الخطر يبدأ من هنا.. قبائل بني زروال.. محنة مستدامة!

الخطر يبدأ من هنا... قبائل بني زروال، منحة مستدامة... !

الخطر يبدأ من هنا… قبائل بني زروال، محنة مستدامة… !

عبد النبي الشراط*

بعد أكثر من ثلاثة عقود من الزمن أجد نفسي مضطرا، بل مكرها لفتح صفحة كنت زعمت في السابق أنني طويتها، لكنني وفي كل زيارة لمسقط رأسي بقبيلة بني زروال تفتح هذه الصفحة أمامي، وكأن لا شيء تغير… نفس العناوين، نفس الأشخاص ، نفس الحياة، القلق مازال مستمرا ، والخطر مازال قائما. والعاقبة هنا دوما للذين يصطادون في الماء العكر، أما المستضعفين فحياتهم تزداد سوءا حيث يرافقهم الخوف والقلق من المهد إلى اللحد.

القصة هنا متسلسلة وفصولها طويلة طول الزمن، وإذا ما قدر لكتاب القصة القصيرة جدا زيارة هذه المنطقة فإنهم سيغيرون رأيهم كليا في هذا الجنس الأدبي الذي بات يفرض نفسه على الأدباء والمثقفين والكتاب.

ولا شك أن الذين يختزلون قصصهم في سطر أو سطرين سيجدون أنفسهم مضطرين لكتابة آلاف الأسطر، وبدلا من أن يكون منتوجهم الأدبي (القصير) يحتوي ثمانون أو مائة صفحة من القطع الصغير، فإنهم سيكونون مجبرين على تدوين هذا المنتوج الأدبي في آلاف الصفحات من المآسي والأحزان…
جبل من المآسي.

المأساة الأولى: التعليم:

(ابتليت) المنطقة في إطار ما يدعى بتعميم التمدرس في العالم القروي بإنشاء بنايات (من ورق) وأطلقوا عليها إسم مدرسة، ولو أن هذه المدرسة زرعت فيها الروح من قبل الخالق لنطقت واستنكرت واحتجت وتمردت ورفضت أن يطلق اسمها على شيء يدعى مدرسة !

هنالك (مدارس) وماهي بمدارس، هناك رجال ونساء تعليم ولكنهم لا يؤدون واجبهم تجاه المتمدرسين.
ومن باب الإنصاف فإن رجال ونساء التعليم يشتغلون في ظروف صعبة جدا، لكن هذا لا يمنع من بذل الجهد من أجل أداء رسالة –المعلم- الذي كاد أن يكون رسولا، ولقد كان الشاعر صائبا حينما كتب:
قم للمعلم وفه التبجيلا كاد المعلم أن يكون رسولا.

لأن رسالة رجال التعليم ونسائه تجاه الأجيال الطالعة تشبه إلى حد ما رسالة الأنبياء… لكن يبدو أن رسالة المعلمين والمعلمات توقفت بانتهاء رسالات الأنبياء، إلا قليل منهم.

هناك أقسام وفرعيات ومدارس تبدو للناظرين وكأنها بيوت خربة أو أسطبلات بهائم، وبما أن المسئولين على قطاع التعليم يتبجحون دوما بالمباهاة ويغالون كثيرا في التصريحات حينما يتعلق الأمر بالعالم القروي، ويقدمون الأرقام المغلوطة للرأي العام حول هذا التعليم البدوي (البدائي)، فإنني أدعوهم لزيارة هذه –الأسطبلات- ويصطحبوا معهم كاميرات التلفزة… ويظهروا الحقيقة للشعب إذا كانوا مسئولين حقا.
أما التصريحات… فهي تبقى تصريحات لا غير..

في الماضي كان التلميذ حينما يحصل على شهادة الابتدائية كان يساوي نصف عالم… الآن في عالمنا القروي (البدوي) التعيس جدا حينما يحصل التلميذ على هذه الشهادة، فإنه لا يساوي شيئا يذكر من ناحية التعلم، وبالتالي فإنه يلج المرحلة الإعدادية وهو لا يعرف الكتابة والقراءة أصلا؟ فكيف نصنع جيلا سيصبح لاحقا هو الذي يسير شؤون البلاد والعباد؟

إنني أقترح (إذا كان الوضع التعليمي في البادية سيستمر على ما هو عليه) أن تمسح هذه البنايات وتسوى بالأرض، وأن تعود البادية كما كانت في الماضي يعتمد أهلها تدريس القرآن الكريم وعلومه في الجوامع… على الأقل نضمن جيلا ملتصقا بكتاب الله ودينه القيم.

التعليم في البادية مأساة بكل المقاييس فاحذروا نتائجه السيئة يا مسئولين.

المأساة الثانية: الطريق:

تعبيد الطرق وفتح مسالك طرقية للمداشر كانت سياسة الدولة منذ ثمانينيات القرن الماضي، لكن مع الأسف الشديد، لا الطرق الرئيسية بنيت أو صممت بشكل صحيح وسليم، ولا المسالك المتفرعة عنها أدت دورها كما كان مرسوما لها في إطار ما أطلقت عليه الدولة الشريفة: فك العزلة عن البادية !
لا ننكر أن العزلة فكت… لكن بشكل عشوائي وإذا كانت الدولة تتحمل المسئولية في هذه العشوائية فإن شركاءها أيضا يقتسمون معها هذه المسئولية.

وفي مقدمة شركاء الدولة: الجماعات المحلية، وعمالة الإقليم، أما الدولة فتمثلها هنا وزارة التجهيز، التي لم تجهز شيئا، وربما أجهزت على أموال الشعب وصنعت طرقا مغشوشة لا تلبي حاجيات الناس.

المثل القائم أمامنا في هذا الصدد، حينما أنجزت الدولة سد الوحدة الذي رافق إنجازه تطبيل وتزمير على المستوى الوطني والدولي، لكن الحقيقة أن هذا السد الكبير كان بمثابة مأساة حقيقية على ساكنة المنطقة.

أولى المآسي أنه فرق بين ثلاث قبائل مجاورة على الأقل، هذا إذا احتسبنا قبائل بني ورياكل وبني مزكلدة وأولاد قاسم فقط، أما إذا أضفنا قبائل مجاورة أخرى مثل فشتالة واشراكة وقبائل أخرى فإن الطامة تصبح أعظم…

الدولة ربما جلبت مهندسين وفنيي طرق من دولة الوقواق… حيث أن هؤلاء المهندسين صمموا طرقا (صاحبت بناء السد) لا علاقة لها بخريطة المنطقة، إذ بعد أن كانت المواصلات ميسرة جدا بين قبيلة بني مزكلدة وقبائل بني زروال الجاورة لها…(ولو بالبهائم) أصبحت المسافة بين هذه القبائل أطول وأشق.. كان السكان بحكم العلاقات الأسرية والعائلية فيما بينهم يقطعون مسافة لا تتعدى ثلاث كيلومترات على الأكثر… أضحت هذه المسافة في عهد السد تتعدى ثلاثون كيلومترا…
وعن جودة هذه الطريق التي اهترأت بسرعة لا تتحدث… ولم يستفد من مردوديتها إلا المقاولين والشركات ذات الصلة بالموضوع بالإضافة للسماسرة الذين اغتنوا على حساب هذه الطرقات التي شقت وسط الجبال والغابات.
ووصولا إلى المسالك الطرقية التي قيل لنا أنها ستفك العزلة عنا وتربطنا بالحضارة، فإن هذه المسالك ضاعفت من معاناتنا وكرست التهميش والتخلف بالرغم من – الصيانات المتتالية – التي تشهدها هذه المسالك حيث تنفق أموال الشعب هدرا دون أن يلمس المواطن يذكر،وعلى سبيل الذكر لا الحصر نذكر المسلك الطويل المتفرع من مقطعي دوار سجورة، ودوار أيلف والمؤدي إلى قبيلة بوبعان ويمر بعشرات الدواوير، بالإضافة إلى مقطع آخر يتفرع من مقر جماعة تافرانت في نفس الاتجاه.

المأساة الثالثة: الكهرباء:

منذ بضع سنوات فقط بدأ سكان جبالة يستفيدون من اختراع –أديسون – حيث وصلهم هذا الاختراع متأخرا، ومع مجيء هذا النور إلى المنطقة بدأت معه مآسي جديدة !
– انقطاعات متكررة، وبدون سابق إنذار، التأخير المتعمد في إعادة تشغيل الكهرباء، خسارات متتالية للسكان فيما يتعلق بالأجهزة الكهربائية.

– الأخطر من ذلك أن المكتب الوطني للكهرباء(الذي ضم هذه الأيام الماء) يجب أن يساءل قضائيا لأن العقد المبرم بين هذا الأخير وساكنة المنطقة يفيد بأن قوة الكهرباء هي : 220 وات، بينما الحقيقة أن هذه الطاقة لا تتعدى 160 وات وتهبط أحيانا إلى 110 وات. وهذا بحد ذاته كاف لمساءلة م.و.ك وتحمله مسئولية الخسائر التي يتعرض لها الناس، حيث يضطرون لشراء جهاز إضافي بمبلغ لا يقل عن 600 درهم لتدعيم الآلات الكهربائية مثل – الثلاجة – وإلا فإن الطاقة الكهربائية الممنوحة لساكنة هذه المنطقة لن تفي بحاجياتهم.

– هناك مخالفات من طرف بعض السكان بطبيعة الحال، لكن هذه المخالفات يتحمل مسئوليتها مستخدمو وموظفو المكتب الوطني للكهرباء بغفساي تحديدا، لأن هؤلاء لا يؤدون واجبهم الوظيفي والمهني، وبالتالي تجب مساءلتهم عما يفعلون، وتطبيق القانون بشأن ما يقومون به من مخالفات وتجاوزات تسيء إلى الإدارة التي ينتمون إليها، وتسيء إلى الوطن وتضر بالمصلحة العامة.

المأساة الرابعة: الماء أو:(الطامة الكبرى):

فاقد الشيء لا يعطيه…
بادرت مؤخرا وكالة الحوض المائي لسبو بتوزيع مطبوع على الساكنة عن طريق الجماعات القروية والسلطات المحلية، وتفيد معلومات هذا المطبوع أنه يجب على من يملك بئرا أو يسعى إلى حفره او يستفيد من الماء الشروب كماتضمن المطوع أسئلة دقيقة مثل:
الشرب: (عدد الأشخاص… عدد رؤوس الماشية… استعمال في مجال آخر… تاريخ بداية جلب الماء… جلب مرخص به – لا… نعم…. – نوع الاستعمال: الصناعة ونوعها… نوع الاستعمال… الانتاج…. الخ الخ….
وبما أن السكان هناك يتحفظون على أي شيء يأتيهم عن طريق السلطة أو عن طريق الجماعة القروية – لأنهم لا يثقون بهذه الجهات على الإطلاق – فإن أغلبيتهم المطلقة رفضت ملء مطبوع الحوض المائي، خاصة وأن الجهات المكلفة بهذا الموضوع لا تجيب على أسئلة المواطنين مثل: لماذا هذا المطبوع، وما هي تبعاته؟ لأن أغلبية الساكنة لا تحسن القراءة والكتابة، وبالتالي من الصعب على الإنسان الذي لا يقرأ، أن يبصم ويصادق على مطبوع مجهول لا يعرف محتواه !
وكان يسيرا على وكالة الحوض المائي سبو أن تطرح سؤالا وحيدا على الساكنة… هل تشربون الماء أم لا؟ حينها كانت هذه الوكالة ستتلقى جوابا سريعا من الساكنة، لأن الأغلبية تشقى كثيرا وتذهب بعيدا لجلب الماء… أما أن يتفنن موظفو الوكالة في إعداد أسئلة تقنية صرفة وعبارات فنية لا يفهمها الناس فتلك مأساة أخرى تنضاف لمآسي سكان جبالة المتذمرين من كل شيء في الحياة…

السلطة لا تسأل عنهم إلا إذا أرادت اعتقالهم… والمنتخبون لا يسألون عنهم إلا في مواسم الحملات الانتخابية… كل الناس هناك يتساءلون … هل نحن مواطنون؟ خاصة وأن الأغلبية منهم في حكم – البدون – أي بلا مواطنة… بسبب آلاف مذكرات البحث في حق العديد منهم، سواء كانوا من مزارعي الكيف أم لا… إذ أحيانا بعض المذكرات تصدر بحق أشخص لا علاقة لهم بالكيف وتوابعه… بل تصدر فقط إما لتصفية حسابات أو بناء على طلب من بعض المتعاونين مع المخزن والدرك ( وفي جماعة تافرانت تجري تحقيقات هذه الأيام من قبل الدرك الملكي بالورتزاغ، لكن لا أحد يتوقع بجدية هذه التحقيقات وهذا موضوع آخر).

نبقى في موضوع الماء… فمنذ أربع سنوات فيما أعتقد استبشر سكان المنطقة خيرا حينما شرع المكتب الوطني للماء (قبل إدماجه مع الكهرباء) بحفر وتثبيت قنوات الماء الشروب، واستغل هذا المكتب عطش الناس وتفاؤلهم بقرب استعمالهم صنابير المياه كسائر عباد الله، ولذلك لم يسعى أحدهم إلى طلب تعويضات من مكتب الماء الذي شق وحفر أرضهم واستخدمها لعمل تجاري محض… ومع ذلك لم يتكلم السكان ولم يطالبوا بشيء.. لكن لحد الآن لا شيء من الماء وصل… !

وحسب علمي فإن هذا المشروع (أي تزويد الدواوير التابعة لجماعة تافرانت بالماء الشروب كان جلالة الملك محمد السادس دشنه بمركز ورتزاغ خلال زيارته التاريخية لغفساي بتاريخ:…………..
ومعلوم أن المشاريع التي يشرف عليها الملك شخصيا يجب أن تنجز وتنفذ وإلا كان على المسئولين أن يقولوا لجلالته، ليست هنالك إمكانية لإنجاز هذا المشروع حتى يتمكن الملك من تدبير الأمر مع الحكومة وتوفير ميزانية لذلك… لكنهم يكذبون على الملك ويكذبون على الشعب… ويستخفون بالمواطنين الذين بالغوا في إذلالهم.
هذه بإيجاز بعض مآسي ساكنة جبالة وتحديدا قبائل بني زروال وخصوصا جماعة تافرانت.
– التعليم لا شيء…
– الطريق والو…
– الكهرباء…
– الماء…
– المواطنة…
(هذا دون أن نتحدث عن قطاع الصحة الذي يحتاج تفصيلات قد نتطرق لها في مقال خاص).
ساكنة جبالة تطالب المسئولين بلفتة سريعة… لأن الحرمان من كل شيء قد يؤدي للغضب….فاحذروا غضب جبالة..

*صحافي وكاتب من جماعة تافرانت/غفساي-مقيم بالرباط

عن الكاتب

صحفي

تاونات جريدة إلكترونية إخبارية شاملة مستقلة تهتم بالشأن المحلي بإقليم تاونات وبأخبار بنات وأبناء الأقليم في جميع المجالات داخل الوطن وخارجه.

عدد المقالات : 7180

اكتب تعليق

لابد من تسجيل الدخول لكتابة تعليق.

جميع الحقوق محفوظة لموقع تاونات.نت - استضافة مارومانيا

الصعود لأعلى