الرؤية السيكولوجية لأزمة العلاقة بين الجنسين بقلم :شرف الخنشوفي*

الباحث شرف الخنشوفي

الباحث شرف الخنشوفي

جريدة”تاونات نت”/كثيرة هي الإشكالات التي تدور في فلك العلاقة بين الرجل والمرأة، وهي إشكالات تبقى مطروحة في هذه العلاقة بالرغم من أنها –العلاقة- قد تناولت بالدرس والتحليل منذ العصور القديمة، وما زالت تدرس حتى الأن وفقا لآخر النظريات. إلا أن الصورة المطلوبة لهذه العلاقة ما زالت تتجاذبها الآراء والأفكار المتضاربة، وما زال يؤطرها ويؤسس لها الموروث الاجتماعي أكثر مما تحكمها الأفكار والنظريات العلمية الحديثة، خصوصا نظريات التحليل النفسي.

لسنا في هذه المقالة بصدد عرض النظريات التي تناولت هذه العلاقة، بيد أن الغرض منها تسليط الضوء على بعض الإشكالات التي تنطوي عليها هذه العلاقة من قبيل: كيف تتأسس وكيف تنهار العلاقة بين الرجل والمرأة؟. داخل هذه العلاقة كيف يتمثل الطرفان الحب، وكيف يتمثلان الجنس؟. ما سبب المشاكل التي تنشأ داخل هذه العلاقة/الزوجية، وهل لها منشأ جنسي أم عاطفي أم منشأ آخر (اجتماعي، اقتصادي، ديني…)؟.

سواء فتح الإنسان عينيه وراح يراقب الأشياء من حوله، أو أغمضهما وراح يحلم، سواء تاهت نظرته و شردت، أو نظر إلى مقال بين يديه، سواء راح يراقب أحداث فيلم وهو جالس في الظلام، أو استغرق في تأمل لوحة، فالإنسان هو نظرة تشتهي صورة أخرى وتبحث عنها خلف كل ما تراه.

فالبشرية بلا انقطاع تنحدر من مشهد يشتبك فيه حيوانان ثدييان، ذكر وأنثى وتتداخل أعضاؤهما التناسلية وينسجمان في حالة قصوى من الانفعالات، لقد جئنا من مشهد لم نكن فيه، فالإنسان هو ذاك الذي تنقصه صورة، ويحمل الاضطراب الذي رافق لحظة تشكله.

الحب والجنس

ترى النظرية الكلاسيكية في التحليل النفسي خصوصا مع فرويد أن الحب والجنس هما الشيء ذاته، وحسب فرويد فالحب ليس سوى جنس مكفوف الهدف، أو هو نوع من التطور المكبوح للحافز الجنسي. فيما ترى النظرية الحديثة في التحليل النفسي عكس ذلك، إذ تذهب إلى أن الحب والجنس متباينان في طابعهما ومنشئهما، فالجنس مرتبط بالجسد فيما يرتبط الحب بالروح والعاطفة/ الجانب الوجداني. يذكر بلزاك أن الحب توافق بين الحاجات الحيوية والمشاعر الوجدانية، فالحب قيمة إنسانية كلية وخبرة بشرية تتأسس عليها كل القيم الإنسانية النبيلة، ولتوضيح هذه العلاقة أكثر سنعرض بعض الفروقات حول الحب والجنس.

الجنس                                                                                  

-الإشباع الجسدي

-الجنس له معنى عام

-نداء الطبيعة

-مشترك بين البشر والحيوان

-الجنس أعمى لا يميز بين شخص وآخر

-الجنس درامي

-مرتبط بفترة التهييج

الحب

-السعي وراء السعادة

-الحب له معنى شخصي

-ضرورة الثقافة

-الحب يقتصر على البشر

-الحب موجه نحو شخص بعينه أو محدد

-الحب غنائي

-الحب متصل ومستمر

تثبت هذه الثنائيات/التقابلات الضدية مدى الاختلاف الواضح بين الحب والجنس، وهو ما تؤكده النظرية الحديثة في التحليل النفسي.

بحثا عن السعادة

في العصور القديمة والبدائية كان ينظر إلى المرأة باعتبارها أداة جنسية، وكان الاعتقاد الشائع آنذاك أن الإرضاء الجنسي له جانب واحد هو إشباع الحافز الجنسي وأن الجنس هو من فعل الرجل فقط، وللأسف ما زال هذا الاعتقاد شائعا حتى الأن في بعض الثقافات، فكانت المرأة كثيرا ما تتعرض للاغتصاب وممارسة الجنس رغما عنها، وكثيرة هي الحكايات والأساطير التي تروي لنا قصصا من هذا القبيل، وإزاء هذا الوضع اللاإنساني تلجأ المرأة في كثير من الحالات للدفاع عن نفسها بأسنانها فكانت تعض الرجل، وقد احتاجت البشرية وقتا طويلا للانتقال من الأسنان إلى الشفاه من العضة إلى القبلة.

تتأسس وتنهار كل علاقة بين الرجل والمرأة (العلاقة الزوجية) على ثلاث دوافع شديدة الاختلاف: الحب، دوافع الأنا، الإرضاء الجنسي.الحب إشكالية سيكولوجية، والعلاقة بين الرجل والمرأة –العلاقة الزوجية بالخصوص- هي علاقة سيكولوجية بالدرجة الأولى، إذن كيف يمكن تجاوز المشاكل الزوجية، أو كيف يمكن تحقيق السعادة؟.

كان في الرومان ثمة حجر نحت فيه قضيب على نحو غير متقن أحاطه صانعه بعبارة (هنا تقيم السعادة)، وهو اعتقاد لاشك خاطئ، إذ أن حل الكثير من المشاكل والسير نحو السعادة رهين بانسجام واتحاد الدوافع الثلاثة المذكورة، فالجنس مقيد إلى الجسد والحب مقيد إلى ما ندعوه الجانب الوجداني/الروحي، فالجنس يهدف إلى الإرضاء الجسدي ويهدف الحب إلى إثراء الشخصية وتضخيمها، أما دوافع الأنا فترمي إلى تحقيق الانتزاع والسيطرة.

يظن البعض أن المشاكل/ الانحراف في العلاقة هو زيغ لنزوات العدوان والهيمنة والانتزاع الموجهة نحو موضوع جنسي، وطابع الانحراف هو خليط من نسبة ضخمة من دوافع الأنا مع كمية زهيدة من الحافز الجنسي، فهل من مكان للحب والحنان في هذا الخليط؟، تثبت الخبرة التحليلية السيكولوجية أن هذا المزيج ممكن، إذ ليس من المستحيل أن يتوحد الحب مع دوافع الأنا والإرضاء الجنسي.

لكي يصبح الانسان محبا لا بد أن تتداخل منطلقات واضحة ومحددة في الحالة الانفعالية لهذا الشخص فتجعله مستعدا للغرام، فالوقوع في الحب يعني أسر صورة متخيلة، فالموضوع قد وجد قبل أن يظهر، أي كان حاضرا في الاستيهام قبل أن يتواجد في الواقع، إذ ليس ثمة حب من أول نظرة لأن كل شيء كان معدا من الناحية السيكولوجية، والوقوع في الحب يعني ملاقاة الصورة المتخيلة، ذلك النموذج أو ذاك الشخص الذي نريده أن يكون شريك حياتنا والذي رسمنا صورته في ذهننا قبل ملاقاته، وبمجرد أن يتم ذلك يحس المرء بانشراح الصدر وانفتاح الذهن، وأن الكثير من المصاعب قد بدأت تتلاشى بحضوره.

ذلك أن الكثير من متاعب ومشاكل الشخص (عدم الرضا عن العمل والعائلة والمحيط…) لا تكمن بالضرورة في الظروف الخارجية بقدر ما تكمن في عدم الرضا عن الذات، ما يعني أن الغرام ينمو على تربة عدم الرضا عن الذات، فالقلق، والفزع والاستياء الملحوظ قبل بزوغ الحب هي أعراض ثابتة في سيكولوجيا هذه الحالة، والحب هنا محاولة لإعادة توطيد تقدير المرء لذاته، والإحساس بقيمته لذاته وعند الأخرين، ما يبعث نوعا من الشعور بالراحة والاطمئنان والقبول من طرف الآخرين، والمرأة والرجل في هذا الأمر سواء.

فكون الإنسان محبا ومحبوبا فهذه بداية السعادة، ومن الواضح أن الإشباع المتأتي من هذين العاملين هو من طبيعة مختلفة، إذ أثبتت التجارب أن ثمة خاصية لحالة السعادة الناجمة عن شعور المرء بالحنان مغايرة لتلك الناجمة عن كونه موضوعا للعاطفة والحنان.

ففي أن تحِب إشباع لتوق شديد لرغبة في بذل الحنان والعاطفة، أما في أن تكون محبوبا فتحقيق لغاية أخرى لرغبة الفرد في أن يكون مطلوبا ومرغوبا، وإذا ما كان حبك للآخر ضربا من المأثرة، فإن حب الآخر لك هو المكافأة التي تنالها من أجل ذلك، فأن تحِب يعني التوق إلى شخص ما، أما أن تُحَب فيعني أن تروق لأحد ما وتلائمه. والإشباع الذي يحققه المرء من كونه موضوعا لحنان شخص آخر له طابع إرضاء الأنا فهو مرتبط بمشاعر الغرور المشبع، إنه ينفخ الأنا وينضاف إلى إحساس المرء بقيمته. وفي شعور الانتزاع والسلطة ثمة نزوعات مماثلة عند المرأة والرجل، ميول إلى الهيمنة والتملك اللطيفين متصلة بحبهما الشديد، فالرجل ينظر إلى شريكته باعتبارها الشخص الأعز لديه، وأحيانا ينظر إليها باعتبارها مِلْكه، وبالمقابل تنظر المرأة إلى شريكها على أنه لها، لكنها تتصور أحيانا أنها هي التي له.

في حالة الحب هاته لا تكون العلاقات الجنسية محض علاقات جنسية، فهي أيضا تعبيرات عن الحنان عن الشراكة الأشد حميمية، كما أن هناك إرضاءات لا جنسية في العلاقات الجنسية، فالجنس –لدى الرجل- في جوهره فرصة لإثبات رجولته وقوته هو فرصة للإحساس بالشرف والمجد، هو الميدان الذي يثبت فيه أنه الأقوى، وليس هو فرصة لإزالة توتر جنسي، ففي حالة الحب يكون هنالك إشباع شبه كامل، إشباع للعاطفة والحافز الجنسي ودوافع الأنا، والمرأة والرجل في هذا الأمر سواء.

وكثيرا ما يمكن أن يتحد الغرام/الحب مع الدوافع الجنسية والأنوية، وأن الشعور بالانسجام الصارخ دفع مئات العاشقين للتأكيد على أنهما ليسا شخصين اثنين وإنما شخص واحد، فقد صارا متحدين، وهذا الاتحاد يعمل على تلطيف المذاق اللاذع للهيمنة الوحشية، ويسبغ على الإشباع الجنسي نكهة غريبة، نوعا من المذاق العذب الذي يدوم، وهناك من يقدر هذا المزيج حق قدره، ولكن حتى هؤلاء يعترفون أنه نادر وأنه مشهِ أكثر مما هو مغذِ. فتحقيق السعادة لن يتم إلا بالإشباع الكامل عن طريق انصهار وانسجام واتحاد الدوافع الثلاث: الحب، دوافع الأنا، الإرضاء الجنسي.

 * باحث


عن الكاتب

صحفي

تاونات جريدة إلكترونية إخبارية شاملة مستقلة تهتم بالشأن المحلي بإقليم تاونات وبأخبار بنات وأبناء الأقليم في جميع المجالات داخل الوطن وخارجه.

عدد المقالات : 7248

اكتب تعليق

لابد من تسجيل الدخول لكتابة تعليق.

جميع الحقوق محفوظة لموقع تاونات.نت - استضافة مارومانيا

الصعود لأعلى