الانتحار …اختيار مرّ ومدمر للحياة …نزيف متواصل وأرقام تكشف هول الظاهرة بإقليم تاونات

مشهد لصورة تعبيرية عن ظاهرة الانتحار شنقا وليست واقعية

مشهد لصورة تعبيرية عن ظاهرة الانتحار شنقا وليست واقعية

اعداد:محمد العبادي-جريدة”تاونات نت”/يخطف الموت من بين أحضان عائلات فلذات أكباد  دون سابق إنذار، مراهقون ومراهقات وشباب وشابات وحتى من هرموا وأوشكوا على الموت، ارتموا في مخالب الانتحاردون استشارة أو إثارة شبهات، فغادروا نحو عالم غيرِ ذلك الذي لم يسعفهم في عيش هادئ رغيد، آملين ومعتقدين بالخلاص من عذابات الحياة.

قد يعتبره البعض اشكالا معقدا او هامشيا في مجتمعنا، لكنه في الحقيقة، أصبح بالنسبة للخبراء والمختصين هاجسًا مؤرقًا وبخاصة الاسر التي اكتوت بنار الظاهرة ولازالت.

واعتبارا لخطورة الظاهرة وحجمها باقليم تاونات، ومع حلول 10 شتنبر الذي يصادف اليوم العالمي للوقاية من الانتحار، ارتأت جريدة “تاونات نت” تخصيص ملف هذا العدد لظاهرة الانتحار.  

نزيف انتحار متواصل وأرقام تبرز هول الظاهرة باقليم تاونات

مشهد لحالة انتحار شنقا ( أرشيف)

مشهد لحالة انتحار شنقا ( أرشيف)

لازال نزيف الانتحارات متواصل بقرى ومراكز اقليم تاونات، الظاهرة تحصد معدلا سنويا مخيفا يبلغ حوالي 10 حالات سنويا، في العام الجاري والى حدود 20 غشت 2014 ، أقدم ما لا يقل عن سبعة أشخاص على وضع حد لحياتهم ضمنهم حالتي انتحار فاشلة، ويتعلق الأمر على سبيل الحصر بأربع حالات انتحار صيف هذه السنة باستعمال سم الفئران، اثنان منها بجماعة بوهودة تتعلق بشخص من ذوي الاحتياجات الخاصة وفتاة وحالة أخرى تتعلق بعون خدمة بجماعة بوعروس، ثم شاب آخر بجماعة ازريزر.

وبالعودة الى لغة الأرقام الرسمية التي تتوفر ” تاونات نت” على بيانات منها، فان ظاهرة الانتحار بإقليم تاونات يكون قد خلف منذ سنة 2001 إلى حدود 20 غشت المنصرم، ما لا يقل عن 148 شخصا لقوا حتفهم بفعل إقدامهم على الانتحار شنقا بواسطة حبل أو غيرها من أدوات الشنق وبشرب مبيد الفئران ووبإلقاء أنفسهم في بئر مائي أومن سطح وشرفة المنزل او من مستوى عال.

وتشير تلك البيانات الى أن 33 % من ضحايا الانتحار بالإقليم إناث، فيما تشكل وسيلة الشنق بحبل إلى جذع شجرة أو غيرها 87 % ، الا أنه يظهر أن ظاهرة الانتحار بدأت ترتفع باستعمال سم الفئران وبخاصة في أوساط الفتيات.

 وشهدت سنة 2005 ، هلاك 12 شخصا بفعل الانتحار، رصدت منها ثلاث حالات انتحار بدائرة غفساي وأربع حالات بدائرة تاونات ضمنها حالتي انتحار بمدينة تاونات وحالة انتحار واحدة بمنطقة قرية ابامحمد، وأن من بين تلك الحالات، سجل اقدام أربع إناث على الانتحار، وتبين أن ثماني حالات انتحار جرى تنفيذها عن طريق الشنق بحبل فيما جرى استعمال السلاح الأبيض في حالتين وتنفيذ حالتي انتحار نفسه بالاختناق.

أما سنة 2002 ، فكانت كارثية بكل المقاييس فقد سجلت أعلى مستويات الانتحار بالإقليم، إذ سجلت هلاك 35 شخصا بمعدل ثلاث حالات في الشهر الواحد، وتبين، أن 19 من الضحايا استعملوا الحبال لشنق أنفسهم إلى جذع شجرة أو عند غرفة النوم والإسطبل ومرآب المنزل، فيما سجلت في الإطار ذاته حالة شنق رصدت عالقة بقنطرة علوها 85 مترا على وادي “أسرا” كان شابا في عقده الثالث أقدم على وضع حد لحياته مباشرة بعدما قتل “حمار” أسرته، وسجلت المصالح ذاتها 14 حالة انتحار اختناقا بالماء وحالتي انتحار بالارتماء من سطح المنزل والطعن بالسكين.

وخلال سنة 2004 ، تم رصد ما لا يقل عن 23 حالة انتحار، و18 حالة مماثلة سنة 2001 ، وذكر البلاغ نفسه أن الفئة العمرية من 20 إلى 35 سنة سجلت لوحدها نسبة 61 % من مجموع حالات الانتحار،  متبوعة بالفئة العمرية من 15 إلى 20 سنة بما نسبته 33 % فيما شكلت الفئة العمرية من 40 سنة فأكثر النسبة المتبقية.

وسجلت المنطقة الجبلية التي تغطي دائرتي تاونات وغفساي، 66 % من مجموع حالات الانتحار بتراب الإقليم فيما سجلت دائرتي تيسة وقرية ابامحمد الأقل ارتفاعا، النسبة المتبقية بما مجموعه ست حالات انتحار من أصل 18 حالة كانت سجلت سنة 2001 بالدوائر الأربع لإقليم تاونات.

تقرير رسمي يكشف هول الظاهرة:  594 محاولة انتحار بالبوادي المغربية سنة 2013

 

إنتحار -أرشيف

إنتحار -أرشيف

أفادت إحصائيات صادرة عن مصالح الدرك، أن البوادي المغربية، شهدت سنة 2013 زهاء 594 محاولة انتحار، منها 416 حالة أفضت إلى الموت، بينما فشلت 178 محاولة لأسباب مختلفة عديدة، ما يعني أكثر من منتحر في اليوم بالقرى.
وأبرزت الإحصائيات الصادرة عن مصالح الدرك الملكي أنه خلال الخمس سنوات الأخيرة، بين 209 و2013، عرف العالم القروي بالمغرب حوالي 2894 حالة انتحار، موزعة بين المحاولات التي تمت، والمحاولات الفاشلة التي لم تكتمل.
ووفق المصدر ذاته، فإن الرجال هم الأكثر المنتحرين في المناطق القروية المغربية بنسبة تناهز 66 في المائة، والإناث بنسبة راوحت 21 في المائة، وأما القاصرون والقاصرات فبلغن نسبة انتحارهم 13 في المائة من مجموع المنتحرين بالبوادي.
ولفتت الإحصائيات عينها إلى أن الشنق يظل الوسيلة المفضلة للمنتحرين من سكان القرى المغربية، وذلك بنسبة ناهزت 85 في المائة، وتأتي المواد السامة في الرتبة الثانية بنسبة 8 في المائة، بينما السقوط من أمكنة شاهقة أو استعمال الأسلحة البيضاء فلم تتجاوز نسبة 4 في المائة.
وعزا الأخصائي النفسي والعصبي، الدكتور محسن بوشتاوي، ارتفاع نسبة الانتحار في النطاق الجغرافي الذي يهم القرى والبوادي بالمغرب، إلى طبيعة تلك المناطق التي تتسم بشظف العيش والهشاشة الاجتماعية وقلة الفرص المتاحة للشباب”.
وأكد بوشتاوي أن “الانتحار منشأه حالة اكتئاب نفسي حاد تفرض على الشخص التفكير في وضع نهاية لحياته”، معتبرا أن “الانفصام الذي يشعر به المصاب يجعله يميل إلى تنفيذ الانتحار، لكونه يعتقد أنه بذلك سيتخلص من مشاكله التي يراها بسوداوية مبالغ فيها”.
وأشار الأخصائي النفسي ذاته إلى أن القرى والبوادي كانت في السابق مرتعا للأمان النفسي الذي يحصن ضد الأمراض النفسية الحديثة، باعتبار أنها كانت مجالا للتكافل الأسري الذي يقل فيه الضغط النفسي على نفسية الشباب القروي”.
وتابع المتحدث بأنه في السنوات الأخيرة تغيرت القيم والأوضاع الاجتماعية بالبوادي، وصارت القرية أشبه بالمدينة من حيث الضغوط النفسية الملقاة على عاتق شبابها الذي باتوا يحتاجون إلى إثبات ذواتهم، فإن فشلوا تعرضوا لمشاكل نفسية عميقة تنتهي بعضها بوضع حد للحياة.

لظاهرة الانتحار أسباب ومسببات

الإكتئاب يؤدي إلى الإنتحار

الإكتئاب يؤدي إلى الإنتحار

 عزت سلطات تاونات في وقت سابق، أسباب ظاهرة الانتحار المسجلة في هذا الإطار إلى عوامل اجتماعية وحالات ناتجة عن اختلالات عقلية.

ويمكن التمييز في هذا الصدد، بين عدد من الأسباب الضمنية المعقدة التي تكون سببا في السلوكات الانتحارية، وبخاصة الفقر والبطالة وفقدان شخص عزيز والحمل غير الشرعي والخلافات والرسوب في الامتحانات والمشاكل المهنية أو مع العدالة والسوابق العائلية وكذا الإفراط في تناول الكحول والمخدرات والتجاوزات والعزلة الاجتماعية وبعض الاضطرابات العقلية كالضغط النفسي و(الشيزوفرينيا) التي تلعب دورا رئيسيا في حدوث حالات الانتحار، كما أن مرضا عضويا أو ألما غير متحملا يمكنهما أن يزيدا أيضا في احتمال الزيادة في نسبة الانتحار.

ولم يتسنى اعدا دراسة علمية أو أكاديمية حول هذه الظاهرة، إلا أن المشاكل الكبرى التي قد تشكّل ضغطاً على هؤلاء الأشخاص وعلى اختلاف فئات الاعمار والجنس يمكن أن تعود الى عوامل اجتماعية وثقافية ودينية، تحُول دون الإفصاح عن حالات الانتحار وكشف أسبابه، مما يعقد الأمر أكثر ويصعب على الباحثين العمل على تحديد ملابساته القبلية.

ومن منظور بسيكولوجي، فان الانتحار، يظل طابو، وذلك راجع للثـقل الديني والثقافي اللذان لا يسمحان به، ممّا يجعل الانتحار متنكرًا دائما في زيّ الحادث العرضي، والسبب الأساسي حسبه ” منع الثقافة والدين من تقديم التعازي في المنتحر والمشاركة في مراسيم جنازته، ولأن مأواه جهنم فالمنفذ لفعل الانتحار يظل مسكوت عنه”.

وعن مؤشرات المرض النفسي المزمنة، يرى مختصون، أنها، تعود للاضطرابات في السلوكيات العاطفية والحسية، أو الاضطراب في التحصيل الدراسي، أو مؤشرات الانطواء وعدم الاندماج في المحيط، بالإضافة إلى الإحساس بالنقص وبالهوية السلبية داخل الوسط الذي يحيط بالشخص المنتحر.

اجتماعيا: الانتحار وصمة عار

ويعتبر المختصون في علم النفس، أن ظاهرة الانتحار من بين الظواهر الصادمة في المجتمع لارتباطها القوي بمسألة الموت بطريقة غير شرعية، أي قتل نفس بغير حق حسب المنظور الديني، لذلك تبقى وصمة عار على جبين عائلة المنتحر التي تحاول قدر الإمكان إخفاءها والتستر عليها. ومن جهة أخرى تخاف تلك العائلات سماع اللوم و العتاب من طرف المحيط العائلي فيما يخص تقصيرها في مسألة تربية الأبناء والاعتناء بهم.

ويرى المختصون أنفسهم أن الاشتغال على التكوين النفسي والتربوي للمراهق أو للشخص المهيأ نفسانيا على محاولة الانتحار، هو من بين الآليات الأساسية التي ستمكن المجتمع من تفادي تفاقم الظاهرة، وذلك من خلال العمل على تطوير البرامج التعليمية و التلفزية والإذاعية والصحفية، خاصة الموجهة لجمهور عريض، وهو ما يمكن أن يسهم في الحد من الظاهرة.

وتستمر الظاهرة التي يعتبرها المجتمع وصمة عار، في اجتثاث أرواح أبرياء لم يدركوا عواقب فعلتهم. وفي انتظار تحديد المسببات وبلورة آليات الحماية الفعالة أو أساليب للحد منها، يأمل من اكتووا بنارها أن يتم التحرك من أجل مواجهتها.

وأكد خبراء في الصحة العقلية، أن”كل حالة وفاة بسبب الانتحار تخلف انعكاسات سلبية وهدامة على الجوانب العاطفية والاجتماعية والاقتصادية لعدد من العائلات والأصدقاء، وهذا معناه أن الأمر يتعلق بمشكل تراجيدي يخلف معه وفيات أكثر من ضحايا حروب الإبادة البشرية، ولهذا السبب فانه يتوجب توحيد وتقوية العمل لتفادي هذه الوفيات المجانية”.

في تقرير للمنظمة العالمية للصحة:

الانتحار: ظاهرة عالمية تفوق حروب الابادة

ظاهرة الإنتحار

ظاهرة الإنتحار

ويشير تقرير المنظمة العالمية للصحة، الذي كانت أصدرته على هامش اليوم العالمي للانتحار في 10 شتنبر الماضي، إلى أن ظاهرة الانتحار تمثل 1,4 بالمائة من الكلفة المرضية بالعالم، و 2,5 بالمائة من الخسائر الاقتصادية الناتجة عن الأمراض.

وقدرت المنظمة عدد محاولات الانتحار بأكثر من 10 إلى 20 مرة عدد الوفيات الناجمة عن الانتحار، وتؤدي هذه الحالات في الغالب إلى الانتقال للمستشفى والى حدوث مضاعفات جسدية وعقلية ونفسية خطيرة بالرغم من أن المنظمة لا تتوفر على معطيات دقيقة حول أبعاد الظاهرة.

ويظهر التقرير نفسه، أن معدلات الوفيات الناجمة عن الانتحار غالبا ما تنحو نحو الارتفاع مع التقدم في السن، غير أنه لوحظ أنه في السنين الأخيرة حدث تطورا خطيرا للسلوكات الانتحارية في أوساط الشباب واليافعين ما بين 15 و25 سنة.

ويؤكد تقرير المنظمة في هذا الإطار، “أن الوسائل الأكثر استعمالا في الانتحار عبر بقاع العالم جرى تحديدها في المبيدات السامة والأسلحة النارية والحبال وبعض الأدوية التي يمكن أن تصبح سامة عند الإفراط في تناولها”.

وذكر خبراء الصحة العقلية بحسب تقرير المنظمة، “أن تقدير النفس من خلال العلاقات الاجتماعية الجيدة والدعم الاجتماعي في إطار علاقة ثابتة والتزام ديني وعقدي كلها عوامل يمكن أن تساعد على التقليص من حالات الانتحار، وأن التشخيص المبكر والعلاج المناسب للأمراض العقلية يشكلان استراتيجية وقائية هامة، ويضيف التقرير أن تكوين أعوان الصحة الابتدائيين في تشخيص ومعالجة حالات الاكتئاب يمكن أن يسهم إلى حد كبير في التقليص من حالات حدوث الانتحار”.

واعتبر التقرير، أن التدخلات المؤسسة على العلاقات الاجتماعية وإمكانية اللجوء إلى مراكز المداومة ومتابعة مجموعة من البرامج التلفزيونية للاتصال المنتظم مع الأشخاص المسنين، مكنت من تسجيل نتائج مشجعة إلى جانب التدخلات على المستوى الفزيولوجي بمراكز الحماية ومن خلال الحملات الوقائية بالوسط المدرسي.

وأفاد التقرير، أن منظمة الصحة العالمية وبمساعدة خبراء دوليين، أنتجت مجموعة من المبادئ الرئيسية للوقاية من الانتحار على مستوى اثنا عشر لغة، كما أن الذين لهم دور نقدي وتوعوي يمكن من خلاله أن يساهموا في الوقاية من الانتحار وبخاصة أطر الصحة ورجال التعليم وموظفوا السجون ومهنيو الإعلام والناجون من محاولات الانتحار.

ويمكن أن تلعب وسائل الإعلام دورا أساسيا في هذا الاتجاه، للحد من الإقصاء والتمييز المرتبطين بالسلوكات الانتحارية والتوترات العقلية.

عن الكاتب

صحفي

تاونات جريدة إلكترونية إخبارية شاملة مستقلة تهتم بالشأن المحلي بإقليم تاونات وبأخبار بنات وأبناء الأقليم في جميع المجالات داخل الوطن وخارجه.

عدد المقالات : 7732

اكتب تعليق

لابد من تسجيل الدخول لكتابة تعليق.

جميع الحقوق محفوظة لموقع تاونات.نت - استضافة مارومانيا

الصعود لأعلى