمكاناته الوحيدة والهائلة، يصبح لزاماً اعتماد سلسلة من الإجراءات الواقعية:
1. إنجاز إحصاء فلاحي محين ودقيق:
من أجل تحديد المساحات المغروسة والمنتجة، مستويات الإنتاج، عدد الفلاحين، وحاجاتهم الأساسية، مع اعتماد مخطط تنموي مبني على معطيات حقيقية.
2. تحديث منظومة الجني والعصر والتخزين:
ربط الدعم العمومي بالحصول على معايير الجودة، وتوجيه الاستثمارات نحو الوحدات العصرية، إلى استعمال وسائل تخزين ،حديثة تحافظ على الجودة.
3. دعم الفلاح الصغير وتقوية التعاونيات:
تقديم تجهيزات الجني والجمع والنقل ،وتوفير التمويل الميسر، وإحداث تكوينات تقنية، وتعزيز دور التعاونيات في التفاوض والتسويق.
4. تحسين البنية التحتية والمسالك القروية والجبلية:
إعطاء الأولوية للمناطق ذات الإنتاج المرتفع، بهدف خفض كلفة النقل وضمان وصول الثمار في الوقت المناسب إلى المعاصر وبطرق سليمة (في اكياس مهوية)
5. خلق علامة محمية: “زيت تاونات”
تسجيل علامة تجارية جهوية محمية تبرز الخصائص المحلية للمنتج (التربة الجبلية، المناخ، طريقة الجني…)، مما يرفع القيمة المضافة ويعزز فرص التسويق .
6. الاندماج في سلسلة التصدير عبر الشراكات الجهوية والوطنية:
احداث معامل التحويل والتعبئة بتاونات او ربط وحدات الإنتاج في تاونات بمعامل التعبئة والتحويل في فاس ومكناس، وفتح الباب أمام الصادرات نحو الأسواق الدولية التي تعرف طلباً متزايداً.
ثروة الاقليم تنتظر قراراً جريئاً:
إن زيتون اقليم تاونات ليس مجرد محصول زراعي عادي، بل هو تراثٌ فلاحي، واقتصاد محلي للجميع، ومورد اجتماعي يعيل آلاف العائلات، وهويةٌ ارتبطت بها المنطقة منذ قرون.
ومع الانتعاش الكبير المتوقع للإنتاج الوطني سنة 2025، فإن الإقليم أمام فرصة حقيقية لتثمين هذه الثروة وتحويلها إلى رافعة تنمية مستدامة.
المطلوب اليوم او في المستقبل هو تعبئة محلية مسؤولة، يقودها السيد العامل المحترم والسلطات الإقليمية والمنتخبون والتعاونيات، في اتجاه رؤية موحدة تجعل من اقليم تاونات القروي قوة زيتونية نموذجية، قادرة على المنافسة، وعلى حماية حقوق الفلاحين، وعلى خلق عيد الزيتون كل سنة بتاونات وخلق كذالك اسم قوي في السوق الوطنية والدولية تحت عنوان:”زيت تاونات… جودة من أصل الجبل.”
*عبد اللطيف الماموني: أستاذ جامعي بفرنسا / ناشط جمعوي – عضو منتدى كفاءات إقليم تاونات.