تحقيق:” تاونات نت”التقت مزارعين ومدمنين ومهربين لتروي كيف انقلب فلاحو اجبالة من حفظة “للقرآن” إلى مزارعين “للكيف”

صورة للكيف بمنطقة غفساي

صورة للكيف بمنطقة غفساي

إعداد:محمد العبادي-جريدة”تاونات نت”/بعدما أعلنت الدولة حربا بلا هوادة على مزارعي القنب الهندي قبل 2011، مستعملة الجرار والمنجل والمبيدات كأدوات لاجتثاث وتدمير هذه النبتة ومحاربتها في الحقل قبل ان تلج ورشات التحويل والتصنيع وطرقات التهريب، خمدت هذه الحرب لتنتقل رحاها الى ساحة جديدة وهي الساحة السياسية التي أضحت تعج بالمواجهات والتجاذبات في قبة البرلمان والندوات واللقاءات والمنتديات التي عقدها كل من فريقي حزبي الجرار والميزان المدافعين عن تقنين الكيف من جهة وفريق حزب المصباح الرافض لمسألة التقنين من جهة ثانية.

جريدة “تاونات نت”الإلكترونية بعدما التقت مزارعين ومدمنين ومهربين، لتكشف خبايا تحول فلاحي اجبالة من حفظة للقرآن الى مزارعي للكيف، ارتأت في هذا الملف، الكشف عن التحولات الحاصلة في المجتمع المحلي لاجبالة تاونات مع تسرب زراعة الكيف من منحدرات كتامة منذ ثلاثة عقود وانتقال الحرب المعلنة على الكيف من حرب على المزارعين الى حرب سياسية مكشوفة بين ثلاثة احزاب حول مسألة تقنين الكيف من عدمه.

فلاحو اجبالة من  حفظة “للقرآن” إلى مزارعين “للكيف

أمام غياب بديل حقيقي انتشر الكيف في منطقة بني زروال

أمام غياب بديل حقيقي انتشر الكيف في منطقة بني زروال

  كانت منطقة اجبالة جنوب وغرب جبال الريف إلى عهد قريب، قبلة لتحفيظ القرآن الكريم، وكانت مساجد القبيلة  تضم أكثر من مائة من”المحاضْريَّة” يفدون عليها من مناطق الريف والحياينة واشراكَة وغيرها. كما أن أئمة مساجد فاس ومكناس وجبال الأطلس، هم من قبائل اجبالة وبالخصوص قبيلة بني زروال بإقليم تاونات. هذه الخصوصية سرعان ما تلاشت في العقد الأخير من القرن العشرين وأضحت ساكنة بني زروال وبني ورياكل وامتيوة وبني مزكلدة وبني مسارة وبني احمد وغيرها ترى في زراعة “الكيف” الأفق الأمثل والمورد الفعال الذي يمكن من خلاله التغلب على ضغوط الحياة القاسية، خصوصا أمام توالي سنوات الجفاف وصعوبة إيجاد العمل بالمدينة.

وقد شكلت هذه الزراعة اليوم مصدرا أساسيا للعيش لفئات عريضة من ساكنة هذه المناطق، ولم يعد لهم بديل سوى التشبت بهذا الرهان الذي سيعطي للمنطقة ديناميكية جديدة وقوة لتحريك دواليب اقتصادها المحلي…

عن هذه المفارقات التقى موقع “تاونات نت” مزارعين للكيف ومدمنين عليه ومروجيه وفقهاء، واستمع لآرائهم وفتاويهم ليكشف لأول مرة خفايا انقلاب ساكنة اجبالة من  حفظة “للقرآن” إلى مزارعين “للكيف” بإقليم تاونات الذي لم ينل- للأسف- نصيبه من التنمية كباقي الأقاليم(…).

دوار المشاع بجبل ودكة أول من زرع “الكيف” جنوب الريف

ففي ظرف لا يتجاوز خمس(5) سنوات، عرف انتشار هذه النبتة توسعا مجاليا سريعا، إلى حدود 1995 كانت زراعة “الكيف” تنتشر بجبل ودكة و يعتبر دوار المشاع بجماعة ودكة أول دوار بمنطقة غفساي يبادر إلى زراعة الكيف. وهو دوار قريب من كتامة ويلتقي سكانه في أسواقها الأسبوعية.

ثم انتشرت بجماعة الرتبة بالمجال المحاذي للشاون في كل من (المشاع، تَمْسنيت، تَزُكَّارت، أفوزار، سَرْغينة، العَدْوة، وإيسْلاَن…)، وهي الآن تمتد إلى كل جماعات بني زروال (ودكة، الرتبة، سيدي الحاج امحمد، البيبان، تبودة، تافرانت، سيدي يحيى بني زروال، سيدي المخفي، تيمزكانة، سيدي الحاج محمد) وقبيلة بني ورياكل ( جماعة بني كيسان) ثم امتدت الى جماعات قبيلة امتيوة ومرنيسة (خلالفة، الزريزر، بوهودة، فناسة، طهر السوق، فناسة باب الحيط، بني ونجل تافراوت). غير أنه إذا كانت نسبة الأسر التي تتعاطى لزراعة “الكيف” تتراوح بين 50 و85 % بالجماعات الأولى فهي تتراوح بين 20 و50 % بالجماعات الأخرى. وبشكل عام كلما ازدادت العزلة لتجمع سكاني معين نتيجة غياب الطرق المعبدة، تزايدت حظوظ إدماج القنب الهندي في الاستغلالية الزراعية  خصوصا على امتداد الأودية  والآبار والعيون والبحيرات.

مزارع للكيف:

الفلاح بين مطرقة “الفقر” ونار “الابتزاز”

منظر لسوق الشغل بايكاون ( الموقف) لمزارعي الكيف بكتامة

منظر لسوق الشغل بايكاون ( الموقف) لمزارعي الكيف بكتامة

فالامتداد السريع لزراعة “الكيف” لا يجد تفسيره فقط في تفشي الفقر وفي “خطورة ظروف العيش التي وصلت درجة غير مرضية” نتيجة تراجع مردودية الأرض وانسداد أفق الهجرة، وإنما كذلك نتيجة للأرباح المهمة التي يجنيها الفلاح عند آخر موسم فلاحي والتي أصبحت تسترعي انتباه المزارع والجندي المتقاعد والمهاجر المتقاعد والطالب المجاز العاطل. فإذا كان الهكتار الواحد من الحبوب يُدر على صاحبه حوالي 27.000 درهم (تسع ق/هكتار)، فإن هكتار “كيف” قد يدر عليه ما بين 25.000   و80.000 درهم: يقدر ثمن الكيلوغرام الواحد من “الكيف” الخام ما بين 400 و750 درهم حسب الجودة. وأما ثمن “الكيف” المحول فيتراوح بين 3000 و5000 درهم للكيلوغرام. وتحويل قنطار واحد من “الكيف” الخام يعطي كيلوغرامين من “الحشيش”.

غير أنه إذا ساهمت هذه النبتة في تحسين ظروف عيش السكان وفي إخراج الكثير منهم من دائرة الفقر، فإن تأثيراتها والتحولات الناتجة عنها ليست دائما إيجابية إن على المستوى المجالي أو الاجتماعي.

إذ أدى إدماج “الكيف”، خاصة في الجهة الشمالية لقبيلة بني زروال، إلى تراجع واضح لزراعة القمح، حيث أصبحت الاستغلالية تتوفر أساسا على منتوجين زراعيين هما “الكيف” والشعير. وأما  زراعة القطاني فلم تعد تقتصر سوى على المشارات القزمية المحيطة بالسكن والتي تدعى محليا ب”الدّْمْنة”.

 وتشير معطيات إحصائية أن المساحة المخصصة لزراعة الحبوب تراجعت ، بين الموسم الفلاحي 96-1997 و2000-2002،  بأكثر من 4000 هكتار سنويا. ويجد هذا التراجع تفسيره بالتوسع المجالي لزراعة “الكيف” .

وما يعكس الأهمية التي أصبحت تحظى بها هذه النبتة كون الفلاح أصبح يستغل، لهذا الغرض، الأراضي التي تعرف انحدارا قويا، كما هو الشأن بالنسبة للسفوح المشرفة على دواوير تِلْغْران (جماعة سيدي المخفي) والسنتية وأفوزار (جماعة ودكة)؛ بل إن الأراضي التي كانت تخضع للراحة والتي تسمى عند الفلاح الودكي ب”الجامَّة”، اختفت بشكل نهائي.

وقد واكب هذا التحول في نوع المزروع تحول آخر على مستوى البنية والنظام العقاريين. فقد  أدت عودة الاهتمام بالأرض من طرف الفئات الشابة، من جهة، إلى هجرة معاكسة للزرواليين المزاولين لمهنة الخياطة التقليدية أو مهن أخرى بالدار البيضاء وفاس والرباط والقنيطرة إلى أرياف غفساي. وأدت من جهة أخرى، إلى تزايد ارتفاع الضغط على الأرض. ومع أن 83 % من الاستغلاليات الزراعية تقل مساحتها عن 5 هكتارات فان ذلك أدى إلى تقزيم الاستغلاليات وجعلها مجهرية تقل مساحتها في عدة حالات عن 0.10 هكتار (خَدّام)؛ مع ارتفاع القيمة الكرائية للأرض من 500 درهم للهكتار عند بداية التسعينات إلى ما بين 3000 و 000 10 درهم حاليا.

 ويعتبر الكتاميون (نسبة إلى كتامة)الرواد الرئيسيون في عملية شراء الأراضي بمنطقة غفساي. هؤلاء قاموا بشراء حوالي 30 % من أراضي دوار السنتية المحاذية للغابة، وهي الأراضي التي تستغل لزراعة “الكيف” لا لغيره. وكذا الاستهلاك شبه النهائي لأراضي الجموع والأحباس التي أصبحت كغيرها تخصص لهذه الزراعة؛ علاوة على اكتساح زراعة “الكيف” لمجالات غابوية واسعة: ففي حالة مراقبة غابوية صارمة يتم الزحف على الغابة بشكل تدريجي ولا تظهر البقع المجتثة، إلا بعد مرور خمس سنوات وأكثر، كما هو الشأن بالنسبة للمجال الغابوي لدوار السقيفة وتازرن بجماعة تافرانت. وأما في الجهة الشمالية لبني زروال فإن عملية الاجتثاث غالبا ما تتم دفعة واحدة وبشكل جماعي. فعلى سبيل المثال، وصل عدد البقع المجتثة بالمجال الغابوي لدواري المشاع بجماعة ودكة وتَوْرْطة بجماعة سيدي المخفي إلى 40 بقعة يمكن تقدير مساحتها ب300 هكتار. كذلك قام سكان دوار لمشاع بفتح أراض زراعية جديدة على حساب الأراضي الغابوية المسماة ب”كَايو السفلي” التي كانت قبل 1995 تفصله عن دوار تاوْرْطة…

 و رغم الدعائر الناجمة عن المخالفات الغابوية (000 100 درهم لصاحب ملكية من 5 هكتار بدوار تاورطة بجماعة الخلافة) لا تزال عملية الاجتثاث مستمرة بمنطقة غفساي، حيث يتنافس السكان وبنوع من الإصرار على اجتثاث أكبر مساحة ممكنة رغبة منهم في أن يكونوا مالكين لأرض ارتبطوا بها منذ زمن بعيد، دون الاكتراث بالدعائر المفروضة عليهم: 3000 حالة بين 2000 و2002.

وأدى الاستيلاء على أراضي الجموع – إلى تملك حوالي 1600 هكتار بجماعة ودكة – بشكل نهائي وتوسيع زراعة القنب الهندي على حسابها أدى إلى تقلص أو اندثار الأراضي المخصصة للرعي الجماعي والتي تسمى ب”الشّهْدة”. وترتب عن كل ذلك عزل الماشية في الزرائب والإسطبلات أو ممارسة الرعي (المعز) الجائر داخل الغابة.

ويكون هذا النوع من الضغط على الغابة أكثر خطورة ببعض التجمعات المتميزة بامتلاكها لأعداد كبيرة من رؤوس الماشية خاصة المعز والغنم. فإذا كان عدد الأغنام والماعز يتراوح بين 30 و40 رأسا في دواوير تابودة وودكة، فإنه يصل في المتوسط إلى 115 رأس لكل أسرة بدوار تاينزة، كلها ترعى داخل الغابة.

مهرب: “نبتة الكيف وفرت فرص عمل عجزت الدولة عن خلقها”

طريقة تقليدية لقص الحشيش

طريقة تقليدية لقص الحشيش

و تمر عملية إعداد “الكيف” وتهيئه قبل أن يشتق منه “الحشيش” بثلاث مراحل: مرحلة حرث الاستغلالية (مرتين) ومرحلة التنقية عندما يتم اقتلاع أو اجتثاث الجنس الذكر من “الكيف” ثم مرحلة الحصاد. وتدوم كل مرحلة في المتوسط شهرا مقابل أجرة يومية تتراوح بين      50  و100 درهم بالنسبة للذكور ولا تتجاوز 30 درهما بالنسبة للنساء. وبشكل عام يتميز شهر مارس وأبريل ويونيو ويوليوز وغشت بارتفاع كثافة الاستغلال حيث يتطلب العمل خلالها 10 ساعات يوميا.

وتزداد حاجة المنطقة عند استخراج “الشيرا” أو ما يسمى محليا ب”النْفَض” إلى يد عاملة متخصصة تتراوح أجرتها بين 100 و150 درهما لليوم. وأما تحضيرها على شكل عجين أو “البْريسا” فيتطلب ما بين 200 و500 درهم كأجرة يومية.

وقد نتج عن تزايد فرص الشغل باستغلاليات “الكيف” ارتفاع قيمة أجرة اليد العاملة الفلاحية بشكل عام. حيث لم يعد يقبل العامل الفلاحي البسيط أقل من 70 درهما كأجرة يومية مقابل 30 درهما قبل ظهور استغلاليات “الكيف”. ولا يقتصر الأمر على أجرة العمل في هذه الأخيرة فحسب، وإنما في كل أنواع الاستغلال الفلاحي خاصة منه الحصاد و جني ومعالجة الزيتون سواء تعلق الأمر بالمناطق التي لا تزرع “الكيف” كما هو الشأن بالنسبة لمنطقة الحياينة واشراكَة أو المناطق التي تزرعه كما هو الحال بمنطقة بني زروال.

غير أنه إذا ساهمت هذه النبتة في الرفع من أجرة اليد العاملة الفلاحية، فإنها ساهمت في نفس الوقت في التقليل من قيمة الحرف التقليدية. ويشهد على ذلك التراجع الواضح بدواوير قبيلة بني زروال _دوار بوطحال مثلا_ لبعض الصناعات الحرفية خاصة منها “أشْباي” الذي يستعمل في ربط دابة الجر بالمحراث الخشبي و”البْسيطة” (نوع من الحصير) و”الشْواري” ولحرف أخرى من قبيل الحدادة.

ولا تزال ظاهرة المقايضة التجارية قائمة بين سكان بني زروال أو بين هؤلاء وسكان كتامة. وغالبا ما تتم مقايضة التين والبرقوق والزيتون بمواد غذائية أخرى خاصة منها الحبوب، أو مقايضة الملح بالقمح: قنطار ملح مقابل قنطار قمح.

 وتنتشر هذه الظاهرة بالخصوص بدوار عين باردة (جماعة البيبان) وأولاد بن جامع وتلغران وبني وناي (جماعة سيدي المخفي)  وأفوزار (جماعة ودكة). إلا أن التحول الذي طرأ على هذه العملية هو المتمثل في تراجعها النسبي خاصة بعد ظهور زراعة “الكيف” أو المتمثل في مقايضة بعض المنتوجات الفلاحية خاصة منها القمح والزيت ب”الكيف” بواسطة ما يطلق عليه بهذه الدواوير ب”الحْرايْفيّة”.  وهي المهنة التي أصبحت لا تقتصر فقط على هذا النوع من التبادل الزراعي وإنما على بيع “الكيف” بمدن بعيدة عن غفساي منها على سبيل المثال مراكش. ف”الحْرايفي” الذي يتوجه، مشيا إلى هذه المدينة، مرورا بالتجمعات السكانية الريفية فقط، يلزمه ليصل إليها، 40 يوما على الأقل.

حفظة القٍرآن

حفظة القٍرآن

وإذا كانت أشكال التآزر والتكافل الاجتماعيين ترتبط بالفقر وبترسُّخ وتأصل القيم الدينية عند المجتمع الجبْلي، فإن تدفق الأموال يهدد إلى حد كبير هذه الهـُوية. فالتآكل التدريجي لعلاقات التكافل التقليدية أو التحول الذي عرفته بعض أشكال التضامن لصالح أشكال تضامن أخرى بدأت تلوح في الأفق. فعلى سبيل المثال، أدى الانتشار السريع لزراعة “الكيف” وما يرافق ذلك من تدفق للأموال إلى التراجع الواضح لتلك الأشكال المرتبطة بالعمل الفلاحي (التويزة أو توازة) الذي أصبح أكثر من أي وقت مضى، عملا مأجورا. وبعبارة أخرى، لم يعد يعتمد الفلاح في جمع محصوله من “الكيف” على سواعد مجانية مقابل إطعامها أي مقابل ما كان يسمى محليا العمل ب”الخبزة” أو ب”البطن”، وإنما على اليد العاملة الأجيرة غير المحلية شرْكَية وحيَّانِيَّة بشكل خاص. وذلك حتى لا يتمكن  أحد من سكان الدوار من تقييم محصوله. وهذا يدل على أنه سيترتب عن هذه الزراعة مجتمع ينزع نحو الانفرادية وتصبح فيه العلاقات مادية أكثر فأكثر.

بعد محاربته بالجرار والمنجل والمبيدات

بعدما شنت الدولة حربا  واسعة على زراعة ومزارعي الكيف خارج النطاق التقليدي لهذه النبتة ” خلال العقد الأخير ( 2000 -2010 )، أدت تلك الحرب القاسية التي وظف فيها المنجل والمبيدات والجرار ومن بين ملاكي هذا الأخير من لم يتوصل بتعويضات استعمال جراره في تلك العمليات الى اليوم، فان عملياتها أدت إلى إتلاف كميات ضخمة من محصول ومخزون “الكيف” لدى المزارعين بقرى قبائل اجبالة في أقاليم تاونات ووزان والشاون وتطوان والعرائش، وهو ما ساهم في تراجع الإنتاج الوافد خارج نطاقه التقليدي وبخاصة من اجبالة تاونات ووزان التي كانت تغرق كتامة وتنافس جودة حشيشها خلال السنوات الماضية، مما ساهم في ارتفاع اسعار الكيف خلال العقد الاخير قبل ان تعود للانخفاض بعد سنة2011 الى اليوم وهو الأمر الذي خلق من جهة أزمة مالية وغذائية لدى الفلاحين المنتجين لهذه النبتة وتسبب ايضا في تراجع زراعته البورية وتركيزه على الاستغلاليات السقوية ودفع من جهة اخرى الى احتدام النقاش حول تقنين الكيف من عدمه بين الفاعلين الجمعويين قبل ان ينتقل الى الفاعلين الحزبيين، حيث تحول موضوع تقنين الكيف الى حرب مفتوحة بين حزبي الاصالة والمعاصرة والاستقلال من جهة باعتبارهما الطرف المؤيد للتقنين وحزب المصباح باعتباره الطرف الرافض للتقنين من جهة ثانية.

تقنين زراعة الكيف في المغرب… إلى أين؟

دوار المشاع

دوار المشاع وتبدو فيه زراعة الكيف

برزت سنة 2013 بشكل لم يسبق له مثيل – إشكالية الدفاع عن مصالح فئة مزارعي الكيف و أسرهم، و  كذا ضرورة التعامل الشفاف والعلني مع واقع الحال هذا الذي ظل التعامل معه بشكل غامض وغير  واضح حسب الظرفية والمزاج أحيانا كثيرة مما ساهم في تقوية لوبيات ومافيات وتكريس الفساد في  صفوف جملة من المسؤولين في أكثر من مجال.

 حاليا نعاين طرح الإشكالية خصوصا من جانب ما يرتبط بالاستعمالات الايجابية للنبتة الكيف،  والوضعية الاجتماعية والاقتصادية لمزارعيه وأسرهم، ومعاناتهم مع المتابعات القضائية وإملاءات جملة  من الفاسدين الذين ظلوا يعتبرون هذا المجال سبيلا للاغتناء السريع ومراكمة الثروة.

وقد  اهتم في السنتين الأخيرتين بهذه الإشكالية، سياسيون وجمعويون ومهنيون. فقد تم تنظيم لقاءات عديدة بهذا الخصوص  بين أطراف من هذه المكونات، وبرزت في هذا المضمار تحركات كل من حزب الأصالة والمعاصرة  والائتلاف المغربي من أجل الاستعمال الطبي و الصناعي للكيف، وبعض السياسيين من أمثال حميد  شباط المعروف بخرجاته غير المنتظرة ومواقفه الطارئة على حين غرة. كل هذه الأطراف كادت تجمع  على اعتماد استراتيجية توريط البرلمان بهذا الخصوص: صياغة سياسة ناجعة وعادلة في مجال تدبير  زراعة واستغلال نبتة الكيف. كما ظهر أكثر من مؤشر يفيد انخراط حزب العدالة والتنمية ضمن  الدينامية الرامية إلى إيجاد حل قانوني و واقعي لوضعيات مزارعي الكيف وأسرهم، وكذا دعم نواب  العدالة والتنمية للنقاش المفتوح بخصوص استثمار الكيف لأغراض طبية وصناعية.

 فقد سبق لحميد شباط أن دافع عن زراعة الكِيف في خطاب له بمدينة تطوان وتاونات وطالب بقوانين تشرّع  زراعة الكيف بالمغرب. كما اقترح أن ينظم مزارعو الكيف أنفسهم وينخرطوا في نقابة.

 في حين دعا الاتحادي، طارق القباج، إلى تقنين زراعة الكيف وإنشاء تعاونيات فلاحية تضم المزارعين  لهذه المادة وإدخال زراعة الحشيش ضمن خطة المخطط الأخضر لوزارة الفلاحة، فيما انتقد رئيس  الفريق الاستقلالي ، نور الدين مضيان، تعامل السلطات مع الفلاحين الذين يتعاطون لزراعة الكيف التي  تعيش منها مناطق بكاملها وقدر عدد المغاربة الذين يعيشون من هذه الزراعة بمليوني نسمة، مشيرا إلى  أن الأباطرة هم المستفيدون من هذه الزراعة فيما المزارعون يعانون، ودعا إلى تقنين الزراعة  واستعمال النبتة في المجال الطبي والصيدلي ومعاقبة من يستعملها في التخدير أو أن يتم منع هذه  الصناعة بشكل مطلق.

 ولعل أبرز موقف في هذا الصدد التصريح المنسوب لوزير التعليم العالي في حكومة حزب العدالة  والتنمية لحسن الداودي لما قال إن مادة القنب الهندي “الكيف” ثروة وطنية ينبغي استغلالها ، مضيفا أن  قيمة هذه المادة تظهر على مستوى الأدوية والبحث العلمي، وهو ما يتطلب القيام ببحث عميق في هذا  المجال ، مشيرا إلى وجود 4200 نوع من النباتات في المغرب لا يستغل منها إلا اقل من 200 نوع،  مؤكدا في نفس السياق أن جهة تاونات تبقى من بين المناطق المغربية الغنية بالنباتات الطبيعية، ولو تم  استغلالها لما كان هناك فقر بالمنطقة. إنها دعوة لإعادة النظر في طريقة التعامل مع ملف زراعة الكيف  ، دعوة تنضاف لدعوات أخرى من أكثر من مسؤول وبرلماني ، تشكل نداء لفتح باب الأمل أمام ساكنة  تربت بين أحضان طبيعة تنتج “ذهبا أخضر” وإن كانت استفادتهم منه تبقى محدودة إلى حد كبير، فهناك  مناطق تاريخية، لطالما شكل منتوجها قوة اقتصادية وازنة، فمنطقة كتامة التي تطور الفلاحون بها نتيجة  هذه الزراعة، بنيات اجتماعية مختلفة، ما يجعل من الصعب الحديث عن زراعات بديلة، أو منع زراعة  القنب الهندي، لتصبح الظاهرة بنيوية أكثر منها مؤسساتية.

 وظلت الحكومة تتعامل مع هذا النوع من المطالب باستخفاف واضح المعالم، إذ أثارت ضحك وزير  الداخلية أنذاك امحند العنصر (رئيس جهة فاس مكناس حاليا)والوزير المنتدب، الشرقي اضريس..

مقترح قانون لتقنين “القنب الهندي” يدخل البرلمان

تقنين الكيف في أمريكا اللاتينية

تقنين الكيف في أمريكا اللاتينية

في أوج النقاشات السياسية والجمعويّة الرائجة بخصوص “تقنين زراعة القنّب الهنديّ” أعدّ الناشط الحقوقيّ شكيب الخياري، عضو الائتلاف المغربي من أجل الاستعمال الطبي والصناعي للكيف، بدعم مجموعة من الشركاء، مقترح “نموذج مشروع قانون لتقنين زراعة واستغلال الكيف الطبي والصناعي”..

وتكمن الأهداف الأساسية من تقنين زراعة واستغلال الكيف حسب ديباجة مقترح القانون الذي عرض على البرلمان في:

–   محاربة الفقر و الهشاشة في صفوف مزارعي الكيف وأسرهم عبر توفير بديل اقتصادي شرعي، يبعد عنهم شبح المتابعات القضائية والارتهان للتنظيمات الإجرامية المتاجرة بالكيف و راتينجه.

–   توفير العلاجات طبية ضرورية لأمراض مستعصية.

–   محاربة الاتجار غير المشروع الكيف ومشتقاته من طرف التنظيمات الإجرامية التي ثبت تورطها كذلك في علاقات تجارية مع تجار الأسلحة والإرهاب.

وفي ذات السياق تم إعداد نموذج قانون لدعم دينامية النقاش العمومي المفتوح بالمغرب منذ 2008، والذي تمت صياغته بالاستفادة من عدد من التجارب والخبرات الدولية في المجال وعلى ضوء الخصوصيات المحلية، وهي الخطوة التي ترتكز على إيصال فكرة تقنين زراعة واستغلال الكيف بشكل أكثر وضوحا وتفصيلا ليس فقط لصناع القرار بالمغرب ولكن حتى لعموم المواطنين، ويتكون هذا النموذج من 109 مادة موزعة على سبعة أقسام، تمت صياغتها مع الأخذ بعين الاعتبار الإلتزامات الأممية للمغرب في مجال محاربة الاتجار غير المشروع بالمخدرات.

الكيف يشعل حربا بين “الجرار” و”الميزان” و”المصباح” 

بنكيران وشباط في صورة مركبة

بنكيران وشباط في صورة مركبة

اختار حزب العدالة و التنمية أسلوب تحذير الداعين لتقنين الكيف من خطورة الدعوات التي تصب في صالح الرفع من الطابع الجرمي في استهلاك الحشيش  بالمغرب ، و الحث على وجود حل للحد من مشكل زراعة الكيف الذي يهم بالدرجة الأولى  الفلاح المغربي .

هذا و أصدرت الأمانة العامة لحزب “المصباح” بلاغا عقب الندوة التي أقامها إلياس العماري ، يحث فيه على “الدعوة على نزع الطابع الجرمي من استهلاك المخدرات ، وعوض العقوبات السالبة يجب وضع تدابير علاجية وعدم تجريم الزراعة النظامية .

كما أكد الحزب على أن رفع التجريم عن زراعة مادة الكيف والاتجار فيها واستهلاكها حسب البلاغ ” سيؤدي حتما إلى مزيد من انتشارها وهو ما لن يعود بأي نفع على الساكنة بقدر ما سيزيد من التمكين لشبكات الاتجار المحلي والدولي في المخدرات ضدا على مصلحة المواطنين وسمعة المغرب والتزاماته الدولية ” .

وأضاف على أن الحزب يرفض رفضا قاطعا لما يصفه ب ” المقاربات المشبوهة التي تروم رفع التجريم عن زراعة الكيف و ترويجه و استهلاكه ، لما في ذالك من خطورة مؤكدة على صحة المواطنين وتماسكهم الاجتماعي ّ، و خلص البلاغ على أن ” المعالجة الحقيقية و الجادة لزراعة الكيف تتأسس على التنمية الاقتصادية والاجتماعية للمناطق المعنية بزراعة هذه المادة.

وفي أول رد له على النقاش والجدل الكبير الذي أثير حول ندوة طنجة الدولية حول الكيف والمخدرات، التي نظمتها جهة طنجة تطوان الحسيمة، قال إلياس العماري بأن “موقفه من مقاربة ملف المخدرات والكيف لم ولن يتغير”، مؤكدا على أن “الندوة التي نظمها المجلس الذي يترأسه ندوة علمية ومهمة” .

إلياس العماري

إلياس العماري

وأوضح المتحدث، على أن موضوع الكيف موضوع هام وإشكالي، خاصة وأنه يشكل مصدر عيش قبائل وآلاف العائلات في مناطق الريف، حيث حذر من « المزايدات السياسية » في مقاربته، لأنه ملف وطني واستراتيجي.

أما الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية بالغرفة الأولى فقد تقدم بمقترح يهم زراعة وتصنيع وتسويق نبتة “الكيف”؛ داعيا إلى “تثمينها لتصبح مادة أساسية في التنمية البشرية بالمناطق المعنية”، و”التحكم في الزراعة والتصنيع والتسويق عبر تحديد الشروط وضبط تقنين الكيف”.وسجل الفريق ذاته أن مقترحه سينظم استعمال “الكيف” في الأغراض العلاجية والطبية البشرية أو الحيوانية، وفي المواد الصيدلية والأبحاث العلمية، وكذلك في الأغراض الصناعية، مؤكدا أنه يضع ضوابط تمنع من تحويل “الكيف” إلى مواد تضر بصحة الإنسان، والحد من الاتجار غير المشروع فيها.

عن الكاتب

صحفي

تاونات جريدة إلكترونية إخبارية شاملة مستقلة تهتم بالشأن المحلي بإقليم تاونات وبأخبار بنات وأبناء الأقليم في جميع المجالات داخل الوطن وخارجه.

عدد المقالات : 7232

اكتب تعليق

لابد من تسجيل الدخول لكتابة تعليق.

جميع الحقوق محفوظة لموقع تاونات.نت - استضافة مارومانيا

الصعود لأعلى