في المسألة الأمازيغية:أصول البربر حسب الرواية العربية التقليدية بقلم:الدكتورالعربي اكنينح/أستاذ جامعي -فاس

الدكتور العربي اكنينح

الدكتور العربي اكنينح

فاس –جريدة”تاونات نت”/في مقالنا السابق، المنشور في نافذة “آراء ومواقف”في هذه الجريدة “تاونات نت” الإلكترونية، تحت عنوان: جذور النزعة البربرية في المغرب ، تطرقنا لأصول البربر حسب الرواية  الإستعمارية، ونواصل اليوم  الحديث عن نفس الموضوع ونخصصه لأصول نفس الجنس ،حسب الرواية العربية التقليدية ،على أن نتبعه فيما بعد ببحث آخر يندرج تحت عنوان : أصول البربر حسب الرواية العلمية.

على خلاف الرواية الإستعمارية التي أشرنا إليها في مقالنا السابق،  تؤكد المصادر العربية المتأخرة  على شرقية البربر وعلى عروبتهم. وتذهب إلى أن هذا الجنس البشري قد هاجر من الشرق الأوسط ، على عدة موجات ضاربة في القدم ، ثم استقر في شمال إفريقيا ، في تواريخ متباينة. وكان يومئذ يتكون من أخلاط من الكنعانيين،  والعماليق ، وغيرهم.  وفي هذا الصدد،  يقول الطبري: ” وعمليق، وهم العمالقة ومنهم البربر، وهم بنو ثميلا بن مأرب بن فاران بن عمرو بن عمليق بن لوذ بن سام بن نوح. ما خلا صنهاجة وكتامة، فإنما هم بنو فريقش بن قيس بن صيفي بن سبأ.”  ثم أردف بعد ذلك مفصلا، أي الطبري، ” وزعم هشام بن محمد الكلبي، أن إفريقش بن قيس بن صيفي بن سبأ  بن كعب بن زيد بن حمير بن سبأ بن يشجب بن يعرب  بن قحطان ، هم متوجها إلى إفريقيا ،فاحتملهم (هكذا) حتى سواحل الشام حتى أتى بهم إلى إفريقيا ، فافتتحها وقتل ملكها جرجرا، وأسكنها البقية التي كانت بقيت من الكنعانيين  الذين كان احتملهم (هكذا) معهم من سواحل الشام .( الطبري ، أبو جعفر محمد بن جرير، تاريخ الأمم والملوك، القاهرة، 1426ه الجزء الأول، ص، 207-442 ). يتضح من هذا الكلام ، أن أصل البربر شرقي محض، وأن لهم صلة وثيقة بالسامية والعروبة بصفة عامة. وحتى لو فرضنا أن الطبري ( 225- 308ه 839-923)، في عمله التركيبي ،  قد استهدف من وراء كتابه ، الحفاظ على تماسك الأمة الإسلامية ، بتوحيد ذاكرتها التاريخية،  والعمل بالتالي على  إدراج البربر ضمن السلالة السامية ، وأنه وظف التاريخ لخدمة هذه الغاية، فإن ابن خلدون (1332-1402 ) ، عندما تحدث عن إفريقش، أورد كلاما يصب في نفس الإتجاه : ” هو إفريقش بن قيس بن صيفي من ملوك التبابعة ( باليمن) ، غزا المغرب وإفريقيا، وقتل الملك جرجس وبنى المدن والأمصار.” ( ابن خلدون ، عبد الرحمان، العبر وديوان المبتدا والخبر، بيروت ، 1959 الجزء السادس، ص، 176. ويذهب ابن خلدون أيضا إلى أن البربر هم بقايا القبائل القديمة التي كانت تسكن فلسطين . ” وكان بين بني فلسطين هؤلاء وبني إسرائيل حروب كثيرة ، وكان بالشام كثير من البربرإخوانهم. ومن سائر أولاد كنعان يضاهونهم فيها، ودثرت أمة فلسطين وكنعان وشعوبها لهذا العهد ولم يبق إلا البربر”( هكذا). العبر،ج7 ، ص7.

إلى جانب هذا، كان النسابة البربر، كما أسلفنا في مقال سابق،  يوصلون القبائل البربرية بأصول عربية. فقد ذكر ابن خلدون أيضا أن نسابة زناتة ينسبون أنفسهم إلى حمير، وإلى العمالقة. ” وقال هاني بن بكور الضريبي وسابق بن سليمان المطماطي، وكهلان بن أبي لؤي، و أيوب بن أبي يزيد وغيرهم من نسابة البربر، أن البربر فرقتان ، كما قدمنا ، وهما: ” البرانس والبتر. فالبتر من ولد بر بن قيس بن عيلان، والبرانيس بنو برنوس ابن أبزج بن جناح بن واليل بن شراط بن تام بن دويم بن دام بن مازغ بن كنعان بن حام.”  وفي هذا الصدد، يغلب كثير من المؤرخين أن الساميين والحاميين  سلالة واحدة، وأنه لاوجود لسلالتين منفصلتين، وأن المهد الأصلي للسلالة الحامية-السامية كان الجزيرة العربية وقرن إفريقيا، حيث يعتبران امتدادا جغرافيا واحدا. وفي هذا الإطار أيضا، عندما تحدث مؤرخو الدولة الموحدية عن المهدي بن تومرت، كما أسلفنا، رفعوا نسبه أيضا إلى علي ابن أبي طالب وحرصوا على التأكيد على أصله الشريف. (أنظر على سبيل المثال لا الحصر، علي ابن أبي زرع الفاسي، الأنيس المطرب بروض القرطاس في أخبار ملوك المغرب وتاريخ مدينة فاس، الرباط، 1972، ص، 172.) . وفي نفس الإتجاه، أشار ابن أبي زرع أيضا، عند تأريخه لحكم بني مرين الزناتيين ،إلى أن أصولهم تعود إلى الجنس العربي من سلالة نزار بن معد بن عدنان، ” فمن زنات بن جانا تفرقت قبائل زناتة ، فهم عرب صريحون ( ابن أبي زرع السابق،ص،279 .) . إلا أن هذه الإشارات، بالرغم من أهميتها ، فإنها لاتخلو من أبعاد سياسية وإديلوجية .فقد حرص مؤرخو الأسر التي تعاقبت على الحكم في المغرب ، وبإيعاز من حكامها ،دون شك ،على ربط نسب ملوكها بالعرب ، وبعرب الشمال بالذات، وخاصة منهم قريش،، لإضفاء الشرعية  على إمامتهم ونظامهم السياسي. فقد كان النسب القريشي، في كثير من الأقطار الإسلامية ، شرطا ضروريا للبيعة يستند عليه أهل الحل والعقد من الفقهاء والعلماء لتنصيب الخلفاء والملوك في مخلتلف  بقاع دار الإسلام ، استنادا على حديث منسوب إلى الرسول عليه السلام مفاده ، بتصرف، الأئمة في قريش، والقضاء في اليمن، والآذان في الحبشة بلال). هذه هي الرواية التقليدية لأصول البربر وسنتبعها، في مقال قادم،  بالرواية التي سميناها  العلمية

ملحوظة: قد يجد القارىء الغير المتخصص ، في هذا المقال، بعض الألفاظ الغريبة عن لغتنا الحالية، فيحسب أنها أخطا ء ، لذا وجب التنبيه، من باب الآمانة العلمية ، إلى ضرورة الإحتفاظ بها، كما وردت في المصادر الأصلية ، مع الإشارة بين قوسين إلى (هكذا).

عن الكاتب

صحفي

تاونات جريدة إلكترونية إخبارية شاملة مستقلة تهتم بالشأن المحلي بإقليم تاونات وبأخبار بنات وأبناء الأقليم في جميع المجالات داخل الوطن وخارجه.

عدد المقالات : 7235

اكتب تعليق

لابد من تسجيل الدخول لكتابة تعليق.

جميع الحقوق محفوظة لموقع تاونات.نت - استضافة مارومانيا

الصعود لأعلى