موقف المقيم العام ليوطي من تدخل محمد بن عبد الكريم الخطابي في منطقة بني زروال بإقليم تاونات يناير 1924- أبريل 1925

المغفور له الملك محمد الخامس والأمير عبد الكريم الخطابي رحمهما الله

المغفور له الملك محمد الخامس والأمير عبد الكريم الخطابي رحمهما الله

محمد العزوزي°:”تاونات نت”-فاس/في إطار الحاجة الماسة لدراسة تاريخ المغرب، تسعى هذه الزاوية إلى تعريف قارئ جريدة “تاونات نت”الإلكترونية بجوانب من التاريخ المحلي للإقليم، وكذا تاريخ المغرب المعاصر، مركزة على برنامج عمل يشمل العناصر التالية:

–    نشر مقالات علمية تهتم بالتاريخ المحلي لإقليم تاونات

–  التعريف ببعض الإصدارات الجادة المهتمة بتاريخ المغرب المعاصر

–    إجراء لقاءات حوارية مع أساتذة باحثين حول تاريخ المنطقة أو بعض قضايا تاريخ المغرب المعاصر.

مقدمة:

شكلت قبيلة بني زروال المنتمية إلى إقليم تاونات، دورا محوريا خلال الفترة الاستعمارية.فقدكانت من المناطق التي شكلتالحد الفاصلبين مجال النفوذ الاسباني ونظيره الفرنسي،وبرز دور القبيلة بشكل واضح خلال الحرب الريفية الاسبانية (1921-1926)،خاصة بعد أن تمكن رجال المقاومة الريفية من دّحر الجيش الاسباني في عدّة معارك، ومد الزعيم الريفي محمد بن عبد الكريم الخطابي لنفوذه في اتجاه مناطق حوض ورغة، التي كان الاستعمار الفرنسي يعتبرها من المناطق الخاضعة لمجاله.وقد نجح بعد اخضاعه لقبائل شمال ورغة من استمالة مجموعة من عناصر قبيلة بني زروال، التي لعبت فيها الزاوية الدرقاوية دور كبيرا في خدمةالاستعمار الفرنسي.

ويعتبر هذا الموضوع ذا أهمية بالغة، نظرا للدور الذي لعبته قبائل حوض ورغة عامة ومنطقة بني زروال على وجه الخصوص، في مقاومة القوى الاستعمارية الفرنسية والاسبانية.

وسنحاول في هذا المقال تقريب القارئ الكريم، منموقف المقيم العام الفرنسي ليوطي (1912-1925) من تدخل محمد بن عبد الكريم الخطابيفي منطقة بني زروال،أو لنقُل تخوفه من المدّ الريفي نحو مناطق النفوذ الفرنسي، في أفق أن نخصص مقالات لاحقة، نسهّب فيها الحديث عن ردود الفعل العسكرية للقوات الفرنسية اتجاه المقاومة الريفية، وكذا الدور الذي لعبته الزاوية الدرقاوية في استمالة قبيلة بني زروال للجانب الفرنسي. وسنركز في هذا المقال على عنصرين هما: موقع قبيلة بني زروال وأهميته، ثم تسرب حركة الزعيم الريفي للقبيلة وموقف أو تخوف ليوطي منها.

منطقة بين زروال:موقعها وأهميتها في المشروع التوسعي الفرنسي

من المعلوم، أن قبيلة بني زروال تعتبر من بين أكبر قبائل تاونات،وتنقسم فروعها إلى خمسة فخذات هي: بني إبراهيم وبني مكة وبني ملول وبومعان وأولاد قاسم، ويحدّ القبيلة من الشرق ” قبيلة كتامة ومزيات، وغربا بنو مستارة وبنو مزجلدة وبنو ورياجل، وجنوبا قبائل سلاس وفشتالة والجاية، وشمالا بنو أحمد وغمارة”.[1]والقبيلة ذات أصول أمازيغية،[2] لكنها تعربت شأنها كباقي قبائل جبالة المستعربة.

وتحظى المنطقة بأهمية اقتصادية متميزة نظرا لكونها تملك ثروة مهمة من المحاصيل الفلاحية، وتخترق أراضيها مجموعة من الأودية التي تغذي وادي ورغة، الذي يعتبر الحد الطبيعي بينها وبين قبيلة فشتالة، كما تتميز القبيلة بغزارة عيونها الطبيعية التي من أشهرها عين تازغردة وغيرها.[3]

إذاً، كان من الطبيعي أن تستأثر قبيلة بني زروال بدورها باهتمام المستعمر، الذي حاول بمختلف الطرق الحفاظ على نفوذه داخل المنطقة،وبالإضافة إلى أهمية المنطقة اقتصاديا، فإن هناك عوامل جيو-سياسية جعلت السلطات الفرنسية تتشبث بالمنطقة أكثر، ويمكن أن نجمل هذه العوامل في العناصر التالية:

–       احتلال القبيلة لموقع وسط، بين نفوذ القوتين الاستعماريتين الفرنسية والاسبانية، خاصة إذا علمنا أن اتفاقية 27 نونبر 1912 بين فرنسا واسبانيا لم تحدّد الحدود فاصلة بين المنطقتين بشكل دقيق، وانما اعتبرت حوض ورغة الحدّ الفاصل بين القوتين، مما جعل منطقة بني زروال محطّ نزاع بين القوات الفرنسية والريفية.

–       احتضان المنطقة للزاوية الدرقاوية سهّل على السلطات الفرنسية التوغل في القبيلة، ومراقبتها للقبائل المجاورة لمنع أي تأثير للقبائل الريفية (الثائرة) على القبائل الخاضعة لنفوذ الفرنسي.

–       شكلت المنطقة قاعدة أساسية للأنشطة السياسية المزمع اطلاقها من طرف أجهزة الشؤون الأهلية لدى القبائل المجاورة في أفق تفكيك قوات الزعيم الريفي.[4]

فإذا كانت هذه المنطقة تحظى بهذا القدر الكبير من الأهمية بالنسية إلى السلطات الفرنسية، فما الموقف الذي عبّر عنه ليوطي من تسرب المقاومة الريفية بزعامة محمد بن عبد الكريم الخطابي إلى منطقة بني زروال خلال سنتي 1924 و أبريل 1925 ؟

موقف ليوطي من تدخل المقاومة الريفية بقبيلة بني زروال

أفرزت المقاومة الريفية واقعا سياسيا جديدا بمنطقة حوض ورغة، زاد من تعقيد المشكل الحدودي بين النفوذ الاسباني والفرنسي،كما خلق هاجس تخوف لدى السلطات الفرنسية،فبعد أن حقق الزعيم الريفي محمد بن عبد الكريم الخطابي انتصارات متتالية على الجيش الاسباني، بعد معركة أنوال 1921، تطلعت همته للتدخل في قبيلة بني زروال التي اعتبرها اليوطي “خزان الريف”، واعتبرت القوات الفرنسية هذا التدخل خطرا يمكن أن يشكل في المستقبل واقعا سيئا على الوجود الفرنسي في المنطقة السلطانية، فعملت على “تحصين المراكز الفرنسية في مقدمة الريف، وتعزيز حامياتها العسكرية من حوض ملوية السفلى شرقا إلى أعالي حوض ورغة غربا”،وعملت أيضا على اثارت النعارات القبلية ضد أنصار بن عبد الكريم،كما استعانت بالزاوية الدرقاوية للحدّ من نفوذ المقاومة الريفية بالمنطقة.[5]

فابتداء من الشهور الأولى لسنة 1924، توغلت القوات الفرنسية بأحد فروع قبيلة بني زروال وهي أولاد قاسم، وترتب عن هذا التدخل بروز تيار معارض للوجود الفرنسي ومساند لحركة المقاومة الريفية، وأضحى هذا التيار يشكل الأغلبية داخل المنطقة.[6]وفي 12 أبريل 1925 كبّد أيضا رجال المقاومة الريفية أنصار الاستعمار الفرنسي خسائر جسيمة، حيث شنت مقاومة بن عبد الكريم ثلاثة حملات عسكرية على منطقة بني زروال؛ توجهت الحملة الأولى التي قدر تعدادها ب”1500 بندقية” إلى أمجوط معقل الزاوية الدرقاوية بالمنطقة، والثانية وصلت إلى حدود زاوية بوبريج وقدّر عددها ب “600 بندقية”، وتمكنت الحملة الثالثة التي بلغ تعدادها “800 بندقية” من التوغل في تازوغارت، واعتبر ليوطي أن هجوم القوى الريفية كان قويا ومفاجأ.[7]

كان لهذه الحملات العسكرية الريفية على قبيلة بني زروال نتائج سيئة على الاستعمار الفرنسي،ففي رسالته إلى الحكومة الفرنسية المؤرخة في 15 أبريل 1925 أشار ليوطي إلى أن المقاومة الريفية استولت على أمجوط ونهبت و “أحرقت كل شيء، بما في ذلك القرى المجاورة”، كما غيرت الخريطة السياسية للمنطقة، حيث “تراجع حلفاؤنا (يقول ليوطي) من بني زروال إلى مراكزنا”  وأصيب شيخ قبيلة أولاد قاسم الذي كان يحارب لصالح الفرنسيين، بجروح خطيرة نقل على اثرها إلى مستشفى فاس، أما شيخ الزاوية الدرقاوية فلجأ إلى تافراوت الخاضعة للنفوذ الفرنسي.[8]

وفي تقرير مؤرخ في 17 أبريل 1925 رفعه ليوطي إلى بانلوفي رئيس الحكومة الفرنسية ووزير الحربية، أشار إلى أن قوات بن عبد الكريم أصبحت تسيطر على مجموع بلاد بني زروال التي تشكل جزءا من المنطقة الفرنسية، ويضيف ليوطي إلى أنه “سبق أن حذرنا  (محمد بن) عبد الكريم مرارا بأننا إذا كنا قررنا عدم مواجهته بالريف، وخارج منطقتنا، فإننا بالمقابل لا يمكن الاعتراف باستقراره داخل القبائل المرتبطة بمنطقتنا”، واعتبر المقيم العام الفرنسي أن هجوم بن عبد الكريم “عمل عدواني واضح، استهدف منطقة بني زروال بقوة قدرت ما بين 300 و400 ألف بندقية” وخلص في الأخير إلى أنه يجب مواجهة هذه الوضعية.[9]

ومن الملاحظ، أن هذاالوضع السياسي الجديد، الذي أحدثته المقاومة الريفية بمنطقة بني زروال خاصةوقبائل حوض ورغة عامة، خلق تخوفا كبيرا لدى السلطات الفرنسية، ففي 15 ماي 1925رفع ليوطي رسالة إلى باريس أشار فيها إلى أن القوات الفرنسية تواجه ” خصما منظما ومسلحا على الطريقة الأوربية، إضافة إلى الامتيازات التي يحظى بها بفعل تفوق وتجدد أعضائه وخصوصية عرقه وانسجامه مع منطقته وتدينه وقوة تحمله”.[10]

محمد العزوزي

محمد العزوزي

خاتمة:

انطلاقا مما سبق، يمكن أن نخلص إلى أن المؤهلات الاقتصادية والسياسة لقبيلة بني زروال جعلتها تحظى باهتمام متزايد من لدن السلطات الاستعمارية الفرنسية،كما أن تدخل المقاومة الريفية في المنطقة خلق للقوات الفرنسية هلعا من تغيير الخريطة السياسية لقبائل حوض ورغة عامة، بل أكثر من ذلك أفرز تخوفا من تأثير قوة حركة المقاومة على المناطق الخاضعة للنفوذ الفرنسي، مما جعل ليوطي يُبدي ارتباكا واضحا في تعامله مع هذه التطورات المفاجأة التي فجرتها المقاومة الريفية على الحدود الفاصل بين المنطقتين الفرنسية والاسبانية.

فكيف تعاملت السلطات الفرنسية مع حركة الزعيم الريفي محمد بن عبد الكريم الخطابي، وما علاقة الزاوية الدرقاوية ببني زروال بالاستعمار الفرنسي؟ كل هذه الأسئلة، سنحاول أن نسلط عليها الضوء في الحلقات القادمة ، حتى يتضح بشكل جيد الدور التاريخي الذي لعبته قبيلة بني زروال خلال الفترة الاستعمارية.

°طالب باحث في تاريخ المغرب المعاصر

ومهتم بالتاريخ المحلي لإقليم تاونات.

azzouzimohamed61@gmail.com

المراجع المعتمدة:



[1]-محمد البشير بن عبد الله الفاسي الفهري، قبيلة بني زروال مظاهر حياتها الثقافية والاجتماعية والاقتصادية، منشورات جمعية علوم الانسان، الرباط، د، ت، ص:8.

[2]- قاسم الحادك، جوانب من مواقف الزوايا الدرقاوية من الاحتلال الفرنسي 1881-1932، نشر المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، ط، 1، 2015، ص:183.

[3]- محمد  البشير بن عبد الله الفاسي الفهري، مرجع سابق، ص: 8.

[4]-محمد خرشيش، “الأهمية الاستراتيجية لمنطقة بني زروال إبان المقاومة الريفية 1921-1926” ضمنندوة:المقاومة المسلحة والحركة الوطنية بإقليم تاونات 1912-1956،نشر المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، 2002، ص:52.

[5]- المصطفى الريس، إضاءات حول الزوايا والطرقية زمن الحماية،منشورات الزمن، العدد، 74، 2016، ص: 19.

[6]- نفسه، ص:26.

–  ليوطي الافريقي، نصوص ورسائل حول الثورة الريفية 1924-1925،ترجمة عز الدين الخطابي، نشر تيفراز، مطبعة النجاح الجديدة، 2013، ص: 53.[7]

[8]- نفسه، ص:55.

[9]- نفسه، ص:56-57.

[10]- نفسه، ص:7.

عن الكاتب

صحفي

تاونات جريدة إلكترونية إخبارية شاملة مستقلة تهتم بالشأن المحلي بإقليم تاونات وبأخبار بنات وأبناء الأقليم في جميع المجالات داخل الوطن وخارجه.

عدد المقالات : 7235

جميع الحقوق محفوظة لموقع تاونات.نت - استضافة مارومانيا

الصعود لأعلى